بسم الله الرحمن الرحيم
مباحث في بعض مشاهد القيامة - دار بلنسية / د.خالد بن عبد الرحمن الشايع
المعلم الاول
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فإن من أعظم جوانب سيرة النبي r: جانب التعليم والتوجيه والإرشاد، فقد كان رسول الله r أحسن الناس تعليمًا، وأحسنهم توجيهاً وإرشادًا، وأحسنهم حوارًا وإقناعًا..
ملحوظة r=صلي الله عليه وسلم
وكيف لا يكون r=صلي الله عليه وسلم/ كذلك، والله سبحانه هو الذي علَّمه كما قال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: 113]، وهو الذي هداه وأرشده، كما قال: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]، وقال: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، وهو الذي رسم له طرق الدعوة وأساليبها: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وقد بيَّن القرآن الكريم أن التعليم هو مقصد أساسٌ من مقاصد بعثة النبي r، فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، والذي يميز تعليم النبي r عن غيره من المعلمين الذي لا يهتدون بالوحي هو ارتباط تعليمه بتزكية النفس وسموها في معالي الكمال، كما في هذه الآية وفي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].
وقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].
وقد لخَّص النبي r رسالته بأنها رسالة تعليمية مرتبطة باليسر ورفع الحرج عن الأمة، فقال: «إن الله لم يبعثني مُعنِّتاً ولا مُتعنِّتاً، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا» [رواه مسلم].
وجعل النبي r نفسه بمنزله الوالد في تعليم أبنائه ما يجهلون فقال عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم» [رواه أحمد وأبو داود و حسَّنه الألباني].
وتأتي لفظة الوالد لتلقي بظلالٍ من الرحمة والشفقة والمحبة الصادقة والحلم والأناة على العملية التعليمية. فمن أحرص من الوالد على تعليم أبنائه؟ ومن أرحم بهم وأشفق عليهم وأحلم بهم منه؟!
فهذا هو النبي المعلم الذي اجتمعت فيه كل صفات الكمال في المعلم الناجح من رأفة ورحمة وحرص على تعليم الناس وهدايتهم، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، مع ما آتاه الله من قوة حجة وروعة بيان، فقد أوتي r جوامع الكلم، واختُصر له الكلام اختصارًا.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان كلام رسول الله r كلامًا فصلًا يفهمه كلُّ من سمعه. [رواه أبو داود وحسَّنة الألباني].
وهذا من الإعجاز ودلائل نبوته r، فإن كثيرًا من الناس قد لا يفهمون كلام العلماء وأصحاب القلم في كتبهم وصحفهم، بينما إذا قرأوا أحاديث النبي r فهموها وأحسوا بقرب معانيها من قلوبهم مما لا يحتاجون معه إلى مزيد بيان وشرح، وهذا اليسر في القول والتعبير من صفات المعلم الناجح الذي لا يلجأ إلى الغريب الذي لا يعرفه كثير من الناس.
الرفق بالمتعلمين
وقد كان r رفيقًا بالمتعلمين لا يسبّ ولا يضرب ولا يوبّخ ولا ينهر؛ بل يحلم ويرحم ويصبر على تعليم الناس وإرشادهم، مع ما يقع منهم من شطط وانحراف.
ومن صور رفقة r بالمتعلمين:
1- ما ذكره معاوية بن الحكم السلمي t قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله r إذ عطس رجلٌ من القوم فقلت: (يرحمك الله) فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمِّياه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يُصمتونني، لكني سكتّ.
فلما صلَّى النبيُّ r، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فو الله ما كَهَرني([1])، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، التكبير، وقراءة القرآن» [رواه مسلم].
قال النووي: (فيه ما كان عليه رسول الله r من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته وشفقته عليه، وفيه التخلق بخلقه r في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه.
2- عن أنس بن مالك tقال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله r، إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله r: مَهْ مَهْ.
فقال رسول الله r: «دعوه، لا تزرموه([2])» فتركوه حتى بال !!
ثم إن رسول الله r دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عزَّ وجلَّ والصلاة وقراءة القرآن».
قال: فأمر رجلًا من القوم، فجاء بدلوٍ من ماءٍ فشنَّه عليه [متفق عليه].
3- وعن أبي هريرة t قال: جاء رجل إلى النبيِّ r قال: هلكت يا رسول الله!
قال: «وما أهلكك؟»
قال: وقعت على امرأتي في رمضان.
قال: «هل تجد ما تعتق رقبة؟».
قال: لا
قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟».
قال: لا
قال: «فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟».
قال: لا.
قال: ثم جلس، فأُتي النبيّ r بَعَرَقٍ([3]) فيه تمر، فقال: «تصدَّق بهذا».
قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منه. فضحك النبي r حتى بدت أنيابه ثم قال: «اذهب فأطعمه أهلك» [متفق عليه].
فهذا الرجل لما جاء معترفًا بخطئه، نادمًا على سوء فعله، باحثًا عن المخرج الشرعي لما وقع فيه من خطأ وزلل؛ يسّر عليه النبي r، ورفق به ولم يتعنت معه، فأخبره أن عليه كفارة، بدأ فيها بعتق رقبة، ثم صيام شهرين متتابعين، ثم إطعام ستين مسكينًا، فلما لم يجد عند الرجل قدرة على شيء من ذلك، أعطاه ما يتصدق به؛ بل إنه سمح له بأخذ هذه الصدقة، وأن يطعمها هو وأهله لمَّا رأى ما عليه الرجل من فاقةٍ وشدة وحاجة.
التوجيه غير المباشر
ومن حسن تعليمه r أنه كان يستخدم أسلوبًا غير مباشرٍ في تصحيح الأخطاء، دون أن يلجأ إلى مواجهة المخطئين بأخطائهم، أو يفضحهم أمام الملأ، أو يبحث عنهم إذا كانوا مستورين لا يعرفهم أحد.
ومن صور ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: صنع النبيّ r شيئًا فرخَّصَ فيه، فتنزَّه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي r، فخطب، فحمد الله ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فو الله إني لأعلمهم بالله، وأشدَّهم له خشية» [رواه البخاري].
إن ستر المخطئ وعدم فضحه أمام الملأ له أبلغ الأثر في نفسه؛ لأنه يعلم أن المقصد هو التعليم لا التشهير، ولأن المعلم بهذا الأسلوب يحفظ مكانة المخطئ، فيكون ذلك أجدر بقبول النصح وعدم معاودة الخطأ، مع ازدياد محبة المعلم وعلو مكانته في قلب المخطئ ونفسه.
التعليم بالقدوة
إن كثيرًا من المعلمين لا يتصورون أهمية القدوة في التعليم، فتراهم ينصحون الطلاب بأشياء يفعلون خلافها، وهذا كافٍ في سقوط مكانتهم أمام الطلاب، وعدم انتفاع الطلاب بنصائحهم؛ بل ربما ولّد ذلك ردود فعلٍ عكسية لدى الطلاب فزادوا من مساحة الأخطاء التي يرتكبونها بسبب هذا المعلم.
والله تعالى حذَّر من هذا السبيل فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
وقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
أما النبيّ r فقد كان القدوة الصالحة والأسوة الحسنة لأمته كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، ومن صور ذلك أنه r لمَّا أمر بمكارم الأخلاق كان أحسن الناس خلقًا، حتى شبهوا خلقه r بالقرآن فقالوا: كان خلقه القرآن، ووصفه ربُّه تعالى بمحاسن الأخلاق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
أما بعض المعلمين- هداهم الله- في هذا الزمان، فإنهم ينهون عن التدخين مثلًا ويتعاطونه، ينهون عن التدخين مثلًا ويتعاطونه، ينهون عن سماع الغناء ويستمتعون إليه، ينهون الطلاب عن إهمال دروسهم وواجباتهم وه يهملون واجبهم في التحضير الجيد والشرح المتقن، فلا ينتفع الطلاب بهم إلا قليلًا، وهؤلاء نقول لهم:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
كيما يصحُّ به وأنت سقيم
لا تَنْه عن خلقٍ وتأتي مثله
التعليم
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
التعليم بالحوار والإقناع العقلي
ومن صور ذلك أن فتًى شابًّا أتى النبيّ r فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا !!
فأقبل عليه القوم فزجروه... وقالوا: مَهْ مَهْ .. فقال النبي r:
«ادنه» فدنا منه قريبًا.
قال: «أتحبه لأمك؟».
قال: لا والله، جعلني الله فداءك.
قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم».
قال: «أفتحبّه لابنتك؟».
قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك.
قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم».
قال: «أفتحبه لأختك؟».
قال: لا والله، جعلني الله فداءك؟
قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم».
قال: «أفتحبه لعمتك؟».
قال: «لا والله، جعلني الله فداءك.
قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم».
قال: «أفتحبه لخالتك؟».
قال: لا والله، جعلني الله فداءك.
قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم».
قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» [رواه أحمد].
ولا شكَّ أن هذا الأسلوب الحواري أبلغ في التعليم وتوصيل المعلومة من التوجيه المباشر وبخاصة في مثل هذه الحالة التي تتعلق بفتى شاب قوي يشعر بشهوة عارمة تجاه النساء، فكان التعامل معه يحتاج إلى قدر من الصبر والتلطف والإقناع العقلي.
التعليم بالتكرار
لا شكَّ أن التكرار يؤدي إلى رسوخ المعلومة في أذهان المتعلمين، ومن هنا لجأ النبي r إلى هذا الأسلوب التعليمي الصحيح، قال أنس t: كان النبي r إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه. [رواه البخاري]، ومن ذلك أن النبي r قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا. قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين».
وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور» فما زال يكررها، حتى قلنا: ليته سكت.
فهذا التكرار أتى بالفائدة المرجوّة منه، فعلموا منه تشديد النبيّ r في شأن قول الزور، فأثر فيهم ذلك تأثيرًا بليغًا، وخافوا الزلل والوقوع فيما حذَّر منه النبي r حتى تمنوا أن لم يكن النبيّ r شدّد هذا التشديد.
التعليم بالدعوة إلى التفكير وإعمال العقل
إن المعلم الناجح هو الذي يطرح الأسئلة على طلابه، ويترك لهم المجال للتفكير وإعمال العقل للوصول إلى الإجابة الصحيحة، ولا يقدم لهم الإجابات السريعة على كلِّ ما يطرح من أسئلة؛ لأن ذلك يؤدي إلى خمول الطلاب وتكاسلهم عن التفكير وبذل الجهد الذهني وصولًا إلى المراد.
ومن صور ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «إن من الشجر شجرةٌ لا يسقط ورقُها، وإنها مثل المسلم، فحدّثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البوادي.
قال عبد الله: وقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله!
قال: «هي النخلة» [رواه البخاري]. فالنبيّ r ترك لهم المجال، ليجيب كلُّ بما رأى، فلما لم يصل واحد منهم إلى الجواب الصحيح طلبوا من النبي r أن يجيبهم فأجابهم.
قال الإمام العيني: (فيه استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه، ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر).
وقال ابن حجر: (وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن، ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة)([4]).
التعليم بالترهيب والشدة
وقد يلجأ المربي إلى الترهيب والشدة إذا وجد أن أسلوب الترغيب واللين لم يجد نفعًا، أو إذا كان الخطأ كبيرًا لا يمكن التهاون إزاءه.
ومن صور ذلك أن عمر بن الخطاب t جاء بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه فغضب النبيُّ r وقال: «أمتهوِّكون([5]) فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّة، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى r كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتبعني» [رواه أحمد وحسَّنه الألباني].
ومن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r رأى خاتمًا من ذهبٍ في يد رجلٍ، فنزعه فطرحه، وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نارٍ، فيجعلها في يده» فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله r: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا والله! لا آخذه أبدًا، وقد طرحه رسول الله r. [رواه مسلم].
وهنا نجد أن تشديد النبي r- الذي تمثل في نزع الخاتم من يد الرجل وطرحه- مقرون بالحرص على هذا الرجل ومحبة الخير والنجاه له، حيث إن النبي r شبه فعله بمن يضع جمرة نارٍ في يده، فكأن النبي r ينزع هذه الجمرة من يد الرجل ويطرحها عنه بعيدًا.
وهذا الترهيب والتشديد المقرون بالمحبة والحرص على سلامة المخطئ أو المنصوح يثمر مزيدًا من محبة المربي أو المعلم؛ لأن المخطئ يعلم أن المعلم إنما أراد بذلك مصلحته ونجاته وعدم وقوعه في الهلكة.
إن المعالم التربوية للأساليب النبوية في التربية والتعليم كثيرة جدًا، وما هذه الأسطر إلا قطرة في بحر منهاج النبي r في التربية والتعليم. فعلى المعلم الناجح أن يدرس سيرة النبي r، وسنته، وأن يستخرج منها الدلالات التربوية في التعليم والإرشاد، وأن يستعين على ذلك بالكتب النافعة المفيدة في هذا الجانب([6])، والله الموفق والمعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
([1]) كهرني: أي قهرني ونهرني.
([2]) لا تزرموه: أي لا تجعلوه يقطع بوله فيتضرر.
([3]) العرق: الزنبيل والقفة.
([4]) النبي معلمًا ص (121).
([5]) متهوكون: متحيرون.
([6]) ومن هذه الكتب: (تربية الأولاد في الإسلام) لعبد الله علوان. و (النبي معلمًا) للدكتور فضل إلهي ظهير. و(منهج التربية النبوية للطفل) لمحمد نور سويد. و(الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس) لمحمد بن صالح المنجد وغيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق