حديث الصور بطوله
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده ": حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: حدثنا رسول الله ﷺ، وهو في طائفة من أصحابه، قال: «إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ». قال: قلت: يا رسول الله، ما الصور؟ قال:«قرن». قلت: كيف هو؟ قال: «عظيم، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع. فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص:15]. فتسير [ص:311] الجبال سير السحاب فتكون سرابا، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح، ألا وهو الذي يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)﴾ [النازعات: 6 - 9].
فتميد بالناس على وجهها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها، فترجع، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى: يوم التناد [غافر: 32]. فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين، من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها وقمرها».
قال رسول الله ﷺ: «الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك». قال أبو هريرة: يا رسول الله، من استثنى الله حين يقول: ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [النمل: 87] قال:«أولئك الشهداء، إنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى: ﴿[ص:312] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾ [الحج: 1، 2]».
فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات والأرض، إلا من شاء الله، فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى، فيقول: يا رب، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت. فيقول الله سبحانه له، وهو أعلم: من بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا. فيقول الله، عز وجل: ليمت جبريل وميكائيل. فينطق سبحانه العرش، فيقول: يا رب، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش: اسكت، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي. فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات جبريل وميكائيل. فيقول، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقي حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: فليمت حملة عرشي. فيموتون، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل، وإسرافيل من جملة حملة العرش، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار، عز وجل، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك. فيقول تبارك وتعالى، وهو أعلم بمن بقي: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي [ص:313] لا يموت، وبقيت أنا. فيقول الله تعالى: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت. فيموت، فإذا لم يبق إلا الله - قال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن الحسين، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة، ثنا إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب القرظي قال: بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت، يقال له: يا ملك الموت، مت موتا لا تحيا بعده أبدا. قال: فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا، ثم يموت، ثم يقول تعالى: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].
وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل، عن إبراهيم بن عيينة، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل، عن أبي هريرة، مرفوعا بهذا.
ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحو هذا الحديث، وفيه: «يا ملك، أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت، ثم لا تحيا أبدا». قال أبو موسى: لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة، [ص:314] ولم يقلها أكثر الرواة - قال: «فإذا مات ملك الموت، ولم يبق إلا الله الواحد، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم تلقفهما ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار. ثلاثا، ثم يهتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول لنفسه تعالى: لله الواحد القهار. ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تمطر، فتمطر أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث، أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما كانت قبل الموت، قال الله تعالى: لتحيا حملة عرشي. فيحيون، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيا جبريل وميكائيل. فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها، تتوهج أرواح المسلمين نورا، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة [ص:315] البعث، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها. فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر: 8]. حفاة عراة غلفا غرلا، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما، لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دما، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو يبلغ الأذقان، فتضجون وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا. فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيأتي، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم». قال رسول الله ﷺ:«حتى يأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجدا». قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: «قدام العرش، حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي فيرفعني، فيقول لي: يا محمد. فأقول: نعم، لبيك يا رب. فيقول: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم. فيقول ﷺ: شفعتك، أنا [ص:316] آتيكم فأقضي بينكم». قال رسول الله ﷺ: «فأرجع، فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم قلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت. ثم ينزل أهل السماء الثانية، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا، ومثل من فيها من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار، تبارك وتعالى، في ظلل من الغمام، والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسماوات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول تعالى: يا معشر الجن والإنس، إني قد أنصت [ص:317] لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا لي اليوم، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ثم يأمر الله سبحانه جهنم، فيخرج منها عنق ساطع مظلم، ثم يقول تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون [يس: 60 - 63]. أو: بها تكذبون. شك أبو عاصم. وامتازوا اليوم أيها المجرمون [يس: 59]. فيميز الله الناس، وتجثو الأمم، يقول الله تعالى: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [الجاثية: 28]. فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها: كوني ترابا. فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا [النبإ: 40]. ثم يقضي الله تعالى بين العباد، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه، تشخب أوداجه دما. فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: يا رب، قتلته لتكون العزة لك. فيقول الله تعالى: صدقت. فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من كان قتل على غير [ص:318] ذلك، فيأمر من قتل، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم: فيم قتلته؟ فيقول: يا رب، قتلته لتكون العزة لي. فيقول له: تعست. ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها، ولا مظلمة إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه.
ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء. فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم: ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله. فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم، فيتبع هذا اليهود، ويتبع هذا النصارى، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار، فهذا الذي يقول الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 99]. فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، ما كنا نعبد غيره. فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث عنهم ما شاء الله أن [ص:319] يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم، فيخرون له سجدا على وجوههم، ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم.
ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر - أو كعقد الشعر - وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، دونه جسر دحض مزلة، فيمرون كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوس على وجهه في جهنم.
فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا. فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله. فيؤتى [ص:320] نوح، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحبكم، ولكن عليكم بموسى. فيأتون موسى، فيذكر ذنبا، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم. فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه، فيقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد ﷺ».
قال رسول الله ﷺ: {{حديث|فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن، فأنطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيا، ويرحب لي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. فإذا رفعت رأسي قال الله، وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة. فيقول الله، عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة؛؛. فكان رسول الله ﷺ يقول: «والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم. فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة، سبعين مما ينشئ الله عز وجل، وثنتين آدميتين من بنات آدم، لهما فضل على من أنشأ الله، بعبادتهما الله في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مرآة، وكبدها [ص:321] له مرآة، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء، ما يفتر ذكره، ولا يشتكي قبلها، إلا أنه لا مني ولا منية. فبينما هو كذلك إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، إلا أن لك أزواجا غيرها. فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك».
قال:«وإذا وقع أهل النار في النار، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه، وحرم الله صورته على النار». قال رسول الله ﷺ:«فأقول: يا رب، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي. فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم. يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يأذن الله لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع. فيقول الله عز وجل: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول: أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار، ونصف دينار، وثلث دينار، وربع دينار، ثم يقول: وسدس دينار، ثم يقول: وقيراطا. ثم يقول: حبة من خردل. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه، رجاء أن يشفع له. ثم يقول الله، عز وجل: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين. فيدخل الله سبحانه يده في جهنم، فيخرج منها ما [ص:322] لا يحصيه غيره، كأنهم خشب محترق، فيبثهم الله على نهر يقال له: نهر الحيوان. فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فما يلي الشمس منها أخيضر، وما يلي الظل منها أصيفر، فينبتون نبات الطراثيث، حتى يكونوا أمثال الدر، مكتوب في رقابهم: الجهنميون، عتقاء الرحمن عز وجل. يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا خيرا قط، فيبقون في الجنة».
فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى. هذا حديث مشهور، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، و الطبراني في الطوالات وغيرها، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور "، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه. وفي [ص:323] بعض سياقاته نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء مفرد.
قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل، والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن شابور، وعبدة بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه فيه قتادة، يقول: عن محمد بن يزيد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ. وتارة يسقط الرجل.
وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.
ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي: وهذا أقرب، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة. وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة. ثم تكلم على غريبه.
[ص:324] قلت: ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا، وبالله المستعان.
فصل (النفخ في الصور)
فأما النفخات في الصور فثلاث; نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله. وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما بين النفختين أربعون». قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قال: «ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل». قال: «وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة». ورواه البخاري من حديث الأعمش.
وحديث عجب الذنب، وأنه لا يبلى، وأن الخلق يبدأ منه ومنه يركب يوم القيامة - ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن [ص:325] أبي هريرة. ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق. ورواه أحمد أيضا، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، ثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «كل ابن آدم يبلى، ويأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق، وفيه يركب». انفرد به أحمد، وهو على شرط مسلم. ورواه أحمد أيضا، من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة، مرفوعا بنحوه.
وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ قال: «يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه». قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: «مثل حبة خردل، منه تنبتون».
والمقصود هنا إنما هو ذكر النفختين، وأن بينهما أربعين; إما أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، وهاتان النفختان هما، والله أعلم، نفخة الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإنسان، وفيه يركب عند بعثه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهو الذي نريد ذكره في هذا المقام. وعلى كل تقدير فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق.
[ص:326] وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام، من ذلك زلزلة الأرض وارتجاجها، وميدانها بأهلها، وتكفيها يمينا وشمالا، قال الله تعالى: إذا زلزلت الأرض زلزالها [الزلزلة: 1]. وقال تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج: 1]. وقال تعالى: إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا الآيات كلها إلى قوله: هذا نزلهم يوم الدين [الواقعة: 1 - 56].
ولما كانت هذه النفخة - أعني نفخة الفزع - أول مبادئ القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقا على ذلك كله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها». وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع، وعبر عن نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.
وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومها تتناثر، ويخسف شمسها وقمرها. والظاهر، والله أعلم، أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق حين: [ص:327] تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار [إبراهيم: 48 - 50]. وقال تعالى: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت الآيات [الانشقاق: 1، 2]. وقال تعالى: فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر إلى قوله: ولو ألقى معاذيره [القيامة: 7 - 15].
وسيأتي تقرير هذا كله، وأنه إنما يكون بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها وأرجائها - فمناسب أنه بعد نفخة الفزع، وقبل الصعق، قال الله تعالى، إخبارا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم [غافر: 32، 33]. وقال تعالى: يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن: 33 - 36].
وقد تقدم الحديث في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله ﷺ قال: «إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات». فذكرهن، إلى أن قال: «وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر». وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان في سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها، وهي بقعة المحشر والمنشر.
=
ذكر أمر هذه النار، وحشرها الناس إلى أرض الشام
ثبت في الصحيحين من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين. واثنان على بعير، وثلاثة على بعير. وأربعة على بعير، وعشرة على بعير. وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا».
وروى أحمد، عن عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله ﷺ عن أول أشراط الساعة ; فقال: «نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب». الحديث بطوله، وهو في " الصحيح ".
وروى الإمام أحمد، عن حسن، وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف; صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم». قالوا: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: «إن [ص:329] الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك».
وقد رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده "، عن حماد بن سلمة، بنحو من هذا السياق.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن عز وجل، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف». وروى الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو، بنحوه.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " البعث والنشور ": أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا زيد بن [ص:330] الحباب، أخبرني الوليد بن جميع القرشي ( ح ).
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأ الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري: سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه، وتلا هذه الآية: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما [الإسراء: 97]. فقال أبو ذر: حدثني الصادق المصدوق ﷺ أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج، فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم. قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال: «يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب». لفظ الحاكم.
وهكذا رواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر للآية، وزاد في آخره: «فلا يقدر عليها».
وفي مسند الإمام أحمد من حديث بهز وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حيدة القشيري، عن رسول الله ﷺ أنه قال: [ص:331] " تحشرون ههنا - وأومأ بيده إلى نحو الشام - مشاة، وركبانا، وتجرون على وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه ". وقد رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه، وقال: حسن صحيح.
وقال أحمد: ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد الحميد بن جعفر، قال.: ثنا أبو جعفر محمد بن علي، عن رافع بن بشر السلمي، عن أبيه؟ أن رسول الله ﷺ قال: «يوشك أن تخرج نار من حبس سيل تسير سير بطيئة الإبل، تسير النهار وتقيم الليل، تغدو وتروح، يقال: غدت النار يا أيها الناس فاغدوا، قالت النار يا أيها الناس فقيلوا، راحت النار يا أيها الناس فروحوا. من أدركته أكلته». تفرد به. ورواه أبو نعيم في ترجمة بشر أبي رافع السلمي، وفيه. " تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ".
[ص:332] فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة; فقسم طاعمين كاسين راكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين: «اثنان على بعير، وثلاثة على بعير». إلى أن قال: «وعشرة على بعير». يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم. وكما جاء مفسرا في الحديث الآخر، " وتحشر بقيتهم النار ". وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم، تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته.
وهذا كله مما يدل على أن هذا إنما يكون في آخر الزمان آخر الدنيا، حيث يكون الأكل والشرب والركوب موجودا، والمشترى وغيره، وحيث تهلك المتخلفين منهم النار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث لم يبق موت، ولا ظهر يشترى، ولا أكل ولا شرب ولا لبس في العرصات.
والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصحح ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما ذهب إليه بقوله تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [مريم: 85، 86].
[ص:333] وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديث، وفيه أن منهم: «اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير»، وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر؟! هذا لا يلتئم مع هذا، والله أعلم، فإن نجائب المتقين من الجنة، يركبونها من العرصات إلى الجنات على غير هذه الصفة، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه.
فأما الحديث الآخر الوارد من طرق، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم: «إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا: كما بدأنا أول خلق نعيده [الأنبياء: 104]». فذلك حشر غير هذا، ذاك في يوم القيامة بعد نفخة البعث، يوم يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، أي غير مختتنين، وكذلك حشر الكافرين إلى جهنم وردا; أي عطاشا.
وقوله تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [الإسراء: 97]. فذلك إنما يحصل لهم حين يؤمر بهم إلى النار من مقام المحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر في حديث الصور: أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع من ذلك بسبب نفخة الفزع، وأن الذين استثنى الله تعالى إنما هم الشهداء، [ص:334] لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق.
وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال: أحدها هذا، كما جاء مصرحا به فيه، وقيل: بل هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت. وقيل: وحملة العرش. وقيل غير ذلك، فالله أعلم.
وقد ذكر في حديث الصور أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع، ونفخة الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق