الثلاثاء، 16 أغسطس 2022

نزول عيسى بن مريم عليه السلام للشيخ محمد حسان

 


بسم اللـه الرحمن الرحيم

نزول عيسى بن مريم عليه السلام للشيخ محمد حسان

نزول عيسى بن مريم عليه السلام 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .

من يهده اللـه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله …

يَاأَيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . [ آل عمران - 102 ] .

يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا . [ النساء -1 ] .

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .        [ الأحزاب -70 ، 71 ] .

أما بعــد :

فإن أصدق الحديث كتاب اللـه ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .

أحبتى فى اللـه :

فى رحاب الدار الآخرة

هذا هو لقاءنا الخامس مع السلسة الكريمة ولا زلنا مع حديث حذيفة بن أسيد الغفارى :

اطلع علينا النبى ونحن نتذاكر فقال النبى : (( ما تذاكرون ؟ )) فقالوا : نذكر الساعة فقال: (( إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر ، الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم )) ( ) .

وها نحن الآن على موعد مع إحدى هذه العلامات الكبرى ألا وهى نزول عيسى عليه السلام .

أيها الحبيب الكريم : أعرنى قلبك وسمعك وعقلك فإن الموضوع من الأهمية بمكان .وحتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من بين أيدينا فسوف أركز الموضوع فى العناصر التالية :

أولاً     : عيسى بن مريم والميلاد المعجز .

ثانياً : بل رفعه اللـه إليه .

ثالثاً  : نزول عيسى من السماء إلى الأرض .

أسأل اللـه تعالى أن يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

 

أولاً : عيسى بن مريم والميلاد المعجز

 

أخى فى اللـه لن أجد لك بداية أرحب ولا أجمل أبدأ بها حديثى معك الآن أجل من هذه الكلمات الجميلة فى قوله تعالى :

إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35)فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36)فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ آل عمران : 35 -37 ]

وقبل أن نتجول سويا فى بستان هذه الكلمات الرقيقة الرقراقة أقول لك إنه لأول مرة فى تاريخ البشرية الطويل منذ أن خلق اللـه آدم من تراب ينسب نبياً لأُمِه .

مريم هى الأنثى الوحيدة فى الوجود كله التى اختصها اللـه من بين النساء قاطبةً ليودعها سره الأكبر فى أصفى حمل وأعجز ميلاد ، فمريم هى الفتاة العذراء النقية التقية التى اصطفاها اللـه جل فى علاه من بين نساء العالمين فنفخ فيها من روحه ومنحها هذه المكانة الرقيقة الرقراقة من بين أمهات الدنيا جمعاء .

فأمها حنة بنت فاقود وصلت إلى سن اليأس ، فتمنت على اللـه أن يرزقها الولد ، واللـه على كل شىء قدير فاستجاب اللـه دعاءها وابتهالها إليه، فتحرك الحمل فى أحشائها بقدرة من لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السموات بقدرة من يقول للشىء كن فيكون . فلما تحرك الحمل فى أحشائها أحبت أن تشكر اللـه على هذه النعمة فقالت :

رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم .

نَذَرَتْ ما فى بطنها لله جل وعلا " أى لخدمة بيت المقدس " ، جزاء على ما رزقها هذه النعمة . بعد ما وصلت لهذه السن .. وبعد مرور أشهر الحمل وضعت بنتا جميلة رقيقة طيبة ، فنظرت إليها بحزن وقالت رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ .

فقالت حنة : رباه إنى وضعتها أنثى وأنت أعلم منى بما وضعت أى أنت الذى رزقتنى وقدرت لى ذلك ، فليس الذكر كالأنثى فى القوة والجلد وخدمة الأقصى وإنى يا رب أعيذها بك من شر الشيطان وذريتها - وهو ولدها عيسى بن مريم فاستجاب اللـه لها .

قال رسول اللـه   : (( ما من مولود يولد ، إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان ، إلا ابن مريم وأمه )) ( ) .

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا أى إنه تقبل نذر أمها حنة وجعل شكلها مليحاً وأعطى لها منظراً بهيجاً ويسر لها أسباب القبـول وقرنهـا بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال : وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة ويقال أنها كانت سَنَةَ جَدْبٍ فكفلها زوج خالتها لكى تكون تحت رعاية خالتها وحنانها ولا منافاة بين القولين ، وقيل أنه زوج أختها وقد ذكر القرآن  لنا أيضا وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ

[ آل عمران : 44 ] .

أى ما كنت معهم يا محمد لتخبرهم عن معاينة ما جرى ، بل أطلعك اللـه عليه كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم لما اقترعوا فى شأن مريم أيهم يكفل هذه الطاهرة التقية الورعة ليكن له الأجر ، فحين خرجت بها حنة إلى بنى الكاهن بن هارون أخى موسى عليهما السلام . وقالت هى نذيرة ،  ولا يدخل المسجد حائض ، ولكنى نذرتها ، وأنا لا أردها إلى بيتى .

فقال زكريا : ادفعوها لى  فخالتها تحتى ، فقالوا بذلك تطيب أنفسنا لأنها ابنة أمامنا وقالوا نقترع وبالفعل اقترعوا ،فما هى القرعة ؟!

أن يرموا الأقلام التى كانوا يكتبون بها التوراة فى  نهر الأردن وقالوا أى قلم يثبت ولا يجرى مع التيار بل يعاكسه هو كافلها وبالفعل حدث ووقع ذلك على قلم واحد ،... ترى من صاحب هذا القلم ؟!

إنه زكريا عليه السلام ... وذلك لحكمة يعلمها اللـه ... ويعلمها لنا ألا وهى لتتعلم مريم وتقتبس من النبى الذكى زكريا عليه السلام العلم والفقه وكان إمامهم وكبيرهم وسيدهم وعالمهم ونبيهم حين ذاك.

قال تعالى :  كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا

تعجب زكريا من هذا الطهر والزهد والعفاف والتوحيد الذى وصلت به مريم البتول إلى مكانة عالية عند اللـه عز وجل فكلما دخل عليها وجد عندها رزقا  .

ثم قال لها زكريا عليه السلام : يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا أى من أين لك هذا الرزق ؟!

قالت البتول الطاهرة : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ أى ذلك لا دخل للمخلوق فيه بل هو من الخالق ، وهو يرزق من يريد بغير حدود تحده .

وهكذا أيها الأحبة الكرام

اصطفى اللـه مريم فى بستان الورع بين أزهار التقى والنقاء والعفاف والصلاح ، هذه هى الزهرة والنبتة الطيبة ، نشأت مريم فى هذا المكان وهذا الجو الإيمانى الطاهر العفيف فاصطفاها اللـه وبشرها بهذه البشارة التى انفردت بها دون نساء العالمين ويالها من بشارة يالها من خصوصية اختص اللـه بها الطاهرة ‍‍‍..

إيه يا مريم .... إيه بماذا اختصك ربك ؟!

يقول الملك : وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ(42)يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ      [ آل عمران : 42 - 43 ] .

يا لها من مكانة آثرك بها اللـه دون نساء الدنيا يا مريم !

فلم تتوان مريم عن عبادة الرب فظلت البتول ساجدة وراكعة حتى أراد اللـه عز وجل أن يمنحها تلك المكانة الرفيعة من بين أمهات الدنيا .

قال تعالى : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا(16)فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا(17)قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا(18)قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا(19)قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا(20)قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا [مريم:16-21] .

وفى يوم من الأيام خلت مريم لنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة ... وفجأه انحبس صوتها وشخص بصرها ،إنها مفاجأة مذهلة تأخذ بالعقول بل وتصدع الأفئدة ، بشر سوى فى خلوة العذراء البتول الطاهرة . وسرعان ما استغاثت برب الأرض والسموات ولجأت إليه بشدة  وقالت: أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا .

انظر إلى الفطنة والذكاء والورع ! لم تقل أعوذ بالجبار منك ولم تقل أعوذ بالغفار منك وإنما استجاشت الرحمة فى قلبه بذكر الرحمن فقالت أعوذ بالرحمن منك ، أى ارحم ضعفى . ارحم أنوثتى . ارحم خلوتى !!

ولكن قدر اللـه لها مفاجأة أعظم . أن أنطق هذا البشر السوى فى خلوة البتول الطاهرة ليقول لها : لا تخافى ولا تحزنى فأنا رسول ربك إليك لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا قالت : أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا لم أكنْ أبداً صاحبة فاحشة ، فهى لم تتصور مطلقا وسيلة للإنجاب غير وسيلة التقاء الرجل بالمرأة وهى لم تتزوج بعد ، ولم تفكر أيضا ألبته فى الرذيلة ، وهنا يأتى الرد القاطع الحاسم فيقول الملك والرسول الكريم قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا   .

فهنا يقول المولى وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ     [ الأنبياء : 91 ] .

فهنا حدث أمر غير مألوف ما اعتادت عليه الخليقة  فَنَفَخنَا فِيهَا مّن رُوحِنَا لتنجب عيسى عليه السلام ، أى نفخ الملك جبريل فى أعلى القميص بأمر من اللـه عز وجل وهذا ليبين للخلق طلاقة قدرة الخالق ، إنها قدرة لا تحدها حدود ، إن من يحاول أن يصل بعقله القاصر إلى حدود قدرة اللـه كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر وما هى بناقلته   إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ يس:82 ].

فلا تفكر بعقلك القاصر البتة لتصل إلى منتهى قدرة الملك .

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ      [ آل عمران : 59 ] .

فاللـه لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السموات ، فمن الذى خلق السماء بغير عمد ترونها ؟! .

من الذى خلق الأرض وشق فيها الأنهار والبحار وزينها بالأشجار ؟‍‍‍‍

من الذى خلق سنبلةَ القمح وغلفها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة ؟

وجعل فوق كل حبة شوكة ؟؟ ولما جعلها هكذا ؟!

لأن اللـه قدر أن تكون هذه الحبة قوتاً لك أيها الإنسان دون الطيور أو غير ذلك !!

من الذى خلق كوز الذرة ورصَّ على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء بهذا الجمال والإبداع ؟!!

ومن الذى خلق الإنسان بهذا والجمال والإبداع ؟!

هو اللـه .... !!! ...  هو اللـه ... !!! ... هو اللـه ... !!!

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(22)هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ

[ الحشر : 22-23 ] .

قل للطبيب تخطفتـه يــد الردى      ياشافـى الأمـراض مـن أرداك ؟

قل للمريض نجى وعوفى  بعد مـا     عجــزت فنون الطب من عافاك؟

قل للصحيح مات لا  من علـــة     من يـا صحيـح بالمنايـا دهاك ؟

بل سل الأعمى خطاً وسط الزحـام    بـلا صدام من ياأعمى يقود خطاك؟

بل سل البصير كان يحذر حفــرةً   فهوى بهـا مـن ذا  الذى أهواك ؟

وسل الجنين يعيـش معزولاً  بـلا    راع ولا مـرعى من ذا الذى يرعاك ؟

وســل  الوليد أجهش بالبكاء لدى   الولادة من الـــــذى  أبكاك ؟

وإذا ترى الثعبـان ينفـــث سمه    فسله من  يا ثعبان بالسموم حشاك ؟

واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا     وهذا الســم يملأ فـــــاك ؟

واسأل بطـون النحل كيف تقاطرت    شهداً وقـــل للشهد من حلاك  ؟

إنه اللـه .. إنه اللـه .

قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا .

انتهى الأمر وقدره اللـه عز وجل .

قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ .

هو الذى خلق الخلق .. خلق آدم يوم خلقه بلا أب أو أم !! وكذلك خلق عيسى من أم بلا أب !! ليكون للناس دليلا على طلاقة قدرة الخالق .

قال تعالى : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ

[ التحريم : 12] .

ولقد ظهر الحمل .. والراجح من أقوال المفسرين أن الحمل بعيسى كان حملا عاديا تسعة أشهر وأنه لا ريب أن اللـه جلا وعلا كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وتضعه فى لحظة واحدة ، ولكن أراد اللـه بها أن يختبر مدى صبرها ومدى تحملها على هذا الابتلاء العظيم التى لا تستطيع أن تقدر عليه إلا مريم ابنة عمران العذراء البتول ، فهذا من تمام الابتلاء .

وبدأت بوادر الحمل تظهر على الطاهرة المطهرة ، وهنا نظر يوسف النجار - ذلك الرجل الذى كان يخدم بيت المقدس - إلى بطن الطاهرة تعلو يوما بعد يوم ويتعجب ولكن كثيراً ما كان يدفع أى خالجة تمر بذهنه لعلمه بطهر البتول  ، ولكن ها هى جبلية البشرية قد غلبته ، وما استطاع أن يكتم هذه الحوالج عن لبه فقال لها : يا مريم إنى سائلك عن شىء ولكن لا تعجلى على ، فقالت الطاهرة العذراء : سل ما شئت يا يوسف وقل قولاً جميلاً .

فقال لها يوسف : هل ينبت زرع بلا بذر ؟! وهل ينبت شجر بلا غيث أو مطر ؟! وهل يكون ولد بغير أب ؟!!!

فقالت مريم : نعم يا يوسف هو كذلك .

قال : وكيف يكون ذلك يا مريم ؟!!

قالت: ألم تعلم أن اللـه أنبت الزرع يوم أنبته من غير بذر !!

وأنبت الشجر يوم خلقه بغير غيث أو مطر ، وخلق آدم يوم خلقه بغير أب أو أم !!

قال يوسف :  أعلم أن اللـه على كل شىء قدير! اللـه أكبر ..

قال اللـه تعالى : فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا(22)فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا(23)فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(24)وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا(26)فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(27)يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28)فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29)قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ýوَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32)وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَموتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّاُ .

[ مريم : 22 - 33 ] .

هكذا قال عيسى الذى ما زال فى المهد لا حول له ولا قوة له إلا باللـه أنا عبد اللـه ، وأعطانى الإنجيل وجعلنى نبياً ، وأمرنى بالصلاة ، والزكاة ما دامت بى حياة ، ومحسناً إلى العذراء أمى ، ولم يجعلنى من الجبارين فى الأرض ولا من الأشقياء .

ويكمل لنا القرآن قصة عيسى عليه السلام ويقول:

ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ(34)مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(35)وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ .

[ مريم : 34 - 36 ] .

تعالى اللـه عما قاله النصارى فالكمال صفة من صفاته ! أيحق له أن يتخذ ولداً ؟ !

ولِمَ يتخذ ولد وهو الغنى عن خلقه ولن تغنى الخليقة عنه ؟!!

فاللـه هو الغنى عن الولد والصاحب والزوج .

فيا عبـاد المسيـح لنـــا سؤال   نريد جــوابه ممن وعـــــاه

إذا مات الإلهُ بصنــــــــع    قــوم أماتوه فهل هـــذا إله ؟!

ويــا عجــب لقبـر ضم ربـاً     وأعجب منه بطن قـــد حــواه

أقام هناك تسعــاً مــن شـهور     لدى الظلمات مـ، حيــض غزاه

وشق الفرج مولــداً صغيـــراً    ضعيفــــاً فاتحاً للثـــدى فاه

ويأكل  ثــم يشرب ثم يأتـــى   بلازم ذاك فهـــل هــذا إله ؟!

تعالى اللـه عـن إفـك النصارى   سيســألوا   كلهم عمـــا افتراه

وصدق اللـه إذا يقول قل هو اللـه أحد يا من تشركون باللـه ... فاللـه لا ند له ..ولا كفء له .. ولا شبيه له .. ولا زوج له ... ولا ولد له ولا والد له لَيسَ كَمثْلِه شَىءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِير

[ الشورى : 11 ]

أحبتى فى اللـه : أرى أنه من الجمال أن أختم هذا العنصر بهذا الحوار المبارك الجميل الذى برىء به ربنا ساحة نبيه عيسى عليه السلام .

قال اللـه تعالى :

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116)مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

[ المائدة : 116 - 118 ] .

 

ثانياً : بل رفعه اللـه إليه

 

زعـم اليهـود عليهم لعائن اللـه المتتابعة أنهم قتلوا عيسى بن مريم وصلبوه ، وزعم النصارى بجهل وغباء أن عيسى صلب وقتل ودفن وخرج من قبره بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الرب أبيه ، وهو ينتظر إلى يوم الخلاص ليقضى بين الأحياء والأموات !!

كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا

فبين اللـه الحق وكذب اليهود والنصارى فقال سبحانه وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157)بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا

[ النساء : 157 - 159] .

قال أهل التفسير : أن اللـه عز وجل لما أراد أن يرفع نبيه عيسى إلى السماء بعد ما انطلق اليهود لقتله ألقى اللـه شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطى الخائن الذى أخذ اليهود ليدلهم على مكان عيسى فابتلاه اللـه فألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه وهذا قول .

والقول الآخر : ثبت عن ابن عباس بسند صحيح كما روى ابن أبى حاتم والنسائى بسند صححه الحافظ ابن كثير فى تفسيره لسورة النساء .

قال ابن عباس رضى اللـه عنهما  :

" لما أراد اللـه أن يرفع عيسى خرج إلى بيت فيه إثنى عشر رجلا من الحوارين فقال : نبى اللـه عيسى : إن منكم من سيكفر بى بعد أن آمن بى ، ثم قال لهم : أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهى ليقتل مكانى ليكون معى فى درجتى فى الجنة فقام شاب أحدثهم سناً ( أصغر الجالسين ) فقال له : أنا ، فقال : اجلس ، فجلس ، ثم أعاد عيسى القول مرة ثانية فقام نفس الشاب فقال له : اجلس فجلس ، ثم أعاد عيسى قوله للمرة الثالثة فقام نفس الشاب فقال عيسى هو أنت فألقى اللـه على هذا الشاب شبه عيسى ورفع اللـه عيسى إلى السماء " .

وجاء الطلب من اليهود أى الذين يطلبون عيسى لقتله فأخذوا هذا الشاب فقتلوه فصلبوه فكفر بعض أتباع عيسى ممن آمنوا به كما ذكر لهم قبل قليل  .

ثم ينزل اللـه عز وجل عيسى بعد ذلك لحكم عديدة خذوا منها :

أن اللـه تبارك وتعالى سينزل عيسى عليه السلام ليكذب اليهود الذين زعموا أنهم قتلوه ، وليكذب النصارى الذين جهلوا هذه الحقيقة ، وليبين للناس جميعا أن محمدا   وأن الموحدين معه من أمته أولى الناس بعيسى عليه السلام لأنه سيحكم العالم كله بكتاب اللـه وبشريعة محمد رسول اللـه .

سينزل عيسى ليموت فى الأرض فما قولك إذاً فى قول اللـه تعالى : إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [ آل عمران : 55 ] .

والجواب كما قال جمهور المفسرين :

أن الوفاة فى الآية معناها الوفاة الصغرى وهى النوم كما فى قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [ الأنعام : 60].

وكما فى قوله: اللَّـهُ يَتَوفَّىالأنْفسَ حِينَ مَوتِهَا [ الزمر : 42 ] .

أى فى منامها كما فى قول المصطفى  إذا استيقظ من منامه (( الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )) ( ) .

إنى متوفيك أى ألقى اللـه عليه سِنَةً من النوم ، وهذه هى الوفاة الصغرى باتفاق ثم رفعه اللـه عز وجل ثم ينزله اللـه تبارك وتعالى فى الوقت الذى يشاء

 

ثالثاً : نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء

 

بين اللـه جل وعلا أنه رفع عيسى إليه إلى يوم الوقت المعلوم الذى سينزل فيه إلى الأرض مرة أخرى ليكون علامة كبرى من العلامات الدالة على قيام الساعة فقال فى قرآنه : وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ(57)وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ(58)إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ(59)وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرض يَخْلُفُونَ(60)وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ .

[ الزخرف : 57-61 ] .

انتبه جيدا ففى قراءة ابن عباس ومجاهد وإنه لعلم للساعة أى نزول عيسى أمارة وعلامة على قيام الساعة .

بل وروى ابن جرير بسند صحيح أن ابن عباس رضى اللـه عنهما قال:  وَإِنَّهُ لَعلمُ لِلسَاعَةِ أى خروج عيسى عليه السلام ، فإن نزل فهذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة ، وقال اللـه تعالى فى الآية التى ذكرت آنفا وَإِنَّ مِّن أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ أى قبل موت عيسى عليه السلام .

وقد بينت السنة الصحيحة المتواترة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض من السماء .

ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى اللـه عليه وسلم قال : (( والـذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكمـاً مقسـطاً فيكسـر الصليـب ويقتل الـخنزيـر ويضع الـجزيـة ويفيـض المال  حتى لا يقبله أحد )) ( ) .

وانظر ماذا قال الحبيب فى الحديث الذى رواه أبو داود فى سننه بسند صحيح من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه قال رسول اللـه عليه وسلم : (( ليس نبى بينى وبين عيسى بن مريم وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، إنه رجل مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسمين ولا بالنحيف  مائل إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر ماء من غير بلل )) ( ) .

وفى رواية النواس بن سمعان فى صحيح مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة أنه صلى اللـه عليه وسلم قال :  (( ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين )) فى الرواية الأولى التى ذكرت آنفا بين ممصرتين - أى ثوبين مصبوغين بصفرة خفيفة يسيرة (( واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفع رأسه تنحدر منه جمان كحبات اللؤلؤ ، يتوجه نبى اللـه عيسى من دمشق إلى بيت المقدس وقد أقيمت الصلاة فإذا رأى الإمام الفطن الذكى اللبق نبى اللـه عيسى عرفه وتقهقر للخلف ليتقدم نبى اللـه عيسى فيقول له نبى اللـه : لك أقيمت فإن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللـه لهذه الأمة فيصلى نبى اللـه عيسى خلف إمام المسلمين فإذا انتهوا من الصلاة انطلق نبى اللـه عيسى إلى باب بيت المقدس وأمرهم أن يفتحوا الباب فإذا فتحوا الباب رأوا الدجال خلف الباب ومعه سبعون ألف من اليهود بالسيوف فإذا نظر الدجال إلى نبى اللـه عيسى ذاب كما يذوب الملح فى الماء فيريد الدجال أن يهرب فيتبعه نبى اللـه عيسى ويدركه عند باب لد مدينة معروفة الآن بفلسطين فيقتله ، ويريح الناس من شره )) .

قال المصطفى قولاً عجيباً كما فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وصحح السند الحافظ ابن حجر من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه وفيه أن رسول اللـه قال : (( فيهلك فى زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك اللـه المسيح الدجال ، وتنزل الأمنة فى الأرض حتى ترعى الأسود مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم )) ( ) .

استحلفك باللـه أن تنظر لبداية الحديث يقول الرسول تهلك كل الملل إلا الإسلام ....

سبحان اللـه ..!! واللـه أكبر !!

أبشر أيها الموحد .. أبشر يا من تحب " لا إله إلا اللـه " .

نعم واللـه ستهلـك كـل الأديـان إلا الإسـلام إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الإسْلام [ آل عمران : 19 ] .

وانظر مرة أخرى ومحص النظر .

ترعى الأسود مع الإبل ...!! والنمار مع البقر .

والذئاب مع الغنم ...!!

وفى رواية أبى أمامة وسندها صحيح قال المصطفى : (( فيكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها ويمر الوليد على الأسد فلا يضره وتمر الوليدة على الحية فلا تضرها ، رفع الظلم واستقر الأمن والأمان والرخاء وزادت البركة حتى تنزل الأمنة فى الأرض )) .

بل فى رواية النواس بن سمعان قال : (( فيقال للأرض أنبتى ثمرتك وردى بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فى الرسل " اللبن " حتى أن اللقحة ( الوليدة التى وضعت ولدها) من الإبل لتكفى الفئام من الناس " الجماعة " واللقحة من البقر لتكفى القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفى الفَخِذَ من الناس  .... )) ( ) سبحان اللـه..!!

وهكذا تعيش الأرض حالة لا نسيج لها فى التاريخ كله ، حتى قال المصطفى فى الحديث الذى رواه الديلمى والضياء المقدسى وصححه فى الصحيحة الألبانى من حديث أبى هريرة أن الحبيب النبى قال : (( طوبى لعيش بعد المسيح ، طوبى لعيش بعد المسيح ، يؤذن  للسماء فى القطر ويؤذن للأرض فى النبات حتى إذا بذرت حبك على الصفا لنبت ولا تشاحن ولا تحاسد ، ولا تباغض ، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره ويطأ على الحية فلا تضره ، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض )) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق