بسم اللـه الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . [ آل عمران - 102 ] .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } . [ النساء -1 ] .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللـه وَقُولُـوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُـمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِــرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـنْ يُطِـعِ اللـه وَرَسُولَـهُ فَقَــدْ فَـازَ فَوْزًا عَظِيمًا } . [ الأحزاب -70 ، 71 ] .
أما بعـــد ...
فإن أصدق الحديث كلام اللـه ، وخير الهدى هدى محمد r وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثــة بدعة وكل بدعــة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم أما بعد ..
أحبتى فى اللـه ..
هذا هو لقاءنا الثالث عشر من لقاءات هذه السلسة الكريمة المباركة وكنا قد توقفنا فى اللقاء الماضى مع هذا المشهد المهيب الكريم حين يأتى الملك الحق جلا جلاله إلى أرض المحشر إتياناً يليق بكماله وجلاله مصداقاً لقوله سبحانه { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ } [ البقرة : 210 ] .
وهنا يبدأ الحساب للعباد ، وهذا هو لقاءنا اليوم مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك وحتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف ينتظم حديثنا فى العناصر التالية :-
أولاً : لا ظلم اليوم .
ثانياً : العرض على اللـه وأخذ الكتب .
ثالثاً : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
فأعيرونى القلوب والأسماع . واللـه أسال أن يسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض إنه حليم كريم رحيم .
أولاً : لا ظلــم اليـــــوم
أيها الأحباب الكرام : واللـه لو عذب اللـه أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، فهم عبيده فى ملكه ، فالمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء ، ولكنه برحمته سبحانه وتعالى وكرمه وحنانه ولطفه بعبيده قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً .
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] .
وقال جل وعلا : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] .
وقال تعالى { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } [ غافر : 31 ] .
وقال أيضاً فى الحديث القدسى الذى رواه مسلم من حديث أبى ذر عن الحبيب النبى r عن رب العزة قال تعالى : (( ياعبادى إنى حَرَّمْتُ الظلمَ على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )) ([1]) .
فاللـه جل وعلا عدل ، لطيف ، حليم ، كريم لا يظلم أحداً من خلقه ، ولا يظلم أحداً من عباده ، ولذا فإن اللـه جل وعلا يحاسب العباد يوم القيامة وفقاً للقواعد التالية : -
القاعدة الأولى : العدل التام الـذى لا يشوبــه أى ظلـم .
قــال تعـالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] .
اعلم أنك لن تعرض على محكمة كمحاكم الدنيا ففى محاكم الدنيا قد يجيد الخصومُ التزويرَ والتحريفَ ولكن اعلم بأن الذى سيتولى محاكمتك يوم القيامة هو اللـه الذى قال : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(19)وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ غافر : 19 - 20 ] .
وقال جل وعلا : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا(48)وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 47 - 49 ] .
قال تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ] .
فالمقصود أن عمل ابن آدم كله محفوظ ومسطور فى كتاب عند اللـه جل وعلا لايضل ربى ولا ينسى واعلم علم اليقين أن ما نسيه الإنسان لا ينساه الرحمن .
دع عنك ماقد فات فى زمن الصِّبَا |
|
واذكر ذنوبك وابكهـــا يا مذنب |
لــم ينس الملكان حين نسيتــه |
|
بـــل أثبتـــاه وأنت لاهٍ تلعبُ |
والروح منك وديعــة أودعتهـا |
|
سَتَـــرُدَّهَا بالرغم منك وتُسْلَـبُ |
وغرورُ دنياكَ التـى تَسْعَـى لها |
|
دارُُ حقيقتها متاعُُ يذهـــــبُ |
الليلُ فاعلم والنهـارُ كلاهمـــا |
|
أنفاسنَا فيهمـــا تُعَدُّ وَتُحْسَــبُ |
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } .
القاعدة الثانية : أن لا تَزِرُ وزارة وِزْرَ أخرى
قال تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا(13)اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14)مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا }
[ الإسراء : 13 - 15 ].
وقال تعالى : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى(36)وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(37)أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(38)وَأَنْ لَيْسَ للإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى(39)وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى(40)ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى } [ النجم: 36 -41].
فلا تتحمل نفس ذنب نفس أخرى ، بل سيمر الولد يوم القيامة على والده فيقول له والده : أى بنى أنا أبوك ! اعطنى حسنةً من حسناتك فلقد كنت لك نِعْمَ الأب فيقول الابن لأبيه: نفسى ! ويقول الابن لأمه: نفسى .
وكيف لا ؟!! وقد قال كل نبى من الأنبياء نفسى ، نفسى ، نفسى. إلا الحبيب المحبوب محمد r .
القاعدة الثالثة : إعذار اللـه لخلقه
إن اللـه سبحانه يعلم عمل العباد من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة ، ومع ذلك من عظيم عدله وفضله وكرمه ، أن يعرض على العباد أعمالهم يوم القيامة حتى لا يكون لأحد عذر بين يديه .
قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } . [ آل عمران : 30 ] .
وقال سبحانه : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } [ التكوير : 14 ] .
وقال سبحانه { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] .
القاعدة الرابعة : إقامة الشهود على العباد يوم القيامة
وإن أعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الملك الذى يعلم السر وأخفى وعلم ماكان وما هو كائن وما سيكون .
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [ النساء :33 ]
ثم تأتى الرسل وتشهد على جميع الأمم ثم تأتى أمة الحبيب لتشهد على جميع الأمم ، يشهد كل رسول على أمته وتأتى أمة المحبوب r لتشهد على جميع الأمم ثم يأتى خير الأولين والأخرين ليشهد على الجميع .
اللـه أكبر!! اللـه أكبر !!
قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [ البقرة : 143 ] .
وقال الملك لحبيبه المصطفى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } [ النساء : 41 ] .
وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى أن الحبيب النبى r قال : (( يُدْعَى نوحُُ يوم القيامة فيقال له : يا نوح ، فيقول نوح : لبيك وسعديك . فيقول اللـه : هل بَلَّغْتَ قومك ؟!! فيقول نوح : نعم يارب فيدعى قوم نوح ويقال لهم : هل بَلَّغَكُم نوح :فيقولون : لا ما أتانا من أحد . فيقول اللـه جل وعلا : من يَشْهَد لك يانوح ؟! فيقول نوح : يشهد لى محمد وأمته ، يقول المصطفى r : فتدعون فتشهدون له ثم أشهد عليكم فكذلك قول اللـه تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ([2]) .
ثم تشهد الملائكة ، قال تعالى : { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : 21 ] .
ثم تشهد الأرض بما عمل على ظهرها من طاعات وسيئات ففى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث أبى هريرة أنه r (( قرأ يوماً قول اللـه { يومئذ تحدث أخبارها } [ الزلزلة : 4 ] قال المصطفى r : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا اللـه ورسوله أعلم ، قال : (( أخبارها أن تشهد الأرض على كل عبد أو أَمَةٍ بما عمل على ظَهْرِهَا فتقول : يارب لقد عمل كذا وكذا فى يوم كذا وكذا فهذا أخبارها )) ([3]) .
فيجادل العبد اللئيم ربه الكريم ويقول يارب أنا أرفض هذه الشهادة وأرفض هؤلاء الشهود ولا أقبل شاهداً إلا من نفسى .
كما فى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أنس رضى اللـه عنه قال :كنا عند رسول اللـه r فضحك ، فقال :(( هل تدرون مِمَّ أضحك ؟ )) قلنا : اللـه ورسوله أعلم ، قال : (( من مخاطبة العبد ربه ، فيقول يارب ألم تجرنى من الظلم ؟ يقول :بلى ، فيقول : فإنى لا أجيز اليوم على نفسى شاهداً إلا منى ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً ، والكرام الكاتبين شهوداً ، قال : فيختم على فيه ، ويقول لأركانه : انطقى بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، فيقول : بُعْداً لَكُنَّ وَسُحقاً ، فعنكن كنت أُناضِل ))([4]) .
قال تعالى : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ يس : 65 ] .
وقال جل وعلا { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19)حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21)وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ(22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(23)فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } [ فصلت : 19-24 ] .
القاعدة الخامسة : مضاعفة الحسنات لأهل الإيمان
مضاعفة الحسنات لأهل التوحيد والإيمان { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ الحديد : 21 ] .
فاللـه سبحانه وتعالى يضاعف الحسنة إلى عشر أمثالها .
قال تعالى : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [ الأنعام : 160 ] .
ويقول المصطفى r كما فى الحديث الذى رواه أحمد فى مسنده والحاكم فى مستدركه وحسن الحديث شيخنا الألبانى من حديث أبى ذر الغفارى أن النبى r قال : قال اللـه تعالى فى الحديث القدسى (( الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفرها ))([5]) .
وفى الحديث الذى رواه الترمذى وصححه الشيخ الألبانى من حديث ابن مسعود أن النبى r قال :(( من قرأ حرفاً من كتاب اللـه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول { ألم } حرف ، ولكن { ألف } حرف { ولام } حرف {وميم } حرف )) ([6]) .
تدبر معى أيها الحبيب الكريم بل قد يضاعف اللـه الحسنة إلى أكثر من سبعمائة ضعف فذلك قول اللـه تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] .
وهناك من الأعمال ما لا يعلم ثوابها إلا اللـه .
قال تعالى فـى الحديث القدسى المخرج فـى الصحيحيـن : قال r : قال اللـه تعالى : (( كل عمل ابن آدم لـه إلا الصوم فإنـه لى وأنا أجزى به )) ([7]) .
ولك أن تتصور الجزاء من الواسع الكريم جل جلاله على الصبر .
قال اللـه فيه {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ الزمر :10]
القاعدة السادسة والأخيرة : تبديل السيئات حسنات
إن اللـه تبارك وتعالى بمنه وكرمه على عباده المؤمنين يبدل سيئاتهم حسنات قال تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًاً } [ الفرقان : 68 - 70 ] .
وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أبى ذر رضى اللـه عنه أنه قال حدثنا الصادق المصدوق r فقال : (( إنى لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة وآخر أهل النار خروجاً منها ، رجل يأتى به يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغارها ، فيقال له: عملت يوم كذا وكذا ، وعملت يوم كذا وكذا ، كذا وكذا فيقول : نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه )) .
وفى هذه الحالة الرهيبة من الرعب والفزع يقال له : (( إن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول العبد : ربى قد عملت أشياء لا أراها ها هنا ، قال أبو ذر فلقد رأيت النبى ضحك حتى بدت نواجزه r )) ([8]) .
هذا فضل اللـه جل وعلا على عباده المؤمنين .
أحبتى فى اللـه: هذه هى القواعد التى يحاسب اللـه بها العبد يوم القيامة
ثانياً : العرض على اللـه وأَخْذِ الكُتُب
فقد سجل اللـه فى قرآنه العظيم { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(21)لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22)وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ(23)أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ(24)مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ(25)الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ(26)قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ(27)قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [ ق : 21 - 29 ] .
وفى الصحيحين من حديث عائشة أنه r قال : (( من نوقش الحســاب يوم القيامة عُذِّبْ )) قالت عائشة يا رسول اللـه أو ليس اللـه يقول:{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ(7)فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:7-8]
فقال المصطفى r : (( إنما ذلك العرض وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك )) ([9]) .
فمن نوقش الحساب عذب .
سينادى عليك كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم أنه صلى اللـه عليه وسلم قال : (( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينة وبينة تُرجُمَان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قَدَّمَ ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجه ، فاتقو النار ولو بشق تمرة )) ([10]) .
تنادى الملائكة أين فلان بن فلان ؟!!
من؟!! هذا هو اسمى .
فإذا تَيَقّنْتَ أنك أنت المطلوب،قرع النداء قلبك فاصفر لونك وتغير وجهك وطار قلبك ، وقد وُكّلَت الملائكة بأخذك أمام الخلق أجمعين ، على رؤوس الأشهاد ، ويرفع الخلائق جميعا أبصارهم إليك وأنت فى طريقك للوقوف بين يدى الملك تتخطى الصفوف يا عبد اللـه .
وأسألك باللـه أن تتصور هذا المشهد الذى يكاد يخلع القلوب .
تتخطى صفوف الملائكة ، صفوف الجن وصفوف الإنس ، فى أرض المحشر لترى نفسك واقفا بين يدى الحق جل جلاله ليكلمك اللـه لتعطى صحيفتك !!
هذه الصحيفة التى لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها ، فكم من معصية قد كنت نسيتها ؟! ذكرك اللـه إياها ، وكم من معصية قد كنت أخفيتها ؟! أظهرها اللـه لك وأبداها!!!
فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت فى دنياك من طاعة مولاك،
فإن كان العبد من أهل السعادة ممن رضى اللـه عنهم فى الدنيا والآخرة ـ اللـهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين ـ أعطاه اللـه كتابه بيمينه وأظهر له فى ظاهر الكتاب الحسنات ، وفى باطنه السيئات فيأمر العبد أن يبدأ فيقرأ السيئات فيصفر لونه ويتغير وجه وترتعد فرائصه .
فإذا ما أنهى قراءة السيئات وجد فى آخر الكتاب ، هذه سيئاتك قد غفرتها لك ، فيتهلل وجهه ويسعد سعادة لا يشقى بل لن يشقى بعدها أبداً ويواصل القراءة حتى إذا ما وصل الى آخر الكتاب قرأ الحسنات فازداد وجهه إشراقاً وازداد فرحاً وسروراً وقال له الملك جل جلاله : انطلق إلى أصحابك وإخوانك ـ أى من أهل التوحيد والإيمان - فبشرهم أن لهم مثل ما رأيت فينطلق وكتابه بيمينه والنور يشرق من وجهه ومن أعضاءه يقول لأصحابه وخلاَّنه ألا تعرفوننى ؟! فيقولون من أنت لقد غمرتك كرامة اللـه؟!!فيقول أنا فلان بن فلان انظروا هذا كتابى بيمينى (( اقرأوا كتابيه )) اقرأوا هذا الكتاب معى ، شاركونى الفرحة والسعادة ، انظروا هذا توحيدى وهذه صلاتى ، وهذه زكاتى ، وهذه صدقتى ، وهذا حجى ، وهذا قيامى الليل ، وهذا إحسانى ، وهذا برى بوالدى ، وهذا إحسانى للأهل والجيران ، وهذا أمرى بالمعروف ، وهذا نهى عن المنكر ، وهذا بعدى عن الغيبة والنميمة ، وهذا بعدى عن ظلم العباد { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ(19)إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 19ـ 24] .
أما إذا كان من أهل الشقاوة - أعاذنا اللـه وإياكم من ذلك - ممن غضب اللـه عليهم فى الدنيا والآخرة ، ينادى عليه أين فلان بن فلان؟!! وسبحان اللـه ! من لا تختلف عليه الأصوات ولا تشتبه عليه اللغات ولا تشتبه عليه الأسماء والصفات .
أين فلان بن فلان ؟! مَنْ ..هذا هو اسمى ماذا تريدون يا ملائكة اللـه؟!
هلم إلى العرض على اللـه جل وعلا فيتخطى الصفوف ليرى نفسه بين يدى اللـه فيعطى كتابه بشماله أو من وراء ظهره .
فيقرأ فيسود وجهه ثم يكسى من سرابيل القطران ويقال له انطلق إلى من هم على شاكلتك فبشرهم أن لهم مثل ما رأيت ، فينطلق فى أرض المحشر وقد اسود وجهه وعلاه الخزى ، والذل والعار ، وكتابه بشماله أو من وراء ظهره فينطلق فيقول لخلانه ومن هم على شاكلته، ألا تعرفوننى ؟! فيقولون لا إلا أننا نرى ما بك من الخزى والذل فمن أنت ؟!!
فيقول : أنا فلان بن فلان وهذا كتابى بشمالى ولكل واحد منكم مثل هذا ، فلقد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبداً .
يصرخ بأعلى صوته ويقول { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26)يَاýلَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ لْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ(36)لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ } [ الحاقة : 25 - 37 ] .
ولله در القائل
مَثِّــلْ وقوفك يوم العرض عُريانا |
|
مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانَـــا |
والنار تلهب من غيظٍ ومـن حنـقٍ |
|
على العصاةِ ورب العرش غَضبانَا |
اقرأ كتابك ياعبدُ على مَهَــــل |
|
فهل ترى فيه حَرفاً غيرَ مَا كــاناَ |
فلما قرأتَ ولم تنكر قراءتـَـــهُ |
|
إقرارَ من عَفَ الأشيـــاءَ عرفانَا |
نادى الجليل خذُوهُ يا ملائكتـــى |
|
وامضوا بعبد عَصَى للنـار عطشانَا |
المشركون غداً فى النار يَلتَهبُــوا |
|
والمؤمنـون بـدارِ الخلــدِ سُكَّانَا |
وأخيراً : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا .
وأرجئ الحديث إلى ما بعد جلسة الاستراحة .
وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه العظيم لى ولكم
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لاشريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه . اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه وكل من أقتفى أثره إلى يوم الدين ... أما بعد :
ثالثاً : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
أيها الأحبة الكرام : هذه صورة مصغرة على قدر جهلى أقدمها لحضراتكم عن الحساب ، ولك أن تعيش بقلبك وكيانك كله هذا المشهد الذى يكاد يخلع القلوب ، فإنه لا يتأثر بموعظة ولا يستجيب لآية أو حديث إلا من كان له قلب .
قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ ق : 37 ] .
أيها الأخ الكريم حاسب نفسك قبل أن تحاسب بين يدى مولاك يوم لا ينفع الندم ولا التحسر .
روى الإمام أحمد والترمذى بسند صحيح أن عمر بن الخطاب رضى اللـه عنه قال : " أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر يوم لا تخفى منكم خافية فإنما يخف الحساب يوم القيامة عمن حاسب نفسه فى الدنيا " فحاسب نفسك واعلم بأن النفس أمارة بالسوء ولقد فصلت ذلك فى خطبة كاملة لقد وصف اللـه النفس فى القرآن بثلاث صفات ألا وهى المطمئنة واللَّوامة والأمَّارة بالسوء .
المطمئنة : هى التى اطمأنت إلى الرضا باللـه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى اللـه عليه وسلم رسولاً.
هى التى اطمأنت إلى وعد اللـه ووعيده .
هى التى اطمأنت إلى ذكر اللـه وعبوديته .
هى التى تشتاق دوماً للقاء اللـه سبحانه .
اللوامة : هى التى تلوم صاحبها على الخير والشر .
تلوم صاحبها على الخير فتقول : لماذا لم تكثر منه ؟!!
وتلوم صاحبها على الشر فتقول : لماذا وقعت فيه ؟!! لماذا تسوف التوبة؟!! لماذا تتأخر عن الصلاة فى بيوت اللـه ؟!! إلى متى وأنت على هذا الضلال والبدع ؟!!
تلوم صاحبها على الخير والشر معاً .
أما النفس الأمارة بالسوء : فهى التى تريد أن تخرجك من طريق الهداية إلى الغواية ، من طريق النعيم إلى طريق الجحيم ، من طريق السُّنة إلى طريق البدعة . من طريق الحلال إلى طريق الحرام .
حيث قال تعالى : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ يوسف : 53 ] .
فهذه النفس إن لم تشغلها بطاعة اللـه شغلتك بالمعصية ، وإن لم تلجمها بلجام التقوى شغلتك بالباطل ، فالنفس كالطفل إن فطمت الطفل عن ثدى أمه انفطم ، كذلك النفس إن فطمتها عن معصية اللـه وألجمتها بلجام الطاعة والتقوى انقادت .
فإن زلت نفسك لبشريتك ولضعفك فلست ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً فسرعان ما يدفعك إيمانك وعلمك بنفسك الأمارة إلى التوبة والأوبة والعودة إلى اللـه جل جلاله ، وأنت على كل حال من الأحوال على طريق طاعة الكبير المتعال ، وسيد الرجال محمد r .
فحاسب نفسك الآن أيها الحبيب قبل أى عمل وبعد أى عمل صغر أم كبر
قبل العمل : اسأل النفس : لماذا أذهب ؟ لماذا سأتكلم ؟ لماذا أصمت ؟ لماذا أحب ؟ لماذا أبغض ؟ لماذا أدخل ؟ لماذا أخرج ؟
وبعد العمل : هل كان العمل خالصاً لوجه اللـه ؟! هل كان العمل موافقاً لهدى المصطفى r ؟ العمل لابد أن يتحقق فيه شرطان . الشرط الأول : الإخلاص والشرط الثانى أن يكون العمل على هدى النبى محمد r
قال شيخ الإسلام ابن تيمية طيَّب اللـه ثراه : إن دين اللـه الذى هو الإسلام مبنى على أصلين . الأول أن تعبد اللـه وحده لاشريك له ، والأصل الثانى أن يعبد بما شرعه على لسان رسوله وهذان الأصلان الكبيران هما حقيقة قولنا نشهد أن لا إله إلا اللـه ونشهد أن محمداً رسول اللـه r.
أيها المسلم إن كنت تريد حساباً يسيراً فحاسب نفسك محاسبة الشريك الشحيح فقد قال ميمون بن مهران " لا يبلغ العبد درجة التقوى إلا إذا حاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح " .
إياك إياك أن تغتر بطاعة ، إياك إياك أن تغتر بعلم ، كن دائماً على وَجَل فإن العبرة بالخواتيم .
فاسمع إلى من أضاءوا الدنيا بعلمهم وزهدهم وورعهم . هذه الصديقة بنت الصديق. عائشة الطاهرة المبرأة من السماء ، يسألها أحد المسلمين عن قول اللـه تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ }[ فاطر : 32]
ما معناها ياأماه ؟ قالت الصديقة : يابنى أما السابق بالخيرات فقوم سبقوا مع رسول اللـه r وشهد لهم بالجنة ، وأما المقتصد فقوم صاروا على دربه وماتوا على ذلك ، وأما الظالم لنفسه فمثلى ومثلك .
ياسبحان اللـه . عائشة تقول ذلك !! ونحن نقول ومن منا لا يدخل الجنة وإن لم ندخلها نحن فمن يدخلها !!
عائشة لا تغتر بنسبها ولا بزواجها من النبى r وهى التى بشرها النبى r بالجنة ، فهى تعرف حق المعرفة للنفس قدرها وخطرها .
وها هو فاروق الأمة الذى حاكى أخلاق النبوة فى إمارته . عمر الفاروق ينام على فراش الموت بعدما طعن فيدخل عليه ابن عباس فيثنى عليه الخير كله . فيقول عمر : واللـه إن المغرور من غررتموه وددت أن أخرج اليوم من الدنيا كفافاً لا لىّ ولا علىّ ، واللـه لو أن لى ملأ الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب اللـه قبل أن أراه .
وهذا هو معاذ بن جبل حبيب المصطفى r الذى قال له رسول اللـه r واللـه إنى أحبك يامعاذ !! لقد نام على فراش الموت بعد ماأصيب بطاعون الشام فقال لأصحابه : انظروا هل أصبح الصباح ؟ هل أصبح الصباح ؟ ثم بكى معاذ وقال : أعوذ باللـه من ليلة صباحها إلى النار .
وهذا هو سفيان الثورى إمام الورع والحديث ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له أبشر يا أبا عبد اللـه ، إنك مُقْبِلُُ على من كنت ترجوه ، وهو أرحم الراحمين .
فبكى سفيان وقال : أسألك باللـه ياحماد أتظن أن مثلى ينجو من النار؟!
فيا أيها المسلم لا تغتر بعلم ولا تغتر بعمل وكن دائماً على وجلٍ . كما كان رسول اللـه r وهو النبى الذى غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ، فحاسب نفسك قبل أى عمل وبعد أى عمل ، وحاسب نفسك على كل معصية ، وحاسب نفسك على كل تقصير ، وحاسب نفسك على كل تفريط .
قال سليمان بن عبد الملك لأبى حازم : ياأبا حازم مالنا نحب الدنيا ونكره الآخرة ؟ فقال أبو حازم : لأنكم عَمَّرتُم دنياكم وَخَرَّبتُم أُخراكم وأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب .
فقال سليمان : فما لنا عند اللـه يا أبا حازم ؟
قال أبو حازم : اعرض نفسك على كتاب اللـه لتعلم مالك عند اللـه.
فقال سليمان : وأين أجد ذلك فى كتاب اللـه ؟
قال أبو حازم : عند قوله تعالى : { إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] .
قال سليمان أين رحمة اللـه؟
فقال أبو حازم : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }
[ الأعراف : 56 ] .
قال فكيف القدوم على اللـه غداً ؟ قال أبو حازم : أما العبد المحسن فكالغائب يرجع إلى أهله وأما المسيئ فكالعبد الآبق يرجع إلى مولاه .
أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .
.......... الدعـــــــاء
([2]) رواه البخارى رقم (4487) فى التفسير ، باب قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطا}، والترمذى رقم (2965) فى التفسير ، باب ومن سورة البقرة .
([5]) رواه مسلم رقم (2687) كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الذكر والدعاء وابن ماجة رقم (3821) فى الأدب وهو فى المسند رقم (21212) واللفظ له .
([6]) رواه الترمذى رقم (2912) فى ثواب القرآن ، باب ماجاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ماله من الأجر وصححه شيخنا الألبانى فى المشكاة (2137) وهو فى صحيح الجامع برقم (6469) .
([7]) رواه البخارى رقم (1894) فى الصوم ، باب فضل الصوم ، ومسلم رقم (1151) فى الصيام ، باب حفظ اللسان ، وباب فضل الصيام ، والموطأ (1/310) فى الصيام ، وأبو داود رقم (2363) فى الصوم ، والترمذى رقم (764) فى الصوم ، والنسائى (4/162،165) فى الصوم .
([8]) رواه مسلم رقم (190) فى الإيمان ، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، والترمذى رقم (2599) فى صفة الجنة ، باب رقم (10) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق