الثلاثاء، 23 أغسطس 2022

اسماء الله الحسني

 

اسماء الله الحسني 

03- الملك : أصل الملك في اللغة الربط والشد ، قال ابن فارس : ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة ، ومنه قولهم : ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه ) ، والملك هو النافذ الأمر في ملكه ، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه ، فالملك أعم من المالك، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له ، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال : ((وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً )) [الكهف:79] ، فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود ، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق ، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق ، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك . فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته ، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله ، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته ، قال تعالى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ )) [سبأ:22/23]1


00- الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُِّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ
01- الرَّحْمَن : الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم ، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف ، والرحمة تستدعي مرحوما فهي من صفات الأفعال . والرحمن اسم يختص بالله ولا يجوز إطلاقه في حق غيره ، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة حيث خلق عباده ورزقهم ، وهداهم سبلهم ، وأمهلهم فيما خولهم ، واسترعاهم في أرضه ، واستأمنهم في ملكه ، واستخلفهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ، ومن ثم فإن رحمت الله في الدنيا وسعتهم جميعا فشملت المؤمنين والكافرين ، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل ، وتثير مكنون الفطرة وتبعث على صالح العمل ، وتدفع أبواب الخوف واليأس ، وتشعر الشخص بالأمن والأمان. والله عز وجل سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءا يسيرا من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون ، وبه ترفع الدابة حافرها عن ولدها رحمة وخشية أن تصيبه ، روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

......
02- الرَّحْيم : الرحيم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعلٍ كسَمِيعٌ بمعنى سامِع وقديرٌ بمعنى قادر ، والرحيم دل على صفة الرحمة الخاصة التي ينالها المؤمنون ، فالرَّحْمَنُ الرحيم بنيت صفة الرحمة الأُولى على فعلان لأَن معناه الكثرة ، فرحمته وسِعَتْ كل شيء وهو أَرْحَمُ الراحمين ، وأَما الرَّحِيمُ فإِنما ذكر بعد الرَّحْمن لأن الرَّحْمن مقصور على الله عز وجل ، والرحيم قد يكون لغيره ، فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لاختصاص المؤمنين بها كما في قوله : (( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما ً)) [الأحزاب:43] ، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( هما اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر ) . والرحمة الخاصة التي دل عليها اسمه الرحيم شملت عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة فقد هداهم إلى توحيده وعبوديته ، وهو الذي أكرهم في الآخرة بجنته ، ومنَّ عليهم في النعيم برؤيته، ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين فقط ؛ بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم كما قال تعالى في نبأ الخضر والجدار : (( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ )) [الكهف:82] ، فالإيمان بالله والعمل في طاعته وتقواه من أهم أسباب الرحمة الخاصة ، قال تعالى : ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) [آل عمران:132] ، وقال : (( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون )) [الأنعام:155].

....
03- الملك : أصل الملك في اللغة الربط والشد ، قال ابن فارس : ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة ، ومنه قولهم : ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه ) ، والملك هو النافذ الأمر في ملكه ، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه ، فالملك أعم من المالك، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له ، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال : ((وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً )) [الكهف:79] ، فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود ، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق ، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق ، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك . فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته ، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله ، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته ، قال تعالى : (( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ )) [سبأ:22/23]

......
04- القدوس : التقديس في اللغة التطهير ، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد عند البزار من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن رب العزة : (من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس) ، وكذلك سمى جبريل عليه السلام روح القدس قال تعالى : (( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ )) [النحل:102] . والقداسة تعني الطهر والبركة ، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره ، وطهر نفسه بتوحيده وعبادته ، ومحبته وطاعته , ومن ذلك قول الملائكة : (( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ )) [البقرة:30] ، فالقدوس لغة يعني المطهر المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال ( ) . والقدوس سبحانه هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا تضرب له الأمثال ، فهو المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، والتقديس الذي هو خلاصة التوحيد الحق إفراد اللَّه سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وأصافهم وأفعالهم ، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) [الشورى:11]

........
05- السلام : السلام في اللغة مصدر استعمل اسما للموصوف بالسلامة ، فعله سلم يسلم سلاما وسلامة ، والسلامة الأمن والأمان والحصانة والاطمئنان ، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة ، والخلاص من كل مكروه وعيب، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة ، وقيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الهموم والآفات ، باقية بنعيمها وأهلها في أمان ما دامت السماوات والأرض ، قال تعالى : (( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام:127] ، ومن السلامة أيضا التحية الخالصة من سوء الطوية وخبث النية ، فسميت التحية في الإسلام سلاما ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( خَلَقَ الله آدَمَ وَطولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، ثمَّ قال اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ ، فقال السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا : السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ )

........
06- المؤمن : المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان ، وأصله أمن يأمن أمنا ، والأمن ما يقابل الخوف ، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما ، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا ، فمن الأول قول إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم : (( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ )) [يوسف:17] ، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه في وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ لهم : ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ ؟ قَالُوا : الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) ( ) ، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها الاسم ويشملها لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال : القول الأول : أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه ، وأمَّن من آمن به من عذابه ، فكل سينال ما يستحق القول الثاني : أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم ، بمعنى يؤمنه من الظلم وينصره القول الثالث : أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، لأنه الواحد الذي وحد نفسه القول الرابع : أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم

..........
07- المهيمن : المهيمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالهيمنة ، فعله هيمن يهيمن هيمنة ، والهيمنة على الشيء السيطرة عليه وحفظه والتمكن منه كما يهيمن الطائر على فراخه ويرفرف بجناحيه فوقهم لحمايتهم وتأمينهم ، ويقال : المهيمن أصله المؤمن من آمن يعني أمَّن غيره من الخوف . والله عز وجل هو المهيمن على عباده فهو فوقهم بذاته له علو القهر والشأن ، ملك على عرشه لا يخفى عليه شيء في مملكته ، يعلم جميع أحوالهم ولا يعزب عنه شيء من أعمالهم هو القاهر فوقهم ، وإن تركهم أو ترك بعضهم مع ظلمهم وكفرهم فذلك لحكمته فيما هم فيه مبتلون ، ولما قضى وقدر ميسرون كما قال تعالى : (( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ )) [إبراهيم:42] ، فهو محيط بالعالمين مهيمن بقدرته على الخلائق أجمعين ، وهو سبحانه على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير وكل أمر عليه يسير ، لا يعجزه شيء ولا يفتقر إلى شيء : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) [الشورى:11] . فجماع معنى المهيمن أنه المحيط بغيره الذي لا يخرج عن قدرته مقدور ولا ينفك عن حكمه مفطور ، له الفضل على جميع الخلائق في سائر الأمور

...........
08- العزيز : العزيز في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله عز يعز عزا وعزة ، أما المعنى اللغوي فيأتي على معان ، منها العزيز بمعنى الغالب ، والعزة بمعنى الغلبة ، ومنه ما ورد في قوله تعالى : (( فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ َ)) [صّ:23] ، أي غلبني في محاورة الكلام ، ومنها العزيز بمعنى الجليل الشريف الرفيع الشأن ومنه قوله تعالى عن المنافقين : (( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ َ)) [المنافقون:8] ، أي ليخرجن الجليل الشريف منها الذليل ، ومنها العزيز بمعنى القوي القاهر الشديد الصلب وعَزَّزْت القوم قَوَّيْتُهم وشَدَّدْتُهم ومنه ما ورد في قوله تعالى : (( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ َ)) [يس:14] ، أَي قَوَّينا وشَدَّدنا ، ومنها العزيز بمعنى المنقطع النظير أو الشيء القليل النادر الوجود وقال تعالى : (( قلْ هُوَ اللَّه أَحَدٌ )) ، وقال مبينا معنى الانفراد والأحدية : (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )) ، أي أن الأحد هو العزيز المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق في قانون أو قياس لأنه المتصف بالتوحيد العزيز المنفرد عن أحكام العبيد

........
09- الجبار : الجبار في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل الجابر ، وهو الموصوف بالجبر ، فعله جبر يجبر جبرا ، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر ، ومنه جبر العظم أي أصلح كسره ، وجبر الفقير أغناه وجبر الخاسر عوضه وجبر المريض عالجه ، ويستعمل الجبر بمعنى الإكراه على الفعل والإلزام بلا تخير. والجبار سبحانه هو الذي يجبر الفقر بالغنى والمرض بالصحة ، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل ، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان ، فهو جبار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق ، وهو الجبار أيضا لعلوه على خلقه ، ونفاذ مشيئته في ملكه فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، قال أبو حامد الغزالي : ( الجبار هو الذي ينفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل واحد ، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد ، الذي لا يخرج أحد من قبضته ، وتقصر الأيدي دون حمى حضرته فالجبار المطلق هو الله سبحانه وتعالى فإنه يجبر كل أحد ولا يجبره أحد ، ولا مثنوية في حقه في الطرفين) ، وقال ابن القيم : ( وأما الجبار من أسماء الرب تعالى ، هو الجبروت وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فالجبار اسم من أسماء التعظيم كالمتكبر والملك والعظيم والقهار ) والجبار اسم دل على معنى من معاني العظمة والكبرياء ، وهو في حق الله وصف محمود من معان الكمال والجمال ، وفي حق العباد وصف مذموم من معاني النقص لقوله تعالى : (( كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّار ٍ)) [غافر:35]

........
10- المتكبر : المتكبر ذو الكبرياء وهو الملك اسم فاعل للموصوف بالكبْرياء ، والمتكبر هو العظيمُ المتعالي القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ ، إذا نازعوه العظمة قصمهم ، والمتكبر أيضا هو الذي تكبر عن كل سوء وتكبر عن ظلم عباده ، وتكبر عن قبول الشرك في العبادة فلا يقبل منها إلا ما كان خالصا لوجهه ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) ، وأصل الكبر والكبرياء الامتناع ، والكبرياء في صفات الله مدح وفي صفات المخلوقين ذم ، فهو سبحانه المتفرد بالعظمة والكبرياء ، وكل من رأى العظمة والعجب والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته خاطئة كاذبة باطلة ، لأن الكبرياء لا تكون إلا لله ، والأكرمية بين العباد مبنية على الأفضلية في تقوى الله ، والتاء في اسم الله المتكبر تاء التفرد والتخصص لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من الخلق وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل

.........
11 الخالق في اللغة اسم فاعل فعله خلق يخلق خلقا ، والخلق مصدر من الفعل خلق ومنه قوله : (( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ )) [السجدة:7] ، ويأتي الخَلق أيضا بمعنى المخلوق ، ومنه قوله تعالى : (( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ )) [لقمان:11] ، والخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء وفي إيجاد الشيء من الشيء (.
والخلق قد يأتي أيضا بمعنى الكذب على اعتبار أن الذي يكذب يؤلف وينشئ كلاما لا يطابق الحقيقة ، ومن ذلك قوله : (( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكا )) [العنكبوت:17] ، وقوله : (( إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ )) [الشعراء:137]
والخالق في أسماء الله هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة وقدر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة ، والخالق أيضا هو الذي ركب الأشياء تركيبا ورتبها بقدرته ترتيبا ، فمن الأدلة على معنى الإنشاء والإبداع وإيجاد الأشياء من العدم قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )) [فاطر:3] ومن الأدلة على معنى التركيب والترتيب الذي يدل عليه اسمه الخالق قوله تعالى : (( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون:14] ، وخلاصة ما ذكره العلماء في معنى الخالق أنه من التقدير وهو العلم السابق ، أو القدرة على الإيجاد والتصنيع والتكوين.

.......
12- البارئ : البارئ في اللغة اسم فاعل فعله برأ يبرأ برءا ، وبَرُء بضم الراء أي خلا من العيب أو التهمة والمذمة ، وخلص منها وتنزه عن وصفه بالنقص ، وأبرأ فلانا من حق له عليه أي خلصه منه ، وبرئ المريض أي شفي من مرضه ، وفي صحيح مسلم من حديث جَابِرٍ رضي الله عنه أنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل ) ، والبريء مرادف للبراء كما في قوله تعالى : (( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا )) [النساء:112] ، وقوله : (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ )) [الزخرف:26] ، ويقال : بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة , وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصالحا للإصابة ، وقال الشاعر : يا باري القوس بريا ليس يحكمه : لا تفسد القوس أعط القوس باريها . قال أبو إسحاق : ( البرء خلق على صفة ، فكل مبروء مخلوق ، وليس كل مخلوق مبروءا ، وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم : برأت من المرض وبرئت من الدَّيْن أبرأ منه ، فبعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعلة بارئا ) . والبارئ إذا كان تقدير فعله برء يَبْرَأ كفعل لازم فإن معناه السالم الخالي من النقائص والعيوب ، والبارئ سبحانه له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، تنزه عن كل نقص وتقدس عن كل عيب ، لا شبيه له ولا مثيل ، ولا ند له ولا نظير ، أما إذا كان البارئ تقدير فعله أبرأ كفعل متعد لمفعول ، فالبارئ سبحانه يعني واهب الحياة للأحياء ، الذي خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها ، وهو سبحانه الذي يُتِم الصنعة على وجه التدبير ، ويظهر المقدور وفق سابق التقدير ، قال تعالى : (( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) [الحديد:22]

..........
13- المصور : المصور في اللغة اسم فاعل للموصوف بالتصوير ، فعله صور وأصله صار يَصُور صوْرا ، وصور الشيء أي جعل له شكلا معلوما ، وصور الشيء قطعه وفصله وميزه عن غيره ، وتصويره جعله على شكل متصور وعلى وصف معين ، والصورة هي الشكل والهيئة أو الذات المتميزة بالصفات ، قال الراغب : ( الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها ، وذلك ضربان : أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان بالمعاينة كصورة الإنسان والفرس والحمار ، والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خُص بها شيء بشيء) . والمصور سبحانه هو الذي صور المخلوقات فيه بشتى أنواع الصور الجلية والخفية والحسية والعقلية ، فلا يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل لا يتساوى فردان ، فلكل صورته وسيرته وما يخصه ويميزه عن غيره ، والصور متميزة بألوان وأشكال في ذاتها وصفاتها ، وإحصاؤها في نوع واحد ، أو حصرها في جنس واحد أمر يعجز العقل ويذهل الفكر ، فالمصور في أسماء الله الحسنى هو مبدع صور المخلوقات ومزينها بحكمته ، ومعطي كل مخلوق صورته على ما اقتضت مشيئته وحكمته ، وهو الذي صور الناس في الأرحام أطوارا ، ونوعهم أشكالا كما قال ربنا تبارك وتعالى : (( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ منَ السَّاجِدِينَ )) [الأعراف:11]

.........
14- الأول : الأول في اللغة على وزن أفعل ، تأسيس فعله من همزة وواو ولام ، آل يؤول أوْلا وقد قيل من واوين ولام ، والأول أفصح وهو في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالأولية وهو الذي يترتب عليه غيره ، والأولية أيضا الرجوع إلى أول الشيء ومبدؤه أو مصدره وأصله ، ويستعمل الأول للمتقدم بالزمان كقولك عبد الملك أولا ثم المنصور ، والمتقدم بالرياسة في الشيء وكون غيره محتذيا به نحو الأمير أولا ثم الوزير والمتقدم بالنظام الصناعي نحو أن يقال : الأساس أولا ثم البناء . والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء ، وهو الذي علا بذاته وشأنه فوق كل شيء ، وهو الذي لا يحتاج إلى غيره في شيء ، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء ، فالأول اسم دل على وصف الأولية ، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان ، فهي بمعنى القَبلية خلاف البعدية ، أو التقدم خلاف التأخر ، وهذه أولية زمانية ، ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله ، فالأول هو المتصف بالأولية ، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه

......
15- الآخر : الآخر في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالآخرية ، فعله أَخَر يَأْخر أخرا ، والآخِرُ ما يقابل الأَوَّل ، ويقال أيضا لما بقي في المدة الزمنية ، ويقال للثاني من الأرقام العددية أو ما يعقب الأول في البعدية والنوعية ، ويقال أيضا لما بقي في المواضع المكانية ، ونهاية الجمل الكلامية ، فمن الآخِرُ الذي يقابل الأَوَّل قوله تعالى : (( رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا )) [المائدة:114] ، ومن الآخر الذي يقال لما بقي في المدة الزمنية ، قوله تعالى : (( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) [آل عمران:72] والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذي ليس بعده شيء الباقي بعد فناء الخلق ومن معاني اسم الله الآخر أنه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عند البخاري من حديث البراء t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ)

.........
16- الظاهر :
الظاهِرُ في اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالظهور ، والظاهِرُ خلاف الباطن ، ظَهَرَ يَظْهَرُ ظُهُوراً فهو ظاهر وظهير ، والظهور يرد على عدة معان ، منها العلو والارتفاع يقال : ظَهَر على الحائط وعلى السَّطْح يعني صار فوقه ، قال تعال : (( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً )) [الكهف:97] ، أَي ما قَدَرُوا أَن يَعْلوا عليه لارتفاعه ، والظهور أيضا بمعنى الغلبة ، ظَهَرَ فلانٌ على فلان أَي قَوِيَ عليه ، ويقال : أَظهَر الله المسلمين على الكافرين أَي أَعلاهم عليهم ، قال تعالى : (( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ )) [الصف14]
والظاهر سبحانه هو المنفرد بعلو الذات والفوقية ، وعلو الغلبة والقاهرية ، وعلو الشأن وانتفاء الشبيه والمثلية ، فهو الظاهر في كل معاني الكمال ، وهو البين المبين الذي أبدى في خلقه حججه الباهرة وبراهينه الظاهرة ، أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ( ) ، قال ابن الأَثير : ( الظاهر في أسماء الله هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه ، وقيل : الظاهر هو الذي عُرِفَ بطريق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أَفعاله  -

 

.........
17- الباطن : الباطن اسم فاعل لمن اتصف بالبطون ، والبطون خلاف الظهور ، فعله بَطنَ يَبْطنُ بطونا ، والبَطنُ من الإِنسان وسائِر الحيوان خلاف الظهْر ، والبَطنُ من كل شيء جَوْفُه قال تعالى : (( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ )) [النحل:78] ، وقال : (( وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا )) [الأنعام:139] ، والبطون أيضا الخفاء والاحتجاب وعدم الظهور ، ومنه قول الله تعالى : (( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )) [الأنعام:151] ، وبطن الشيء أساسه المحتجب الذي تستقر به وعليه الأشياء فمن الخطأ البحث عن كيفية الحقائق الغيبية أو كيفية الذات والصفات الإلهية ، لأن الله باطن احتجب عن خلقه في عالم الشهادة بالنواميس الكونية ، أما في الآخرة عند لقائه فالأمر يختلف إذ أن مدركات الإنسان وقتها تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة وأحداثها ، كما ثبت في السنة أن الإنسان سيكون عند دخول الجنة على صورة آدم عليه السلام طوله ستون زراعا، والله عز وجل مع أنه الباطن الذي احتجب عن أبصار الناظرين لجلاله وحكمته وكمال عزته وعظمته إلا أن حقيقة وجوده وكمال أوصافه نور يضيء بصائر المؤمنين ، فهو القريب المجيب الذي يسمع الخلائق أجمعين

........
18- السميع : السميع في اللغة على وزن فَعِيل من أبْنِيةِ المُبالغة ، فعله سَمِعَ يسَمْع سَمعا ، والسَّمْعُ في حقنا ما وَقر في الأُذن من شيء تسمعه ، والسمع صفة ذات وصفة فعل ، فصفة الذات يعبر به عن الأذن والقوة التي بها يدرك الأصوات كما في قوله : (( خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ )) [البقرة:7] ، أما صفة الفعل فتارة يكون السمع بمعنى الاستماع والإنصات كقوله تعالى : (( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا)) [الأحقاف:29] ، وتارة يعبر به عن الفهم كما قال تعالى : ((قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا )) [البقرة:93] ، أي فهمنا قولك ولم نأتمر بأمرك ، وتارة يعبر به عن الطاعة كقوله : (( وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)) [البقرة:285] ، أي فهمنا وأتمرنا. والسميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذات ووصف فعل ، فوصف الذات وصف حقيقي نؤمن به على ظاهر الخبر في حقه سبحانه ، وظاهر الخبر ليس كالظاهر في حق البشر كما يتوهم من تلوث عقله بالتشبيه والتعطيل ، لأننا ما رأينا الله ولا ندري كيفية سمعه ، وما رأينا مثيلا لذاته ووصفه ، وليس إثبات الصفات تشبيها أو تجسيما كما أشار بعضهم على الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة : ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ) ، بدلا من قوله تعالى : (( ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) [الشورى:11] ، فاعتقد أن إثبات السمع في حق الله تشبيه ، وأنه لا بد أن يكون سمع الله بأذن كما هو شأن الإنسان ، ومن ثم حرف الكلام عن موضعه وهذا باطل لأن الله يسمع بالكيفية التي تناسب عظمته ، وهو الذي يعلم حقيقة سمعه وكيفيته

.........
19- البصير : البَصِيرٌ في اللغة من أبنية المبالغة فعيل بمعنى فاعل فعله بَصُرَ يُبصِرُ بَصَرا وتَبَصَّرَهُ ، قال تعالى : (( فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ)) [الأنعام:104] وتَبَاصَرَ القومُ أَبْصَرَ بعضهم بعضاً ، والبَصَرُ يقال للعَيْنُ إِلاَّ أَنه مذكر ، ويقال أيضا لحِسُّ العَيٌّن والنظر ، أو القوة التي تبصر بها العين أو حاسة الرؤْية ، والتَّبَصُّر التَّأَمُّل والتَّعَرُّف والتعريف والإِيضاح ، والبَصيرة الحجة والاستبصار ، وهي اسم لما يعقد في القلب من الدين وتحقيق الأَمر ، وقيل : البَصيرة الفطنة ، ورجل بَصِيرٌ بالعلم عالم به ، وبَصرُ القلب نَظرهُ وخاطره . والبصير سبحانه هو المتصف بالبصر ، والبصر صفة من صفات ذاته تليق بجلاله يجب إثباتها لله دون تمثيل أو تكييف ، أو تعطيل أو تحريف ، فهو الذي يبصر جميع الموجودات في عالم الغيب والشهادة ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت ومهما دقت أو عظمت ، وهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ، بل هو بجميعها محيط ولها حافظ ذاكر ، فالسر عنده علانية والغيب عنده شهادة ، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، ويرى نياط عروقها ومجاري القوت في أعضائها

........
20- المولى : المولى في اللغة مصدر على وزن مَفعَل ، فعله ولي يلي وليا وولاية ، والمولى اسم يطلق على الرَّب والمالِك والسَّيْد والمنْعم والمعْتق والنَّاصِر والمحِب والتابِع والجار وابن العَمّ والحلِيف والعَقِيد والصِّهْر والعَبْد والمنْعم عليه ، والفرق بين الولي والمولى أن الولي هو من تولى أمرك وقام بتدبير حالك وحال غيرك وهذه من ولاية العموم ، أما المولى فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وتحتمي به عند الشدة والرخاء وفي السراء والضراء وهذه من ولاية الخصوص. والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء ، والسراء والضراء ، ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين ، قال تعالى : (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ )) [محمد:11] ، وقال : (( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )) [الأنفال:40] ، وقال : (( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) [التوبة:51] . والله عز وجل جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره ، والعمل في طاعته وقربه ، والسعي إلى مرضاته وحبه

........
21- العفو : العَفوُّ في اللغة على وزن فعُول من العَفوِ ، وهو من صيغ المبالغةِ ، يقال : عَفا يَعْفو عَفوا فهو عاف وعَفوٌّ ، والعفو هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه ، وأَصله المَحْوُ والطمْس ، مأْخوذ من قولهم عَفَت الرياحُ الآثارَ إِذا دَرَسَتْها ومَحَتْها ، وكل من اسْتَحقَّ عندك عُقوبة فتَرَكتَها فقد عَفَوْتَ عنه والعفوُّ سبحانه هو الذي يحب العفو والستر ، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها ، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها ، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما ، حتى يزول اليأس من القلوب ، وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب ( ) ، قال القرطبي : ( العفو عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه ، فالعفو محو الذنب )

.........
22- القدير : القدير في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل من القادر ، فعله قدر يقدر تقديرا ، قال ابن منظور : ( القادر والقَدِيرُ من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة ويكونان من التقدير ، وقوله تعالى : (( إِنَّ اللهَ عَلَى كُل شَيْء قَديرٌ )) [البقرة:148] من القُدْرة ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه ) ، قال ابن الأثير : ( في أسماء الله تعالى القادِرُ والمُقْتَدِرُ والقَدِيرُ ، فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ والقَدِير فعيل منه ، وهو للمبالغة ، والمقتدر مُفتَعِل من اقتَدَرَ ، وهو أبلغ ) ، وقال الزجاج : ( القدير أبلغ في الوصف من القادر ، لأن القادر اسم الفاعل من قدر يقدر فهو قادر ، وقدير فعيل ، وفعيل من أبنية المبالغة )

..........
23- اللطيف : اللطيف في اللغة صفة مشبهة للموصوف باللطف فعله لطف يلطف لطفا ، ولطف الشيء رقته واستحسانه وخفته على النفس ، أو احتجابه وخفاؤه ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: ( وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ )، فاللطف الرقة والحنان والرفق . واللطيف سبحانه هو الذي اجْتَمع له العلمُ بدَقائق المصَالح وإيصَالها إلى مَن قدرها له مِن خَلقه مع الرفق في الفِعْل والتنفيذ ، يقال : لطف به وله ، فقوله : (( اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ )) [الشورى:19] ، لطف بهم ، وقوله : (( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ )) [يوسف:100] لطف لهم ، والله لطيف بعباده رفيق بهم قريبٌ منهم ، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان ، ويدعو المخالفين إلى التوبة والغفران مهما بلغ بهم العصيان ، فهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم ولا يخفى عليه شيء مما في صدورهم ، قال تعالى : ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ ))

.........
24- الخبير : الخبير في اللغة من مباني المبالغة ، فعله خَبَرَ يَخْبُر خُبْرا ، وخَبُرْتُ بالأَمر أَي علمته وخبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عرفته على حقيقته ، وعند مسلم من حديث أبي موسى t أنه قال لعائشة : ( فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ ؟ قَالَتْ : عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ) ، تعني رضي الله عنها أته سأل من يعلم الجواب بتمامه فالخَبِيرُ الذي يَخبُرُ الشيء بعلمه ، والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة ، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألم بكيفية وصفه على الحقيقة . والخبير سبحانه هو العَالِم بما كَان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لو كان كيف يكون وليس ذلك إلا لله ، فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يتحرك متحرك ولا يسكن إلا بعلمه ، ولا تستقيم حياته إلا بأمره وإذنه قال تعالى : (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِين ٍ)) [هود:6]

....
25- الوتر : الوِتْرُ في اللغة هو الفرْدُ أَو ما لم يَتَشَفعْ من العَدَدِ ، و التواتر التتابع ، وقيل هو تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات ، وتواترت الإبل والقطا وكل شيء إذا جاء بعضه في إثر بعض غير مصطفة ( ) ، وقوله : (( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )) [الفجر:3] ، قيل الوتر آدم u والشَّفع أنه شُفِعَ بزوجته ، وقيل الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة ، وقيل الأَعداد كلها شفع ووتر كثرت أَو قلت ، وقيل الوتر هو الله الواحد ، والشفع جميع الخلق خلقوا أَزواجاً ، وكان القوم وتِرا فشَفعْتهم وكانوا شَفعا فوَتَرْتهم والله تعالى وتر انفرد عن خلقه فجعلهم شفعا ، وقد خلق الله المخلوقات بحيث لا تعتدل ولا تستقر إلا بالزوجية ولا تهنأ على الفردية والأحدية ، يقول تعالى : (( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكرُونَ )) [الذاريات:49] وقد قيل أيضا في معنى الشفع والوتر أن الشفع تنوع أوصاف العباد بين عز وذل وعجز وقدرة ، وضعف وقوة ، وعلم وجهل ، وموت وحياة ، والوتر انفراد صفات الله عز وجل فهو العزيز بلا ذل ، والقدير بلا عجز ، والقوي بلا ضعف ، والعليم بلا جهل ، وهو الحي الذي لا يموت ، القيوم الذي لا ينام ، ومن أساسيات التوحيد والوترية إفراد الله عمن سواه في ذاته وصفاته وأفعاله وعبوديته

............
26- الجميل : الجميل في اللغة من الجمال هو الحسن في الخلقة والخلق ، جمل يجمل فهو جميل ككرم فهو كريم ، وتجمل تزين ، وجمله تجميلا زينه ، وأجمل الصنيعة عند فلان يعني أحسن إليه ، والمجاملة هي المعاملة بالجميل ، والتجمل تكلف الجميل ، وقد جمل الرجل جمالا فهو جميل والمرأة جميلة والله عز وجل هو الجميل ، جماله سبحانه على أربع مراتب جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ، وعدل ورحمة ، وأما جمال الذات وكيفية ما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله ، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده ( ) ، وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى t أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ، قال عبد الله بن عباس t : ( حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال )

..........
27- الحيي : الحيي في اللغة هو المتصف بالحياء ، يقال : حَيِيَ منه حياء واستحيا منه واستحى منه ، وهو حَيِي ذو حياء كغني ذو غنى، والحياء صفة خلقية رقيقة وسجية لطيفة دقيقة تمنع النفس من تجاوز أحكام العرف أو من تجاوز أحكام الشرع ؛ وأحكام العرف يقصد بها كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وهي التي كانت ولم تزل مستحسنة في كل زمان ومكان ( ) ، وعند البخاري من حديث ابن مسعود t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ) . والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء وأنه لم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم ، وعند البخاري من حديث أبي سفيان قال : ( فَوَاللهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يؤثروا عَليَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ) ( ) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ) ( ) ، والله عز وجل قال : (( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )) [القصص:25] ، فالحياء صفة أخلاقية وسجية نفسية تراعي مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي كلها خير ، أما حياء الشرع فهو الحياء الذي يحفظ به العبد حدود الله ومحارمه ، وربما يتطلب ذلك ورعا واتقاء للشبهة مما يحيف على الحيي بعض الشيء . والله عز وجل هو الحيي الذي تكفل بعباده وبأرزاقهم لأنه ليس لهم أحد سواه فهو الذي يقبل توبتهم ويوفق محسنهم ويسمع دعاءهم ولا يخيب رجاءهم ، وحياء الرب تعالى لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال . وعند أبى داود وصححه الشيخ الألباني من حديث سَلمَان الفارسي أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) ( ) ، والحياء وصف كمال لله لا يعارض الحكمة ولا يعارض بيان الحق والحجة كما قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26))) [البقرة:26]

..........
28- الستير : الستير في اللغة على وزن فعِيل من صيغ المبالغة ، فعله ستر الشيء يَسْتُرُه سَترا أَخفاه والستير هو الذي من شأْنه حب الستر والصَّوْن والحياء ، والسُّتْرةُ ما يُستَر به كائنا ما كان ، وكذا السِّتَارة والجمع السَّتَائِرُ ، وسَتَر الشيء غطاه وتَسَتَّر أي تغطى ، وجارية مُستَّرة يعني مستورة في خدرها ، قال تعالى : (( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً)) [الإسراء:45] ، أي حجابا على حجاب فالأول مستور بالثاني ، أراد بذلك كثافة الحجاب لأنه جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا . والستير سبحانه هو الذي يحب الستر ويبغض القبائح ، ويأمر بستر العورات ويبغض الفضائح ، يستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين ، ويغفر الذنوب مهما عظمت طالما أن العبد من الموحدين ، وإذا ستر عبده في الدنيا ستره يوم القيامة روى مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَسْتُرُ الله عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ )

 

............
29- الكبير : الكبير في اللغة من صيغ المبالغة فعله كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير ، والكبر نقيض الصغر كبر بالضم يكبر أي عظم ، والكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض ، فالشيء قد يكون صغيرا في جنب شيء وكبيرا في جنب غيره ويستعملان في الكمية المتصلة كالكثير والقليل والمنفصلة كالعدد ( ) ، ويكون الكبر في اتساع الذات وعظمة الصافات نحو قوله تعالى : (( فَجَعَلَهُمْ جُذَاذا إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ )) [الأنبياء:58] ، وقوله : (( فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً)) [الفرقان:52] ، وأيضا في التعالي بالمنزلة والرفعة كقوله : (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا )) [الأنعام:123] . والكبير سبحانه هو العظيم في كل شيء ، عظمته عظمة مطلقة ، وهو الذي كبر وعلا في ذاته قال تعالى : (( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )) [البقرة:255] ، روي عن عبد الله بن عباس t أنه قال : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم)، وهو الكبير في أوصافه فلا سمي له ولا مثيل ، ولا شبيه ولا نظير ، فهو سبحانه الكبير الموصوف بالجلال وعظم الشأن ، وهو المنفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن كل من سواه فله جميع أنواع العلو المعروفة بين السلف

.........
30- المتعال : المتعالي اسم فاعل من تعالى ، والمتعالي فعله تعالى يتعالى فهو متعال ، وهو أبلغ من الفعل علا ، لأن الألفاظ لما كانت أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت زيادة المعنى فزيادة المبنى دليل على زيادة المعنى ( ) ، والتعالي هو الارتِفاع، والمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ ، وأغلب المفسرين جعلوا الاسم دالا على علو القهر ، وهو أحد معاني العلو ، فالمتعالي هو المستعلي على كل شيء بقدرته ، قال ابن كثير : ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ) ( ) ، وقال أيضا في موضع آخر : ( وهو الكبير المتعال فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه ) ( ) . فالمتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته فلا غالب له ولا منازع بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى : (( وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ )) [الأنعام:18] ، وقد جمع الله في هذه الآية بين علو الذات وعلو القهر ، وكذلك قوله تعالى : (( وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً )) [الأنعام:61] ، فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء وخضع لجلاله كل شيء وذل لعظمته وكبريائه كل شيء

.........
31- الواحد : الواحد في اللغة اسم فاعل للموصوف بالواحدية أو الوحدانية ، فعله وحد يوحد وحادة وتوحيدا ، ووحده توحيدا جعله واحدا ، والواحدُ أَول عدد الحساب وهو يدل على الإثبات ، فلو قيل في الدار واحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين ( ) . والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، فهو سبحانه كان ولا شيء معه ، ولا شيء قبله ، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه ، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا ، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس والانفراد بكمال الوصف ، قال ابن الأَثير : ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر )

..........
32- القهار : القهار صيغة مبالغة ، فعال من اسم الفاعل القاهر ، والفرق بين القاهر والقهار أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم ، فهو قاهر فوق عباده ، له علو القهر مقترنا بعلو الشأن والفوقية ، فلا يقوى ملك من الملوك على أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلا قهره القهار ، ومعلوم أن المقهور يحتمي من ملك بملك ، ويخرج بخوفه من سلطان أحدهما ليتقوى بالآخر ، لكن الملوك جميعا إذا كان فوقهم ملك قاهر قادر فإلى من يخرجون وإلى جوار من يلجئون ؟ ، قال تعالى : (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) [المؤمنون:88] ، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق . أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، فالله عز وجل أهلك قوم نوح وقهرهم ، وقهر قوم هود ، وقهر فرعون وهامان والنمرود ، قال تعالى : (( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوح مِّن قبْل إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أظلمَ وَأطغَى وَالمؤْتَفِكة أهْوَى فغَشَّاهَا مَا غشَّى فبِأيِّ آلاء رَبِّكَ تَتَمَارَى هَذا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذرِ الأولَى )) [النجم:56:50] وقهر قوم صالح وقوم لوط ، وقهر أبا جهل والمشركين وقهر الفرس والصليبيين ، والله سبحانه قهار لكل متكبر جبار ، والدنيا فيها المتكبرون وما أكثرهم ، وفيها المجرمون وما أظلمهم ، والمستضعفون كثيرون وعاجزون يفتقرون إلى معين قهار ، وملك قادر جبار ، فالواحد القهار هو ملجأهم وهو بالمرصاد لكل متكبر جبار قال تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ التِي لَمْ يُخْلقْ مِثلهَا فِي البِلادِ وَثمودَ الذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذي الأوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكثرُوا فِيهَا الفَسَادَ فَصَبَّ عَليْهِمْ رَبكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِن رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ )) [الفجر:6/13]

...
33- الحق : الحق في اللغة اسم فاعل ، فعله حَقَّ يَحِق حقا ، يقال : حققت الشيء أحقه حقا إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة ، والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال ، وكذلك العدل خلاف الباطل والظلم ، والحق له استعمالات كثيرة في القرآن ، منها الإسلام والعدل والحكمة والصدق والوحي والقرآن والحقيقة ، ومنها أيضا الحساب والجزاء كقوله : (( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ )) [النور:25] . والحق اسم لله سبحانه هو المتصف بالوجود الدائم والحياة والقيومية والبقاء فلا يلحقه زوال أو فناء ، وكل أوصاف الحق كاملة جامعة للكمال والجمال ، والعظمة والجلال قال تعالى : (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ )) [الحج:62] ، وكقوله : (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) [الحج:6] ، والحق سبحانه هو الذي يحق الحق بكلماته ويقول الحق وإذا وعد فوعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق كما قال : (( وَيُحِقُّ الله الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ )) [يونس:82] ، وقال سبحانه : (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ )) [الأنعام:73] ، وقال تعالى : (( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ )) [النور:25]

..........
34- المبين : المبين اسم فاعل من الفعل بان أو أبان ، وأصل البَينُ التميز والظهور ، والبُعْد والانفصال ، يقال : بانَ الحقُّ يَبينُ بَيانا فهو بائنٌ ، أو أَبان يُبينُ إِبانة فهو مُبينٌ ، فمن الأول تَبَايَنَ الرجُلانِ أي بان كل واحد منهما عن صاحبه ، وكذلك في الشركة إِذا انفصلا ، وبانَت المرأَة عن زوجها يعني انفصلت عنه بتَطليقةٌ بائنة ، والبائن أيضا بمعنى الظاهر المبين الواضح كما في قوله : (( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ )) [الأعراف:107] وقوله : (( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُبِينٍ )) [الدخان:10] . ومن الثاني أبان القول بيانا يعني أظهره بفصاحة ، والبَيان الفصاحة واللسَن والإِفصاح مع ذكاء ، والبَيِّن من الرجال السَّمْح اللسان الفصيح ، فالبَيان إِظهار المقصود بأَبلغ لفظٍ وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ. والمبين هو المنفرد بوصفه المباين لخلقة الظاهر فوق كل شيء ، له مطلق العلو والفوقية ، وليس كما قالت الجهمية أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه بائن من خلقه ، ليس في خلقه شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، وقد ذكر ابن تيمية أن الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر أئمة الدين اتفقوا على أن قوله تعالى : (( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) [الحديد:4] ، ليس معناه أنه مختلط بالمخلوقات وحال فيها ، ولا أنه بذاته في كل مكان ، بل هو سبحانه وتعالى على عرشه ومع كل شيء بعلمه وقدرته ، فالله سبحانه مع العبد أينما كان ، يسمع كلامه ويرى أفعاله ويعلم سره ونجواه ، رقيب على خلقه مهيمن عليهم ، قال البيهقي : ( المبين له معان منها أنه بين لذوي العقول ، ومنها أن الفضل يقع به ، ومنها أن التحقيق والتمييز إليه ، ومنها أن الهداية به )

.........
35- القوي : القوي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قوِيَ وتَقوَّى فهو قوي ، يقال قوَّى الله ضعفك أَي أَبدَلك مكان الضعف قوة ، فالقوة نقيض الضعف والوهن والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي والقدرة على الفعل وعدم العجز عن القيام به ، قال تعالى لموسى عليه السلام عن الأَلواح : ((فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ)) [الأعراف:145] ، أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك ، وقال ليحي عليه السلام : (( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ )) [مريم:12] ، أَي بِجِد وعَوْن من الله تعالى . والقوي سبحانه هو الموصوف بالقوة ، وصاحب القدرة المطلقة ، لا يغلبه غالب ولا يرد قضاءه راد ، ولا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وهو القوي في بطشه القادر على إتمام فعله ، له مطلق المشيئة والأمر في مملكته ، والقوي سبحانه قوي في ذاته لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهن أو فتور ، ينصر من نصره ، ويخذل من خذله كما قال : (( وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )) [الحج:40] ، والقوي سبحانه هو الذي كتب الغلبة لنفسه ورسله فقال : (( كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ )) [المجادلة:21] ، فالقوي هو الكامل القدرة على الشيء الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحول الموصوف بالقوة المطلقة ، قال تعالى : ((مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)) [الحج:74]

.............
36- المتين :
المتين في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالمتانة ، والمتين هو الشيء الثابت في قوته الشديد في عزمه وتماسكه ، والواسع في كماله وعظمته ، متن يمتن متانة أي قوي مع صلابة واشتداد ، ويلحق بمعنى المتون الثبات والامتداد ، فيكون المتين بمعنى الواسع  قال ابن منظور : (المتنُ من كل شيء ما صَلُبَ ظَهْرُه والجمع مُتُون) .
والمتين سبحانه هو القوي في ذاته الشديد الواسع الكبير المحيط ، فلا تنقطع قوته ولا تتأثر قدرته ، فالمتين هو القوي الشديد المتناهي في القوة والقدرة ، الذي لا تتناقص قوته ولا تضعف قدرته والذي لا يلحقه في أَفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعَبٌ ، قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) [الذاريات:58] ، فالله عز وجل من حيث إنه بالغ القدرة تامها قوي ، ومن حيث إنه شديد القوة متِينٌ  .
وقال تعالى : (( وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )) [القلم:45] ، الكيد على إطلاقه هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الابتلاء أو المعاقبة والجزاء ، وقد يكون عيبا مذموما إذا كان بالسوء في الابتداء ، وقد يكون محمودا مرغوبا إذا كان مقابلا لكيد الكافرين والسفهاء ، فإذا كان الكيد عند الإطلاق كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تخصيص ، كقول القائل : الكيد صفة الله ، فهذا باطل لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال ، لكن يصح قول القائل : كيد الله للابتلاء والمعاقبة والجزاء ، فهذا كيد مقيد لا يحتمل إلا الكمال فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال كما أثبت ذلك لنفسه فقال : (( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً )) [الطارق:16] ، وقال : (( وَأُمْلِي لهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )) [الأعراف:183] ، فوصف الله كيده للكافرين بأنه كيد شديد قوي متين ، لا يمكن لأحد منهم رده أو صده ، والله غالب على أمره كتب الغلبة لنفسه ورسله .

........
37- الحي : الحي في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحياة ، فعله حَيَّ يَحَيُّ حياة ، قال سبحانه وتعالى : (( وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )) [الأنفال:42] ، والحَيُّ من كل شيء نقيضُ الميت والجمع أَحْياء ، والحَي يطلق أيضا على كل متكلم ناطق ، والحيُّ من النبات ما كان أخضرا طريا يهتز ، والحَيُّ أيضا هو الواحد من أَحْياءِ العَربِ يقع على بَنِي أَبٍ كثروا أم قلوا وعلى شَعْبٍ يجمَعُ القبائل ، والحي أيضا البطن من بطون العرب . والحي سبحانه هو الدائم في وجوده الباقي حيا بذاته على الدوام أزلا وأبدا ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهذا الوصف ليس لسواه ، فأي طاغوت عبد من دون الله إن كان حيا فحياته تغالبها الغفلة والسنات ، وإن قاومها وأراد البقاء عددا من الساعات فإن النوم يراوده ويأتيه ، فضلا عن كون الموت يوافيه ، فلا ينفرد بكمال الحياة ودوامها باللزوم إلا الحي القيوم

.........
38- القيوم : القيوم في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله قام يَقوم قوْما وقِياما ، ويأتي الفعل على معنيين الأول القيام بالذات والبقاء على الوصف ، والثاني إقامة الغير والإبقاء عليه لأن غيره مفتقر إليه ، فالأول على اعتبار صفة الذات ، والثاني على اعتبار صفة الفعل وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين ، فالقيوم هو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره الباقي أزلا وأبدا ، أو القائم بتدبير أُمور الخلق وتدبير العالم بجميع أَحواله ، فهو القائم بأَمور خلقه في إِنشائهم وتولي أرزاقهم وتحديد آجالهم وأَعمالهم ، وهو العليم بمُسْتَقرِّهم ومستودعهم ، وهو الذي يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إِلا بقيوميته وإقامته له . والقيوم عز وجل هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه ، والباقي بكماله ووصفه على الدوام دون تغيير أو تأثير.

.............
39- العلي :
العلي في اللغة فعِيل بمعنى فاعِل ، صفة مشبهة للموصوف بالعلو ، فعله علا يعلو علوا ، والعلو ارتفاع المكان أو ارتفاع المكانة
والعلي في أسماء الله هو الذي على بذاته فوق جميع خلقه ، فاسم الله العلي دل على علو الذات والفوقية ، وكثير من الذين شرحوا الأسماء حاولوا بكل سبيل تفسير العلو الذي دل عليه اسمه العلي بعلو المكانة والمنزلة فقط ؛ إما هربا من إثبات علو الذات والفوقية أو تعطيلا صريحا له ( ) .
والذي عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأجلاء المتبعين أن الله عز وجل عال على عرشه بذاته ، وبكيفية حقيقية معلومة لله مجهولة لنا ، لا ينازع أحد منهم في ذلك ، ولا يمنع أن يسأل عن ربه أين هو ؟ وأدلة الكتاب والسنة تشهد بلا لبس أو غموض على ذلك ، ودائما ما يقترن اسم الله العلي باسمه العظيم وأيضا عندما يذكر العرش والكرسي ، ففي آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله بعد أن قال تعالى : (( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا )) ، قال : (( وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيم )) [البقرة:255] ، ولما ذكر علوه فقال : (( فَتَعَالَى الله المَلِكُ الحَقُّ )) ، ذكر بعده العرش بكرمه وسعته فقال : (( لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم )) [المؤمنون:116]

.............
40- العظيم : العَظِيمُ في اللغة صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة ، فعله عَظمَ يَعْظم عِظما يعني كبرَ واتسع وعلا شأنه وارتفع ، ولفلان عَظمة عندَ النَّاسِ أَي حُرْمة يُعظمُ لها ، وأَعْظمَ الأَمْرَ وعَظمَه فخَّمه ، والتعظِيم التَّبْجِيل ، والعَظِيمة النازلة الشديدة والملِمَّة إِذا أَعْضَلتْ والعَظمَة الكِبْرِياء ، وعَظمَة العبدِ كِبْرُه المذمومُ وتَجَبره ، وإِذا وُصِفَ العبد بالعَظمة فهو ذمٌّ لأَن العظمة في الحقيقةِ لله عز وجل، وعند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني من حديث ابْنَ عُمَرَ t أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَعَظمَ فِي نَفْسِهِ أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ) . والله عز وجل هو العظيم الذي جاوَزَ قدْرُه حدود العقل وجل عن تَصور الإِحاطةُ بكنْهِه وحَقِيقتِه ، فهو العظيم الواسع ، الكبير في ذاته وصفته ، فعظمة الذات دل عليها كثير من النصوص منها ما ورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) . أما عظمة الصفات فالله عز وجل له علو الشأن كما قال في كتابه : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) [الشورى:11] ، وقال أيضا : (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )) [مريم:65] ، وإذا كان عرشه قد وصفه بالعظمة وخصه بالإضافة إليه والاستواء عليه ، فما بالك بعظمة من استوى عليه وعلا فوقه ، وينبغي أن نعلم أن عَظمة اللهِ في ذاته لا تُكَيَّفُ ولا تُحدُّ ، لطلاقة الوصف وعجزنا عن معرفته ، فنحن لم نره ولم نر له مثيل ، فالله عظيمٌ في ذاته ووصفه وجلال قدره

............
41- الشكور : الشكور في اللغة فعول من صيغ المبالغة ، فعله شكر يشكر شكرا وشكورا وشكرانا فالشكور فعول من الشكر ، وأصل الشكر الزيادة والنماء والظهور ، وحقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه. والشكور سبحانه هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد ويضاعف لهم الجزاء ، فيثيب الشاكر على شكره ويرفع درجته ويضع من ذنبه ، فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، وشكر الحق للعبد ثناؤه عليه بذكر طاعته له

............
42- الحليم : الحليم في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالحلم ، فعله حلم يحلم حلما ، وصفة الحلم تعني الأناة ومعالجة الأمور بصبر وعلم وحكمة ، وفي مقابلها العجلة المفسدة لأمور الدين والدنيا ، والحليم هو الذي يرغب في العفو ولا يسارع بالعقوبة ، قال تعالى في وصف إبراهيم عليه السلام : (( إِن إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ )) [التوبة:114] ، ويدخل في معنى الحِلم بلوغ الصبي الحلم أو مبلغ الرجال الحكماء العقلاء كما قال تعالى : (( وَإِذَا بَلَغَ الأَطفَال مِنْكمُ الحلمَ )) [النور:59] ، وقال : (( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ )) [الصافات:101] ، يعني لديه أناة وبصيرة وحكمة من صغره. والحليم سبحانه هو المتصف بالحلم ، والحلم صفة كريمة تقوم على الحكمة والعلم والصبر ، والله عز وجل صبور يتمهل ولا يتعجل ، بل يتجاوز عن الزلات ويعفو عن السيئات ، فهو سبحانه يمهل عباده الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ، ويمهل العاصين لعلهم يرجعون إلى الطاعة والصواب ، ولو أنه عجل لعباده الجزاء ما نجا أحد من العقاب ، ولكن الله سبحانه هو الحليم ذو الصَّفحِ والأناةِ ، استخلف الإنسان في أرضه واسترعاه في ملكه ، واستبقاه إلى يوم موعود وأجل محدود ، فأجل بحلمه عقاب الكافرين ، وعجل بفضله ثواب المؤمنين. وخلاصة المعاني في تفسير الحليم أنه الذي لا يعجل بالعقوبة والانتقام ، ولا يحبس إنعامه عن عباده لأجل ذنوبهم بل يرزق العاصي كما يرزق المطيع ، وهو ذو الصفح مع القدرة على العقاب

...........
43- الواسع : والواسع في اللغة اسم فاعل للموصوف بالوسع ، فعله وَسِعَ الشَّيء يَسَعُه سِعَة فهو وَاسِع ، وأَوْسَعَ الله عليك أَي أَغناك ، ورجل مُوسِعٌ يعني مَلِيء بالمال والثراء ، يقال إناء واسع وبيت واسع ، ثم قد يستعمل في الغنى يقال : فلان يعطي من سعة وواسع الرحل يعني غنيا ، وقال تعالى : (( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ )) [الطلاق:7] ، وتَوَسَّعُوا في المجلس أَي تَفَسَّحُوا ، والسَّعة الغِنى والرفاهِية ، والسعة تكون في العلم والإحسان وبسط النعم . والواسع سبحانه هو الذي وسع علمه جميع المعلومات ووسعت قدرته جميع المقدورات ووسع سمعه جميع المسموعات ووسع رزقه جميع المخلوقات ، فله مطلق الجمال والكمال في الذات والصفات والأفعال ، وعند البخاري من حديث عَائِشَة أنها قالتِ : ( الْحَمْدُ لهِء الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (( قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكمَا إِن الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ )) [المجادلة:1] ) ، فالله عز وجل واسِع ، وَسِعَ غِنَاه كل فقِير وهو الكثيرُ العطاءِ يده سحاء الليل والنهار ، وسعت رَحْمَته كل شَيء وهو المحيط بكل شيء

...................
44- العليم : العليم في اللغة من أَبنية المبالغة ، عَلِيمٌ وزن فعِيل ، فعله عَلِم يعلم علما ، ورجل عالم وعَلِيمٌ ، والعِلمُ نقيضُ الجهل ، ويجوز أن يقال للإِنسان الذي عَلمه الله عِلما من العُلوم عَلِيم ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام وقوله للملك : (( اجْعَلنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظ عَلِيمٌ )) [يوسف:55] ، وهو عليه السلام عليم على اعتبار محدودية علمه ومناسبته لقدره فهو ذو علم وموصوف بالعلم ، قال : (( وَإِنَّهُ لَذو عِلمٍ لِمَا عَلمْنَاهُ )) [يوسف:68] ، لكن شتان بين علم مقيد محدود وعلم مطلق بلا حدود ، سبحانه وتعالى في كمال علمه ، جل شأنه في إطلاق وصفه ، فعلمه فوق كل ذي علم كما قال عز وجل : (( نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاء وَفَوْقَ كُل ذِي عِلمٍ عَلِيمٌ )) [يوسف:76] ، فالله عز وجل عليمُ بما كان وما هو كائن وما سيكونُ ، لم يَزَل عالِما ولا يَزال عالما بما كان وما يكون ، ولا يخفى عليه خافية في الأَرض ولا في السماء ، سبحانه أَحاط عِلمُه بجميع الأَشياء باطِنِها وظاهرها ، دقِيقها وجليلها على أَتم الإِمكان

..........
45- التواب : التواب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله تاب يتوب توبا وتوبة ، والتوبة الرجوع عن الشيء إلى غيره ، وترك الذنب على أجمل الوجوه ، وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر لم أفعل ، أو يقول فعلت لأجل كذا أو يقول : فعلت وأسأت وقد أقلعت ولا رابع لذلك وهذا الأخير هو التوبة ، والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده ، والتوبة لازمة لجميع المذنبين والعاصين صغر الذنب أو كبر ، وليس لأحد عذر في ترك التوبة بعد ارتكاب المعصية لأن المعاصي كلها توعد اللَّه عليها أهلها. والتواب سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده حالا بعد حال ، فما من عبد عصاه وبلغ عصيانه مداه ثم رغب في التوبة إليه إلا فتح له أبواب رحمته ، وفرح بعودته وتوبة ، ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فمنْ حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه مرفوعا : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) ، ولو أن إنسانا اتبع هواه أو استجاب لشيطانه وتمادى في جرمه وعصيانه فقتل مائة نفس وارتكب كل إثم وأراد التوبة والغفران تاب عليه التواب ، وبدل له عدد ما فات من السيئات بنفس أعدادها حسنات ، قال تعالى : (( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا ))

...............
46- الحكيم : الحكيم في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعِيل بمعنى فاعِلٍ ، فعله حكم يحكم حكما وحكومة ، والحكيم يأتي على عدة معان منها الإحاطة والمنع ، فحكم الشيء يعني منعه وسيطر عليه وأحاط به. والحكيم سبحانه هو المتصف بحكمة حقيقية عائدة إليه وقائمة به كسائر صفاته والتي من أجلها خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأسعد وأشقى ، وأضل وهدى ، ومنع وأعطى ، فهو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته ، وهو الحكيم في كل ما فعله وخلقه ، حكمة تامة اقتضت صدور هذا الخلق ، ونتج عنها ارتباط المعلول بعلته والسبب بنتيجته ، وتيسير كل مخلوق لغايته ، وإذا كان الله عز وجل يفعل ما يشاء ولا يرد له قضاء ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، إلا أنه الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها ويعلم خواصها ومنافعها ويرتب أسبابها ونتائجها

............
47- الغني : الغني في اللغة صفة مشبهة لمن اتصف بالغنى فعله غنِي غِنىً واسْتَغْنَى واغتَنَى فهو غنِيّ ، والغنى في حقنا قلة الاحتياج وهو مقيد نسبي ، ويتحقق غالبا بالأسباب التي استُؤمِن عليها الإنسان واستخلفه الله فيها كالأموال والأقوات التي يدفع بها عن نفسه الحاجات ومختلف الضروريات ( ) ، قال تعالى : (( إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ )) [التوبة:93] . والغني سبحانه هو المستغني عن الخلق بذاته وصفاته وسلطانه ، والخلق جميعا فقراء إلى إنعامه وإحسانه ، فلا يفتقر إِلى أَحدٍ في شيءٍ ، وكلُّ مخلوق مفتقر إِليه ، وهذا هو الغنى المُطْلَق ، ولا يُشارِك الهَ تعالى فيه غيرُه ، والغني أيضا هو الذي يُغني من يشاءُ من عِباده على قدر حكمته وابتلائه ، وأي غني سوى الله فغناه نسبي مقيد ، أما غنى الحق سبحانه فهو كامل مطلق ، ومهما بلغ المخلوق في غناه فهو فقير إلى الله لأن الله هو المنفرد بالخلق والتقدير والملك والتدبير فهو المالك لكل شيء المتصرف بمشيئته في خلقه أجمعين ، يعطي من يشاء ما يشاء من فضله ، وقسم لكل مخلوق ما يخصه في حياته ورزقه ، عطاؤه لا يمتنع ، ومدده لا ينقطع ، وخزائنه ملأى لا تنفد ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ، وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ )

...............
48- الكريم : الكريم صفة مشبهة للموصوف بالكرم ، والكرَم نقيض اللؤم يكون في الرجل بنفسه وإِن لم يكن له آباء ، ويستعمل في الخيل والإِبل والشجر وغيرها ، كرُمَ الرجل كرَما وكَرَامة فهو كَرِيم وكرِيمة وجمع الكَرِيم كرَماء ، والكريم هو الشيء الحسن النفيس الواسع السخي ، والفرق بين الكريم والسخي أن الكريم هو كثير الإحسان بدون طلب والسخي هو المعطى عند السؤال ، والكرم السعة والعظمة والشرف والعزة والسخاء عند العطاء، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة t أن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الْمُؤْمِنُ غِرّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ )

.............
49- الكريم والله سبحانه هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله ، من سعته وسع كرسيه السماوات والأرض ، كما قال : (( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )) [البقرة:255] ، ووصف عرشه بالكرم فقال : (( فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )) [المؤمنون:116] ، وهو الكريم له المجد والعزة والرفعة والعظمة والعلو والكمال فلا سميَّ له كما قال : (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )) [مريم:65] ، وهو الذي كرم الإنسان لما حمل الأمانة وشرفه واستخلفه في أرضه وأستأمنه في ملكه وفضله على كثير من خلقه كما قال : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )) [الإسراء:70] ، وهو الذي بشر عباده المؤمنين بالأجر الكريم الواسع ، والمغفرة الواسعة ، والرزق الواسع قال تعالى : (( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )) [الأنفال:4] ، وهو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ولا ينقطع سحاؤه ، الذي يعطي ما يشاء لمن يشاء وكيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو الذي لا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو سبحانه يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويجازي المعرضين بعدله

...............
50- الأحد : الأحد في اللغة اسم فاعل أو صفة مشبهة للموصوف بالأحدية ، فعله أحَّد يأحد تأحيدا وتوحيدا ، أي حقق الوحدانية لمن وحده ، وهو اسم بني لنفى ما يذكر معه من العدد ، تقول ما جاء بي أحد ، والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله وحد لأنه من الوحدة ، والفرق اللغوي بين الواحد والأحد أن الأحد شيء بني لنفي ما يذكر معه من العدد ، والواحد اسم لمفتتح العدد ، وأحد يصلح في الكلام في موضع الجحود والنفي ، وواحد يصلح في موضع الإثبات ، يقال ما أتاني منهم أحد فمعناه لا واحد أتاني ولا اثنان ، وإذا قلت جاءني منهم واحد فمعناه أنه لم يأتني منهم اثنان ، فهذا حد الأحد ما لم يضف ، فإذا أضيف قرب من معنى الواحد ، وذلك أنك تقول : قال أحد الثلاثة كذا وكذا ، وأنت تريد واحدا من الثلاثة. والأحد سبحانه وتعالى هو المنفرد بذاته ووصفه المباين لغيره ، كما قال تعالى في معنى الأحدية : (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد )) [الإخلاص:4] ، فالأحدية هي الانفراد ونفي المثلية ، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن الأقيسة والقواعد والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، كما قال تعالى : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) [الشورى:11] ، فبين سبحانه انفراده عن كل شيء من أوصاف المخلوقين بجميع ما ثبت له من أوصاف الكمال ، فالأحد هو المنفرد الذي لا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله ، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم ، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد وقال تعالى : (( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً )) [مريم:65] ، أي شبيها مناظرا يدانيه أو يساويه أو يرقى إلى سمو ذاته وصفاته وأفعاله

............
51- الصمد : الصمد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالصمدية ، فعله صَمَدَ يَصْمِدُ صَمْدا وهو يأتي على عدة معان : منها السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقضى دونه أَمر ، ومنها الذي يطعم ولا يَطعَم ، ومنها الصَمد السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّؤدَد في كل شيء فله الصمدية المطلقة ، وقيل : الصمد الدائم الباقي بعد فناء خَلقه ، وقيل : هو الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقضَى دونه وليس فوقه أَحد ، وقيل : الصمد الذي صَمَدَ إِليه كل شيء أي الذي خَلق الأَشياء كلها لا يَسْتَغني عنه شيء ، وكلها تدل على وحدانية الله . وقال البخاري : ( باب قولِهِ الله الصَّمَدُ ، والعَرَبُ تُسمِّي أشرافَها الصَّمَدَ ، قال أبو وائِل : هو السيّدُ الذي انتهى سُؤدَدُه )، وقال ابن تيمية : ( والاسم الصمد فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب ، والمشهور منها قولان : أحدهما أن الصمد هو الذي لا جوف له ، والثاني أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج ) وخلاصة المعاني في الصمدية أن الصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء ، وهو المستغني عن كل شيء ، وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه ، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله ، لا نقص فيه بوجه من الوجوه ، وليس فوقه أحد في كماله ، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره ، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب الذي يطعم ولا يَطعَم ولم يلد ولم يولد

...........
52- القريب : القريب في اللغة فعيل بمعنى اسم الفاعل يدل على صفة القرب ، والقُرْبُ في اللغة نقيضُ البُعْد ، قرُبَ الشيء يَقرُبُ قرْبا وقرْبانا أَي دَنا فهو قريبٌ. والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء ، وهو القريب من فوق عرشه أقرب إلى عباده من حبل الوريد كما قال : (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) [ق:16] ، وقال سبحانه أيضا : (( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ )) [الواقعة:85] ، والقرب في الآيتين إما أن يكون على حقيقته باعتبار ما ورد عن ابن عباس t حيث قال : ( ما السموات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) ، وروى ابن حبان وصححه الألباني من حديث أبي ذر t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة )، فهذا قرب مطلق بالنسبة لله عز وجل لأنه قريب غير ملاصق ، والمخلوقات كلها بالنسبة إليه تتقارب من صغرها إلى عظمة ذاته وصفاته ، وهو بعيد غير منقطع بالنسبة لمقاييسنا ، فلا يقدر أحد على إحاطة بعد ما بين العرش والأرض من سعته وامتداده

............
53- المجيب : المجيب في اللغة اسم فاعل ، فعله أجاب يجيب جوابا وإجابة واستجابة ، والإجابة صدى الكلام أو ترديده ، أو المحاورة في الكلام ورد السؤال. والمُجِيب سبحانه هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء ، وهو المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويغيث الملهوف إذا ناداه ، ويكشف السوء عن عباده ويرفع البلاء عن أحبائه ، وكل الخلائق مفتقرة إليه ، ولا قوام لحياتها إلا عليه ، لا ملجأ لها منه إلا إليه ، قال تعالى : (( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )) [الرحمن: 29] ، فجميع الخلائق تصمد إليه وتعتمد عليه، وشرط إجابة الدعاء صدق الإيمان والولاء ، فالله حكيم في إجابته ، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال ، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال ، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل ، لكن الله تعالى يجيب عبده حتما ولا يخيب ظنه أبدا كما وعد وقال وهو أصدق القائلين : (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )) [البقرة:186] ، وقال : (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) [غافر:60]

.............
54- الغفور : الغفور في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعول التي تدل على الكثرة في الفعل فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وكل شيء سترته فقد غفرته والمغفر غطاء الرأس ، والمغفرة التغطية على الذنوب والعفو عنها ، غفرَ الله ذنوبه أَي سترها. والغفور سبحانه هو الذي يستر العيوب ويغفر الذنوب ، ومهما بلغ الذنب أو تكرر من العبد وأراد الرجوع إلى الرب فإن باب المغفرة مفتوح في كل وقت ، واسم الله الغفور يدل على دعوة العباد للاستغفار بنوعيه ، العام والخاص ، فالاستغفار من العبد على نوعين : الأول : الاستغفار العام وهو الاستغفار من صغائر الذنوب الثاني : الاستغفار الخاص وهو متعلق بمنطقة الكسب بعد تعمد الفعل واقتراف الإثم في اللسان والجوارح كقوله تعالى : (( وَالذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً )) [الفرقان:70]

...............
55- الودود : الودود في اللغة من صيغ المبالغة ، والودُّ مصدر المودَّة ، فعله وَدَّ الشيء وُدّا ووِدّا ووَدَّا ، والود بمعنى الأمنية ومنه قوله تعالى : (( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ )) [البقرة:96] ، والودُّ أيضا بمعنى المحبة كما في قوله : (( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ )) [المجادلة:22] ، والودود في اللغة أيضا قد يأتي على معنى المعية والمرافقة والمصاحبة كلازم من لوازم المحبة. والودود سبحانه هو الذي يحب رسله وأولياءه ويتودد إليهم بالمغفرة والرحمة فيرضى عنهم ويتقبل أعمالهم ويوددهم إلى خلقه فيحبب عباده فيهم كما قال سبحانه وتعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )) [مريم:96] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا أَحَبَّ الله الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ الهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ في أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ الهَا يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ ) ( ) ، قال عبد الله بن عباس t : ( الودود الحبيب المجيد الكريم) . والله عز وجل ودود يؤيد رسله وعباده الصالحين بمعيته الخاصة ، فلا يخيب رجاءهم ولا يرد دعاءهم وهو عند حسن ظنهم به ، وهو الودود لعامة خلقه بواسع كرمه وسابغ نعمه ، يرزقهم ويؤخر العقاب عنهم لعلهم يرجعون إليه

..................
57- الحميد : الحميد في اللغة صيغة مبالغه على وزن فعيل بمعنى اسم المفعول وهو المحمود ، فعله حمد يحمد حمدا ، والحمد نقيض الذم بمعنى الشكر والثناء ، وهو المكافأة على العمل والحمد والشكر مُتَقاربان لكن الحمد أعَمُّ من الشكر , لأنّك تحمَد الإنسان على صِفاته الذَّاتِّية وعلى عطائه ولا تَشْكُره على صِفاته . والحميد سبحانه هو المستحق للحمد والثناء ، حمد نفسه فقال : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) [الفاتحة:2] ، فهو سبحانه المحمود على ما خلق وشرع ، ووهب ونزع ، وضر ونفع ، وأعطى ومنع ، وعلا بذاته وشأنه فارتفع ، وأمسك السماء عن الأرض أن تقع وفرش الأرض فانبسط سهلها واتسع ، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله وكذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أن الله خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء ، فهم يحمدونه على السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء ، حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء ، فإن ابتلاهم صبروا ، وإن أنعم عليهم شكروا ، ولذلك قال تعالى في وصفهم : (( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله )) [الأعراف:43] ، وقال أيضا : (( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ )) [فاطر:34]

.............
58- الحفيظ : الحفيظ في اللغة مبالغة من اسم الفاعل الحافظ فعله حفِظ يحفَظُ حِفْظا ، وحِفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل الحفظ في العلم على معنى الضبط وعدم النسيان ، أو تعاهُد الشيء وقلة الغفلة عنه . والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه ، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه ، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين ، والذي شرف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على العباد القول والخطرات ، والحركات والسكنات ، ويضعون الأجر كما حدد لهم بالحسنات والسيئات ، وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء، وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء ، ومنه الدعاء الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَ ، وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي) . والحفيظ هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان ، ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع في العصيان ، ويهيأ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان. والحفيظ أيضا هو الذي حفِظ السماواتِ والأرضَ بقدرته ، قال تعالى : (( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )) [البقرة:255] ، فالله حفيظ لمخلوقاته يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها ، وهو سبحانه يحفظ الأشياء بذواتها وصفاتها ،

.................
59- المجيد : المجيد في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل ، فعله مجد يمجد تمجيدا ، والمجيد هو الكريم الفِعَال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سُمِّيَ مَجدا ، وفعيل أبلغ من فاعل ، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهّاب والكريم ، والمَجْدُ المُرُوءةُ والكرمُ والسخاءُ والشرف والفخر والحسب والعزة والرفعة . والمجيد سبحانه هو الذي علا وارتفع بذاته ، وله المجد في أسمائه وصفاته وأفعاله فمجد الذات الإلهية بيِّن في جمال الله وسعته وعلوه واستوائه على عرشه. وقد ذكر الله في كمال مجده اختصاص الكرسي بالذكر دون العرش في أعظم آية في كتابه فقال سبحانه : (( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )) [البقرة:255] ، والكرسي كما فسره السلف الصالح ما يكون تحت قدم الملك عند استوائه على عرشه ، وقد بين الله من كمال وصفه وسعة ملكه لمن أعرض عن طاعته وتوحيده في عبادته أن ملك من أشركوا به لو بلغ السماوات السبع والأرضون وما فيهن وما بينهن على عرضهن ومقدارهن وسعة حجمهن لا يمثلن شيئا في الكرسي الذي تحت قدم الملك ، فما بالك بعرشه ومجده ؟ وما بالك باتساع ملكه ؟ وعلى الرغم من ذلك لا يَئُودُهُ حِفظُهُمَا ، فهو الذي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا ، لأنه لا يقوى غيره على حفظهن وإدارتهن حتى لو ادعى لنفسه ملكهن ، فالله من حلمه على خلقه أمسكهن بقدرته وأبقاهن لحكمته

.................
60- الفتاح : الفتاح في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الفاتح ، فعله فَتَحَ يَفْتَح فَتْحاً ، والفَتْحُ نقيض الإِغلاق ، قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ )) [الأعراف:40] والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين أو يفتح أبواب البلاء لامتحان المؤمنين الصادقين ، فمن الأول ما ورد في قوله تعالى : (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) [الأعراف :96] ، وقوله : (( مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) [فاطر :2] ، قيل معناه ما يأْتيهم به الله من مطر أَو رزق فلا يقدر أَحد أَن يمنعه ، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أَحد أَن يرسله ، ومن الفتح بمعنى فتح البلاء والامتحان ما ورد في قوله تعالى : (( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )) [الأنعام:44] . والفتاح هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون ، ومنه قوله تعالى : (( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ )) [الأعراف :89] ، وهو سبحانه الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين ، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين المعاندين ، وهو الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسّرُها لهم فَضلا منه وكَرَمًا لأن خزائن السماوات والأرض بيده ، يفتح منها ما يشاء بحكمته ، وعلى ما قضاه في خلقه بمشيئته

..............
61- الشهيد : الشهيد في اللغة صيغ مبالغة من اسم الفاعل الشاهد ، فعله شهد يشهد شهودا وشهادة ، والشهود هو الحضور مع الرؤية والمشاهدة . والشهادة تأتي بمعنى الحكم كما ورد عند البخاري من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن أم العلاء رضي الله عنها قالت عند وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه : ( رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ الهَُ قَدْ أَكرَمَهُ ؟ فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله فَمَنْ يُكرِمُهُ الهُل .. الحديث ) . والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه أينما كانوا وحيثما كانوا ، حاضر شهيد أقرب إليهم من حبل الوريد ، يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه والعقول لا تكيفه ، وهو سبحانه فوق عرشه على الحقيقة ، وبالكيفية التي تناسبه ، وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة ، تشمل العلم والرؤية والتدبير والقدرة ، والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط كما قال تعالى : (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) [آل عمران:19]

.........
62- المقدم : المُقَدِّمُ في اللغة اسم فاعل ، فعله قدَّمَ يقَدَّم تقديما ، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ) والمقدم سبحانه هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته وإرادته ، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله في خلقه ، وهو على نوعين ، كوني وشرعي ، فالتقديم الكوني تقدير الله في خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك في قوله : (( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )) [يونس:49] ، وقوله تعالى : (( قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ )) [سبأ:30] فالمُقَدِّم سبحانه هو الذي يُقدِّم الأشياء ويَضَعها في مواضِعها على مقتضى الحكمة والاستحقاق ، فمن اسْتَحقّ التقديمَ قدّمه ومن استحق التأخير أخره ، والله تعالى أيضا هو المقدم الذي قدم الأحباء وعصمهم من معصيته ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء تشريفا له على غيره ، وقدم أنبياءه وأولياءه على غيرهم ، فاصطفاهم ونصرهم وطهرهم وأكرمهم

.................
63- المؤخر : المؤخر في اللغة عكس المقدم ، فعله أخّر يؤخر تأخيرا ، والتأخر ضد التقدم ، ومنه ما ورد عند البخاري من حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : ( فَتَبَسَّمَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : أَخِّرْ عَنِّى يَا عُمَرُ ) والمؤخْر سبحانه هو الذي يُؤخّر الأشياء فَيَضَعُها في مَواضعها ، إما تأخيرا كونيا كما ورد عند مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن أم حبيبة قالت : ( اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ الله وَبِأَبِي أَبِي سُفيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : قَدْ سَأَلتِ الله لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ الله أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) . وإما تأخيرا شرعيا كما ورد عند مسلم من حديث أَبِي عَطِيَّةَ أنه قَالَ : ( دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ، وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ ، قَالَتْ أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ : قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُود ، قَالَتْ : كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) . والمؤخر أيضا هو الذي يؤخر العذاب بمقتضى حكمته ابتلاء لعباده لعلهم يتوبوا إليه قال تعالى : (( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )) [النحل:61] وقال : (( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ )) [إبراهيم:42] فالمؤخر هو المنزِلُ للأشياء منازلَها يقدِمُ ما يشاءُ بحكمته ويؤخرُ ما يشاء ( ) ، والفرق بين الآخر والمؤخر أن الآخر دل على صفة من صفات الذات والمؤخر دل على صفة من صفات الفعل

.................
64- المليك : المليك في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعيل فعله ملك يملك مِلكا ومُلكا ، وجمع المليك ملكاء ، والمليك هو المالك العظيم الملك ، ويكون بمعنى الملك، وهو اسم يدل على العلو المطلق للمَلك في مُلكه ومِلكيته ، فله علو الشأن والقهر في وصف الملكية ، وله علو الشأن والفوقية في وصف الملك والاستواء على العرش والفرق بين المالك والملك والمليك ، أن المالك في اللغة صاحب المِلْك أو من له ملكية الشيء ولا يلزم أن يكون له المُلك ، فقد يؤثر الملك على المالك وملكيته فيحجر على ملكيته أو ينازعه فيها أو يسلبها منه ، أما الملك فهو أعم من المالك لأنه غالب قاهر فوق كل مالك ، فالملك من له الملكية والملك معا ، أو هو مالك الملك ، والمليك صيغة مبالغة في إثبات كمال الملكية والملك معا مع دوامها أزلا وأبدا ، فالمليك أكثر مبالغة من الملك ، والملك أكثر مبالغة من المالك ، قال ابن الجوزي : ( المليك هو المالك وبناء فعيل للمبالغة في الوصف ، ويكون المليك بمعنى الملك) ، فاسم الله المليك يشمل الأمرين معا الملكية والملك

.....................
65- المقتدر : المقتدر اسم فاعل من اقتدر ، فعله اقتدر يقتدر اقتدارا ، والأصل قدَّر يقدر ، وقدَر يقدر قدرة ، والمقتدر مُفْتَعِل من اقْتَدَرَ ، وهو أكثر مبالغة من القادر والقدير. والمقتدر سبحانه وتعالى هو الذي يقدِّر الأشياء بعلمه وينفذها بقدرته ، فالمقتدر يجمع دلالة اسم الله القادر واسمه القدير معا ، فاسم الله القادر هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، والله عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، فالقادر يدل على التقدير في المرتبة الأولى ، والقدير يدل على القدرة وتنفيذ المقدر في المرتبة الرابعة من مراتب القدر فالقدير هو الذي يخلق وفق سابق التقدير ، والقدر بدايته في التقدير ونهايته في القدرة وتحقيق المقدر ، أما المقتدر فيجمع وسطية الدلالة مع المبالغة ، وهذا ما دل عليه معناه في اللغة ، حيث جمع في دلالته بين اسم الله القادر والقدير معا فهو أبلغ منهما في الدلالة والوصف ، قال الله تعالى : (( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً )) [الكهف:45] ، أي مقتدرا على كل شيء من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شيء، وقال تعالى عن فرعون وقومه : (( كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ )) [القمر:42]

....................
66- المسعر : المسعر في اللغة اسم فاعل من التسعير ، فعله سعر يسعر تسعيرا وتسعيرة ، يقال : أسْعَر أهل السوق وسَعَّرُوا إذا اتفقوا علي سِعْر ، وهو من سَعَّر النار إذا رفعها ، لأن السِّعْر يوصف بالارتفاع ، وسَعَرت النارَ إذا أوقدتَهما وسعَّرتها بالتشديد للمبالغة واسْتَعَرَتْ وتَسَعَّرَتْ اشتعلت واستوقدت ، ونار سَعِيرٌ يعني مستعرة ومرتفعة ، والسعير النار والسعار حر النار ومنه قوله : (( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً )) [الإسراء:97] ، وكذلك قوله تعالي : (( وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ )) [التكوير:12] والمسعر سبحانه هو الذي يزيد الشيء ويرفع من قيمته أو مكانته أو تأثيره في الخلائق ، فيقبض ويبسط وفق مشيئته وحكمته ، والتسعير وصف كمال في حقه وهو من صفات فعله وحكمه وأمره ولا اعتراض لأَحد من خلقه عليه ، فهو الذي يرخص الأشياء ويغليها وفق تديره الكوني أو ما أمر به العباد في تدبيره الشرعي ، قال عبد الرءوف المناوي : ( المسعر هو الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها ، فليس ذلك إلا إليه وما تولاه الله بنفسه ولم يكله إلى عباد. والمسعر سبحانه هو الذي يسعر بعدله العذاب على أعدائه ، وهذا حقه من جهة تدبير الكوني حيث أوجد النار وزادها سعيرا على الكفار ، قال تعالى : (( وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً )) [الإسراء:97]

............
67- القابض : القابض في اللغة اسم فاعل ، فعله قَبَضَه يَقْبِضُه قَبْضاً وقَبضة ، والقَبْضُ خِلافُ البَسْط وهو في حقنا جَمْعُ الكفّ على الشيء وهو من أوصاف اليد وفعلها. والقابِضُ سبحانه هو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العِبادِ بلطفه وحِكمته ، ويَقبِضُ الأَرْواحَ عند المَمات بأمره وقدرته ، ويُضَيِّقُ الأسباب على قوم ويُوَسِّع على آخرين ابتلاء وامتحانا ( ) ، وقبضه تعالى وإمساكه وصف حقيقي لا نعلم كيفيته ، نؤمن به علي ظاهره وحقيقته ، لا نمثل ولا نكيف ، ولا نعطل ولا نحرف ، فالإيمان بصفات الله فرع عن الإيمان بذاته والقول في صفاته كالقول في ذاته لأننا ما رأينا الله تعالى وما رأينا لذاته مثيلا ، فهو أعلم بكيفية قبضه وبسطه أو إمساكه وأخذه ، ولا داعي للتأويل الذي انتهجه المتكلمون بكل سبيل ، فنؤمن بما أخبر الله بلا تمثيل ولا تعطيل ، وعلى هذا اعتقاد السلف في جميع الصفات والأفعال ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله ، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس ، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوى السموات بيده اليمنى وأن يداه مبسوطتان )

................
68- الباسط : الباسط اسم فاعل فعله بسَط يبسُط بَسطا ، والبَسْطُ نقيض القَبْضِ وأَرض مُنْبَسطة مستويَة وانبسَط الشيء على الأَرض امتد عليها واتسع ، وتبَسَّط في البلاد أَي سار فيها طولاً وعَرْضاً الباسِطُ سبحانه هو الذي يَبْسُط الرزق لعباده بجُوده ورحمته ، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته ، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته ، فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض ، فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى كما قال تعالى : (( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) [الشورى:12] ، وقال : (( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ )) [الشورى:27] . والباسط سبحانه أيضا هو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء ، وهو الذي يملي لهم فجعلهم بين الخوف والرجاء ، روى مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )

..................
69- الرازق : الرازق في اللغة اسم فاعل ، فعله رَزَقَ يرزُق رَزْقاً ورِزْقاً ، والرِّزْقُ هو ما يُنْتَفعُ به وجمعه أَرْزاق ، والرزق هو العَطاء ، واسْتَرْزَقه يعني طلب منه الرِّزق ، وقد يسمى المطر رزقاً لأَن الرِّزْق يكون على أثره. والرازِقُ سبحانه هو الذي يرزق الخلائق أَجمعين ، وهو الذي قدر أرزاقهم قبل خلق العالمين ، وهو الذي تكفل باستكمالها ولو بعد حين ، فلن تموت نفس إلا باستكمال رزقها كما أخبرنا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم قال ابن تيمية : ( والرزق اسم لكل ما يغتذى به الإنسان وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة .. فلابد لكل مخلوق من الرزق ، قال الله تعالى : (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )) [هود:6] ، حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق ، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة ويرزقون رزقا حسنا ، وقد لا يرزقون إلا بتكلف ، وأهل التقوى يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون ، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة ولا يكون خبيثا ، والتقى لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق ، وإنما يحمى من فضول الدنيا رحمة به وإحسانا إليه ، فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه ، وتقديره يكون رحمة لصاحبه )

................
70- القاهر : القاهر في اللغة اسم فاعل للموصوف بقهر غيره ، فعله قهر يقهر قهرا ، وقهرت الشيء غلبته وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار. والقاهر سبحانه هو الغالِب على جميع الخلائق على المعنى العام ، الذي يعلو في قهره وقوته فلا غالب ولا منازع له ، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه ، قال تعالى : (( مَا اتَّخَذ الله مِنْ وَلد وَمَا كان مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذا لذهَبَ كل إِلهٍ بِمَا خَلقَ وَلعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفون َ)) [المؤمنون:91] ، فيستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد لأن الله قاهر فوق عباده له العلو والغلبة، والله عز وجل قال عن نفسه : (( وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )) [الأنعام:61] ، أي هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء ، وعلا علي عرشه فوق كل شيء ، قال ابن جرير : ( ويعني بقوله القاهر أي المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم ، وإنما قال فوق عباده لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ومن صفة كل قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه ، فمعنى الكلام إذا : والله الغالب عباده المذل لهم العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم ، فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه )

...............
71- الديان : الديان صيغة مبالغة على وزن فعال فعله دَان يدين دينا ، يقال : دنتهم فدانوا أي جازيتهم وحاسبتهم وقهرتهم فأطاعوا ، والديان يطلق على الملك المطاع والحاكم والقاضي ، وهو الذي يدين الناس إما بمعنى يقهرهم وإما بمعنى يحاسبهم. والديان سبحانه هو الذي دانت له الخليفة ، وعنت له الوجوه ، وذلت لعظمته الجبابرة وخضع لعزته كل عزيز ، ملك قاهر على عرش السماء مهيمن ، لعزته تعنو الوجوه وتسجد ، يرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه ، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه ، فيعذب من يشاء ، ويرحم من يشاء ويعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ويقرب من يشاء ، ويقصي من يشاء ، له دار البقاء ، دار عذاب أليمة وهي النار ، ودار سعادة عظيمة وهي الجنة ، فهو الديان الذي يدين العباد أجمعين ويفصل بينهم يوم الدين

...............
72- الشاكر : الشاكر اسم فاعل للموصوف بالشكر ، فعله شكر يشكر شكرا ، والشكر هو الثناء الجميل على الفعل الجليل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان ، والله سبحانه شاكر يجازي العباد على أعمالهم ، ويزيد من فضله أجورهم ، فيقابل شكرهم بزيادة النعم في الدنيا وواسع الأجر في الآخرة قال تعالى : (( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكفُرُون ِ)) [البقرة:152] ، وقال : (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) [إبراهيم:7] ، وروى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً ) . والله سبحانه شاكر يرضى بأعمال العباد وإن قلت تكريما لهم ودعوة للمزيد ، مع أنه سبحانه قد بين لهم ما لهم من وعد أو وعيد ، لكنه شاكر يتفضل بمضاعفة الأجر ويقبل التوبة ويمحو ما يشاء من الوزر ، والله غني عنا وعن شكرنا لا يفتقر إلى طاعتنا أو شيء من أعمالنا لكنه يمدح من أطاعه ويثني عليه ويثيبه.

........
73- المنان : المنان في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال ، فعله مَنَّ يَمُنُّ مَنّا ، يعني قطعه وذهب به ، والمَنِينُ الحبل الضعيف ، وحَبل مَنينٌ إِذا أَخْلقَ وتقطع. والمنان سبحانه هو العظيم الهبات الوافر العطايا ، الذي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام والذي يبدأ بالنوال قبل السؤال ، وهو المُعْطي ابتداء وانتهاء ، قال تعالى : (( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) [النحل:18] ، فلله المِنَّة على عباده ولا مِنَّة لأَحد عليه ، فهو المحسن إلي العبد والمنعم عليه ، ولا يطلب الجزاء في إحسانه إليه بل أوجب بفضله لعباده حقا عليه ، منة منه وتكرما إن هم وحدوه في العبادة ولم يشركوا به شيئا

..................
74- القادر : القادر في اللغة اسم فاعل من قَدَر يَقْدِر فهو قادر ، يقال قَدَرْت الأمْر أقْدُرُه وأقدِّرُه إذا نَظَرتَ فيه ودَبَّرتَه ، وقدْرُ كل شيء ومِقْدارُه مِقْياسه ، وقَدَرَ الشيءُ بالشيء وقَدَّرَه قاسَه ، والتقدير على وجوه من المعاني ، أَحدها : التروية والتفكير في تسوية أَمر وتهيئته والثاني : تقديره بعلامات يقطعه عليها ، والثالث : أَن تَنْوِيَ أَمرا بِعَقدِك تقول قدَّرْتُ أَمر كذا وكذا أَي نويتُه وعَقدْتُ عليه ، ويقال قدَرْتُ لأَمْرِ كذا أَقدِرُ له إِذا نظرت فيه ودَبَّرْتَه وقايسته . والقادر سبحانه وتعالى هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره ، فالله عز وجل قدر كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ثم كتب في اللوح هذه المعلومات ودونها بالقلم في كلمات ، وكل مخلوق مهما عظم شأنه أو قل حجمه كتب الله ما يخصه في اللوح المحفوظ ، ثم يشاء بحكمته وقدرته أن يكون الأمر واقعا على ما سبق في تقديره ، ولذلك فإن القدر عند السلف مبني على التقدير والقدرة ، فبدايته في التقدير وهو علم حساب المقادير ، أو العلم الجامع التام لحساب النظام العام الذي يسير عليه الكون من بدايته إلى نهايته ، قال تعالى : (( وَإِنْ منْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ )) [الحجر:21] ، وقال أيضا : (( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً )) [الأحزاب:38] ، وقال سبحانه : (( إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )) [الطلاق:3] ، وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال : ( كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ ) ، وفي رواية الترمذي : ( قَدَّرَ اللهُ المَقَادِيرَ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ) ، فالقادر هو الذي قدر المقادير قبل الخلق والتصوير ، والقادر دلالته تتوجه إلى المرتبة الأولى من مراتب القدر ، وهي العلم والتقدير وإمكانية تحقيق المقدر ، ولذلك قال تعالى : (( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ )) [يس:81] ، وقال سبحانه أيضا : (( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ )) [المعارج:40/41] ، فالآيات تتعلق بإمكانية تحقيق المقدر ، وقال أيضا : (( وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ )) [المؤمنون:95]

......................
75- الخلاق : الخلاق صيغة مبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الخالق ، فعله خلق يخلق خلقا والفرق بين الخالق والخلاق أن الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى ، أما الخلاق فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا فمن حيث الكم يخلق ما يشاء كما قال : (( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرا )) [النساء:133] ، وقال : (( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )) [الأنعام:133] وأما من حيث الكيف فقال تعالى : (( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون َ)) [النمل:88] ، وقال : (( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ )) [التغابن:3] ، وقال : (( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُون َ)) [النحل:8] ، فالخلاق هو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بقدرته المطلقة ، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان ، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان ، وفي هذا رد على الذين قالوا ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن ذلك ينافي معنى اسمه الخلاق ، صحيح أن الله أحسن وأتقن كل شيء خلقه كما قال : (( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ )) [السجدة:7] لكن قدرة الله مطلقة فهو الخالق الخلاق كما أنه الرازق الرزاق

................
76- المالك : المالك في اللغة اسم فاعل فعله ملك يملك فهو مالك ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء ، لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه ، فإن قال قائل : فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه ، قيل له : لا يزول ملكه عنه حكما وديانة ، فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له ما هو في يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح ، وإن كان في ذلك مخطئا آثما آتيا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه ، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل : رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة ، والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليه منها شيء ، وقد قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة مَلِك يوم الدين بغير أَلف ، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بأَلف ، وقد رويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وسلم . والله عز وجل مالك الملك ، ملكه عن أصالة واستحقاك لأنه الخالق الحي القيوم الوارث

.........................
77- الرزاق : الرزاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الرازق ، فعله رزق يرزق رزقا ، والمصدر الرزق وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق . وحقيقة الرزق هو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم له في التقدير الأزلي والميثاقي ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم ، والذي يخرجه في السماوات والأرض ، فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان عليه السلام : (( أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )) [النمل:26] ، فالرزق مكتوب في السماء وهو وعد الله وحكمه في القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض ، قال سبحانه وتعالى : (( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )) [ الذريات:22] ، وقال عن تنفيذ ما قسمه لكل مخلوق فيما سبق به القضاء : (( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) [العنكبوت:60] ، وقال تعالى : (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )) [هود:6] ، فالله يتولاها لحظة بلحظة تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير . فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظ فهو كثير الإنفاق ، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق ، مبالغة في الإرزاق وما يتعلق بقسمة الأرزاق وترتيب أسبابها في المخلوقات ، ألا ترى أن الذئب قد جعل الله رزقه في أن يصيد الثعلب فيأكله ، والثعلب رزقه أن يصيد القنفذ فيأكله ، والقنفذ رزقه أن يصيد الأفعى فيأكلها ، والأفعى رزقها أن تصيد الطير فتأكله ، والطير رزقه في أن يصيد الجراد فيأكله ، وتتوالى السلسلة في أرزاق متسلسلة رتبها الرزاق في خلقه ، فتبارك الذي أتقن كل شيء في ملكه وجعل رزق الخلائق عليه ، ضمن رزقهم وسيؤديه لهم كما وعد ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه وحده لا شريك له قال تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) [الذاريات:57]

.....................
78- الوكيل : الوَكِيل في اللغة هو القَيِّم الكَفِيل الذي تكفل بأرْزَاق العِبَاد ، وحَقِيقة الوكيل أنه يَسْتَقل بَأَمْر الموْكول إليه ، يقال : توكل بالأَمْر إذا ضَمِنَ القِيام به ، ووكلت أمْرِي إلى فلان أي ألْجَأته إليه واعْتَمدت فِيه عَليه ، ووكل فلان فلانا إذا اسْتَكفاه أَمْرَه ، إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزا عن القيام بأمر نفسه ، ووكيلك في كذا إذا سلمته الأمر وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا ، وهداية وتقديرا ، فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا كما قال تبارك وتعالى : (( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )) [الأنعام:102] وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم قال تعالى : (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ )) [الأنفال:2]

...................
79- الرقيب : الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر t أن أبا بكر t قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) ( ) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون u : (( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي )) [طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) [المجادلة:7] ، وقال : (( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )) [الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم وإحاطة ( ) . والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى : (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )) [الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان : (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )) [ق:16/18]

...................
80- المحسن : المحسن في اللغة اسم فاعل ، فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحسْنُ ضدُّ القُبْح ، وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة )) [يونس:26] ، فالحسْنى الجنة والزّيادة النظر إلى وجه الهح تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه : (( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )) [طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله

.............
81- الحسيب : الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب ، وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَف الثابِتُ في الآباءِ ، والحسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي له آباء يفعلون الخير ولا يفعله هو والحسيب سبحانه هو العليم الكافي الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم ، ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم على مقتضى حكمته في ترتيب أسبابهم ، فضمن ألا تنفد خزائنه من الإنفاق ، وأن كلا سينال نصيبه من الأرزاق ، فهو الحسيب الرزاق وهو القدير الخلاق والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ، ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم في حال وجودهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها ، وحِسابُه واقعٌ لا محالة لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر ، كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ، ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب كما قال : (( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) [غافر:17] وهو سبحانه أيضا الحسيب الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه ، واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى : (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )) [آل عمران:173/174]

.....................
82- الشافي : الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءََ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى : (( وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ )) [آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ بن عبد الله t أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها لازم علينا من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ، ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها وهداها وسيرها وانفرد بذلك دون شريك وهذا توحيد الربوبية وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا بها وعلق عليها الشرائع والأحكام تحقيقا لتوحيد العبودية والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )) [يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية

...............
83- الرفيق : الرفيق في اللغة من صيغ المبالغة ، فعيل بمعنى فاعل ، فعله رَفقَ يَرْفق رِفقا ، والرِّفْق هو اللطف وهو ضد العنْف ، ويعني لِين الجانب ولطافة الفعل ، رفق بالأَمر وله وعليه وهو به رَفِيق يعني لَطِيف والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر ذنوبهم ويتوب عليهم ، وهو الذي تكفل بهم من غير عوض أو حاجة ، فييسر أسبابهم وقدر أرزاقهم وهداهم لما يصلحهم ، فنعمته عليهم سابغة ، وحكمته فيهم بالغة ، يحب عباده الموحدين ويتقبل صالح أعمالهم ، ويقربهم وينصرهم على عدوهم ، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان ، فهو الرفيق المحسن في خفاء وستر ، يحاسب المؤمنين بفضله ورحمته ، ويحاسب المخالفين بعدله وحكمته ، ترغيبا لهم في توحيده وعبادته ، وحلما منه ليدخلوا في طاعته . والله عز وجل رفيق يتابع عباده في حركاتهم وسكناتهم ، ويتولاهم في حلهم وترحالهم بمعية عامة وخاصة ، فالمعية العامة كقوله تعالى : (( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا )) [المجادلة:7] ، والمعية الخاصة كقوله : (( وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ )) [الأنفال:19] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ )

....................
84- المعطي : المعطي اسم فاعل فعله من أعطى يعطي فهو معط ، والعَطِيَّة اسمٌ لما يُعْطي وجمعها عَطايا وأَعْطِيَة ، والعطاء إعطاء المال ، والعَطاء أَصله اللفظي عَطاو بالواو لأَنه من عَطَوْت إِلا أَن العرب تَهْمِزُ الواو والياء إِذا جاءتا بعد الأَلف لأنها أفضل في النطق والحركة والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة كما قال تعالى عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية : (( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )) [طه:50] ، وقال تعالى عن عطاء الآخرة : (( وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاء رَبك عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ )) [هود:108]

...................
85- المقيت : المقيت اسم فاعل للموصوف بالإقاتة فعله أقات وأصله قَات يَقُوت قُوتا ، والقوت لغة هو ما يمسك الرمق من الرزق ، تقول : قات الرجلَ وأقاته أي أعطاه قوته والمصدر القوت ، وهو المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) ( ) . والمقيت سبحانه هو المقتدر الذي خلق الأقوات وتكفل بإيصالها إلى الخلق ، وهو حفيظ عليها ، فيعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان أو مكان أو كم أو كيف وبمقتضى المشيئة والحكمة ، فربما يعطي المخلوق قوتا يكفيه لأمد طويل أو قصير كيوم أو شهر أو سنة ، وربما يبتليه فلا يحصل عليه إلا بمشقة وكلفة ، والله عز وجل خلق الأقوات على مختلف الأنواع والألوان ويسر أسباب نفعها للإنسان والحيوان قال تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفا أكلهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّان مُتَشَابِها وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كلوا مِنْ ثمَرِهِ إِذَا أَثمَر وَآتُوا حَقهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المسْرِفِينَ )) [الأنعام:141] ، وكما أنه سبحانه المقيت الذي يوفي كامل الرزق للإنسان والحيوان ، فإنه أيضا مقيت القلوب بالمعرفة والإيمان ، وهو الحافظ لأعمال العباد بلا نقصان ولا نسيان ( ) ، قال البيهقي في تفسير الاسم : ( المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة ، وقيل : المقيت الحفيظ ، وقيل : هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل )

...............
86- السيد : السيد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالسيادة ، أصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فقلبت الواو ياء لأجْل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقد سادهم سُودا وسِيادة يعني استادهم ، والسَّيّد يُطلق على الربِّ والمالِك والشَّرِيف والفاضل والكريم والحليم ومُتَحمِّل أذى قومِه والزَّوج والرئيس والمقدَّم ، والسيد على الإطلاق هو الله لأنه مالك الخلق أَجمعين ولا مالك لهم سواه ( ) . والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة المطلقة ، فالخلق كلهم عبيده وهو ربهم ، وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم ، وهو المالك الكريم الحليم الذي يملك نواصيهم ويتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم ( ) ، قال ابن القيم : ( وأما وصف الرب تعالى بأنه السيد فذلك وصف لربه على الإطلاق فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون وبأمره يعلمون وعن قوله يصدرون ، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا له سبحانه وتعالى وملكا له ليس لهم غنى عنه طرفة عين وكل رغباتهم إليه وكل حوائجهم إليه كان هو سبحانه وتعالى السيد على الحقيقة ) . وقال الآلوسي في روح المعاني : ( وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خوف فيه ، وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث ) ، وقال ابن القيم : ( السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق علي المخلوق )

...........
87- الطيب : الطيب في اللغة على بناء فِعْل ، فعله طاب يطيب طيبا فما أطيبه ، يعني ما أجمله وما أزكاه وما أنفسه ، وما أحلاه وما أجوده ، والطيب يكون في المحسوسات وغيرها فالطيب من المحسوسات هو ما لذ وزكا من خيار المطعومات والملبوسات في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى : (( كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً )) [البقرة:168] ، وقال تعالى عن طيبات الآخرة : (( وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ )) [الصف:12] ( ) ، أما الطيب في غير المحسوسات فهو كالطيب من القول والكلمات أو الباقيات الصالحات كما في قوله تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ )) [إبراهيم:24]. والله عز وجل طيب له الكمال في ذاته وأسمائه وصفاته ، قال تعالى : (( اللّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )) [طه:8] ، وقال تعالى : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) [الشورى:11] ، وهو أيضا طيب في أفعاله يفعل الأكمل والأحسن ، فهو الذي أتقن كل شيء ، وأحسن كل شيء ، فالحكيم اسمه والحكمة صفته ، وهي بادية في خلقه تشهد لكمال فعله ، وتشهد بأنه جميل جليل عليم خبير ، قال تعالى : (( صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ )) [النمل:88] ، وقال : (( صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ )) [البقرة:138] ، وقال : (( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ )) [السجدة:7] ، والطيب أيضا هو القدوس المنزه عن النقائص والعيوب ، قال القاضي عياض : ( الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث ) . وهو سبحانه الطيب الذي طيب الدنيا للموحدين فأدركوا الغاية منها وعلموا أنها وسيلة إلى الآخرة سينتقلون عنها ، وطيب الجنة لهم بالخلود فيها فشمروا إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم رغبة في القرب من الله

.....................
88- الحكم : الحكم في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الحاكم ، وهو الذي يحَكم ويفصل ويقضي في سائر الأمور ، فعله حكم يحكم حُكْما ، والحكم العلم والفقه ، قال الله تعالى : (( يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحكمَ صَبِيّا )) [مريم:12] ، والحكم القضاء بالعدل قال تعالى : (( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ )) [النساء:58] ، والحَكَم بفتحتين هو الحاكم ، وحَكَّمه في ماله تحكيماً إذا جعل إليه الحُكْمَ فيه ، واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكمُوا بمعنى واحد قال تعالى : (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )) [النساء:65] ، والمحاكمة هي المخاصمة إلى الحاكم ( ) . والحكم سبحانه هو الذي يحكم في خلقه كما أراد ، إما إلزاما لا يرد وإما تكليفا على وجه الابتلاء للعباد ، فحكمه في خلقه نوعان : أولا : حكم يتعلق بالتدبير الكوني وهو واقع لا محالة لأنه يتعلق بالمشيئة ، ومشيئة الله لا تكون إلا بالمعنى الكوني فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن ثم لا معقب لحكمه ولا غالب لأمره ولا راد لقضائه وقدره ، ومن هذا الحكم ما ورد في قوله تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) [الرعد:41] ، وكذلك قوله : (( قَال رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ )) [الأنبياء:112] ، أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك . ثانيا : حكم يتعلق بالتدبير الشرعي وهو حكم تكليفي ديني يترتب عليه ثواب وعقاب وموقف المكلفين يوم الحساب ، ومثاله ما جاء في قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَليْكُمْ غَيْرَ مُحِلي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )) [المائدة:1] ، ومثال الحكم الشرعي أيضا قوله تعالى : (( وَمَا اخْتَلفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلى اللهِ )) [الشورى:10] ، وقوله : (( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَمَا أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ )) [المائدة:43]

.........................
89- الأكرم : الأكرم اسم دل على المفاضلة في الكرم ، فعله كرم يكرم كرما ، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع والأعظم والأشرف ، والأعلى من غيره في كل وصف كمال ، قال تعالى : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) [الحجرات:13] . والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله في كرمه نظير ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم ، لكن الفرق بين الكريم والأكرم أن الكريم دل على الصفة الذاتية والفعلية معا كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات ، وأيضا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب ولا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى وهذا كمال وجمال في الكرم ، أما الأكرم فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال ، فالله عز وجل لا كرم يسموا إلى كرمه ولا إنعام يرقى إلى إنعامه ولا عطاء يوازي عطاءه ، له علو الشأن في كرمه ، يعطى ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله فما أكرمه وما أرحمه وما أعظمه ، وحسبنا ما جاء في قوله : (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )) [النحل:18] ، وقال : (( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) [الضحى:11] ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ )

..................
90- البر : الَبرُّ اسم فاعل للموصوف بالبر ، فعله بَرَّ يَبَرُّ فهو بارُّ وجمعه بَرَرَة , والبِرُّ هو الإحسان ، والبر في حق الوالدين والأقربِينَ من الأهل ضدّ العُقوق وهو الإساءة إليهم والتَّضْييع لحقهم ، والبَرُّ والبارّ بمعنى واحد , لكن الذي ثبت في أسماء الله تعالى البَرُّ دُون البارّ والأسماء كما علمنا توقيفية على النص . والبر سبحانه وتعالى هو العَطوف على عبادة ببِرة ولطفه ، فهو أهل البر والعطاء يحسن إلى عباده في الأرض أو في السماء ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ، وَقَالَ : يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ( ) ، كما أن البر عز وجل هو الصادق في وعده الذي يتجاوز عن عبده وينصره ويحميه ، ويقبل القليل منه وينميه ، وهو المحسن إلى عبادِهِ الذي عَمَّ بِرُّهُ وإحسانُه جميعَ خلقِهِ فما منهم من أحد إلا وتكفل الله برزقه ( ) ، قال أبو السعود : ( البر المحسن الرحيم الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب )

.....................
91- الغفار: الغفار في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال كثير المغفرة ، فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وقد تقدم الحديث عن المعنى اللغوي في تفسير اسم الله الغفور . والغفار سبحانه هو الذي يستر الذنوب بفضله ويتجاوز عن عبده بعفوه ، وطالما أن العبد موحد فذنوبه تحت مشيئة الله وحكمه ، فقد يدخله الجنة ابتداء وقد يطهره من ذنبه ، والغفور والغفار قريبان في المعنى فهما من صيغ المبالغة في الفعل ، وقيل الغفار أبلغ من الغفور ، فالغفور هو من يغفر الذنوب العظام ، والغفار هو من يغفر الذنوب الكثيرة ، غفور للكيف في الذنب وغفار للكم فيه ( ) ، وقد تكون هناك من الفروق ما لم يظهر حتى الآن مما يظهر إعجاز القرآن فيما يستقبل من الزمان ، كما هو الحال في الإعجاز العددي لحساب الحروف والجمل فإنها أمور تزيد العقل عجزا في تصور عظمة القرآن ، وقد ظهر الآن الإعجاز الصوتي للأسماء الحسنى وإن كان الأمر يتطلب مزيدا من الأدلة ، فقد تبين بالتجربة أن كل اسم له تأثير صوتي على الجهاز المناعي في الإنسان ، وأمور أخرى تبين أن اسم الله الغفار على وزن فعال له موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله ، وأن اسم الله الغفور على وزن فعول له أيضا موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله

....................
92- الرءوف : الرءوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ، وهو الموصوف بالرأفة ، فعله رَأَفَ به يَرْأَف رَأْفة ، والرأفة في حقنا هي امتلاء القلب بالرقة ، وهي أشد ما يكون من الرحمة ، وقيل : بل شدة الرحمة ومنتهاها ، قال تعالى : (( الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ )) [النور:2] ، يعني لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئا من الرحمة والرقة ، فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحد ، ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة ، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها يقال : فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رءوف ، فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ولذلك قدمت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : (( بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ )) [التوبة:128] ، وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة ، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين ، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين ، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان وعلى حسب علو الهمة في عمل الإنسان وقد كانت رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ما بعدها رأفة . والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، روى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) ( ). وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين ، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَابَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه ) ( ) ، وعنده أيضا من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري t أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال : ( إِن اللهَ عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْل ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيء الليْل حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) ( ) ، والرءوف أيضا هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم ، قال تعالى : (( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً )) [النساء:28] ، وقال : (( لا يُكَلفُ اللهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا )) [البقرة:286]

.........................
93- الوهاب : الوهاب في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعال من الواهب وهو المعطي للهبة ، فعله وهب يهب وهبا وهبة ، والهبة عطاء الشيء بلا عوض ، قال ابن منظور : ( الهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض ، فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا ، وهو من أبنية المبالغة ) . والوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بلا عوض ، ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض ، ويعطي الحاجة بغير سؤال ، ويسبغ على عباده النعم والأفضال ، نعمه كامنة في الأنفس وجميع المصنوعات ، ظاهرة بادية في سائر المخلوقات ، نعم وعطاء وجود وهبات تدل على أنه المتوحد في اسمه الوهاب ، قال تعالى : (( للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ )) [الشورى:50] . والله جل شأنه يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء ، ويهب العطاء في الآخرة على سبيل الأجر والجزاء ، فعطاؤه في الدنيا علقه بمشيئته وابتلائه للناس بحكمته ليتعلق العبد بربه عند النداء والرجاء ، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء ، وهذا أعظم فضل وهبة وعطاء إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء ، واستعان بالله في تحقيق ما يتمناه ، قال زكريا عليه السلام في دعائه : (( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً )) [مريم:5] ، وقال سبحانه عن عباده الموحدين : (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )) [الفرقان:74] ، وقال تعالى في المقابل عن الراغبين في الدنيا المعرضين عن الآخرة : (( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُورا ً)) [الإسراء:18] ، فعلق تحقيق مراد العبد في الدنيا على مشيئته سبحانه ، أما في الآخرة فيحقق للعبد مشيئته وما يتمناه قال تعالى : (( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ )) [قّ:35] ، فالله عز وجل من أسمائه الحسنى الوهاب ومن صفاته أنه يهب ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء ، فإن أوجب شيئا على نفسه فهو من فضله وكرمه ، فما يعطيه لعباده ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة إنما هي نعم وهبات وهي من الكثرة بحيث لا تحصيها الحسابات

......................
94- الجواد : الجواد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالجود ، فعله جادَ يَجود جَوْدة ، والجَيِّد نقيض الرديء ، وقد جاد جَوْدة وأَجاد يعني أَتى بالجَيِّد من القول أَو الفعل ، والجود هو الكرم ، ورجل جَواد يعني سخي كثير العطاء ، والجود من المطر هو الذي لا مطر فوقه في الكثرة ، وفلان يَجُود بنفسه أَي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإِنسان ماله ويجود به ، وعند البخاري من حديث أسامة بن زيد t قَالَ : ( كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ .. أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا : لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى كُلٌّ بِأَجَلٍ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ) (، والذي يجود بنفسه عند الموت لا دخل له في إخراج الروح أو إبقائها ، وإنما ذلك لله عز وجل الذي يأمر ملائكته باستخراجها ، ولكن عبر بأنه يجود بنفسه تكريما له إذ لا حيلة في دفع الموت ، أو لرضاه بقدر الله واستعداده للقائه ورغبته في أن يلقى الله مؤمنا ، كما في حديث عمران بن حصين t في المرأة الجهنية التي رجمت بحد الزنا قال صلى الله عليه وسلم : ( وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَى ) ، فالجود سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ويكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء والسماح والجواد سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته ، الذي ينفق على خلقه بكثرة جوده وكرمه ، وفضله ومدده ، فلا تنفد خزائنه ، ولا ينقطع سحاؤه ، ولا يمتنع عطاؤه ، روى البخاري من حديث أَبِي هريرة t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَة سَحَّاء الليْلَ وَالنَّهَارَ ، أرَأيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذ خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدهِ ) ( ) ، وهو سبحانه من فوق عرشه عليم بموضع جوده في خلقه ، فلا يعطي إلا بمقتضى عدله وحكمته ، وما يحقق مصلحة الشيء وغايته ، ولذلك جاء عقب ذكر جوده ونفقته : ( عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَبِيَدِهِ الأخْرَى المِيزَان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) ( ) . وهو الذي يهدي عباده أجمعين إلى جادة الحق المبين ، هداهم سبل الشرائع والأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وبين لهم أسباب صلاحهم في الدنيا والآخرة ودعاهم إلى عدم إيثار الدنيا على الآخرة ، قال تعالى : (( وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) [يونس:25] ، وقال سبحانه : (( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) [هود:56]

......................
95- السبوح : السبوح في اللغة من أبنية المبالغة على وزن فعُّول ، فعله سبح يَسبحُ تسبيحا ، وسَبَحَ في الكلام إِذا أَكثر فيه التَّسبيح والتنزيه ، وسبحان الله معناه تنزيه الله من الصاحبة والولد ، وقيل : معناه تنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به ، وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له شريك أَو ندّ ، أَو مثيْل أَو ضدّ وسبَّحْتُ الله تسبيحاً وسُبْحانا بمعنى واحد . والسُبّوحُ عز وجل هو الذي له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص ، وله الأفعال المقدسة عن الشر والسوء ، حيث يسْبحُ فيها قلبُ المسبح تذكرا وتفكرا فلا يرى إلا العظمةَ والبعدَ عن النَّقص والشَّر ، فيقول ما أبْعَد الله عن السوء ، ثم يقطع مسافة أو مَرْحَلة أخرى في معرفةِ الأَوْصَاف ومشاهدةِ والأفعال فيزداد تعظيماً لله وتبعيدا له من السوء ، والقلب في ذلك يبتعد من الظلمات إلى النور ، ومن إرادة الشر إلى إرادة الخير ومن عَمَى القلوب وأَدْوَائها إلى نُورِها وشفائِها ، ومن فسَادِها وَسَيْطرة الأهواء عليها إلى صَلاحِها وسَيْطرة الوَحْي عليها ( ) ، وعند مسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري t أنه قَالَ : ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ .. وذكر منها .. حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) . والسبوح سبحانه هو الذي سبح بحمده المسبحون قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ )) [الأعراف:206] ، وقال : (( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ )) [يونس:10] ، وقال سبحانه : (( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِن مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً )) [الإسراء:44]

................
96- الوارث : الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره ، يقال : ورث فلان أباه يرثه وراثة وميراثا ، وورث الرجل ولده مالا أي أشركه في ماله ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من المتقدم إلى المتأخر ، ومنه وارث مال الميت الذي يملك تركته ، ووارث الملك يرث سلطانه . والوارث سبحانه هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق ، قال ابن منظور : ( الوارث صفة من صفات الله عز وجل وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم والله عز وجل يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ، أي يبقى بعد فناء الكل ويفنى من سواه ، فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له ) . وإذا كان الخلائق يتعاقبون على الأرض فيرث المتأخر المتقدم ، ويرث الولد والده والزوج زوجته وهكذا يستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة في الدنيا ، فإنه لا يبقى إلا مالك الملك الوارث الكبير ، قال تعالى : (( وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )) [آل عمران:180] ، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق أو الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها ، والوارث أيضا هو الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا كما قال تعالى : (( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تطَئُوها وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرا )) [الأحزاب:27] ، وكذلك أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة فجعل لهم البقاء مخلدين فيها كما قال : (( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )) [الزمر:74] ، وقال : (( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً )) [مريم:63] ، وتوريث المؤمنين الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء والإرث ، لأن خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته فبقاء المخلوقات ليس من طبيعتها ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، أما بقاء الله ودوامه وميراثه وسائر أوصافه فهي باقية ببقائه ملازمة لذاته سبحانه وتعالى ، لأن البقاء صفة ذاتية له فهو الوارث لجميع الخلائق في الدنيا والآخرة

.........................
97- الرب : الرب في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالربوبية ، فعله ربَّ يربُّ ربوبية ، أو ربى يربي تربية ، والرب هو الذي يربي غيره وينشئه شيئا فشيئا ويُطْلقُ على المالِك والسَّيِّد والمدَبَّر والمُرَبِّي والقَيِّم والمُنْعِم ، ولا يُطلَقُ غيرَ مُضاف إلا على الله تعالى ، وإذا أُطلِقَ على غَيره أُضِيف ؛ كرب الإبل ورب الدار ، أي مالكها ، ويطلق أيضا على السيد المطاع ، ومنه قوله تعالى : (( أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا )) أي سيده المطاع ، ويطلق الرب أيضا على المعبود والرب سبحانه وتعالى هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها وإصلاحها وهو الذي نظم معيشتها ودبر أمرها ، ودليل هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى : (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يُغْشِي الليْل النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ )) [الأعراف:54] ؛ فالرب سبحانه هو المتكفل بالخلائق أجمعين إيجادا وإمدادا ورعاية وقياما على كل نفس بما كسبت ، قال تعالى : (( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلى كُل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )) [الرعد:33] . وحقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين وردا في آيات كثيرة أحدهما إفراد الله بالخلق ، والثاني إفراده بالأمر وتدبير ما خلق ، كما قال تعالى عن موسى هو يبين حقيقة الربوبية لفرعون لما سأله: (( قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَال رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى )) ، فأجاب فرعون عن الربوبية بحصر معانيها في معنيين جامعين ، الأول إفراد الله بتخليق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده ، والثاني إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم والقيام على شؤونهم وتصريف أحوالهم والعناية بهم فهو سبحانه الذي توكل بالخلائق أجمعين قال تعالى : (( اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيل )) [الزمر:63]

..........
98- الأعلى : الأعلى في اللغة أفعل التفضيل ، فعله علا يعلو علوا ، فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه ، وهي مفاضلة بين اثنين أو الجميع في عظمة وصف أو فعل ، أو مفاضلة بين صاحب العلو والأعلى منه ، فالأعلى ذو العلا والعلاء والمعالي ( ) ، قال تعالى : (( وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )) [النحل:60] ، وقال : (( وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )) [الروم:27] ، قال الألوسي : ( وله المثل الأعلى أي الصفة العجيبة الشأن التي هي مثل في العلو مطلقا ، وهو الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود الواسع ، والنزاهة عن صفات المخلوقين ، ويدخل فيه علوه تعالى عما يقولون علوا كبيرا ) . واسم الله الأعلى دل على علو الشأن وهو أحد معاني العلو ، فالله عز وجل تعالى عن جميع النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته ، وتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير ، وتعالى في عظمته أن يشفع أحد عنده دون إذنه ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد ، وتعالى في كمال حياته وقيوميته عن السنة والنوم ، وتعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم ، وتعالى في علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدي دون غاية أو ابتلاء أو امتحان ، وتعالى في غناه يُطعِمُ وَلا يُطعَمُ ويرزُق ولا يُرزَق ، بل هو على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، تعالي في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل . والله عز وجل يجوز في حقه قياس الأولي بدليل قوله : (( وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )) [النحل:60] ، فإنه من المعلوم أن كل كمال أو نعت ممدوح لنفسه لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات المخلوقة المحدثة فالرب الخالق الصمد القيوم هو أولى به ، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات المحدثة فالرب الخالق القدوس السلام هو أولى أن ينزه عنه ، قال ابن تيمية : ( ولهذا كانت الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية قياس الأولى كما قال الله تعالى : (( وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلَى )) ، إذ لا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها ولا يتماثلان في شيء من الأشياء ، بل يعلم أن كل كمال لا نقص فيه بوجه ثبت للمخلوق فالخالق أولى به وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فالخالق أولى بنفيه عنه ) ، فقياس الأولى جائز في حق الله وأسمائه وصفاته وأفعاله أما المحرم الممنوع فهو قياس التمثيل والشمول

99- الإله : الإله في اللغة اسم المفعول المألوه أي المعبود ، فعله أَلهَ يألهُ إلاهَة ، والإله هو الله عز وجل ، وكل ما اتخذ من دونه معبودا إِلهٌ عند متخذه ، والآلِهَةُ الأَصنام سموا بذلك لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها ، وأصله إلاهٌ على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود ، كقولنا إمام بمعنى مؤتم به ، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام . والإله سبحانه هو المعبود بحق ، المستحق للعبادة وحده دون غيره ، وقد قامت كلمة التوحيد في الإسلام على معنى الألوهية ، قال ابن تيمية : ( لا إله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية ، والألوهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد فإن الإله هو المألوه والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد ، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزمك أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع ، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل ) . واسم الإله يختلف في معناه عن اسم الرب في كثير من النواحي ، فالرب معناه يعود إلى الانفراد بالخلق والتدبير ، أما الإله فهو المستحق للعبادة المألوه الذي تعظمه القلوب وتخضع له وتعبده عن محبة وتعظيم وطاعة وتسليم ، ولذلك كان التوحيد الذي أمر الله عز وجل به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا فيكون الدين كله لله ، ولا يخاف العبد إلا الله ، ولا يدعو أحدا إلا الله ويكون الله أحب إليه من كل شيء ؛ فالموحدون يحبون لله ويبغضون لله ويعبدون الله ويتوكلون عليه  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق