لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان - دار الكتب العلمية المؤلف صديق حسن خان القنوجي ترجمة المؤلف
لقطة العجلان مما تمس إلى
معرفته حاجة الإنسان
الملك محمد صديق حسن خان
سنة الولادة / سنة الوفاة 1308هـ
لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان
_________
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة
الكتاب
الحمد لله الذي كان ولم يكن معه شيء من الأكوان فخلق الأرض والسموات واستوى على
العرش وخلق الإنسان وعلمه البيان ثم حكم على الكل بالفناء وقال في الكتاب { كل من
عليها فان } وسينقلهم إلى البرزخ ومنه إلى دار الجزاء التي نطق بها الحديث وأثبتها
القرآن والصلاة والسلام على مصطفاه محمد عبده ورسوله الذي بعثه إلى الخلق أجمعين
وختم به الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وبعد
فاعلم أن التاريخ عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده ويقال أيضا التاريخ عبارة
عن مدة معلومة تعد من أول زمن مفروض لتعرف بها الأوقات المحدودة ولا غنى عن
التاريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأمور الدينية ولكل أمة من أمم البشر تاريخ
تحتاج إليه في معاملاتها وفي معرفة أزمنتها تنفرد به دون غيرها من بقية الأمم وأول
الأوائل القديمة وأشهرها هو كون مبدأ البشر ولأهل الكتاب من اليهود والنصارى
والمجوس في كيفيته وسياقة التاريخ منه خلاف لا يجوز مثله في التواريخ وكل ما تتعلق
معرفته ببدء الخلق وأحوال القرون السالفة فإنه مختلط بتزويرات وأساطير لبعد العهد
وعجز المعتنى به عن حفظه
____________________
وقد قال الله سبحانه وتعالى { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود
والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله }
وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ هذه الآية ويقول كذب النسابون وعن عمرو بن ميمون مثله
وعن أبي مجلز قال قال رجل لعلي بن أبي طالب أنا أنسب الناس قال إنك لا تنسب الناس
قال بلى قال علي أرأيت قوله { وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا } قال
أنا أنسب ذلك الكثير قال أرأيت قوله { والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } فسكت
وعن عروة ابن الزبير قال ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معد ابن عدنان
وعن ابن عباس قال ما بين عدنان واسماعيل ثلاثون لا يعرفون
وقال أهل التفسير في هذه الآية عدم العلم من غير الله أما أن يكون راجعا إلى
صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم أي هذه الأمور لا يعلمها إلا الله ولا يعلمها
غيره أو يكون راجعا إلى ذواتهم أي إنه لا يعلم ذوات أولئك الذين من بعدهم إلا الله
تعالى ولم يبلغنا خبرهم أصلا ولا مانع من حمل الآية على الكل فالأولى أن لا يقبل
من ذلك إلا ما يشهد به كتاب أنزل من عند الله يعتمد على صحته لم يرد فيه نسخ ولا
طرقة تبديل أو خبر ينقله الثقاة
وإذا نظرنا في التاريخ وجدنا فيه بين الأمم خلافا كثيرا وسأتلو عليك من ذلك ما لا
أظنك تجده مجموعا في كتاب
والتاريخ كلمة فارسية أصلها ماه روز ثم عربت قال محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف
البلخي في كتاب مفاتيح العلوم وهو
____________________
كتاب جليل القدر وهذا اشتقاق
بعيد لولا أن الرواية جاءت به
وقال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج تاريخ كل شيء آخره وهو في الوقت غايته يقال
فلان تاريخ قومه أي إليه ينتهي شرفهم ويقال ورخت الكتاب توريخا وأرخته تاريخا
اللغة الأولى لتميم والثانية لقيس
ولكل أهل ملة تاريخ فكانت الأمم تؤرخ أولا بتاريخ الخليقة وهو ابتداء كون النسل من
آدم عليه السلام ثم أرخت بالطوفان وأرهت ببخت نصر وأرخت بفليبس وأرخت بالإسكندر ثم
باغشطش ثم بالظينس ثم بدقلطيانوس وبه تؤرخ القبط ثم لم يكن بعد تاريخ القبط إلا
تاريخ الهجرة ثم تاريخ يزدجرد فهذه تواريخ الأمم المشهورة وللناس تواريخ أخرى قد
انقطع ذكرها فأما تاريخ الخليقة
ويقال له ابتداء كون النسل وبعضهم يقول بدء التحرك فإن لأهل الكتاب من اليهود
والنصارى والمجوس في كيفيته وسياقة التاريخ منه خلافا كثيرا قال المجوس والفرس عمر
العالم اثنا عشر ألف عام على عدد بروج الفلك وشهور السنة وزعموا أن زرادشت صاحب
شريعتهم قال أن الماضي من الدنيا إلى وقت ظهوره ثلاثة آلاف سنة مكبة سة الأرباع
وبين ظهور زرادشت وأول تاريخ الإسكندر ثلاثة آلاف ومائتا سنة وثمان وخمسون سنة
وإذا حسبنا من أول يوم كيومرت الذي هو عندهم الإنسان الأول وجمعنا مدة كل من ملك
بعده فإن الملك ملصق فيهم غير منقطع عنهم كان العدد منه إلى الإسكندر ثلاثة آلاف
وثلاثمائة وأربعا وخمسين سنة فإذا لم يتفق التفصيل مع الجملة قال قوم الثلاثة
الآلاف الماضية إنما هي من خلق كيومرت فإنه مضى قبله ألف سنة والفلك فيها واقف غير
متحرك والطبائع غير مستحيلة والأمهات غير متمازجة والكون والفساد غير
____________________
موجود فيها والأرض غير عامرة
فلما تحرك الفلك حدث الإنسان الأول في معدل النهار وتولد الحيوان وتوالد وتناسل
الإنس فكثروا وامتزجت أجزاء العناصر للكون والفساد فعمرت الدنيا وانتظم العلم
وقال اليهود الماضي من آدم إلى الإسكندر ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان وأربعون سنة
وقال النصارى المدة بينهما خمسة آلاف ومائة وثمانون سنة وزعموا أن اليهود نقصوها
ليقع خروج عيسى بن مريم عليه السلام في الألف الرابع وسط السبعة الآلاف التي هي
مقدار العالم عندهم حتى تخالف ذلك الوقت الذي سبقت البشارة من الأنبياء الذين
كانوا بعد موسى ابن عمران عليه السلام بولادة المسيح عيسى وإذا جمع ما في التوراة
التي بيد اليهود من المدة التي بين آدم عليه السلام وبين الطوفان كانت ألفا
وستمائة وستا وخمسين سنة وعند النصارى في إنجيلهم ألفان ومائتا سنة واثنتان
وأربعون سنة
وتزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط وتزعم النصارى أن توراة السبعين التي
هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف ولا تبديل وتقول اليهود فيها خلاف ذلك وتقول
السامرية بأن توراتهم هي الحق وما عداها باطل وليس في اختلافهم ما يزيل الشك بل
يقوي الجالبة له وهذا الإختلاف بعينه بين النصارى أيضا في الإنجيل وذلك أن له عند
النصارى أربع نسخ مجموعة في مصحف واحد أحدها إنجيل متى والثاني لمارقوس والثالث
للوقا والرابع ليوحنا
قد ألف كل من هؤلاء الأربعة إنجيلا على حسب دعوته في بلاده
وهي مختلفة إختلافا كثيرا حتى في صفات المسيح عليه السلام وأيام دعوته ووقت الصلب
بزعمهم وفي نسبه أيضا وهذا الإختلاف لا يحتمل مثله ومع هذا فعند كل من أصحاب
مرقيون وأصحاب ابن ويصان إنجيل يخالف بعضه هذه الأناجيل ولأصحاب ماني إنجيل على
حدة يخالف ما عليه النصارى من أوله إلى آخره ويزعمون أنه هو الصحيح وما عداه باطل
ولهم
____________________
أيضا إنجيل يسمى إنجيل
السبعين ينسب إلى تلامس والنصارى وغيرهم ينكرونه
وإذا كان الأمر من الإختلاف بين أهل الكتاب كما قد رأيت
ولم يكن للقياس والرأي مدخل في تمييز حق ذلك من باطله امتنع الوقوف على حقيقة ذلك
من قبلهم ولم يعول على شيء من أقوالهم فيه
وأما غير أهل الكتاب فإنهم أيضا مختلفون في ذلك
قال أشوس بين خلق آدم وبين ليلة الجمعة أول الطوفان ألفا سنة ومئتا سنة و ست
وعشرون سنة وثلاثة وعشرون يوما وأربع ساعات
وقال ماشاه واسمه منشا بن أثرى منجم المنصور والمأمون في كتاب القرانات أول قران
وقع بين زحل والمشتري في بدء التحرك يعني ابتداء النسل من آدم كان على مضي خمسمائة
وتسع سنين وشهرين وأربعة وعشرين يوما مضت من ألف المريخ فوقع القرآن في برج الثور
من المثلثة الأرضية على سبع درج واثنتين وأربعين دقيقة وكان انتقال القمر من برج
الميزان والمثلثة الهوائية إلى برج العقرب والمثلثة المائية بعد ذلك بألفي سنة
وأربعمائة سنة وإثنتي عشرة سنة وستة أشهر وستة وعشرين يوما ووقع الطوفان في الشهر
الخامس من السنة الأولى من القرآن الثاني من قرانات هذه المثلثة المائية وكان بين
وقت القران الأول الكائن في بدء التحرك وبين الشهر الذي كان فيه الطوفان ألفان
وأربعمائة وثلاث وعشرون سنة وستة أشهر واثنا عشر يوما قال وفي كل سبعة آلاف سنة
وسنتين وعشرة أشهر وستة أيام يرجع القران إلى موضعه من برج الثور الذي كان في بدء
التحرك وهذا القول أعزك الله هو الذي اشتهر حتى ظن كثير من أهل الملل أن مدة بقاء
الدنيا سبعة آلاف سنة فلا تغتر به وتنبه إلى اصله تجده أوهن من بيت العنكبوت
فاطرحه
وقيل كان بين آدم وبين الطوفان ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثون سنة وقيل كانت
بينهما مدة ألفين ومائتين وست وخمسين سنة وقيل ألفان وثمانون سنة
____________________
وأما تاريخ الطوفان
فإنه يتلو تاريخ الخليقة وفيه من الإختلاف ما لا يطمع في حقيقته من أجل الإختلاف
فيما بين آدم وبينه وفيما بينه وبين تاريخ الإسكندر
فإن اليهود عندهم أن بين الطوفان وبين الإسكندر ألفا وسبعمائة واثنتين وتسعين سنة
وعند النصارى بينهما ألفا سنة وتسعمائة وثمان وثلاثون سنة والفرس وسائر المجوس
والكلدانيون أهل بابل والهند وأهل الصين وأصناف الأمم المشرقية ينكرون الطوفان
وأقر به بعض الفرس لكنهم قالوا لم يكن الطوفان بسوى الشام والمغرب ولم يعم العمران
كله ولا غرث إلا بعض الناس ولم يتجاوز عقبة حلوان ولا بلغ إلى ممالك المشرق ولم
يعم العمران ممالك المشرق
قالوا ووقع في زمان طهمورت أن أهل المغرب لما أنذر حكماؤهم بالطوفان اتخذوا
المباني العظيمة كالهرمين بمصر ونحوهما ليدخلوا فيها عند حدوثه ولما بلغ طهمورت
الإنذار بالطوفان قبل كونه بمائة وإحدى وثلاثين سنة أمر باختيار مواضع في مملكته
صحيحة الهواء والتربة فوجد ذلك بأصفهان فأمر بتجليد العلوم ودفنها فيها في أسلم
المواضع ويشهد لهذا ما وجد بعد الثلاثمائة من سني الهجرة في حي من مدينة أصفهان من
التلال التي انشقت عن بيوت مملوءة أعدالا عدة كثيرة قد ملئت من لحاء الشجر التي
تلبس بها القسي وتسمى التور مكتوبة بكتابة لم يدر أحد ما هي
وأما المنجمون فإنهم صححوا هذه السنين من القران الأول من قرانات العلويين زحل
والمشتري التي أثبت علماء أهل بابل والكلدانين مثلها إذ كان الطوفان ظهوره من
ناحيتهم فإن السفينة استقرت على الجودي وهو غير بعيد من تلك النواحي
قالوا وكان هذا القران قبل الطوفان بمائتين وعشر ين سنة ومائة وثمانية أيوام
واعتنوا بأمرها وصححوا ما بعدها فوجدوا ما بين الطوفان وبين أول ملك بخت نصر الأول
الفي سنة وستمائة وأربع سنين وبين
____________________
بخت نصر هذا وبين الإسكندر
أربعمائة وست وثلاثون سنة وعلى ذلك بني أبو معشر أوساط الكواكب في زيجه وقال كان
الطوفان عند اجتماع الكواكب في آخر برج الحوت وأول برج الحمل وكان بين وقت الطوفان
وبين تاريخ الإسكندر قدر ألفي سنة وسبعمائة وتسعين سنة مكبوسة وسبعة أشهر وستة
وعشرين يوما وبينه وبين يوم الخميس أول المحرم من السنة الأولى من سني الهجرة
النبوية ألف ألف يوم وثلاثمائة ألف يوم وتسعة وخمسون ألف يوم وتسعمائة يوم وثلاثة
وسبعون يوما يكون من السنين الفارسية المصرية ثلاثة آلاف سنة وسبعمائة سنة وخمس
وعشرون سنة وثلاثمائة يوم وثمانية وأربعون يوما
ومنهم من يرى أن الطوفان كان يوم الجمعة وعند أبي معشر أنه كان يوم الخميس ولما
تقرر عنده الجملة المذكورة وخرجت له المدة التي تسمى أدوار الكواكب وهي بزعمهم
ثلاثمائة ألف وستون ألف سنة شمسية وأولها مقدم على وقت الطوفان بمائة ألف وثمانين
ألف سنة شمسية حكم بأن الطوفان كان في مائة ألف وثمانين ألف سنة وسيكون فيما بعد
كذلك ومثل هذا لا يقبل إلا بحجة أو من معصوم وأما تاريخ بخت نصر
فإنه على سني القبط وعليه يعمل في استخراج مواضع الكواكب من كتاب المجسطي ثم أدوار
قالليس وأول أدواره في سنة ثماني عشرة وأربعمائة لبخت نصر وكل دور منها ست وسبعون
سنة شمسية
وكان قالليس من جملة أصحاب التعاليم وبخت نصر هذا ليس هو الذي خرب بيت المقدس
وإنما هو آخر كان قبل بخت نصر مخرب بيت المقدس بمائة وثلاث وأربعين سنة وهو إسم
فارسي أصله بخت برسي ومعناه كثير البكاء والأنين ويقال له بالعبرانية نصار وقيل
تفسيره عطارد وهو ينطق وذلك لتجنبه عن الحكمة وتغريب أهلها ثم عرب فقيل بخت نصر
____________________
وأما تاريخ فيلبش
فإنه على سني القبط وكثيرا ما يستعمل هذا التاريخ من موت الإسكندر البناء المقدوني
وكلا الأمرين سواء فإن القائم بعد إلبناء هو فيلبش فسواء كان من موت الأول أو من
قيام الآخر فإن الحالة المؤرخة هي كالفصل المشترك بينهما
وفيلبش هذا هو أبو الإسكندر المقدوني ويعرف هذا التاريخ بتاريخ الإسكندرانين وعليه
بنى تاون الإسكندراني في تاريخه المعروف بالقانون والله أعلم وأما تاريخ الإسكندر
فإنه على سني الروم وعليه يعمل أكثر الأمم إلى وقتنا هذا من أهل الشام وأهل بلاد
الروم وأهل المغرب والأندلس والإفرنج واليهود
وقال أبو الريحان محمد بن أحمد البيروتي تاريخ الإسكندر اليوناني الذي يلقبه بعضهم
بذي القرنين على سني الروم وعليه عمل أكثر الأمم لما خرج من بلاد يونان وهو ابن ست
وعشرين سنة لقتال دارا ملك الفرس
ولما ورد بيت المقدس أمر اليهود بترك تاريخ داود وموسى عليهما السلام والتحول إلى
تاريخه فأجابوه وانتقلوا إلى تاريخه واستعملوه فيما يحتاجون إليه بعد أن عملوه من
السنة السادسة والعشرين لميلاده وهو أول وقت تحركه ليتموا ألف سنة من لدن موسى
عليه السلام وبقوا معتصمين بهذا التاريخ ومستعملين له وعليه عمل اليونانيين وكانوا
قبله يؤرخون بخروج يونان بن نورس عن بابل إلى المغرب
وأول تاريخ الإسكندر يوم الإثنين أول تشرين الأول وموافقه اليوم الرابع من بابه
ومبادي الأيام عندهم من طلوع الشمس إلى غروبها إلى أن يصبح الصباح وتطلع الشمس فقد
كمل بليلة ومبادي الشهور
____________________
ترجع إلى عدد واحد له نظم
يجري عليه دائما شهور سنتهم اثنا عشر شهرا يخالف بعضها بعضا في العدد وهذه أسماؤها
وعدد أيام كل شهر منها تشرين الأول أحد وثلاثون يوما تشرين الثاني ثلاثون يوما
كانون الأول أحد وثلاثون يوما كانون الثاني أحد وثلاثون يوما شباط ثمانية وعشرون
يوما وربع آذار أحد وثلاثون يوما نيسان ثلاثون يوما أيار أحد وثلاثون يوما حزيران
ثلاثون يوما تموز أحد وثلاثون يوما آب أحد وثلاثون يوما أيلول ثلاثون يوما وشهر
واحد ثمانية وعشرون يوما وربع يوم وذلك أنهم جعلوا شباط كل ثلاث سنين متواليات
ثمانية وعشرين يوما وربع يوم وجعلوه في السنة الرابعة تسعة وعشرين يوما فيكون عدد
أيام سنتهم ثلاثمائة وخمسة وستين يوما ويجعلون السنة الرابعة ثلاثمائة وستة وستين
يوما و يسمونها السنة الكبيسة وإنما زادوا الربع في كل سنة ليقرب عدد أيام سنتهم
من عدد أيام السنة الشمسية حتى تبقى أمورهم على نظام واحد فتكون شهور البرد وشهور
الحر وأوان الزرع ولقاح الشجر وجني الثمر في وقت معلوم من السنة لا يتغير وقت شيء
من ذلك البتة
وكان ابتداء الكبيس في السنة الثالثة من ملك الإسكندر وبين يوم الإثنين أول يوم من
تاريخ الإسكندر هذا وبين يوم الخميس أول شهر المحرم من السنة التي هاجر نبينا محمد
بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة
تسعمائة سنة وثلاث وثلاثون سنة ومائة وخمسة يوما وبينه وبين يوم الجمعة أول يوم من
الطوفان ألفا سنة وسبعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة ومائة وثلاثة وتسعون يوما وبين
ابتداء ملك بخت نصر وبين أول تاريخ الإسكندر أربعمائة وخمس وثلاثون سنة شمسية
ومائتا يوم وثمانية وثلاثون يوما
قال أبو بكر أحمد بن علي في كتاب الفلاحة النبطية أن شهورهم هذه كل واحد منها اسم
رجل فاضل عالم
قف التحقيق عند علماء الأخبار أن ذا القرنين الذي ذكره الله في
____________________
كتابه فقال { ويسألونك عن ذي
القرنين } الآيات عربي قد كثر ذكره في أشعار العرب وأن اسمه الصعب بن ذي مراثد بن
الحارث الرائش بن الهمال ذي سدد بن عاد بن دلدار فخشد بن سام بن نوح عليه السلام
وأنه ملك من ملوك حمير وهم العرب العاربة ويقال لهم أيضا العرب العرباء
وكان ذو القرنين تبعا متوجا ولما ولي الملك تجبر ثم تواضع لله واجتمع بالخضر وقد
غلط من ظن أن الإسكندر بن فيلبش هو ذو القرنين الذي بنى السد فإن لفظة ذو عربية
وذو القرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن وذاك رومي يوناني
قال أبو جعفر الطبري وكان الخضر في أيام أفريدون الملك بن الضحاك في قول عامة أهل
الكتاب الأول وقبل موسى بن عمران عليه السلام
وقيل إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان على أيام إبراهيم الخليل عليه
السلام
وقال آخرون إن ذا القرنين هذا هو أفريدون
وقال عبد الملك بن هشام في كتاب التيجان في معرفة ملوك الزمان بعدما ذكر نسب ذي
القرنين إجتمع بالخضر في بيت المقدس وسار معه مشارق الأرض ومغاربها وأوتي من كل
شيء سببا كما أخبر الله تعالى وبنى السد على يأجوج ومأجوج ومات بالعراق
وأما الإسكندر فإنه يوناني ويعرف بالمجدوني ويقال المقدوني
وسئل ابن عباس عن ذي القرنين ممن كان فقال من حمير قيل له فالإسكندر قال كان روميا
حكيما بنى على البحر في أفريقية منارا وأخذ أرض رومة وأتى بحر الغرب وأكثر من عمل
المصانع والمدن
وسئل كعب الأحبار عنه فقال الصحيح عندنا من أخبارنا وأسلافنا
____________________
أنه من حمير والإسكندر كان
رجلا من يونان من ولد عيصو بن اسحاق ابن إبراهيم ورجال الإسكندر أدركوا المسيح بن
مريم منهم جالينوس وأرسطا طاليس
وقال الرازي في التفسير ومما يعترض به على من قال إن الإسكندر هو ذو القرنين أن
معلم الإسكندر كان أرسطا طاليس بأمره يأتمر وبنهيه ينتهي
واعتقاد أرسطا طاليس مشهور وذو القرنين نبي فكيف يقتدي بنبي بأمر كافر في هذا
أشكال
وقال الجاحظ في كتاب الحيوان أن ذا القرنين كانت أمه آدمية وأبوه من الملائكة
ولذلك لما سمع عمر بن الخطاب رجلا ينادي رجلا يا ذا القرنين قال أفرغتم من أسماء
الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة وكان علي إذا ذكره قال ذلك الملك الأمرط
انتهى
قلت وفي ذي القرنين أقاويل كثيرة ذكرتها في فتح البيان في مقاصد القرآن تفسير لي
في أربعة مجلدات وأما تاريخ أغشطش
فإنه لا يعرف اليوم أحد يستعمله وأغشطش هذا هو أول القياصرة ومعنى قيصر بالرومية
شق عنه فإن أغشطش هذا لما حملت به أمه ماتت في المخاض فشق بطنها حتى أخرج منه فقبل
قيصر به يلقب من بعده من ملوك الروم ويزعم النصارى أن المسيح عليه السلام ولد
لأربعين سنة من ملكه وفي هذا القول نظر فإنه لا يصح عند سياقة السنين والتواريخ بل
يجيء تعديل ولادته عليه السلام في السنة السابعة عشرة من ملكه وأما تاريخ الظينس
فإن بطليموس صحح الكواكب الثابتة في كتابه المعروف بالمجسطي لأول ملكه على الروم
وسنو هذا التاريخ رومية
____________________
ذكر السنة الشمسية والقمرية
هي عبارة عن عود الشمس في فلك البروج إذا تحركت على خلاف حركة الكل إلى أي نقطة
فرضت إبتداء حركتها وذلك أنها تستو في الأزمنة الأربعة التي هي الربيع والصيف
والخريف والشتاء وتحوز طبائعها الأربع وتنتهي إلى حيث بدأت
وفي هذه المدة يستوفي في القمر اثنتي عشرة وأقل من نصف عودة ويستهل اثنتي عشرة
عودة مرة فجعلت المدة التي فيها عودات القمر الإثنتا عشرة في فلك البروج سنة للقمر
على جهة الإصلاح وأسقط الكسر الذي هو أحد عشر يوما بالتقريب فصارت السنة على قسمين
سنة شمسية وسنة قمرية لوجميع من على وجه الأرض من الأمم أخذوا تواريخ سنيهم من
مسير الشمس والقمر فالآخذون بسير الشمس خمس أمم اليونانيون والسريانيون والقبط
والروم والفرس والآخذون بسير القمر خمس أمم هم العرب اليهود والنصارى والمسلمون
والهند فأهل قسطنطينية والإسكندرية وسائر الروم والسريانيون والكلدانيون وأهل مصر
ومن يعمل برأي المعتضد أخذوا بالسنة الشمسية التي هي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما
وربع يوم بالتقريب وصيروا السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وألحقوا الأرباع بها في
كل أربع سنين يوما حتى أنجبرت السنة وسموا تلك السنة كبيسة لإنكباس الأرباع فيها
وأما قبط مصر القدماء فإنهم كانوا يتركون الأرباع حتى يجتمع منها أيام سنة تامة
وذلك في كل ألف وأربعمائة وستين سنة ثم يكسبونها سنة
____________________
واحدة وينفقون حينئذ في أول
تلك السنة مع أهل الإسكندرية وقسطنطينية
وأما الفرس فإنهم جعلوا السنة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما من غير كبس حتى اجتمع لهم
من ربع اليوم في مائة وعشرين سنة أيام شهر تام ومن خمس الساعة الذي يتبع ربع اليوم
عندهم يوم واحد فألحقوا الشهر التام بها في كل مائة وست عشرة سنة واقتضى أثرهم في
هذا أهل خوارزم القدماء والصغد ومن دان بدين فارس
وكانت الملوك البيشدادية منهم وهم الذين ملكوا الدنيا بحذافيرها يعملون السنة
ثلاثمائة وخمسة وستين يوما كل شهر منها ثلاثون يوما سواء وكانوا يكبسون السنة كل
ست سنين بشهر ويسمونها كبيسة وكل مائة وعشرين سنة بشهر أحدهما بسبب خمسة الأيام
والثاني بسبب ربع اليوم وكانوا يعظمون تلك السنة ويسمونها المباركة
وأما قدماء القبط وأهل فارس في الإسلام وأهل خوارزم والصغد فتركوا الكسور أعني
الربع وما يتبعه أصلا
وأما العبرانيون وجميع بني إسرائيل والصابئون والحرانيون فإنهم أخذوا السنة من
مسير الشمس وشهورها من مسير القمر لتكون أعيادهم وصيامهم على حساب قمري وتكون مع
ذلك حافظة لأوقاتها من السنة فكبسوا كل تسع عشرة سنة قمرية بستة أشهر ووافقهم
النصارى في صومهم وبعض أعيادهم لأن مدار أمرهم على نسخ اليهود وخالفوهم في الشهور
إلى مذهب الروم والسريانيين
وكانت العرب في جهالتها تنظر إلى فضل ما بين سنتهم وسنة القمر وهو عشرة أيام وإحدى
وعشرون ساعة وخمس ساعة فيلحقون ذلك بها شهرا كلما تم منها ما يستوفي أيام شهر
ولكنهم كانوا يعملون على أنه عشرة أيام وعشرون ساعة وكان يتولى ذلك النسأة من بني
كنانة المعرفون بالقلامس واحدهم قلمس وهو البحر الغزير وهو أبو ثمامة جنادة بن عوف
بن أمية بن قلع وأول من فعل ذلك منهم حذيفة بن عبد فقيم وآخر من فعله أبو ثمامة
____________________
واخذ العرب الكبس من اليهود
قبل مجيء دين الإسلام بنحو مائتي سنة وكانوا يكبسون في كل أربع وعشرين سنة تسعة
أشهر حتى تبقى أشهر السنة ثابتة مع الأزمنة على حالة واحدة لا تتأخر عن أوقاتها
ولا ولا تتقدم إلى أن حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى { إنما
النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة
ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين
} فخطب صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار كهيأة يوم خلق الله السموات والأرض
فبطل النسىء وزالت شهور العرب عما كانت عليه وصارت أسماؤها غير دالة على معانيها
وأما أهل الهند فإنهم يستعملون رؤية الأهلة في شهورهم ويكبسون كل تسعمائة سنة
وسبعين يوما بشهر قمري ويجعلون ابتداء تاريخهم اتفاق اجتماع في أول دقيقة من برج
ما وأكثر طلبهم لهذا الإجتماع أن يتفق في إحدى نقطي الاعتدالين ويسمون السنة
الكبيسة بذمات فهذه آراء الخليقة في السنة ذكر الأيام
اليوم عبارة عن عود الشمس بدوران الكل إلى دائرة قد فرضت وقد اختلف فيه فجعله
العرب من غروب الشمس إلى غروبها من الغد ومن أجل أن شهور العرب مبينة على مسير
القمر وأوائلها مقيدة برؤية الهلال والهلال يرى لدن غروب الشمس صارت الليلة عندهم
قبل النهار
وعند الفرس والروم اليوم بليلة من طلوع الشمس بارزة من أفق المشرق إلى وقت طلوعها
من الغد فصار النهار عندهم قبل الليل واحتجوا على قولهم بأن النور وجود والظلمة
عدم والحركة تغلب على السكون لأنها وجود لا عدم ولا حياة ولا موت والسماء أفضل من
الأرض والعامل الشاب أصح والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد واحتج
____________________
الآخرون بأن الظلمة أقدم من
النور والنور طار عليها فالإقدام يبدأ به وغلبوا السكون على الحركة بإضافة الراحة
والدعة إليه وقالوا الحركة إنما هي الحاجة والضرورة والتعب نتيجة الحركة والسكون
إذا دام في استقصاآت مدة لم يولد فسادا فإذا دامت الحركة في الإستقصاآت واستحكمت
أفسدت وذلك كالزلازل والعواصف والأمواج وشبهها
وعند أصحاب التنجيم أن اليوم بليلة من موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها
إياه في الغد وذلك من وقت الظهر إلى وقت العصر وبنوا على ذلك حساب أزياجهم وبعضهم
ابتدأ باليوم من نصف الليل وهو صاحب زيج شهربار أز انساه وهذا هو حد اليوم على
الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب فأما على التفصيل فاليوم بانفراده والنهار
بمعنى واحد وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروب جرمها والليل خلاف ذلك وعكسه وحد بعضهم
أول النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس لقوله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } وقال هذان
الحدان هما طرفا النهار
وعورض بأن الآية إنما فيها بيان طرفي الصوم لا تعريف أول النهار وبأن الشفق من جهة
المغرب نظير الفجر من جهة المشرق وهما متساويان في العلة فلو كان طلوع الفجر أول
النهار لكان غروب الشفق آخره وقد التزم ذلك بعض الشيعة فنقول تاريخ القبط يعرف عند
نصارى مصر الآن بتاريخ الشهداء ويسميه بعضهم تاريخ دقلطيانوس وهو أحد ملوك الروم
المعروفه بالقياصرة ملك في منتصف سنة خمس وتسعين وخمسمائة من سني الإسكندر وكانت
أيامه شنعة قتل فيها من أصناف الأمم وهدم من بيوت العبادات ما لا يدخل تحت حصر
وكان بين يوم الجمعة أول يوم من تاريخ دقلطيانوس وبين يوم الخميس أول يوم من سنة
الهجرة النبوية ثلاثمائة وثمان وثلاثون سنة قمرية وتسعة وثلاثون يوما وجعلوا شهور
السنة القبطية اثني عشر شهرا كل شهر
____________________
منها عددة ثلاثون يوما سواء
فإذا تمت الأشهر الإثنا عشر أتبعوها بخمسة أيام زيادة على عدد أيامها وسمو هذه
الخمسة أبو عمنا وتعرف اليوم بأيام النسىء فيكون الحال في النسىء على ذلك وثلاث
سنين متواليات فإذا كان في السنة الرابعة جعلوا النسيء ثلاث سنين متواليات كل سنة
ثلاثمائة وخمسة وستون يوما والرابعة يصير عددها ثلاثمائة وستة وستين يوما ويرجع
حكم سنتهم إلى حكم سنة اليونانين بأن تصير سنتهم الوسطى ثلاثمائة وخمسة وستين يوما
وربع يوم إلا أن الكبس يختلف فإذا كان كبس القبط في سنة كان كبس اليونانين في
السنة الداخلة وأسماء شهور القبط توت بابه هتور كيهك طوبه امشير برمهات برموده
بشنش بودنة ابيب مسرى فهذه اثنا عشر شهرا كل شهر منها عدده ثلاثون يوما وإذا كانت
عدة شهر مسرى وهو الشهر الثاني عشر زادوا أيام النسىء بعد ذلك وعملوا النوروز أول
يوم من شهر توت ذكر أسابيع الأيام أعلم أن القدماء من الفرس والصغد وقبط مصر الأول
لم يكونوا يستعملون الأسابيع من الأيام في الشهور وأول من استعملها أهل الجانب
الغربي من الأرض لا سيما أهل الشام وما حواليه من أجل ظهور الأنبياء عليهم السلام
فيما هنالك وأخبارهم عن الأسبوع الأول وبدء العالم فيه وأن الله خلق السموات
والأرض في ستة أيام من الأسبوع الأول وبدء العالم فيه وأن الله خلق السموات والأرض
في ستة أيام من الأسبوع ثم انتشر ذلك منهم في سائر الأمم واستعمله العرب العاربة
بسبب تجاور ديارهم وديار أهل الشام فإنهم كانوا قبل تحولهم إلى اليمن ببابل وعندهم
أخبار نوح عليه السلام
ثم بعث الله تعالى إليهم هودا ثم صالحا عليهما السلام وانزل فيهم إبراهيم خليل
الرحمن وابنه اسماعيل عليهما السلام فتعرب اسماعيل وكانت القبط الأول تستعمل أسماء
الأيام الثلاثين من كل شهر فتجعل لكل يوم منها اسما كما هو العمل في تاريخ الفرس
____________________
ومازالت القبط على هذا إلى أن ملك مصر اغشطش بن بوحس فأراد أن يحملهم على كبس
السنين ليوافقوا الروم أبدا فيها فوجدوا الباقي حينئذ إلى تمام السنة الكبيسة
الكبرى خمس سنين فانتظر حتى مضى من ملكه خمس سنين ثم حملهم على كبس الشهور في كل
أربع سنين بيوم كما تفعل الروم فترك القبط من حينئذ استعمال أسماء الأيام الثلاثين
لاحتياجهم في يوم الكبس إلى إسم يخصه
وانقرض بعد ذلك مستعملوا أسماء الأيام الثلاثين من أهل مصر والعارفون بها ولم يبق
لها ذكر يعرف في العالم بين الناس بل دثرت كما دثر غيرها من أسماء الرسوم القديمة
والعادات الأول { سنة الله في الذين خلوا من قبل } وكانت أسماء شهور القبط في
الزمن القديم توت بودني أنور سواق طوبى ماكير فامينوت برموتي ماجون ياوني افيعي
أبقيا وكل شهر منها ثلاثون يوما ولكل يوم اسم يخصه ثم أحدث بعض رؤساء القبط بعد
استعمالهم الكبس الأسماء التي هي اليوم متداولة بين الناس بمصر إلا أن من الناس من
يسمى كيهك كياك ويقول في برهمات برمهوت وفي بشنس بشاش وفي مسرى ماسوري ومن الناس
من يسمي الخمسة الأيام الزائدة أيام النسىء ومنهم من يسميها أبو عمنا ومعنى ذلك
الشهر الصغير وهي كما تقدم تلحق في آخر مسرى وفيه يزداد اليوم الكبيس فيكون ستة
أيام حينئذ ويسمون السنة الكبيسة النقط ومعناه العلامة من خرافات القبط أن شهورهم
هي شهور سني نوح وشيث وآدم منذ ابتداء العالم وإنها لم تزل على ذلك إلى أن خرج
موسى ببني اسرائيل من مصر فعملوا أول سنتهم خامس عشر نيسان كما أمروا به في
التوراة إلى أن نقل الإسكندر رأس سنتهم إلى أول تشرين
وكذلك المصريون نقل بعض ملوكهم أول سنتهم إلى أول يوم من ملكه فصار أول توت عندهم
يتقدم أول يوم خلق فيه العالم بمائتين وثمانية أيام أولها يوم الثلاثاء وآخرها يوم
السبت
____________________
وكان توت أوله في ذلك الوقت
يوم الأحد وهو أول يوم خلق الله فيه العالم الذي يقال له الآن تاسع عشري برمهات
وذلك أن أول من ملك على الأرض بعد الطوفان نمرود بن كنعان بن حازم بن نوح فعمر
بابل وهو أبو الكلدانيين وملك بنو مصر أيم بن حام بن نوح عليه السلام متش فبنى منف
بمصر على النيل وسماها باسم جده مصر أيم وهو ثاني ملك ملك على الأرض وهذان الملكان
استعملا تاريخ جدهما نوح عليه السلام واستن بسنتهم من جاء بعدهم حتى تغيرت كما
تقدم
قال المقريزي في الخطط في ذكر تحويل السنة الخراجية القبطية إلى السنة الهلالية
العربية إني قد استخرجت حساب السنين الشمسية والسنين القمرية من القرآن الكريم
بعدما عرضته على أصحاب التفسير فذكروا أنه لم يأت فيه شيء من الأثر فكان ذلك أوكد في
لطف استخراجي وهو أن الله تعالى قال في سورة الكهف { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة
سنين وازدادوا تسعا } فلم أجد أحدا من المفسرين عرف معنى قوله { وازدادوا تسعا }
وإنما خاطب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بكلام العرب وما تعرفه من الحساب
فمعنى هذا التسع أن الثلاثمائة كانت شمسية بحساب العجم ومن كان لا يعرف السنين
القمرية فإذا أضيف إلى الثلاثمائة القمرية زيادة التسع كانت سنين شمسية صحيحة تاريخ
العرب فإنه لم يزل في الجاهلية والإسلام يعمل بشهور الأهلة وعدة شهور السنة عندهم
اثنا عشر شهرا إلا أنهم اختلفوا في أسمائها فكانت العرب العاربة تسميها ناتق و
نقيل وطليق و أسخ و أنخ و حلك و كسح و زاهر و نوط و حرف و يغش فناتق هو المحرم
ونقيل هو صفر وهكذا ما بعده على سرد الشهور وكانت ثمود تسميها موجب وموجر و مورد
____________________
و ملزم و مصدر وهوبر و هوبل و
موها و ودمير و دابر و حيقل و مسيل فموجب هو المحرم وموجر صفر إلا أنهم كانوا
يبدأون بالشهور من ديمر وهو شهر رمضان فيكون أول شهور السنة عندهم
ثم كانت العرب تسميها بأسماء أخرى وهى موتمر و ناجر و خوان و صوان و حنم و زبا و
الأصم و عادل و وبابق و واغل و هواع و برك
ومعنى المؤتمر أنه يأتمر بكل شيء مما تأتي به السنة من أقضيتها
وناجر من النجر وهو شدة الحر
وخوان فعال من الخيانة
وصوان بكسر الصاد وضمها فعال من الصيانة
والزبا الداهية العظيمة المتكاثفة سمي بذلك لكثرة القتال فيه ومنهم من يقول بعد
صوان الزبا وبعد الزبا بائدة وبعد بائدة الأصم ثم واغل وباطل وعادل ورنة وبرك
فالبائد من القتال إذ كان فيه يبيد كثير من الناس وجرى المثل فقيل العجب كل العجب
بين جمادى ورجب وكانوا يستعجلون فيه ويتوخون بلوغ النار والغارات قبل رجب فإنه شهر
الحرام ويقولون له الأصم لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال فلا يسمع فيه صوت سلاح
والواغل الداخل على شرب ولم يدعوه وذلك لأنه يهجم على شهر رمضان وكان يكثر في شهر
رمضان شربهم الخمر لأن الذي يتلوه هي شهور الحج
وباطل هو مكيال الخمر سمي به لإفراطهم فيه في الشرب وكثرة استعمالهم لذلك المكيال
وأما العادل فهو من العدل لأنه من أشهر الحج وكانوا يشتغلون فيه عن الباطل
____________________
وأما الزبا فلأن الأنعام كانت تزب فيه لقرب النحر
وأما برك فهو لبروك الإبل إذا حضرت المنحر
وقد روي أنهم كانوا يسمون المحرم مؤتمر وصفر ناجر وربيع الأول نصار وربيع الآخر
خوان وجمادى الأول حمتن وجمادي الأخرى الرنة ورجب الأصم وهو شهر مضر وكانت العرب
تصومه في الجاهلية وكانت تمتاز فيه وتمير أهلها وكان يأمن بغضهم بغضا فيه ويخرجون
إلى الأسفار ولا يخافون وشعبان عادل ورمضان ناتق وشوال واغل وذو القعدة هواع وذو
الحجة برك ويقال فيه أيضا أبروك وكانوا يسمونه المأمون
ثم سمت العرب أشهرها بالمحرم وصفر وربيع الأول وربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى
الآخرة ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وذي الحجة واشتقوا أسماءها من أمور
اتفق وقوعها عند تسميتها فالمحرم كانوا يحرمون فيه القتال وصفر كانت تصفر فيه
بيوتهم لخروجهم إلى الغزو وشهرا ربيع كأنا زمن الربيع وشهرا جمادى كانا يجمد فيهما
الماء لشدة البرد ورجب الوسط وشعبان يشعب فيه القتال ورمضان من الرمضاء لأنه كان
يأتي فيه القيظ وشوال تشيل فيه الإبل أذنابها وذو القعدة لقعودهم في دورهم وذو
الحجة لأنه شهر الحج وأنت إذا تأملت اشتقاق أسماء شهور الجاهلية أولا ثم اشتقاقها
ثانيا تبين ذلك أن بين التسميتين زمانا طويلا فإن صفر في أحدهما هو صميم الحروب
وفي الآخر رمضان ولا يمكن ذلك في وقت واحد أو وقتين متقاربين
وكانت العرب أولا تستعمل هذه الشهور على نحو ما يستعمله أهل الإسلام إما بطريق آلهي
أو لأن العرب لم يكن لها دراية بمراعاة حساب الحركات النيرين فاحتاجت إلى استعمال
مبادئ الشهور لرؤية الأهلة وجعلت زمان الشهر بحسب ما يقع بين كل هلالين فربما كان
بعض الشهور تاما أعني ثلاثين يوما وربما كان ناقصا أعني تسعة
____________________
وعشرين يوما وربما كانت أشهرا
متوالية تامة أكثرها أربعة وهذا نادر وربما كانت أشهرا متوالية ناقصة أكثرها ثلاثة
وكان يقع حج العرب في أزمنة السنة كلها وهو أبدا عاشر ذي الحجة من عهد إبراهيم
وإسماعيل عليهما السلام
فإذا انقضى موسم الحج تفرقت العر . ب طالبة أماكنها وأقام أهل مكة بها فلم يزالوا
على ذلك دهرا طويلا إلى أن غيروا دين إبراهيم وإسماعيل فأحبوا أن يتوسعوا في
معيشتهم ويجعلوا حجهم في وقت إدراك شغلهم من الأدم والجلود والثمار ونحوها وأن
يثبت ذلك على حالة واحدة في أطيب الأزمنة وأخصبها فتعلموا كبس الشهور من اليهود
الذين نزلوا يثرب من عهد شمويل نبي بني إسرائيل وعلموا النسئ قبل الهجرة بنحو
مائتي سنة وكان الذي يلي النسئ يقال له القلمس يعني الشريف
وقد اختلف في أول من أنسأ الشهور منهم فقيل القلمس هو عدي بن زيد وقيل القلمس هو
سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة وأنه قال أرى شهور الأهلة ثلاثمائة
وأربعة وخمسين يوما وأرى شهور العجم ثلاثمائة وخمسة وستين يوما فبيننا وبينهم أحد
عشر يوما ففي كل ثلاث سنين ثلاثة وثلاثين يوما وفي كل ثلاث سنين شهر وكان إذا جاءت
ثلاث سنين قدم الحج في ذي القعدة فإذا جاءت ثلاث سنين أخر في المحرم
وكانت العرب إذا حجت قلدت الإبل النعل وألبستها الجلال وأشعرتها فلا يتعرض لها أحد
إلا خثعم
وكان النسئ في بني كنانة ثم في بني ثعلبة بن مالك بن كنانة
وكان الذي يلي ذلك منهم أبو ثمامة المالكي ثم من بني فقيم وبنو فقيم هم النسأة وهو
منسئ الشهور وكان يقوم على باب الكعبة فيقول إن آلهتكم العزى قد أنسأت صفر الأول
وكان يحله عاما ويحرمه عاما وكان أتباعهم على ذلك غطفان وهوازن وسليم وتميم وآخر
النسأة
____________________
____________________
جنادة بن عوف بن أمية بن قلع
بن عباد بن حذيفة بن عبد بن فقيم وقيل القلمس هو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن
عامر بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك بن كنانة ثم توارث ذلك منه بنوه من بعده حتى كان
آخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو ثمامة جنادة
وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فأحل لهم من الشهور وحرم فأحلوا ما أحل
وحرموا ما حرم وكان إذا أراد أن ينسئ منها شيئا أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفرا
فحرموه ليواطئوا عدة الأربعة فإذا أرادوا الهدي اجتمعوا إليه فقال اللهم إني لا
أجاب ولا أعاب في أمري والأمر لما قضيت اللهم إني قد أحللت دماء المحلين من طيء
وخثعم فاقتلوهم حيث ثقفتموهم أي ظفرتم بهم اللهم إني قد أحللت أحد الصفرين الصفر
الأول وأنسأت الآخر من العام المقبل وإنما أحل دم طيء وخثعم لأنهم كانوا يعدون على
الناس في الشهر الحرام من بين جميع العرب وقيل أول من أنسأ سرير بن ثعلبة وانقرض
فأنسأ من بعده ابن أخيه القلمس واسمه عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث ابن كنانة ثم
صار النسيء في ولده وكان آخرهم أبو ثمامة جنادة وقيل عوف بن أمية بن قلع عن أبيه
أمية بن قلع عن جده قلع بن عباد عن جد أبيه عباد بن حذيفة عن جد جده حذيفة بن عبد
بن فقيم وكان يقال لحذيفة القلمس وهو أول من أنسأ الشهور على العرب فأحل منها ما
أحل وحرم ما حرم ثم كان بعد عوف المذكور ولده أبو ثمامة جنادة بن عوف وعليه قام
الإسلام وكان أبعدهم ذكرا وأطولهم أمدا يقال أنه أنسأ أربعين سنة ولهم يقول عمير
بن قيس جذل الطعان يفتخر
( وأي الناس لم يسبق بوتر ** وأي الناس لم يعلك لجاما )
( ألسنا الناسئين على معد ** شهور الحل نجعلها حراما )
وقال آخر
( أتزعم أني من فقيم بن مالك ** لعمري لقد غيرت ما كنت أعلم )
____________________
( لهم ناسئ يمشون تحت لوائه ** يحل إذا شاء الشهور ويحرم )
وقيل كانت العرب تكبس في كل أربع وعشرين سنة قمرية بتسعة أشهر فكانت شهورهم ثابتة
مع الأزمنة جارية على سنن واحد لا تتأخر عن أوقاتها ولا تتقدم وكان النسيء الأول
للمحرم فسمي صفر باسمه وشهر ربيع الأول باسم صفر
ثم والوا بين أسماء الشهور فكان النسيء الثاني بصفر فسمي الذي كان يتلوه بصفر أيضا
وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الاثني عشر وعاد إلى المحرم فأعادوا فعلهم الأول
وكانوا يعدون أدوار النسيء ويحدون بها الأزمنة فيقولون قد دارت السنون من لدن زمان
كذا إلى زمان كذا وكذا دورة فإن ظهر لهم مع ذلك تقدم شهر عن فصل من الفصول الأربعة
لما يجتمع من كسور سنة الشمس بقية فضل ما بينها وبين سنة القمر الذي ألحقوه بها كبسوها
كبسا ثانيا
وكان يظهر لهم ذلك بطلوع منازل القمر وسقوطها حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم
وكانت نوبة النسئ بلغت شعبان فسمي محرما وشهر رمضان صفر
وقيل إن الناسئ الأول نسأ المحرم وجعله كبسا وأخر المحرم إلى صفر وصفر إلى ربيع
الأول وكذا بقية الشهور فوقع لهم في تلك السنة عاشر المحرم وجعل تلك السنة ثلاثة
عشر شهرا ونقل الحج بعد كل ثلاث سنين شهرا فمضى على ذلك مائتان وعشر سنين وكان
انقضاؤها سنة حجة الوداع وكان وقوع الحج في السنة التاسعة من الهجرة عاشر ذي
القعدة وهي السنة التي حج فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالناسئ ثم حج رسول
الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجة الوداع لوقوع الحج فيها عاشر ذي
الحجة كما كان في عهد إبراهيم وإسماعيل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حجته هذه
إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض يعني رجوع الحج والشهور
إلى الوضع وأنزل الله تعالى إبطال النسيء بقوله تعالى { إنما النسيء زيادة في
الكفر يضل به الذين كفروا }
____________________
يحلونه عاما ويحرمونه عاما
ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم ) فبطل ما
أحدثته الجاهلية من النسىء واستمر وقوع الحج والصوم برؤية الأهلة ولله الحمد
( ثم انقضت تلك السنون وأهلها ** فكأنها وكأنهم أحلام )
وكانت العرب لها تواريخ معروفة عندها قد بادت فما كانت تؤرخ به أن كنانة أرخت من
موت كعب بن لؤي حتى كان عام الفيل فأرخوا به وهو عام مولد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وكان بين كعب بن لؤي والفيل خمسمائة وعشرون سنة وكان بين الفيل وبين الفجار
أربعون سنة ثم عدوا من الفجار إلى وفاة هشام بن المغيرة فكان ست سنين ثم عدوا من
وفاة هشام بن المغيرة إلى بنيان الكعبة فكان تسع سنين ثم كان بين بنائها وبين هجرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشر سنة ثم وقع
____________________
التاريخ من الهجرة النبوية
فعن سعيد بن المسيب قال جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فسألهم من أي يوم
يكتب التاريخ فقال علي بن أبي طالب من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك
أرض الشرك ففعله عمر وعن سهل بن سعد الساعدي قال أخطأ الناس في العدد ما عدوا من
مبعثه ولا من وفاته إنما عدوا من مقدمه المدينة
وعن عمر ابن عباس قال كان التاريخ من السنة التي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة وقال قرة بن خالد عن محمد كان عند عمر بن الخطاب عامل جاء من اليمن
فقال لعمر أما تؤرخون تكتبون في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا فأراد عمر والناس أن
بكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا من عند وفاته ثم أرادوا أن
يكون ذلك من الهجرة ثم قالوا من أي شهر أرادوا أن يكون من رمضان ثم بدا لهم فقالوا
من المحرم
وقال ميمون بن مهران رفع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صك محله شعبان فقال أي
شعبان هو أشعبان الذي نحن فيه أو الآتي ثم جمع وجوه الصحابة فقال إن الأموال قد
كثرت وما قسمنا منها غير موقت فكيف التوصل إلى ما يضبط به ذلك فقالوا يجب أن يعرف
ذلك من رسوم الفرس فعندها استحضر عمر الهرمزان وسأله عن ذلك فقال إن لنا حسابا
نسميه ماه روز معناه حساب الشهور والأيام فعربوا الكلمة وقالوا مؤرخ ثم جعلوه اسم
التاريخ واستعملوه ثم طلبوا وقتا يجعلونه أولا لتاريخ دولة الإسلام فاتفقوا على أن
يكون المبدأ من سنة الهجرة وكانت الهجرة النبوية من مكة إلى
____________________
المدينة وقد تصرم من شهور
السنة وأيامها المحرم وصفر وأيام من ربيع الأول فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا
القهقري ثمانية وستين يوما وجعلوا التاريخ من أول محرم هذه السنة ثم أحصوا من أول
يوم في المحرم إلى آخر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عشر سنين وشهرين
وأما إذا حسب عمره المقدس من الهجرة حقيقة فيكون قد عاش صلى الله عليه وسلم بعدها
تسع سنين وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما وكان بين مولده صلى الله عليه وسلم
وبين مولد المسيح عليه السلام خمس مائة وثمان وسبعون سنة تنقص شهرين وثمانية أيام ابتداء
تاريخ الهجرة
يوم الخميس أول شهر الله المحرم وبينه وبين الطوفان ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس
وثلاثون سنة وعشرة أشهر واثنان وعشرون يوما وبينه وبين تاريخ الإسكندر المقدوني
الرومي بن فيلبس تسعمائة وإحدى وستون سنة قمرية وأربعة وخمسون يوما تكون من السنين
الشمسية تسعمائة واثنتان وثلاثون سنة ومائتان وتسعة وثمانون يوما منها تسعة أشهر
وتسعة عشر يوما وبينه وبين تاريخ القبط ثلاثمائة وسبع وثلاثون سنة وتسعة وثلاثون
يوما
وقال ابن ما شاء الله إن انتقال الممر من الثلاثة الهوائية التي هي برج الجوزاء
دولتها إلى برج السرطان ومثلثة المائية التي كانت دولة الإسلام فيها عند تمام سنة
آلاف وثلاثمائة وخمس وأربعين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوما من وقت القران الأول
الواقع في بدء التحرك يعني خلق آدم عليه السلام وغن القرآن من هذه المثلثة وقع في
أربع درج ودقيقة واحدة من برج العقرب وهو قران الملة الإسلامية
قال وفي السنة الثانية من هذا القرآن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بين
دخول الشمس برج الحمل في هذه السنة وبين أول يوم من سنة الهجرة سنون فارسية عدتها
إحدى وخمسون سنة وثلاثة أشهر وثمانية أيام وست عشرة ساعة فكان من وقت الطوفان إلى
وقت قران الملة
____________________
ثلاثة الآف وتسعمائة واثنتا
عشرة سنة وستة أشهر وأربعة عشر يوما
وزعمت اليهود أن من آدم عليه السلام إلى سنة الهجرة أربعة آلاف واثنتين وأربعين
سنة وثلاثة أشهر وزعمت النصارى أن بينهما خمسة آلاف وتسعمائة وتسعين سنة وثلاثة
أشهر وزعمت المجوس أعني الفرس أن بينهما أربعة آلاف ومائة واثنتين وثمانين سنة
وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما
وقد عرفت أن شهور تاريخ الهجرة القمرية وأيام كل سنة منها عدتها ثلاثمائة وأربعة
وخمسون يوما وسدس يوم وجميع الأحكام الشرعية مبنية على رؤية الهلال عند جميع فرق
الإسلام ما عدا الشيعة فإن الأحكام مبنية عندهم على عمل شهور السنة بالحساب على ما
ذكر المقريزي في ذكر القاهرة وخلفائها
ثم لما احتاج منجمو الإسلام إلى استخراج ما لابد منه من معرفة الاهلة وسمت القبلة
وغير ذلك بنوا أزياجهم على التاريخ العربي وجعلوا شهور السنة العربية شهرا كاملا
وشهرا ناقصا وابتدأوا بالمحرم اقتداء بالصحابة رضي الله عنهم فجعلوا المحرم ثلاثين
يوما وصفر تسعة وعشرين يوما وربيع الأول ثلاثين يوما وربيع الآخر تسعة وعشرين يوما
وجمادي الأولى وثلاثين يوما وجمادى الآخرة تسعة وعشرين يوما ورجب وثلاثين يوما
وشعبان تسعة وعشرين يوما ورمضان ثلاثين يوما وشوال تسعة وعشرين يوما وذا القعدة
ثلاثين يوما وذا الحجة تسعة وعشرين يوما وزادوا من أجل كسر اليوم الذي هو خمس وسدس
يوما في ذي الحجة إذا صار هذا الكسر أكثر من نصف يوم فيكون شهر ذي الحجة في تلك
السنة ثلاثين يوما ويسمون تلك السنة كبيسة ويصير عددها ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما
ويجتمع في كل ثلاثين من الكبس أحد عشر يوما والله أعلم وسيأتي الكلام على تاريخ
الهجرة أوسع من هذا إن شاء الله تعالى
____________________
تاريخ الفرس
ويعرف أيضا بتاريخ يزدجر فإنه من ابتداء تملك يزدجر بن شهريار بن كسرى ابرويز أرخ
به الفرس من أحل أن يزدجر قام في المملكة بعدما تبدد ملك فارس واستولى عليها
النساء والمتغلبون وهو أيضا آخر ملوك فارس وبقتله تمزق ملكهم وأول هذا التاريخ يوم
الثلاثاء وبينه وبين تاريخ الهجرة تسع سنين وثلاثمائة وثمانية وثلاثون يوما وأيام
سنة هذا التاريخ تنقص عن السنة الشمسية ربع يوم فيكون في كل مائة وعشرين سنة شهر
واحد ولهم في كبس السنة آراء ليس هذا موضع إيرادها وعلى هذا التاريخ يعتمد في
زماننا أهل العراق وبلاد العجم وهذه أسماء شهورهم فروردين ماردي بهشت خرداد تير
شهريور مهرابان آذر دي بهمن اسفندار جعلوا كل شهر منها ثلاثين يوما وزادوا خمسة
أيام في آخر اسفندار وسموها خمسة مسترقة ولهم لكل يوم من أيام هذا الشهر اسم معلوم
تاريخ الهند
ويقال له في لسانهم سنبت واساكا فهذه أسماء شهورهم جيت بيساكهه جيهه اساره ساون
بهادون كوار كأنك اكهن بوس مماكهه بهاكن وينسب هذا التاريخ إلى بكر ماجيت وهو
كبيرهم من بين ملوك الهند ومداره على السنين شمسية كفعل غيرهم من العجم تاريخ
البرطانية
وهم النصارى ملوك الهند اليوم فهو على سني الروم كما تقدم وهذه أسماء شهورهم
الإثنى عشر على لغتهم جنيوري فبروري مارج ابريل ماي جون جولاي اكست سبتمر اكتوبر
نوفمبر ديسمبر فالأربعة الأشهر
____________________
منها وهي ابريل وجون وسبتمبر
ونوفمبر ثلاثون يوما والسبعة شهور الباقية ما خلا فبروري إحدى وثلاثون يوما أما
فبروري فهو ثمانية وعشرون يوما ويجعلونه في السنة الرابعة تسعة وعشرين يوما
ويسمونها الكبيسة ومبدأ هذا التاريخ من ولادة المسيح بن مريم عليهما السلام والله
أعلم ولله عاقبة الأمور
____________________
ذكر ابتداء الدول والأمم والكلام
على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر
أعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أموره وعلم ما يحدث لهم من حياة
و موت وخير وشر سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا ومعرفة مدد الدول أو
تفاوتها والتطلع إلى هذا طبيعة البشر مجبولة عليه ولذلك نجد الكثير من الناس
يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من
الملوك والسوقة معروفة
ولقد نجد في المدن صنفا من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه
فيقفون لهم في الطرقات والدكاكين يتعرضون لنم يسألهم عنه فتغدو عليهم وتروح نسوان
المدينة وصبيانها وكثير من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم في الكسب والجاه
والمعاش والمعاشرة والعداوة
وأمثال ذلك ما بين خط في الرمل ويسمونه المنجم وطرق الحصى والحبوب ويسمونه الحاسب
ونظرا في المرايا والمياه ويسمونه ضارب المندل وهو من المنكرات الفاشية في الأمصار
لما تقرر في الشريعة من ذم ذلك وأن البشر محجوبون عن الغيب إلا من أطلعه الله عليه
من عنده في نوم أو ولاية
وأكثر ما بعتني بذلك ويتطلع إليه الأمراء والملوك في آماد دولهم ولذلك انصرفت
العناية من أهل العلم إليه وكل أمة من الأمم يوجد
____________________
لهم كلام من كاهن أو منجم أو
ولي في مثل ذلك من ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بها وما يحدث لهم من الحرب
والملاحم ومدة بقاء الدولة وعدد الملوك فيها والتعرض لأسمائهم ويسمى مثل ذلك
الحدثان
وكان في العرب الكهان والعرافون يرجعون إليهم في ذلك وقد اخبروا بما سيكون للعرب
من الملك والدولة كما وقع لشق في تأويل رؤيا ربيعة ابن نصر من ملوك اليمن اخبرهم
بملك الحبشة بلادهم ثم رجوعها إليهم ثم ظهور الملك والدولة للعرب من بعد ذلك وكذا
تأويل سطيح لرؤيا الموبذان حين بعث إليه كسرى بها مع عبد المسيح وأخبرهم بظهور
دولة العرب وكذا كان في جيل البربر كهان من أشهرهم موسى بن صالح من بني يقرن ويقال
من غمرة وله كلمات حدثانية على طريقة الشعر برطانتهم وفيها حدثان كثير ومعظمه فيما
يكون لزناتة من الملك والدولة بالمغرب وهي متداولة بين أهل الجيل وهم يزعمون تارة
انه ولي وتارة أنه كاهن
وقد يزعم بعض مزاعمهم أنه كان نبيا لأن عندهم قبل الهجرة بكثير والله أعلم
وقد يستند الجيل إلى خبر الأنبياء إن كان لعهدهم كما وقع لبني إسرائيل فإن
أنبياءهم المتعاقبين فيهم كانوا يخبروهم بمثله عندما يعنونهم في السؤال عنه
وأما في الدولة الإسلامية فوقع منه كثير فيما يرجع إلى بقاء الدنيا ومدتها على
العموم وفيما يرجع إلى الدولة وإعمارها على الخصوص
وكان المعتمد في ذلك في صدر الإسلام آثارا منقولة عن الصحابة وخصوصا مسلمة بني
إسرائيل مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما وربما اقتبسوا بعض ذلك من ظواهر
مأثورة وتأويلات محتملة ووقع لجعفر وأمثاله أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه
والله اعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية
____________________
وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم وقد قال صلى الله
عليه وسلم أن فيكم محدثين فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة
وأما بعد صدر الملة وحين علق الناس على العلوم والإصطلاحات وترجمت كتب الحكماء إلى
اللسان العربي فأكثر معتمدهم في ذلك كلام المنجمين في الملك والدول وسائر الأمور
العامة من القرانات وفي المواليد والمسائل وسائر الأمور الخاصة من الطوالع لها وهي
شكل الفلك عند حدوثها وقد يستندون في حدثان الدول على الخصوص إلى كتاب الجفر ويزعمون
أن فيه علم ذلك كله من طريق الآثار والنجوم لا يزيدون على ذلك ولا يعرفون اصل ذلك
ولا مستنده
فاعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي وهو راس الزيدية كان له
كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص
منهم على الخصوص وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي
يقع لمثلهم من الأولياء وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارة ن
العجلي وكتبه وسماه التحفر باسم الجلد الذي كتب منه لأن الجفر في اللغة هو الصغير
وصار هذا الإسم علما على هذا الكتاب عندهم وكان فيه تفسير القرآن في وما بطنه من
غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق
وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا
يصحبها دليل ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من
رجال قومه فهم أهل الكرمات
وقد صح عنه انه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما يقول
وقد حذر يحيى ابن عمه زيد من مصر وعصاه فخرج وقتل بالجوزان كما هو معروف وإذا كانت
الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علما
____________________
ودينا وآثارا من النبوة وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة وقد ينقل
بين أهل البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب إلى أحد
وفي أخبار دولة العبيديين كثيرا منه وانظر إلى ما حكاه ابن الدقيق في لقاء أبي عبد
الله الشيعي لعبد الله المهدي مع ابنه محمد الحبيب وما حدثاه به وكيف بعثاه إلى
ابن حوشب داعيتهم باليمن فأمره بالخروج إلى المغرب وبث الدعوة فيه على علم لقنه أن
دعوته تتم هناك وأن عبد الله لما بنى المهدية بعد استفحال وولتهم بإفريقية
قال بنيتها ليعتصم بها الفواطم ساعة من نهار وأراهم موقف صاحب الحمار أبي يزيد
بالمهدية وكان يسأل عن منتهى موقفه حتى جاءه الخبر ببلوغه إلى المكان الذي عينه
جده عبيد الله فأيقن بالظفر وبرز من البلد فهزمه واتبعه إلى ناحية الزاب فظفر به
وقتله ومثل هذه الأخبار عندهم كثيرة
وأما المنجمون فيستندون في حدثان الدول إلى الأحكام النجومية أما في الأمور العامة
مثل الملك والدول فمن القرانات وخصوصا بين العلويين وذلك ان العلويين زحل والمشتري
يقرنان في كل عشرين سنة مرة ثم يعود القران إلى برج آخر في تلك المثلثة من التلبيث
اليمن ثم بعده إلى آخر كذلك إلى أن يتكرر في المثلثة الواحدة اثنتي عشرة مرة تستوي
بروحه الثلاثة في ستين ينة ثم رابعة فيستوي في المثلثة بإثنتي عشرة مرة وربع عودات
في مائتين وأربعين سنة ويكون انتقاله في كل برج على التثليث الأيمن وينتقل من
المثلثة إلى المثلثة التي تليها أعني البرج الذي يلي البرج الأخير من القرآن الذي
قبله في المثلثة وهذا القرآن الذي هو قران العلويين ينقسم إلى كبير وصغير ووسط
فالكبير هو اجتماع العلويين في درجة واحدة من الفلك إلى أن يعود إليها بعد تسعمائة
وستين سنة مرة واحدة
والوسط هو إقتران العلويين في كل مثلثة اثنتي عشرة مرة وبعد مائتين وأربعين سنة
ينتقل إلى مثلثة أخرى
____________________
والصغير هو اقتران العلويين في درجة برج وبعد عشرين سنة يقترنان في برج آخر على
تثليثه الأيمن في مثل درجة أو دقائقة مثال ذلك وقع القران في أول دقيقة من الحمل
وبعد عشرين يكون في أول دقيقة من القوس وبعد عشرين يكون في أول دقيقة من الأسد
وهذه كلها نارية وهذا كلها قران صغير ثم يعود إلى أول الحمل بعد سنتين سنة ويسمي
دور القرآن وبعد مائتين وأربعين ينتقل من النارية إلى الترابية لأنها بعدها وهذا
قران وسط ثم ينتقل إلى الهوائية ثم المائية ثم يرجع إلى أول الحمل في تسعمائة
وستين سنة وهو الكبير والقران الكبير يدل على عظام الأمور مثل تغيير الملك والدولة
وانتقال الملك من قوم إلى قوم والوسط على ظهور المتغلبين والطالبين للملك والصغير
على ظهور الخوارج والدعاة وخراب المدن أو عمرانها
ويقع أثناء هذه القرانات قران التحسين في برج السرطان في كل ثلاثين سنة مرة ويسمى
الرابع وبرج السرطان هو طالع العالم وفيه وبال زحل وهبوط المريخ فتعظم دلالة هذا
القرن في الفتن والحروب وسفك الدماء وظهور الخوارج وحركة العساكر وعصيان الجند
والوباء والقحط ويدوم ذلك أو ينتهي على قدر السعادة والنحوسة في وقت قرانهما على
قدر تيسير الدليل فيه
قال جراس بن أحمد الحاسب في الكتاب الذي ألفه لنظام الملك ورجوع المريخ إلى العقرب
له أثر عظيم في الملة الإسلامية لأنه كان دليلها فالمولد النبوي كان عند قران
العلويين ببرج العقرب فلما رجع هنالك حدث التشويش على الخلفاء وكثر المرض في أهل
العلم والدين ونقص ت أحوالهم وربما انهدم بعض بيوت العبادة
وقد يقال أنه كان عند قتل علي رضي الله عنه ومروان من بني أمية والمتوكل من بني
العباس فإذا روعيت هذه الأحكام مع أحكام القرانات كانت في غاية الأحكام
قال أبو معشر في كتاب القرانات القسمة إذا إنتهت إلى السابعة والعشرين من الحوت
فيها شرف الزهرة ووقع القران مع ذلك ببرج
____________________
العقرب وهو دليل العرب ظهرت
حينئذ دولة العرب وكان منهم نبي ويكون قوة ملكه ومدته على ما بقي من درجات شرف
الزهرة وهي إحدى عشرة درجة بتقريب من برج الحوت ومدة ذلك ستمائة وعشر سنين وكان
ظهور أبي مسلم عند انتقال الزهرة ووقوع القسمة أول الحمل وصاحب الجد المشتري
وسيأتي قول شادان البلخي وغيره في انتهاء مدة تلك الملة
قال جراس سأل هرمز افريد الحكيم عن مدة اردشير وولده وملوك الساسانية فقال دليل
ملكه المشتري وكان في شرفه فيعطى أطول السنين وأجودها أربعمائة وسبعا وعشرين سنة
ثم تزيد الزهرة وتكون في شرفها وهي دليل فيملكون لأن طالع القران الميزان وصاحبه
الزهرة
وكانت عند القران في شرفها فدل أنهم يملكون ألف سنة وستين سنة
قال جراس وانتقال القران إلى المثلثة المائية من برج الحوت يكون سنة ثلاث وستين
وثمانمائة ليزدرجرد وبعدها إلى برج العقرب حيث كان قران الملة سنة ثلاث وخمسين
قال والذي في الحوت هو أول الإنتقال والذي في العقرب يستخرج منه دلائل الملة قال
وتحويل السنة الأولى من القران الأول في المثلثات المائية في ثاني رجب سنة ثمان
وستين وثمانمائة ولم يستوف الكلام على ذلك
وأما مستند المنجمين في دولة على الخصوص فمن القران الأوسط وهيئة الفلك عند وقوعه
لأن له دلالة عندهم على حدوث الدولة وجهاتها من العمران والقائمين بها من الأمم
وعدد ملوكهم وأسمائهم وأعمارهم ونحلهم وأديائهم وعوائهم وحروبهم كما ذكر أبو معشر
في كتابه في القرانات وقد توجد هذه الدلالة من القران الأصغر إذا كان الأوسط دالا
عليه فمن هذا يوجد الكلام في الدول
وقد كان يعقوب بن اسحاق الكندي منجم الرشيد والمأمون وضع
____________________
في القرانات الكائنة في الملة
كتابا سماه الشيعة بالجفر باسم كتابهم المنسوب إلى جعفر الصادق وذكر فيه فيما يقال
حدثان دولة بني العباس وأنها نهاية وأشار إلى انقراضها والحادثة على بغداد أنها
تقع في انتصاف المائة السابعة وأن بانقراضها يكون انقراض الملة ولم نقف على شيء من
خبر هذا الكتاب ولا رأينا من وقف عليه ولعله غرق في كتبهم التي طرحها هلاكو ملك
التتر في دجلة عند استيلائهم على بغداد وقتل المستعصم آخر الخلفاء
وقد وقع بالمغرب جزء منسوب إلى هذا الكتاب يسمونه الجفر الصغير والظاهر أنه وضع
لبني عبد المؤمن لذكر الأولين من ملوك الموحدين فيه على التفصيل ومطابقة من تقدم
عن ذلك من حدثانه وكذب ما بعده وكان في دولة بني العباس من بعد الكندي منجمون وكتب
في الحدثان وانظر ما نقله الطبري في أخبار المهدي عن أبي بديل من أصحاب صنائع
الدولة
قال بعث إلى الربيع والحسن في غزاتهما مع الرشيد أيام ابيه فجئتهما جوف الليل فإذا
عندهما كتاب من كتب الدولة يعني الحدثان وإذا مدة المهدي فيه عشر سنين فقلت هذا
الكتاب لا يخفى على المهدي وقد مضى من دولته ما مضى فإذا وقف عليه كنتم قد نعيتم
إليه نفسه قالا فما الحيلة فاستدعيت عنبسة الوراق مولى آل بديل وقلت له انسخ هذه
الرقة واكتب مكان عشر أربعين ففعل فوالله لولا أني رأيت العشرة في تلك الورقة
والأربعين في هذه ما كنت أشك أنها هي
ثم كتب الناس من بعد ذلك في حدثان الدول منظوما ومنثورا ورجزا ما شاء الله أن
يكتبوه بأيدي الناس متفرقة كثير منها وتسمى الملاحم وبعضها في حدثان الملة على
العموم وبعضها في دولة على الخصوص وكلها منسوبة إلى مشاهير من أهل الخليقة وليس
منها أصل يعتمد على روايته عن واضعه المنسوب إليه فمن هذه الملاحم بالمغرب قصيدة
ابن مرانة من بحر الطويل على روي الراء وهي المتداولة بين الناس وتحسب
____________________
العامة أنها من الحدثان العام
فيطلقون الكثير منها على الحاضر والمستقبل والذي سمعناه من شيوخنا أنها مخصوصة
بدولة لمتونة لأن الرجل كان قبيل دولتهم وذكر فيها استيلاءهم على سبتة من يد موالي
بني حمود وملكهم لعدوة الأندلس ومن الملاحم بيد أهل المغرب أيضا قصيدة تسمى
التبعية أولها
( طربت وما ذاك مني طرب وقد يطرب الغائب المغتضب )
قريبا من خمسمائة بيت أو ألف فيما يقال ذكر فيها كثيرا من دولة الموحدين وأشار
فيها إلى الفاطمي وغيره والظاهر أنها مصنوعة
ومن الملاحم بالمغرب أيضا ملعبة من الشعر الزجل منسوبة لبعض اليهود وذكر فيها
أحكام القرانات لعصرا العلويين والتحسين وغيرهما وذكر منيته قتيلا بفاس وكان كذلك
فيما زعموه وأبياته نحو الخمسمائة وهي في القرانات التي دلت على دولة الموحدين
ومنها قصيدة ابن الابار في حدثان دولة بني أبي حفص بتونس من الموحدين ومنها ملعبة
الهواثي على لغة العامة في عروض البلد والغالب عليها الوضع لأنه لم يصح منها قول
إلا على تأويل تحرفه العامة أو المحرف فيه من ينتحلها من الخاصة ومها ملحمة ابن
العربي الحاتمي في كلام طويل شبه الألغاز لا يعلم تأويله إلا الله لتخلله أوفاق
عددية ورموز ملغوزة وأشكال حيوانات تامة ورؤوس مقطعة وتماثيل من حيوانات غريبة وفي
آخرها قصيدة على روي اللام والغالب أنها كلها غير صحيحة لأنها لم تنشأ عن أصل علمي
من نجامة ولا غيرها
وهناك ملاحم أخرى منسوبة لابن سينا وابن عقب وليس في شيء منهما دليل على الصحة لأن
ذلك إنما يؤخذ من القرانات
وملحمة أخرى من حدثان دولة الترك منسوبة إلى رجل من الصوفية يسمى الباجريقي وكلها
ألغاز بالحروف والغالب أنها موضوعة ومثل صنعتها كان في القديم كثيرا ومعروف
الانتحال وعند أهل الهند قصيدة فارسية وملحمة عجمية منسوبة إلى الشاه نعمة الله
الولي الهندي فيها
____________________
حدثان دولة التيمورية التي
كانت بالهند والظاهر أنها مصنوعة ولم يصح شيء مما ذكر فيها إلا بتأويل بعيد وتكلف
طويل لا يلتفت إلى مثلها
وحكى المؤرخون لأخبار بغداد أنه كان بها أيام المقتدر وراق ذكي يعرف بالدانيالي
يبل الأوراق ويكتب فيها بخط عتيق يرمز فيه بحروف من أسماء أهل الدولة ويشير بها
إلى ما يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعة والجاه كأنها ملاحم ويحصل على ما يريد منهم
من الدنيا وذكر فيها كوائن أخرى وملاحم مما وقع ومما لم يقع ونسب جميعه إلى دانيال
قال ابن خلدون ولقد سألت أكمل الدين ابن شيخ الحنفية من العجم بالديار المصرية عن
هذه الملحمة وعن هذا الرجل الذي تنسب إليه من الصوفية وهو الباجريقي وكان عارفا
بطرائقهم فقال كان من القلندرية المبتدعة في حلق اللحية وكان يتحدث عما يكون بطريق
الكشف ويومئ إلى رجال معينين عنده ويلغز عليهم بحروف بعينها في ضمنها لمن يراه
منهم وربما يظهر نظم ذلك في أبيات قليلة كان يتعاهدها فتنوقلت عنه وولع الناس بها
وجعلوها ملحمة مرموزة وزاد فيها الخراصون من ذلك الجنس في كل عصر وشغل العامة بفك
رموزها وهو أمر ممتنع إذ الرمز إنما يهدي إلى كشفه قانون يعرف قبله ويوضع له وأما
مثل هذه الحروف فدلالتها على المراد منها مخصوصة بهذا النظم لا يتجاوزه فرأيت من
كلام هذا الرجل الفاضل شفاء لما كان في النفس من أمر هذه الملحمة وما كنا لنهتدي
لولا أن هدانا الله والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق وهو المستعان
____________________
ذكر ما قيل في مدة أيام
الدنيا ماضيها وباقيها
اعلم أن الناس اختلفوا قديما وحديثا في هذه المسألة فقال قوم من القدماء الأول
بالأكوار والأدوار وهم الدهرية وهؤلاء هم القائلون بعود العوالم كلها على ما كانت
عليه بعد ألوف من السنين معدودة وهم في ذلك غالطون من جهة طول أدوار النجوم وذلك
أنهم وجدوا قوما من الهند والفرس قد عملوا أدوارا للنجوم ليصححوا بها في كل وقت
مواضع الكواكب فظنوا أن العدد المشترك لجميعها هو عدد سني العالم أو أيام العالم
وإنه كلما مضى ذلك العدد عادت الأشياء إلى حالها الأول وقد وقع في هذا الظن ناس
كثير مثل أبي معشر وغيره وتبع هؤلاء خلق وأنت تقف على فساد هذا الظن إن كنت تخبر
من العدد شيئا ما وذلك أنك إذا طلبت عددا مشتركا بعده أعداد معلومة فإنك تقدر أن
تضع لكل زيج أياما معلومة كالذي وضعه الهند والفرس فهؤلاء حيث جهلوا صورة الحال في
هذه الأدوار ظنوا أنها عدد أيام العالم فتفطن ترشد
وعند هؤلاء أن الدور هو أخذ الكواكب من نقطة وهي سائرة حتى تعود إلى تلك النقطة
وإن الكور هو استئناف الكواكب في أدوارها سيرا آخر إلى أن تعود إلى مواضعها مرة
بعد أخرى
وزعم أهل هذه المقالة أن الأدوار منحصرة في أنواع خمسة
الأول أدوار الكواكب السيارة في أفلاك تداويرها
الثاني أدوار مراكز أفلاك التدوير في أفلاكها الحاملة
الثالث أدوار أفلاكها الحالة في تلك البروج
____________________
الرابع أدوار الكواكب الثابتة في تلك البروج
الخامس أدوار الفلك المحيط بالكل حول الأركان الأربعة وهذه الأدوار المذكورة منها
ما يكون في كل زمان طويل مرة واحدة ومنها ما يكون في كل ومانه قصير مرة واحدة
فأقصر هذه الأدوار أدوار الفلك المحيط بالكل حول الأركان الأربعة فإنه يدور في كل
أربع وعشرين ساعة دورة واحدة وباقي الأدوار يكون في أزمنة أخر أطول من هذا لا حاجة
لنا في هذه المسألة إلى ذكرها
قالوا وأدوار الكواكب الثابتة في فلك البروج تكون في كل ستة وثلاثين ألف سنة شمسية
مرة واحدة وحينئذ تنتقل أوجات الكواكب وجوزهراتها إلى مواضع حضيضاتها ونوبهراتها
وبالعكس فيوجب ذلك عندهم عود العالم كلها إلى ما كانت عليه من الأحوال في الزمان
والمكان والأشخاص والأوضاع بحيث لا يتخالف ذرة واحدة وهم مع ذلك مختلفون في كمية
ما مضى من أيام العالم وما بقي
فقال البراهمة من الهند في ذلك قولا غريبا وهو ما حكاه عنهم الأستاذ أبو الريحان
محمد بن أحمد البيروتي في كتاب القانون المسعودي إنهم يسمون الطبيعة باسم ملك يقال
له إبراهيم ويزعمون أنه محدث محصور الموت بين مبدأ وانتهاء عمره كعمرها مائة سنة
برهموية كل سنة ثلاثمائة وستون يوما زمان النهار بقدر مدة دوران الأفلاك والكواكب
لإثارة الكون والفساد
وهذه المدة بقدر ما بين كل اجتماعين للكواكب السبعة في أول برج الحمل بأوجاتها
وجزهراتها ومقدارها أربعة آلاف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف سنة وعشرون ألف ألف
سنة شمسية وهو زمان اثني عشر ألف دورة للكواكب الثابتة على أن زمان الدورة الواحدة
ثلاثمائة ألف وستون ألف سنة شمسية
واسم هذا النهار بلغتهم الكلية وزمان الليل عندهم كزمان النهار وفي الليل تسكن
المتحركات وتستريح الطبيعة من إثارة الكون والفساد
____________________
ثم يثور في مبدأ اليوم الثاني
بالحركة والتكون فيكون زمان اليوم بليلته من سني الناس ثمانية آلاف ألف ألف سنة
وستمائة ألف ألف سنة وأربعين ألف ألف سنة فإذا ضربنا لك في ثلاثمائة وستين تبلغ
سنو أيام البرهموية ثلاثة آلاف ألف ألف ألف سنة وعشرة آلاف ألف ألف سنة وأربعمائة
ألف ألف سنة شمسية فإذا ضربنا هذا في مائة يبلغ عمر الملك الطبيعي البرهموي من سنى
الناس ثلاثمائة ألف بألف ألف ألف سنة واحد عشر ألف ألف ألف سنة وأربعين ألف ألف
سنة شمسية فإذا تمت هذه السنون بطل العالم عن الحركة والتكوين ما شاء الله ثم
يستأنف من جديد على الوضع المذكور
وقسموا زمان النهار المذكور إلى تسع وعشرين قطعة سموا كل أربع عشرة قطعة منها نوبا
وسموا الخمس عشرة قطعة الباقية فصولا وجعلوا كل نوبة محصورة بين فصلين وكل فصل
محصورا بين نوبتين وقدموا زمان الفصل على النوبة إلى تمام المدة وزمان الفصل هو
خمسا الدور والدور جزء من ألف جزء من المدة فإذا قسمنا المدة على ألف يحصل زمان
الدور أربعة آلاف ألف سنة وثلاثمائة ألف سنة وعشرين ألف سنة وخمسا أعني زمان الفصل
ألف ألف سنة وسبعمائة ألف سنة وثمانية عشرون ألف سنة وزمان النوبة عندهم أحد
وسبعون دورا مقدارها من السنين ثلاثمائة ألف ألف سنة وستة آلاف سنة وسبعمائة ألف
سنة وعشرون ألف سنة
وقد قسموا الدور أيضا بأربع قطع أولها أعظمها وهي مدة الفصل المذكور
وثانيها ثلاثة أرباع الفصل ومدتها ألف ألف سنة ومائتا ألف سنة وستة وتسعون ألف سنة
وثالثها نصف الفصل ومدته ثمانمائة ألف سنة وأربعة وستون ألف سنة
ورابعها ربع الفصل وهو عشر الدور المذكور ومدته أربعمائة ألف سنة واثنان وثلاثون
ألف سنة
____________________
ولكل واحد من هذه القطع الأربع إسم يعرف به فاسم القطعة الرابعة عندهم كلكال لأنهم
يزعمون أنهم في زمانها وأن الذي مضى من عمر الملك الطبيعي على زعم حكيمهم الأعظم
المسمى عندهم برهمكوت ثمان سنين وخمسة أشهر وأربعة أيام
ونحن الآن في نهار اليوم الخامس من الشهر السادس من السنة التاسعة ومضى من النهار
الخامس ست نوب وسبعة فصول وسبعة وعشرون دورا من النوبة السابعة وثلاث قطع من الدور
المذكور أعني تسعة أعشاره ومضى من القطعة الرابعة أعني من أول كلكال إلى هلاك
شككال عظيم ملوكهم الواقع في آخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للإسكندر ثلاثة آلاف
سنة ومائة سنة وتسع وسبعون سنة
وقال إنما عرفنا هذا الزمان من علم إلهي وقع إلينا من عظماء أنبيائنا المتألهين
رواياتهم جيلا بعد جيل على ممر الدهور والأزمان وزعموا أن مبدأ كل دور أو فصل أو
قطعة أو نوبة تتجدد أزمنة العوالم وتنتقل من حال إلى حال وأن الماضي من أول كلكال
إلى شككال ثلاثة آلاف ومائة وتسع وسبعون سنة والماضي من النهار المذكور إلى آخر
سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للإسكندر ألف ألف سنة وتسعمائة ألف ألف سنة واثنان
وسبعون ألف ألف سنة وتسعمائة ألف سنة واثنان وسبعون ألف ألف سنة وتسعمائة ألف سنة
وسبعة وأربعون ألف سنة ومائة سنة وسبع وسبعون سنة فيكون الماضي من عمر الملك
الطبيعي إلى آخر هذه السنة ستة وعشرين ألف ألف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف ألف
سنة وخمسة عشر ألف ألف ألف سنة وسبعمائة ألف ألف سنة واثنين وثلاثين ألف ألف سنة
وتسعمائة ألف سنة وسبعة وأربعين ألف سنة ومائة سنة وتسعا وسبعين سنة
فإذا زدنا عليها الباقي من تاريخ الإسكندر بعد نقصان السنين المذكورة منه تحصل
الماضي من عمر الملك بالوقت المفروض والله أعلم بحقيقة ذلك
قال الخطا والأيغر في ذلك قولا أعجب من قول الهند وأغرب على ما نقلته من زيج أدوار
الأنوار وقد لخص هذا القول من كتب
____________________
أهل الصين وذلك أنهم جعلوا مبادي سنيهم مبنية على ثلاثة أدوار الأول يعرف بالعشري
مدة عشر سنين لكل سنة منها إسم يعرف به والثاني يعرف بالدور الإثني عشري وهو
أشهرها خصوصا في بلاد الترك يسمون سنيه بأسماء حيوانات بلغتي الخطأ والأيغر
والثالث مركب من الدورين جميعا ومدته ستون سنة وبه يؤرخون سني العالم وأيامه ويقوم
عندهم مقام أيام الإسبوع عند العرب وغيرها واسم كل سنة منها مركب من إسميها في
الدورين جميعا وكذلك كل يوم من أيام السنة ولهذا الدور ثلاثة أسماء وهي شانكون
وجونكون وخاون ويصير بحسبها مرة أعظم ومرة أوسط ومرة أصغر فيقال جور شانكون الاعظم
ودور جانكون الأوسط ودور خاون الأصغر وبهذه الأدوار يعتبرون سني العالم وأيامه
وجملتها مائة وثمانون سنة
ثم تدور الأدوار الثلاثة عليها مرة أخرى واتفق وقوعها مبدأ الدور الأعظم في الشهر
الأول من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ليزدجرد واسمها بلغتهم كادر وبلغة العرب سنة
الغار
وكان دخول أول فرودين هذه السنة من سني العرب يوم الخميس وهو بلغتهم سن جن
ومن هذا اليوم وعلى هذا التاريخ تترتب مبادي سنيهم وأيامهم في الماضي والمستقبل
وشهورهم إثنا عشر شهرا لكل شهر منها إسم بلغة الخطا وبلغة الأيغر لا حاجة بنا هنا
إلى ذكرها ويقسمون اليوم الأول بليلته اثني عشر قسم كل قسم منها يقال له جاغ وكل
جاغ ثمانية أقسام كل قسما منها يقال له كه ويقسمون اليوم بليلته أيضا عشرة آلاف
فنك وكل فنك منها مائة مياو فيصيب كل جاغ ثمانممائة وثلاثة وثلاثين ثلاث فنكا
وثلاث فنك وكل كه مائة وأربعة أفناك وسدس فنك وينسبون كل جاغ إلى صورة من الصور
الإثنتي عشرة ومبدأ اليوم بليلته عندهم من نصف الليل وفي منتصف جاغ كسكو
____________________
يتغير أول النهار وآخره بحسب
الطول والقصر من قبل أن كل جاغ ساعتان مستويتان
وفي منتصف النهار ينتصف جاغ يوند وهم يكبسون في كل ثلاث سنين قمرية شهرا واحدا
يسمونه سيون ليحفظوا بالكبس مبادي سني الشمس في زمان واحد من سنة أخرى ويكبسون أحد
عشر شهرا في كل ثلاثين سنة قمرية ولا يقع عندهم شهر الكبس في موضع واحد بعينه من
السنة بل يقع في كل موضع منها وكل شهر عدة أيامه أما ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون
يوما ولا يمكن عندهم أكثر من ثلاثة أشهر متواليه تامة ولا أكثر من شهرين ناقصين
ومبادي شهورهم يوم الإجتماع إن وقع إجتماع النيرين نهارا فإن وقع الإجتماع ليلا
كان أول الشهر في اليوم الذي بعد الإجتماع
وزمان السنة الشمسية بحسب أرصادهم ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وألفان وأربعمائة
وستة وثلاثون فنكا والسنة أربعة وعشرون قسما كل قسم منها خمسة عشر يوما وألفان
ومائة وأربعة وثمانون فنكا وهمسة أسداس فنك ولكل قسم من هذه الأقسام إسم وكل ستة
أقسام منها فصل من فصول السنة فإسم أول قسم من فصولها الحن وأوله أبدا حيث تكون
الشمس في ست عشرة درجة من برج الدلو وهكذا أوائل كل فصل إنما تكون في حدود أواسط
البروج الثابتة
وكان بعد مدخل الحن من أول الدور الستيني في السنة المذكورة أحد عشر فنكا وسبعة
آلاف وستمائة وستين فنكا وإسم مدخله بي خايني وكان بعد دخول السنة الفارسية
المذكورة بنحو عشرين يوما ويبعد مدخله عن أول الدور في كل سنة بقدر فصل سنة الشمس
على سنة الدور وهو خمسة أيام وأربعة وعشرون فنكا فإن زادت الأيام على ستين يوما
كان الباقي بعد الحن في تلك السنة عن أول الدور الستيني ويتفاضل البعد بينهما في
كل سنة بقدر فضل سنة الشمس على سنة القمر التي هي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما
وثلاثة آلاف وستمائة واثنان وسبعون فنكا ومقدار الفضل بينهما عشرة أيام وثمانية
آلاف
____________________
وسبعمائة وأربعة وعشرون فنكا
وخمسة آلاف وثمانمائة وستة أفناك نقص منها هذا العدد واحتسب بالباقي فإذا عرفت هذا
من حسابهم فاسعلم أن عمر العالم عندهم ثلاثمائة ألف ون وستون ألف ون كل ون عشرة
آلاف سنة مضى من ذلك إلى أول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ليزدجرد وهي دور شانكون
الأعظم ثمانية آلاف ون وثمانمائة ون وثلاثة وستون ونا وتسعة آلاف وسبعمائة و
أربعون سنة فتكون المدة العظمى على هذا ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ألف سنة وستمائة
ألف ألف ألف ألف سنة بهذه الصورة 360000000000 والماضي منها إلى السنة المذكورة
ثمانية وثمانون ألف ألف سنة وستمائة ألف سنة وتسعة وثلاثون ألف سنة سبعمائة سنة
وأربعون سنة بهذه الصورة 8863974 ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله
وإنما ذكرت طرفا من حساب سني البراهمة وطرفا من حساب سني الخطا والأيغر المستخرج من
حساب الصين ليعلم أن ذلك لم يضعه حكماؤهم عبثا ولأمر ما جدع قصير أنفه
وكم من جاهل بالتعليم إذا سمع أقوالهم في مدة سني العالم يبادر إلى تكذيبهم من غير
علم بدليلهم عليه وطريق الحق أن يتوقف فيما لا يعلمه حتى يتبين أحد طرفيه فيرجحه
على الآخر { والله يعلم وأنتم لا تعلمون }
وقال أصحاب السند بوالهند ومعناه دهر الدهران الكواكب وأوجاتها وجوزهراتها تجتمع
كلها في أول برج الحمل عند كل أربعة آلاف ألف ألف سنة وثلاثمائة ألف ألف سنة
وعشرين ألف ألف سنة شمسية وهذه مدة سني العالم
قالوا وإذا جمعت برأس الحمل فسدت المكونات الثلاث التي يحويها عالم الكون والفساد
المعبر عنه بالحياة الدنيا وهذه المكونات هي المعدن
____________________
والنبات والحيوان فإذا فسدت
بقي العالم السفلي خرابا دهرا طويلا إلى أن تتفرق الكواكب والأوجات والجوزهرات في
بروج الفلك فإذا تفرقت فيها بدأ الكون بعد الفساد فعادت أحوال العالم السفلي إلى
الأمر الأول وهذا يكون عودا بعد بدء إلى غير نهاية
قالوا ولكل واحد من الكواكب والأوجات والجوزهات عدة أدوار في هذه المدة يدل على كل
دور منها على شيء من المكونات كما هو مذكور في كتبهم مما لا حاجة بنا هنا إلى ذكره
وهذا القول منتزع من قول البراهمة الذين تقدم ذكرهم
وقال أصحاب الهازروان من قدماء الهند إن لكل ثلاثمائة ألف مائة ألف وثمانون ألف
سنة شمسية يهلك العالم بأسره ويبقى مثل هذه المدة ثم يعود بعينه ويعقبه البدل
وهكذا أبدا يكون الحال لا إلى نهاية
قالوا ومضى من أيام العالم المذكورة إلى طوفان نوح عليه السلام مائة ألف وثمانون
ألف سنة شمسية ومضى من الطوفان إلى سنة الهجرة المحمدية على صاحبها الصلاة والتحية
ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وعشرون سنة وأربعة أشهر وأيام وبقي من سني العالم حتى
يبتدىء ويفنى مائة ألف وبضع وسبعون ألف سنة شمسية أولها تاريخ الهجرة الذي يؤرخ به
أهل الإسلام
وقال أصحاب الأزجهير مدة العالم التي تجتمع فيها الكواكب برأس الحمل هي وأوجاتها
وجوزهراتها جزء من ألف جزء من مدة السند هند وهذا أيضا منتزع من قول البراهمة
وقال أبو معشر وابن نوبخت إن بعض الفرس يرى أن عمر الدنيا إثنا عشر ألف سنة بعدة
البروج لكل برج ألف سنة فكان ابتداء أمر الدنيا في أول ألف الحمل لأن الحمل والثور
والجوزاء تسمى أشرف الشرف وينسب إلى الحمل الفصل وفيها تكون الشمس في شرفها وعلوها
وطول نهارها ولذلك الدنيا كانت إلى ثلاثة آلاف سنة علوية روحانية طاهرة ولأن السرطان
والأسد والسنبلة منتقصة فإن الشمس تنحط من علوها في أول دقيقة من السرطان
____________________
وكان قدر الدنيا وأبناؤها
منحطا في ثلاثة آلاف الثانية ولأن الميزان أهبط الهبوط وبئر الآبار وضد البرج الذي
فيه شرف الشمس دل على أنه أصاب الدنيا فاكتسب أهلها المعصية والميزان والعقرب
والقوس إذا نزلتها الشمس لم تزدد إلا انحطاطا والأيام إلا نقصانا فلذلك دلت على
البلايا والضيق والشدة والشر وحيث تبلغ الآلاف إلى أول الجدي الذي فيه أول ارتفاع
الشمس وأشرافها على شرفها وفيه تزداد الأيام طولا والدلو والحوت اللذان تزداد الشمس
فيهما صعودا حتى تصل لشرفهما فيدل على ظهور الخير وضعف الشر وثبات الدين والعقل
والعمل بالحق والعدل ومعرفة فضل العلم والأدب في تلك الثلاثة آلاف سنة وما يكون في
ذلك فعلى قدر صاحب الألف والمائة والعشرة وعلى حسب اتفاق الكواكب في أول سرطان
صاحب الألف فلا يزال ذلك في زيادة حتى يعود أمر الدنيا في آخرها إلى مثل ما كان
عليه ابتداؤها وهي في ألف الحمل
وكلما تقارب آخر كل ألف من هذه الألوف اشتد الزمان وكثرت البلايا لأن أواخر البرج
في حدود النحوس وكذلك في آخر المئين والعشرات فعلى هذا الإنقضاء للدنيا إذا كان
الزمان يعود إلى الحمل كما بدأ أول مرة وزعموا أن ابتداء الخلق بالتحرك كان والشمس
في ابتداء المصير فدار الفلك وجرت المياه وهبت الرياح واتقدت النيران وتحرك سائر
الخلائق بما هم عليه من خير وشر والطالع تلك الساعة تسع عشرة درجة من برج السرطان
وفيه المشتري
وفي البيت الرابع هو بيت العافية وهو برج الميزان زحل وكان الذنب في القوس والمريخ
في الجدي والزهرة وعطارد في الحوت ووسط السماء برج الحمل وفي أول دقيقة منه الشمس
وكان القمر في الثور وفي بيت السعادة وكان الرأس في برج الجوزاء وبيت الشقاء وفي
تلك الدقيقة من الساعة كان استقبال أمر الدنيا فكان خيرها وشرها وانحطاطها
وارتفاعها وسائر ما فيها على قدر مجاري البروج والنجوم وولاية أصحاب الألوف وغير
ذلك من أحوالها
____________________
ولأن المشتري كان في السرطان
في شرفه وزحل في الميزان في شرفه والمريخ والشمس والقمر في أشرافها دلت على كائنة
جليلة فكان نشوء العالم وبرز زحل فتولى الآلف هو والميزان وكان المشتري في الطالع
مقبولا وكذلك جميع الكواكب كانت مقبولة فدل على نماء العالم وحسن نشوئه
وكان زحل هو المستولي والعالي في الفلك والبرج طويل الطالع فطالت أعمار تلك الألف
وقويت أبدانهم وكثرت مياههم وكون الميزان تحت الأرض دل على خفاء أول حدوث العالم
وعلى أن أهل ذلك الزمان ينظرون في عمارة الأرضين وتشيد البنيان
ثم ولى الألف الثاني العقرب والمريخ وكان في الطالع المريخ فدل على القتل في ذلك
الألف وسفك الدماء والسبي والظلم والجور والخوف والهم والحزان والفساد وجور الملوك
وولى الألف الثالث القوس وشاركه عطارد والزهرة بطلوعهما وكان الذنب في القوس فدل
المشتري على النجدة في تلك الألف والشدة والجلد والبأس والرياسة والعدل وتقسيم
الملوك الدنيا وسفك الدماء بسبب ذلك
ودلت الزهرة على ظهور بيوت العبادة وعلى الأنبياء
ودل عطارد على ظهور العقل والأدب والكلام وكون البرج مجسرا دل على انقلاب الخير
والشر في تلك الألف مرات وعلى ظهور ألوان من آيات الحق والعدل والجور
ثم ولى الألف الرابع الجدي وكان فيه المريخ فدل على ما كان في تلك الألف من إهراق
الدماء ودلت الشمس على ظهور الخير والعلم ومعرفة الله تعالى وعبادته وطاعته وطاعة
أنبيائه والرغبة في الدين مع الشجاعة والجلد وكون البرج منقلبا هو والبرج الذي فيه
الشمس دل على انقلاب ذلك في آخرها وظهور الشر والتفرق والقسم والقتل وسفك الدماء
والغضب في أصناف كثيرة وتحول
____________________
ذلك وتلونه وكون الجدي منحطا
دل على أنه يظهر في آخر تلك الألف الحسن الشبيه بصفة زحل والمريخ وانقطاع العظماء
والحكماء وبوارهم وارتفاع السفلة وخراب العامر وعمارة الخراب وكثرة تلون الأشياء
وولى ألف الخامس الدلو بطلوع القمر وكان القمر في الثور فدل الدلو لبرودته وعسره
على سقوط العظماء وعطلة أمرهم وارتفاع السفلة والعبيد ومحمدة البخلاء وظهور الجيش
الأسود والسواد وعلى كثرة التفتيش والتفكر وظهور الكلام في الأديان ومحبة الخصومات
وكون القمر في شرفه يدل على قهر الملوك وظهور ولاة الحق ونفاذ الخير وظهور بيوت
العبادة والكف عن الدماء والراحة والسعادة في العامة وثبات ما يكون من العدل
والخير وطول المدة فيه وكون البرج مائيا يدل على كثرة الأمطار والغرق وآفة من
البرد يهلك فيها الكثير
ويلي الآلف السادس برج الحوت بطلوع المشتري والرأس فيدل على المحمدة في الناس عامة
وعلى الصلاح والخير والسرور وذهاب الشر وحسن العيش ولكل واحد من الكواكب ولاية ألف
سنة فصار عطارد خاتما في برج السنبلة
وزعم ابن نوبخت أن من يوم سارت الشمس إلى تمام خمس وعشرين من ملك أنو شيروان ثلاثة
آلاف وثمانمائة وسبع وستون سنة وذلك في ألف الجدي وتدبير الشمس ومنه إلى اليوم
الأول من الهجرة سبع وثمانون سنة شمسية وستة وعشرون يوما ومن الهجرة سبع وثمانون
سنة شمسية وستة وعشرون يوما ومن الهجرة إلى قيام يزدجرد تسع سنين وثلاثمائة وسبعة
وثلاثون يوما فذلك الجميع إلى أن قام يزدجرد ثلاثة آلاف وتسعمائة وست وستون سنة
وقال أبو معشر وزعم قوم من الفرس أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة بعدة الكواكب السبعة
وزعم أبو معشر أن عمر الدنيا ثلاثمائة ألف سنة وستون ألف سنة وأن الطوفان كان في
النصف من ذلك على رأس مائة ألف وثمانين ألف سنة
____________________
وقال قوم عمر الدنيا تسعة آلاف سنة لكل كوكب من الكواكب السبعة السيارة ألف سنة
وللرأس ألف سنة وللذنب ألف سنة وشرها ألف الذنب وأن العمار طالت في تدبير آلاف
الثلاثة العلوية وقصرت في آلاف الكواكب السفلية
وقال قوم عمر الدنيا تسعة عشر ألف سنة بعدد البروج الإثني عشر لكل برج ألف سنة
وبعدد الكواكب السبعة السيارة لكل كوكب ألف سنة
وقال قوم عمر الدنيا أحد وعشرون ألف سنة بزيادة ألف للرأس وألف للذنب
وقال قوم عمر الدنيا ثمانية وسبعون ألف سنة في تدبير برج الحمل اثنا عشر ألف سنة
وفي تدبير برج الثور أحد عشر ألف سنة وفي تدبير الجوزاء عشرة آلاف سنة فكانت
الأعمار في هذا الربع أطول والزمان أجد ثم تدبير الربع الثاني مدة أربعة وعشرين
ألف سنة فتكون الأعمار دون ما كانت في الربع الأول وتدبير الربع الثالث خمسة عشر
ألف سنة وتدبير الربع الرابع ستة آلاف سنة
وقال قوم كانت المدة من آدم إلى الطوفان ألفين وثمانين سنة وأربعة أشهر وخمسة عشر
يوما ومن الطوفان إلى إبراهيم عليه السلام تسعمائة واثنتين وأربعين سنة وسبعة أشهر
وخمسة عشر يوما فذلك ثلاثة آلاف ومائتان وثلاث وعشرون سنة
وقال قوم من اليهود عمر الدنيا سبعون ألف سنة منحصرة في ألف جيل ولقفوا ذلك من قول
موسى عليه السلام في صلاته أن الجيل سبعون سنة من قوله في الزبور إن إبراهيم عليه
السلام قطع معه الله تعالى عهد بقاء البشر ألف جيل فجاء من ذلك أن مدة الدنيا
سبعون ألف سنة واستظهروا لقولهم هذا بما في التوراة من قوله واعلم أن الله إلهك هو
القادر المهيمن الحافظ العهد والفضل لمحبيه وحافظي وصاياه لألف جيل
____________________
وذكر أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتاب أخبار الزمان عن الأوائل أنهم
قالوا كان في الأرض ثمان وعشرون أمة ذات أرواح وأيد وبطش وصور مختلفات بعدد
المنازل القمر لكل منزلة أمة منفردة تعرف بها تلك الأمة ويزعمون أن تلك الأمم كانت
الكواكب الثابتة تدبرها وكانوا يعبدونها
ويقال لما خلق الله تعالى البروج الاثني عشر قسم دوامها في سلطانها فجعل للحمل
اثني عشر ألف عام وللثور أحد عشر ألف عام وللجوزاء عشرة آلاف عام وللسرطان تسعة
آلاف عام وللأسد ثمانية آلاف عام وللسنبلة سبعة آلاف عام وللميزان ستة آلاف عام
وللعقرب خمسة آلاف عام وللقوس أربعة آلاف عام وللجدي ثلاثة آلاف عام وللدلو ألفي
عام وللحوت ألف عام فصار الجميع ثمانية وسبعين ألف عام فلم يكن في عالم الحمل
والثور والجوزاء وحيوان وذلك ثلاثة وثلاثون ألف عام
فلما كان عالم السرطان تكونت دواب الماء وهوام الأرض
فلما كان عالم الأسد تكونت ذوات الأربع من الوحش والبهائم وذلك بعد تسعة آلاف عام
من خلق دواب الماء والهواء
فلما كان عالم السنبلة تكون الإنسانان الأولان وهما ادمانوس وحنوانوس وذلك لتمام
سبعة عشر ألف عام لخلق دواب الماء وهوام الأرض ولتمام ثمانية آلاف عام من خلق ذوات
الأربع وخلقت الأرض في عالم الميزان
ويقال بل خلقت الأرض أولا وأقامت خالية ثلاثة وثلاثين ألف عام ليس فيها حيوان ولا
عالم روحاني ثم خلق الله تعالى هوام الماء ودواب الأرض وما بعد ذلك على ما تقدم
ذكره فلما تم أربعة وعشرون ألف عام لخلق دواب الماء وهوام الأرض ولتمام خمسة عشر
ألف عام من خلق ذوات الأربع ولتتمة سبعة آلاف عام من لدن تكون الإنسانين خلقت
الطيور
____________________
ويقال إن مدة مقام الإنسانين ونسلهما في الأرض مائة ألف وثلاثة وثلاثون ألف عام
منها لزجل ستة وخمسون ألف عام وللمشتري أربعة وأربعون ألف عام وللمريخ ثلاثة
وثلاثون ألف عام
ويقال إن الأمم المخلوقات قبل آدم هي كانت الجبلة الأولى وهي ثمان وعشرون أمة
بإزاء منازل القمر خلقت من أمزجة مختلفة أصلها الماء والهواء والأرض والنار فتباين
خلقها
فمنها أمة خلقت طوالا زرقا ذوات أجنحة كلامهم قرقعة على صفة الأسود
ومنها أمة أبدانهم أبدان الأسود ورؤسهم رؤوس الطير لهم شعور وآذان طوال وكلامهم
دوي
ومنها أمة لها وجهان وجه أمامها ووجه خلفها ولها أرجل كثيرة وكلامهم كلام الطير
ومنها أمة ضعيفة في صور الكلاب لها أذناب وكلامهم همهمة لا يعرف
ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم يصفرون إذا تكلموا صفيرا
ومنها أمة يشبهون نصف إنسان لهم عين واحدة ورجل يقفزون بها قفزا ويصيحون كصياح
الطير
ومنها أمة لها وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف في رؤوسهم قرون طوال لا
يفهم كلامهم
ومنها أمة مدورة الوجوه لهم شعور بيض وأذناب كأذناب البقر ورؤوسهم في صدورهم لهم
شعور وثدي وهم إناث كلهن ليس فيهن ذكر يلقحن من الريح ويلدن أمثالهن ولهن أصوات
مطربة يجتمع إليهن كثير من هذه الأمم لحسن أصواتهن
____________________
ومنها أمة على خلق بني آدم سود وجوههم ورؤوسهم كرؤوس الغربان
ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة الأجسام تأكل وتشرب مثل الأنعام
ومنها أمة كوجوه دواب البحر لها أنياب كأنياب الخنازير وآذان طوال ويقال أن هذه
الثمانية والعشرين أمة تناكحت فصارت مائة وعشرين أمة
وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل كان في الأرض خلق قبل آدم
يعبدون الله تعالى فقال نعم خلق الله الأرض وخلق فيها الجن يسبحون الله ويقدسونه
لا يفترون وكانوا يطيرون إلى السماء ويلقون الملائكة ويسلمون عليهم ويستعملون منهم
خبر ما في السماء
ثم أن طائفة منهم تمردت وعتت عن أمر ربها وبغت في الأرض بغير الحق وعدا بعضهم على
بعض وجحدوا الربوبية وكفروا بالله وعبدوا ما سواه وتغايروا على الملك حتى سفكوا
الدماء وأظهروا في الأرض الفساد وكثر تقاتلهم وعلا بعضهم على بعض وأقام المطيعون
لله تعالى على دينهم وكان إبليس من الطائفة المطيعة لله والمسبحين له وكان يصعد
إلى السماء فلا يحجب عنها لحسن طاعته
ويروى أن الجن كانت تفترق على إحدى وعشرين قبيلة وأن بعد خمسة آلاف سنة ملكوا علهم
ملكا يقال له شملان بن أرس ثم افترقوا فملكوا عليهم خمسة ملوك وأقاموا على ذلك
دهرا طويلا ثم أغار بعضهم على بعض وتحاسدوا فكانت بينهم وقائع كثيرة فأهبط الله
تعالى عليهم إبليس وكان اسمه بالعربية الحارث كنيته أبو مرة ومعه عدد كثير من
الملائكة فهزمهم وقتلهم
وصار إبليس ملكا على وجه الأرض فتكبر وطغى وكان من امتناعه من السجود لآدم ما كان
فأهبطه الله تعالى إلى الأرض فسكن البحر
____________________
وجعل عرشه على الماء فألقيت
عليه شهوة الجماع وجعل لقاحه لقاح الطير وبيضه
ويقال إن قبائل الجن من الشياطين خمس وثلاثون قبيلة خمس عشرة قبيلة تطير في الهواء
وعشر قبائل مع لهب النار وثلاثون قبيلة يسترقون السمع من السماء ولكل قبيلة ملك
موكل يدفع شرها ومنهم صنف من السعالى يتصورون في صور النساء الحسان ويتزوجن برجال
الإنس ويلدن منهم ومنهم صنف على صور الحيات إذا قتل أحد منهم واحدة هلك من وقته
فإن كانت صغيرة هلك ولده أو عزيز عنده
وعن ابن عباس أنه قال إن الكلاب من الجن فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم
فإن لهم أنفسا يعني أنهم يأخذون بالعين
وقد روي أن الأرض كانت معمورة بأمم كثيرة منهم الطم والرم والجن البن والحسن
والبسن وإن الله تعالى لما خلق السماء عمرها بالملائكة ولما خلق الأرض عمرها بالجن
فعاثوا وسفكوا الدماء فأنزل الله عليهم جندا من الملائكة فأتوا على أكثرهم قتلا
وأسرا فكان ممن أسر إبليس وكان إسمه عزرايل فلما صعد به إلى السماء أخذ نفسه
بالإجتهاد في العبادة والطاعة رجاء أن يتوب الله عليه فلما لم يجد ذلك عليه شيئا
خامر الملائكة القنوط فأراد الله أن يطهر لهم تكبره وإبانة ما خفي عنهم من مكتوم
أنبائه إلى عمارة الأرض قبل آدم ممن أفسد فيها أشار بقوله تعالى حكاية عن الملائكة
{ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } يعنون كما فعل بها من قبل والله أعلم
بمراده هكذا قيل
ويقال والذي ينبغي التعويل عليه والتصبير إليه ما ورد به الكتاب العزيز والسنة
النبوية المطهرة من بدء الخلق وما كان وما يكون وهو قليل جدا وما أتى الناس به من
القصص وأساطير المخلوقات قبل آدم وبعده
____________________
فلا يقبل منه إلا ما يشهد به
نص من كتاب أنزل من عند الله تعالى أو خبر صحيح ورد من رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وأما ما جاء من أهل الكتاب ومن يضايقهم فلا نصدقه ولا نكذبه بل نتوقف فيه ونكل
علمه إلى الله تعالى ولا نقطع بصحته لأن أسانيده إلى الذين رووا عنهم منقطعة معضلة
غير متتابعة لبعد العهد وطول الأمد { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } { وما يعلم
جنود ربك إلا هو } والنظر في كتب التواريخ لا يورث إلا خلافا كثيرا وتعارضا شديدا
وحيرة مدهشة وباطلا لاحق وخطأ لا صواب وكذبا لا صدق والخوض في أمثال ذلك شأن
السفهاء دون العقلاء لأن ما لم يكن سبيل إلى تحقيقه لا يحسن السلوك في طريقه
قال أبو بكر بن أحمد بن علي وحشية في كتاب الفلاحة أنه عرب هذا الكتاب ونقله من لسان
الكلدانيين إلى اللغة العربية وأنه وجده من وضع ثلاثة حكماء قدماء وهم صعريت
وسوساد وفوقاي إبتدأوه الأول وكان ظهوره في الألف السابع من سبعة آلاف سني زحل وهي
الألف التي يشارك فيها زحل القمر وتممه الثاني وكان ظهوره في آخر هذه الألف وأكمله
الثالث وكان ظهوره بعد مضي أربعة آلاف سنة من دور الشمس الذي هو سبعة آلاف سنة
وأنه نظر إلى ما بين زمان الأول والثالث فكان ثمانية عشر ألف سنة شمسية وبعض الألف
التاسع عشر
وقد اختلف أهل الإسلام في هذه المسألة أيضا فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي
الله عنهما أنه قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة واليوم ألف سنة فذلك سبعة آلاف سنة
وروى سفيان عن الأعمش عن أبي صالح قال قال كعب الأحبار الدنيا ستة آلاف سنة
____________________
وعن وهب بن منبه أنه قال قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة إني لأعرف كل
زمان منها ومن فيه من الأنبياء فقيل له فكم الدنيا قال ستة آلاف سنة
وروى عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب
الشمس أخرجه الشيخان
وفي حديث أبي هريرة الحقب ثمانون عاما اليوم منها سدس الدنيا يوالحقب هنا بكسر
الحاء وضمها
قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني في كتاب الأكاليل وكان الدنيا جزءا
من أربعة وخمسين يوما وخمس وسدس يوم فإذا كانت الدنيا ستة آلاف سنة واليوم ألف سنة
تكون سنين قمرية ستة آلاف سنة فإذا جعلناه جزء وضربناه في أجزاء الحقب وهي أربعة
آلاف وسبعمائة سنة وثلاث وعشرون وثلث خرج من الستين ثمانية وعشرون ألف ألف ألف
وثلاثمائة ألف ألف وأربعون ألف الف وإذا كانت جمعة من جمع الآخرة زدنا مع هذا
العدد مثل سدسه وهذا عدد الحقب
وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الصواب من القول ما دل على صحته الخبر الوارد
فذكر قوله عليه السلام أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس
وقوله عليه السلام بعثت أنا والساعة كهاتين وأشاء بالسبابة والوسطى وقوله عليه
السلام بعثت أنا و الساعة جميعا إن كادت لتسبقني
قال فمعلوم إن كان اليوم أوله طلوع الشمس وآخره غروب الشمس
وكان صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة
العصر إلى مغرب الشمس
____________________
وقوله بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى وكان قدر ما بين أوسط أوقات
صلاة العصر وذلك إذا صار كل شيء مثليه على التحري إنما يكون قدر نصف سبع اليوم
يزيد قليلا أو ينقص قليلا وكذلك فضل ما بين الوسطى والسبابة إنما يكون نحوا من ذلك
وكان صحيحا مع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف
يوم يعني نصف اليوم الذي مقداره ألف سنة فأولى القولين اللذين أحدهما عن ابن عباس
والآخر عن كعب قول ابن عباس إن الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف وإذا كان كذلك
وكان قد جاء عنه عليه السلام أن الباقي من ذلك في حياته نصف يوم وذلك خمسمائة عام
إذا كان ذلك نصف يوم من الأيام التي قدر الواحد منها ألف عام كان معلوما أن الماضي
من الدنيا وقت قوله عله السلام ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة أو نحو ذلك
وقد جاء عنه عليه السلام خبر يدل على صحة قول من قال أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة
لو كان صحيحا لم يعد القول به إلى غيره وهو حديث أبي هريرة يرفعه الحقب ثمانون
عاما اليوم منها سدس الدنيا فتبين من هذا الخبر أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة وذلك
أنه حيث كان اليوم الذي هو من أيام الآخرة مقداره ألف سنة من سني الدنيا وكان
اليوم الواحد من ذلك سدس الدنيا كان معلوما أن جميعها ستة أيام من أيام الآخرة
وذلك ستة آلاف سنة
وقال أبو القاسم السهلي وقد مضت الخمسمائة من وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم
بنيف عليها وليس في الحديثين ما يشهد لشيء مما ذكر مع وقوع الوجود بخلافه وليس في
قوله لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم ما ينفي الزيادة على النصف ولا في
قوله بعثت أنا والساعة كهاتين ما يقطع به على صحة تأويله يعني الطبري فقد نقل في
تأويله غير هذا وهو أنه ليس بينه وبين الساعة بني ولا شرعة غير شرعته مع التقريب
لحينها كما قال تعالى { اقتربت الساعة }
____________________
وقال { أتى أمر الله فلا
تستعجلوه } ثم رجع السهيلي إلى تعيين أمد الملة من مدرك آخر لو ساعده التحقيق وقال
ولكن إذا قلنا إنه عليه السلام إنما بعث في الألف الآخر بعدما مضت منه سنون ونظرنا
إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفا يجمعها قولك ألم يسطع
نص حق كره ثم تأخذ العدد على حساب أبي جاد فيجيء تسعمائة وثلاثة
ولم يسم الله تعالى أوائل السور إلا هذه الحروف فليس يبعد أن يكون من بعض
مقتضياتها وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين لما قدمناه من حديث الألف
السابع الذي بعث عليه السلام فيه
غير أن الحساب يحتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته وكل قريب بعضه من
بعض فقد جاء أشراطها ولكن لا تأتيكم إلا بغتة
وقد روي أنه عليه السلام قال إن أحسنت أمتي فبقاءها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف
سنة وإن أساءت فنصف يوم ففي الحديث تتميم للحديث المتقدم وبيان له إذ انقضت
الخمسمائة والأمة باقية
قال ابن خلدون قلت وكونه لا يبعد لا يقتضي ظهوره ولا التعويل عليه والذي حمل
السهيلي على ذلك إنما هو ما وقع في كتاب السير لابن اسحق في حديث ابني أخطب من
أحبار اليهود وهما أبو ياسر وأخوه حبي حين سمعا من الأحرف المقطعة ألم وتأولاها
على بيان المدة بهذا الحساب فبلغت إحدى وسبعين فاستقلا المدة وجاء حبي إلى النبي صلى
الله عليه وسلم يسأله هل مع هذا غيره فقال المص ثم استزاد المر ثم استزاد المر
فكانت إحدى وسبعين ومائتين فاستطال المدة وقال قد لبس علينا أمرك يا محمد حتى لا
ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم ذهبوا عنه
وقال لهم أبو ياسر ما يدريكم لعله أعطى عددها كلها تسعمائة وأربع سنين
____________________
قال ابن اسحق فنزل قوله تعالى { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات }
انتهى
ولا يقوم من القصة دليل على تقدير الملة بهذا العدد لأن دلالة هذه الحروف على تلك
الأعداد ليست طبيعية ولا عقلية وإنما هي بالتواضع والأصطلاح الذي يسمونه حساب
الجمل نعم إنه قديم مشهور وقدم الاصطلاح لا يصير حجة وليس أبو ياسر وأخوه حبي من
يؤخذ رأيه في ذلك دليلا ولا من علماء اليهود لأنهم كانوا بادية بالحجاز غفلا عن
الصنائع والعلوم حتى عن علم شريعتهم وفقه كتابهم وملتهم وإنما يتلقفون مثل هذا
الحساب كما تتلقفه العوام في كل ملة فلا ينهض للسهيلي دليل على ما ادعاه من ذلك
انتهى كلامه
وقال شاذان البلخي المنجم مدة ملة الإسلام ثلاثمائة وعشر سنين وقد ظهر كذب قوله
ولله الحمد
وقال أبو معشر يظهر بعد المائة والخمسين من سني الهجرة اختلاف كثير ولم يصح ذلك
وقال حراس إن المنجمين أخبروا كسرى أنو شيروان بتملك العرب وظهور النبوة فيهم وأن
دليلهم الزهرة وهي في شرفها والزهرة دليل العرب فتكون مدة ملك نبوتهم ألفا وستين
سنة ولأن طالع القرآن الدال على ذلك برج الميزان والزهرة صاحبته في شرفها
قال وسأل كسرى وزيره بزرجمهر عن ذلك فأعلمه أن الملك يخرج من فارس وينتقل إلى
العرب وتكون ولادة القائم بامرة العرب بخمس وأربعين سنة من وقت القران وأن العرب
تملك المشرق والمغرب من أجل أن المشتري دليل فارس قد قبل تدبير الزهرة دليل العرب
والقران قد انتقل من المثلثة المائية إلى برج العقرب منها وهو دليل العرب أيضا
وهذه الأدلة تقتضي بقاء الملة الإسلامية بقدر دور الزهرة وهو ألف وستون سنة شمسية
____________________
وسأل كسرى أبرويز أليوس الحكيم عن ذلك فقال مثل قول بزرجمهر
وقال نفيل الرومي وكان في أيام بني أمية تبقى ملة الإسلام بقدر مدة القران الكبيرة
وهي تسعمائة وستون سنة شمسية فإذا عاد القرآن بعد هذه المدة إلى برج العقرب كما
كان في ابتداء الملة وتغير وضع تشكيل الفلك عن هيأته في الابتداء فحينئذ يفتر
العمل ويتجدد ما يوجب خلاف الظن
قال واتفقوا أن خراب العالم يكون باستيلاء الماء والنار حتى تهلك المكونات بأسرها
وذلك إذا قطع قلب الأسد أربعا وعشرين درجة من برج الأسد الذي هو حد المريخ بعد
تسعمائة وستين سنة شمسية من قران الملة
ويقال إن ملك زابلستان وهي عزبة بعث إلى عبد الله أمير المؤمنين المأمون بحكيم
اسمه ددبان في جملة هدية فأعجب به المأمون وسأله عن ملك بني العباس فأخبره بخروج
الملك عن عقبه واتصاله في عقب أخيه وأن العجم تغلبهم فيتغلب الديلم أولا في دولة
سنة خمسين ثم يسوء حالهم حتى يظهر الترك من شمال المشرق فيملكون الفرات والروم
والشام فقال له المأمون من أين لك هذا قال من كتب الحكماء ومن أحكام صصه بن داهر
الهندي الذي وضع الشطرنج قلت والترك الذين أشار إلى ظهورهم بعد الديلم هم
السلجوقية وقد انقضت دولتهم أول القران السابع
وقال يعقوب بن اسحاق الكندي مدة ملة الإسلام ستمائة وثلاث وتسعون سنة ووقع في
الملة حدثان دولتها على الخصوص مسند من الأثر الإجمالي في حديث خرجه أبو داود عن
حذيفة بن اليمان قال والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه والله ما ترك رسول الله
صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا
إلا قد سماه لنا باسمه وإسم أبيه وقبيلته
____________________
وسكت عليه أبو داود وما سكت عليه فهو صالح وهذا الحديث إذا كان صحيحا فهو مجمل
ويفتقر في بيان إجماله وتعيين مبهماته إلى آثار أخرى يجود أسانيدها وقد وقع إسناد
هذا الحديث في غير كتاب السنن على غير هذا الوجه فوقع في الصحيحين من حديث حذيفة
أيضا قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فما ترك شيئا يكون في نسيه
مقامه ذاك إلى قيام الساعة إلا حدث عنه حفظه من حفظه ونسيه من قد علمه أصحابه
هؤلاء ولفظ البخاري ما ترك شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره
وفي كتاب الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا
أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وهذه الأحاديث كلها محمولة على ما ثبت في
الصحيحين من أحاديث الفتن والإشراط لا غير لإنه المعهود من الشارع صلى الله عليه
وسلم في أمثال هذه العمومات وهذه الزيادة التي تفرد بها أبو داود في هذا الطريق
شاذة منكرة مع أن الأئمة اختلفوا في رجاله فتضعف هذه الزيادة التي وقعت لأبي داود
في هذا الحديث من هذه الجهات مع شذوذها
وقال الحافظ الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم وأما اختلاف الناس في
التاريخ فإن اليهود يقولون الدنيا أربعة آلاف سنة والنصارى يقولون الدنيا خمسة
آلاف سنة وأما نحن يعني أهل الإسلام فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا
ومن أدعى في ذلك سبعة آلاف أو أكثر أو أقل فقد قال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيه لفظة تصح بل صح عنه صلى الله عليه وسلم خلافه بل نقطع على أن
للدنيا أمدا لا يعلمه إلا الله تعالى
قال الله تعالى { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم }
____________________
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في
الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض
وهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار عدد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض
وأنه الأكثر علم أنا لدنيا أمدا لا يعده إلا الله
وكذلك قوله عليه السلام بعثت أنا والساعة كهاتين وضم أصبعيه المقدستين السبابة
والوسطى
وقد جاء النص بأن الساعة لا يعلم متى تكون إلا الله تعالى لا أحد سواه فصح أنه صلى
الله عليه وسلم إنما عنى شدة القرب لا فضل الوسطى على السبابة إذ لو أردنا ذلك
لأخذت نسبة ما بين الإصبعين ونسب من طول الأصبع فكان يعلم بذلك متى تقوم الساعة
وهذا باطل وأيضا فكان تكون نسبته صلى الله عليه وسلم إيانا إلى من قبلنا بأننا
كالشعرة في الثور كذبا ومعاذ الله من ذلك فصح انه عليه السلام إنما أراد شدة القرب
وله صلى الله عليه وسلم منذ بعث أربعمائة عام ونيف والله تعالى أعلم بما بقي
للدنيا فإذا كان هذا العدد العظيم لا نسبة له عندما سلف لقلته وتفاهته بالإضافة
إلى ما مضى فهو الذي قاله صلى الله عليه وسلم من إننا فيمن مضى كالشعرة في الثور
أو الرقمة في ذراع الحمار
وقد رأيت بخط الأمير أبي محمد عبد الله بن الناصر قال حدثني محمد بن معاوية القرشي
أنه رأى بالهند بلدا له اثنتان وسبعون ألف سنة
وقد وجد محمود بن سبكتكين بالهند مدينة يؤرخون بأربعمائة ألف سنة
قال أبو محمد إلا أن لكل ذلك أولا ولا بد نهاية لم يكن شيء من العالم موجودا قبله
ولله الأمر من قبل ومن بعد والله أعلم انتهى
وهذا ناظر في طول أمد الدنيا ولعل المراد بهذه المدينة بالهند بلدة قنوج بزنة سنور
التي فتحها السلطان محمود وهي من المدائن القديمة
____________________
لمملكة الهند ودار حكومتها
ولا يعرف بلد أقدم زمانا منها في أرض الهند وتتلوها في القدم بلدة أجودهيا التي
يقال لها الآن فيض آباد وهي بلدة دارسة جدا حتى يقال أن بها قبر شيث بن آدم عليه
السلام والله أعلم
وقنوج هذه كانت مسقط رأسي وملعب أترابي ومجمع ناسي ومغنى عشيرتي وحامتي وموطن
خاصتي وعامتي منذ ثلاثمائة سنة تقريبا ثم درج الآباء والأمهات في خبر كان ولم يبقى
منهم أثر ولا عيان
( شرقني غربني ** أخرجني عن وطني )
( فإن تغيبت بدا ** وإن بدا غيبني )
فهي اليوم يلمع وموضع بلقع بما حل بها من ريب المنون وحوادث الدرب الخؤون فمات
أهلها وخربت ديارها وتغيرت أحوالها وعفى اسمها ولم يبقى منها إلا رسمها
( وبادوا فلا مخبر عنهم ** وماتوا جميعا وهذا الخبر )
( فمن كان ذا عبرة فليكن ** فطينا ففي من مضى معتبر )
( وكان لهم أثر صالح ** فأين هم ثم أين الأثر )
ويقال أنها من المؤتفكات وليس بها الآن إلا عوام الناس صفر الأيدي من العلم
والكمال والصفراء والبيضاء كأنهم أموات غير أحياء أو صخور صماء
( وبلدة ليس بها أنيس ** إلا اليعافير وإلا العيس ) وإلا ما كان يفنيها البلاد
وكاد يمحو رسمها الفناء والعدم
( وما الناس بالناس الذين عهدتهم ** وما الدار بالدار التي كنت تعرف )
فإنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لراغبون هذا وقد ذكرنا في كتابنا حجج
الكرامة في آثار القيامة كلاما أبسط من ذلك في بيان أمد الدنيا وعمر العالم وطرفا
من حال قنوج وأهلها
____________________
ذكر أمم العالم واختلاف
أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم
اعلم أن الله سبحانه وتعالى اعتمر هذا العالم بخلقه وكرم بني آدم باستخلافهم في
أرضه وبثهم في نواحيها لتمام حكمته وخالف بين أممهم وأجيالهم إظهارا لآياته
فيتعارفون بالأنساب ويختلفون باللغات والألوان ويتمايزون بالسير والمذاهب والأخلاق
ويفترقون بالنحل والأديان والأقاليم والجهات
فمنهم العرب والفرس والروم وبنو إسرائيل والبربر ومنهم الصقالبة والحبش والزنج
ومنهم أهل الهند والسند وأهل بابل واليهود والصين وأهل اليمن وأهل مصر وأهل المغرب
ومنهم المسلمون والنصارى واليهود والصابئة والمجوس ومنهم أهل الوبر وهم أصحاب
الخيام والحلل وأهل المدر وهم أصحاب المجاشر والقرى والأطم
ومنهم البدو الظواهر والحضر الأهلون
ومنهم العرب أهل البيان والفصاحة والعجم أهل الرطانة بالعبرانية والفارسية والإفريقية
واللطينية والبربرية والهندية خالف أجناسهم وأحوالهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أمر
الله تعالى في اعتمار أرضه بما يتوزعونه من وظائف الرزق وحاجات المعاش بحسب
خصوصياتهم ونحلهم
____________________
فتظهر آثار القدرة وعجائب
الصنعة وآيات الوحدانية { إن في ذلك لآيات للعالمين }
وأن الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الأجيال والأمم لخفائه واندراسه بدروس
الزمان وذهابه ولهذا كان الاختلاف كثيرا ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الأمة
الواحدة إذا اتصلت مع الأيام وتشعب بطونها على الأحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل
العالم مثل اليونانيين والفرس والبربر وقحطان من العرب فإذا اختلفت الأنساب
واختلفت فيها المذاهب وتباينت الدعاوى استظهر كل ناسب على صحة ما ادعاه بشواهد
الأحوال والمتعارف من المقارنات في الزمان والمكان وما يرجع إلى ذلك من خصائص
القبائل وسمات الشعوب والفرق التي تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بنيهم
وسئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال من أين يعلم
ذلك فقيل له فمن إسماعيل فأنكر ذلك وقال من يخبره به
وعل هذا درج كثير من علماء السلف وكره أيضا أن يرفع في أنساب الأنبياء مثل أن يقال
إبراهيم بن فلان بن فلان وقال من يخبره به وكان بعضهم إذا تلا قوله تعالى { والذين
من بعدهم لا يعلمهم إلا الله } قال كذب النسابون واحتجوا أيضا بحديث ابن عباس أنه
صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال من هاهنا كذب النسابون
واحتجوا أيضا بما ثبت فيه أنه علم لا ينفع وجهالة لا تضر إلى غير ذلك من
الاستدلالات
وذهب كثير من أئمة المحدثين والفقهاء مثل ابن اسحق والطبري والبخاري إلى جواز
الرفع في الأنساب ولم يكرهوه محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب
قريش لقريش ومضر بل ولسائر
____________________
العرب وكذا ابن عباس وجبير بن
مطعم وعقيل بن أبي طالب وكان من بعدهم ابن شهاب والزهري وابن سيرين وكثير من
التابعين
قالوا وتدعو الحاجة إليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة ولاية
النكاح والعاقلة في الديات والعلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه القرشي
الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر إلى المدينة فإن هذا من فروض الإيمان ولا يعذر الجاهل
به وكذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها وكذا من يفرق في الحرية والاسترقاق بين
العرب والعجم فهذا كله يدعو إلى معرفة الأنساب ويؤكد فضل هذا العلم وشرفه فلا
ينبغي أن يكون ممنوعا
وأما حديث ابن عباس من هاهنا كذب النسابون يعني من عدنان فقد أنكر السهيلي روايته
من طريق ابن عباس مرفوعا وقال الأصح أنه موقوف على ابن مسعود وخرج السهيلي عن أم
سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن البري بن
اعراق الثرى
قال وفسرت أم سلمة زيدا بأنه الهميسع والبري أنه نبت أو نابت واعراق الثرى بأنه
إسماعيل وإسماعيل هو ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى
ورد السهيلي تفسير أم سلمة وهو الصحيح وقال إنما معناه معنى قوله صلى الله عليه
وسلم كلكم بنو آدم وآدم من تراب لا يريد أن الهيسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه
وعضد ذلك في باتفاق الأخبار على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل التي تستحيل في
العادة أن يكون فيما بينها أربعة آباء أوسبعة أو عشرة أو عشرون لأن المدة أطول من
هذا كله كما ذكر في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لأحد من الفريقين
وأما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر فقد ضعف الأئمة رفعه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجرجاني وأبي محمد بن الحزم وأبي عمر بن عبد البر
والحق في الباب أن كل واحد من المذهبين ليس على إطلاقه فإن
____________________
الأنساب القريبة التي يمكن
التوصل إلى معرفتها لا يضر الإشتغال بها لدعوى الحاجة إليها في الأمور الشرعية من
التعصيب والولاية والعاقلة وفرض الإيمان بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسب
الخلافة والتفرقة بين العرب والعجم في الحرية والإسترقاق عند من يشترط ذلك كما مر
كله
وفي الأمور العادية أيضا تثبت به اللحمة الطبيعية التي يكون بها المدافعة
والمطالبة ومنفعة ذلك في إقامة الملك والدين ظاهرة
وقد كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينسبون إلى مضر ويتساءلون عن ذلك وروي عنه صلى
الله عليه وسلم أنه قال تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم
وهذا كله ظاهر في النسب القريب وأما الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف
عليها إلا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الأحقاب إذ لا يوقف عليها رأسا
لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب إليه من ذهب من
أهل العلم مثل مالك وغيره لأنه شغل الإنسان بما لا يعنيه وهذا وجه قوله صلى الله
عليه وسلم فيما بعد عدنان من هنا كذب النسابون لأنها أحقاب متطاولة ومعالم دراسة
لا تثلج الصدور باليقين في شيء منها مع أن علمها لا ينفع وجهلها لا يضر كما نقل
والله الهادي إلى الصواب
ولنأخذ الآن في الكلام أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها إلى
مكانه
فنقول إن النسابين كلهم اتفقوا على أن الأب الأول للخليقة فهو آدم عليه السلام كما
وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الإخباريين من أن الحن والطم أمتان كانتا فيما
زعموا من قبل آدم وهو ضعيف متروك وليس لدينا من أخبار آدم وذريته إلا ما وقع في
المصحف الكريم وهو معروف بين الأئمة واتفقوا على أن الأرض عمرت بنسله أحقابا
وأجيالا بعد أجيال إلى عصر نوح عليه السلام وأنه كان فيهم أنبياء مثل شيث وادريس
وملوك في تلك الأجيال معدودون وطوائف مشهورون
____________________
بالنحل مثل الكلدانين ومعناه
الموحدون ومثل السريانيين وهم المشركون وزعموا أن أمم الصائبة منهم وأنهم من ولد
صابىء بن لمك بن أخنوخ وكان نحلتهم في الكواكب والقيام لهياكلها واستنزال
روحانيتها وأن من حزبهم الكلدانين أي الموحدين
وقد ألف أبو إسحاق الصابىء الكاتب مقالة في أنسابهم ونحلتهم وذكر أخبارهم أيضا
داهر مؤرخ السريانيين والبابا الصابىء الحراني وذكروا استيلاءهم على العالم وجملا
من نواميسهم وقد اندرسوا وانقطع أثرهم
وقد يقال أن السريانيين من أهل تلك الأجيال وكذلك النمرود والأزدهاق وهو المسمى
بالضحاك من ملوك الفرس وليس ذلك بصحيح عند المحققين واتفقوا على أن الطوفان الذي
كان في زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور وهلك الذين
ركبوا معه في السفينة ولم يعقبوا فصار أهل الأرض كلهم من نسله وعاد أبا ثانيا
للخليقة وهو نوح بن لامك ويقال لمك بن متوشلح بن أخنوخ ويقال أخنوخ ويقال أشنخ
ويقال أخنخ وهو إدريس النبي فيما قاله ابن إسحاق بن برد ويقال بيرد بن مهلائيل
ويقال ماهلايل ابن قاين ويقال قينن بن أنوش ويقال يانش بن شيث بن آدم ومعنى شيث
عطية الله هكذا نسبه ابن إسحاق وغيره من الأئمة وكذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه
اختلاف بين الأئمة
ونقل ابن إسحاق أن خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو ادريس النبي وهو خلاف ما عليه
الأكثر من النسابين فإن ادريس عندهم ليس بجد لنوح ولا في عمود نسبه
وقد زعم الحكماء الأقدمون أيضا أن إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم
وكذلك يقال أن الصائبية من ولد صابىء بن لامك وهو أخو نوح وقيل أن صابىء متوشلخ
جده
____________________
واعلم أن الخلاف الذي في ضبط هذه الأسماء إنما عرض في مخارج الحروف فإن هذه
الأسماء إنما أخذها العرب من أهل التوراة ومخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في
لغة العرب فإذا وقع الحرف متوسطا بين حرفين من لغة العرب فترده العرب تارة إلى هذا
وتارة إلى هذا وكذلك إشباع الحركات فد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم فمن ههنا
اختلف الضبط في هذه الأسماء
واعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط وأن آدم
هو كيومرت وهو نهاية نسبهم فيما يزعمون وأن افريدون الملك في آبائهم هو نوح وأنه
بعث لازدهاق وهو الضحاك فلبسه الملك وقبله كما ذكروه في أخبارهم وقد تترجح صحة هذه
الأنساب من التوراة وكذلك قصص الأنبياء الأقدمين إذ أخذت عن مسلمي يهود أو من نسخ
صحيحة من التوراة ويغلب على الظن صحتها وقد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى
عليه السلام وإسرائيل وشعوب الأسباط ونسب ما بينهم وبين آدم صلوات الله عليه
والنسب والقصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق تحري النسخ الصحيحة والنقل المعتبر
وأما ما يقال من أن علماءهم بدلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم فقد
قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه أن ذلك بعيد وقال معاذ الله أن تعمد
أمة من الأمم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله أو ما في معناه قال وإنما بدلوه
وحرفوه بالتأويل ويشهد لذلك قوله تعالى { وعندهم التوراة فيها حكم الله } ولو
بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله وما وقع في
القرآن الكريم من نسبة التحريف والتبديل فيها إليهم فإنما المعنى به التأويل اللهم
إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط وتحريف من لا يحسن
الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة ولاسيما وملكهم قد ذهب وجماعتهم انتشرت في
الآفاق واستوى الضابط منهم وغير الضابط والعالم والجاهل ولم يكن وازع
____________________
يحفظ لهم لذهاب القدرة بذهاب
الملك فتطرق من أجل ذلك إلى صحف التوراة في الغالب تبديل وتحريف غير معتمد من
علمائهم وأحبارهم
ويمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذا تحرى القاصد لذلك بالبحث عنه ثم اتفق
النسابون ونقله المفسرون على أن ولد نوح الذين تفرعت الأمم منهم ثلاثة سام وحام
ويافث وقد وقع ذكرهم في التوراة وأن يافث أكبرهم وحام الأصغر وسام الأوسط
وخرج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك وأن سام أبو العرب ويافث أبو الروم
وحام أبو الحبش والزنج وفي بعضها السودان وفي بعضها سام أبو العرب وفارس والروم
ويافث أبو الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وحام أبو القبط والسودان والبربر
ومثله عن ابن المسيب ووهب بن منبه
وهذه الأحاديث وإن صحت فإنما الأنساب فيها مجملة ولا بد من نقل ما ذكره المحققون
في تفريع أنساب الأمم من هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا
وكذلك نقل الطبري أنه كان لنوح ولد إسمه كنعان وهو الذي هلك في الطوفان قال وتسميه
العرب يام وآخر مات قبل الطوفان اسمه عابر
وقال هشام كان له ولد إسمه بوناطر والعقب إنما هو من الثلاثة على ما أجمع عليه
الناس وصحت به الأخبار فأما سام
فمن ولده العرب على إختلافهم وإبراهيم وبنوه صلوات الله عليهم بإتفاق النسابين
والخلاف بينهم إنما هو في تفريع ذلك أو في نسب غير العرب إلى سام
فالذي نقله ابن إسحاق أن سام بن نوح كان له من الولد خمسة
____________________
وهم أرفخشد وارم ولاوذ واشود
وغليم وكذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة وأن بني أشوذ أهل الموصل وبني غليم أهل
خوزستان ومنها الأهواز ولم يذكر في التوراة ولد ولاوذ
وقال ابن اسحاق وكان للاوذ أربعة من الولد وهم طسم وعمليق وجرجان وفارس قال ومن
العماليق أمة جاسم فمنهم بنو لف وبنو هزان وبنو مطر وبنو الأزرق ومنهم بديل وراحل
وظفار ومنهم الكنعانيون وبرابرة الشام وفراعنة مصر
وعن غير ابن إسحاق أن عبد بن ضخم وأميم من ولد ولاوذ
قال ابن اسحاق وكانت طسم والعماليق وأميم وجاسم يتكلمون بالعربية وفارس يجاورونهم
إلى المشرق ويتكلمون بالفارسية قال ولد أرم عوص وكاثر وعبيل ومن ولد عوص عاد
ومنزلهم بالرمال والأحقاف إلى حضرموت ومن ولد كاثر ثمود وجدبس ومنزل ثمود بالحجر
بين الشام والحجاز
وقال هشام بن الكلبي عبيل بن عوص أخو عاد
وقال ابن حزم عن قدماء النسابين أن لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عوص وكاثر
قال فعلى هذا يكون جديس وثمود أخوين وطسم وعملاق أخوين أبناء عم لحام وكلهم بنو عم
عاد قال ويذكرون أن عبد بن ضخم ابن إرم وأن أميم ابن عاد أرم
قال الطبري وفهم الله لسان العربية عاد وثمود وعبيل وطسم وجديس وأميم وعمليق وهم
العرب العاربة وربما يقال أن من العرب العاربة يقطن أيضا ويسمون أيضا العرب
البائدة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد
قال وكان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم ثم هلكوا فقيل لسائر ولد إرم أرمان
وهم النبط
____________________
وقال هشام بن محمد الكلبي إن النبط بنو نبيط بن ماش بن ارم والسريان بنو سريان بن
نبط وذكر أيضا أن فارس من ولد أشوذ بن سام وقال فيه فارس بن طبراش بن أشوذ وقيل
أمهم من أميم بن لاوذ وقيل ابن غليم
وفي التوراة ذكر ملك الأهواز واسمه كرد لا عمرو من بني غليم والأهواز متصلة ببلاد
فارس فلعل هذا القائل ظن أن أهل الأهواز هم فارس والصحيح أنهم من ولد يافث
وقال أيضا أن البربر من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم بنو ثميلة من مارب بن قاران بن
عمرو بن عمليق والصحيح أنهم من كنعان بن حام وذكر في التوراة ولد ارم أربعة عوص
وكاثر وماش ويقال مشح والرابع حول ولم يقع عند بني إسرائيل في تفسير هذا الشيء إلا
أن الجرامقة من ولد كاثر وقد قيل أن الكرد والديلم من العرب وهو قول مرغوب عنه
وقال ابن سعيد كان لأشوذ أربعة من الولد أيران ونبيط وجرموق وباسل فمن ايران الفرس
والكرد والخزر ومن نبيط النبط والسريان ومن جرموق الجرامقة وأهل الموصل ومن باسل
الديلم وأهل الجبل
قال الطبري ومن ولد أرفخشد العبرانيون وبنو عامر بن شالخ ابن ارفخشد وهكذا نسبه في
التوراة وفي غيرها أن شالخ بن قينن بن ارفحشدر وإنما لم يذكر قينن في التوراة لأنه
كان ساحرا وادعى الألوهية وعند بعضهم أن النمرود من ولد ارفخشد وهو ضعيف
وفي التوراة أن عابر ولد اثنين من الولد هما قانع ويقطن وعند المحققين من النسابة
أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا ومن قانع ابراهيم عليه السلام وشعوبه ومن يقطن
شعوب كثيرة
ففي التوراة ذكر ثلاثة من الولد له وهم المرذاذ ومعربة ومضاض وهم جرهم وارام وهم
حضور وسالف وهم أهل السلفات
____________________
وسبأ وهم أهل اليمن من حمير
والتبابعة وكهلان وهدرماوت وهم حضرموت هؤلاء خمسة وثمانية أخرى ننقل إسماءهم وهي
عبرانية ولم نقف على تفسير شيء منها ولا يعلم من أي البطون هم وهم بباراح أوزال
ودفلا وعوثال وافيمايل وايوفير وحويلا ويوقاف
وعند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا ادري من أيهم
وقال هشام بن الكلبي أن الهند والسند من نوفير بن يقطن والله أعلم وأما يافث
فمن ولده الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج باتفاق من النسابين وفي آخرين خلاف
وكان له من الولد على ماوقع في التوراة سبعة وهم كومر وياوان وماذاي وماغوغ
وقطوبال وماشخ وطيراش وعدهم ابن إسحاق هكذا وحذف ماذاي ولم يذكر كومر وتوغرما
واشبان وريغاث هكذا في نص التوراة
ووقع في الإسرائيليات أن توغرما هم الخزر وأن أشبان هم الصقالبة وأن ريغات هم
الإفرنج ويقال لهم برنسوس والخزر هم التركمان وشعوب الترك كلهم من بني كومر ولم
يذكروا من أي الثلاثة هم والظاهر أنهم من توغرما ونسبهم ابن سعيد إلى الترك ابن
مامورين سويل بن يافث والظاهر أنه غلط وأن عامور هو كومر صحف عليه وهم أجناس كثيرة
منهم الطغرغر وهم التتر والخطا وكانوا بأرض طمغاج والخزلقية والغز الذين كان منهم
السلجوقية وللهياطلة الذين كان منهم الخلج ويقال للهياطة الصغد أيضا
ومن أجناس الترك الغور والخزر القفجاق ويقال الخفشاخ ومنهم يمك والعلان ويقال
اللاز ومنهم الشركس وازكش ومن ماغوغ عند الإسرائليين يأجوج ومأجوج
____________________
وقال ابن اسحاق انهم من كومر
ومن ماذاي الديلم ويسمون في اللسان العبراني ماهان ومنهم أيضا همذان وجعلهم بعض
الإسرائيليين من بني همذان بن يافث وعد همذان ثامنا للسبعة المذكورين من ولده وأما
ياوان وإسمه يونان فعند الإسرائليين أنه كان له من الولد أربعة وهم داورين واليشا
وكيتم وترشيش وأن كيتم من هؤلاء الأربعة هو أبو الروم والباقي يونان وأن ترشيش أهل
طرطوس وأما قطوبال فهم أهل الصين من المشرق واللمان المغرب ويقال أن أهل إفريقية
قبل البربر منهم وأن الفرنج أيضا منهم
ويقال أيضا أن أهل الأندلس قديما منهم وأما ماشخ فكان ولده عند الإسرائليين بخرسان
وقد انقرضوا لهذا العهد فيما يظهر وعند بعض النسابين أن الأشبان منهم وأما طيراش
فهم الفرس عند الإسرائيليين وربما قال غيرهم أنهم من كومر وأن الخزر والترك من
طيراش وأن الصقالبة وبرجان والأشبان من ياوان وأن يأجوج ومأجوج من كومر وهي كلها
مزاعم بعيدة عن الصواب
وقال أهردشيوش مؤرخ الروم أن القوط واللطين من ماغوغ وهذا آخر الكلام في أنساب
يافث والله أعلم وأما حام
فمن ولده السودان والهند والسند والقبط و كنعان باتفاق وفي آخرين خلاف
وكان له على ما وقع في التوراة أربعة من الولد وهم مصر ويقول بعضهم مصرايم وكنعان
وكوش وقوط فمن ولد مصر عند الإسرائيليين فتروسيم وكسلوحيم ووقع في التوراة فلشنين
منهما معا ولم يتعين من أحدهما وبنو فلشنين الذين كان منهم جالوت ومن ولد مصر
عندهم كفتورع ويقولون هم أهل دمياط ووقع الأنقلوس بن أخت قيطش الذي خرب القدس في
الجولة الكبرى على اليهود وقال أن كفتورع هو قبطفاي ويظهر من هذه الصيغة أنهم
القبط لما بين الإسمين من الشبه ومن ولد
____________________
مصر عناميم وكان لهم نواحي
اسكندرية وهم أيضا يفتوحيم ولوديم ولهابيم ولم يقع إلينا تفسير هذه الأسماء وأما
كنعان بن حام
فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون ولهم ناحية صيداء وايموري وكرساش
وكانوا بالشام وانتقلوا عندما غلبهم عليه يوشع إلى إفريقية فأقاموا بها ومن كنعان
أيضا بيوسا وكانوا ببيت المقدس وهربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى
إفريقية والمغرب وأقاموا بها والظاهر أن البربر من هؤلاء المنتقلين أولا وآخرا إلا
أن المحققين من نسابهم على أنهم من ولد مازيغ بن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء
ومن كنعان أيضا حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق ومنهم عرفان واروادى وخوى ولهم
نابلس وسبأ ولهم طرابلس وضمارى ولهم حمص وحماة ولهم أنطاكية وكانت تسمى حماة
بإسمهم وأما كوش بن حام فذكر له في التوراة خمسة من الولد وهم سفتا وسبأ وجويلا
ورعما وسفخا ومن ولد رعما شاد وهم السند ودادان وهم الهند وفيها أن النمرود من ولد
كوش ولم يعنيه وفي تفاسيرها أن جويلا زويلة وهم أهل برقة وأما أهل اليمن من ولد
سبأ وأما قوط فعند أكثر الإسرائيليين أن القبط منهم
ونقل الطبري عن ابن اسحاق أن الهند والسند والحبشة من بني السودان من ولد كوش وأن
النوبة وقزان وزغاوه والزنج منهم من كنعان
وقال ابن سعيد أجناس السودان كلهم من ولد حام ونسب ثلاثة منهم إلى ثلاثة سماهم من
ولده غير هؤلاء الحبشة إلى حبش والنوبة إلى نوابة أو نوى والزنج إلى زنج ولم يسم
أحدا من أباء الأجناس الباقية وهؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام
فلعلهم من أعقابهم أو لعلها أسماء أجناس
وقال هشام بن محمد الكلبي أن النمرود هو ابن كوش بن كنعان
____________________
وقال أهردشيوش مؤرخ الروم أن
سبأ وأهل إفريقية يعني البربر من جويلا بن كوش ويسمى يضول وهذا والله أعلم غلط
لأنه مران يضول في التوراة من ولد يافث ولذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان بن رعما
من ولد مصر بن حام بنو قبط بن لاب بن مصر انتهى الكلام في بني حام
وهذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة والخلاف الذي في تفاصيلها ذكره
ابن خلدون في أماكنه والله ولي العون والتوفيق
____________________
ذكر طرف من تاريخ بعض الرسل
والأمم الماضية
أعلم أن للناس في العالم مذاهب ثلاثة الحدوث وهو مذهب أهل الملل والمجوس وغيرهم
والقدم المطلق أي قدم أصول هذا العالم من الأفلاك ومواد العناصر وأنواع صورها على
الإتصال بلا انقطاع وهو مذهب الفلاسفة والآباديين وهم قوم من أوائل الفرس يدعون أن
مبدأ نوعهم وقدوة دينهم رجل اسمه مه آباد وأنزل عليه كتاب اسمه دساتير بالفارسية
والقدم بالنوع والحدوث بالشخص وهو مذهب الهنود
وهذه الإحتمالات بعينها تجري في نوع الإنسان إذا أقمنا وجود هذا النوع على الإتصال
مقام الوجود الشخصي والتجدد في الأعيان مع الإنقطاع مقام القدم النوعي وعلى تقدير
الحدوث هذا النوع الموجود مختلف في بدايته على أقوال لا يمكن الجمع بينهما وأصحاب
هذا الرأي المسلمون واليهود والنصارى والمجوس والترك والإفرنج قبل ظهور النصرانية
فيهم والمنقح عند جميع اليهود والمسلمين ما صور في كتابي تقويم التواريخ وتاريخ
بيت المقدس للناصر مجير الدين عبد الرحمن العلمي الحنبلي العمري صنفه في آخر سنة
تسعمائة
وقد وقع في الكتابين في بعض المواضع تفاوت قليل تارة في التعرض والترك وتارة في
الرقوم وإني قد جمعت ذلك مع زيادة فائدة على ما فيهما وأشرت إلى مواضع الإختلاف
وجعلت مبدأ التاريخ على ما في الكتابين هبوط آدم أبي البشر عليه السلام والظاهر
أنه وقت الخلقة والله أعلم ولكنهما اعتبراه من وقت الهبوط ولم يتعرضا لما بين
الخلقة
____________________
والهبوط من المدة وكذا صنع
غيرهما في غيرهما فأقول هبوط آدم أبي البشر عليه السلام كان وقت العصر يوم الجمعة
ثامن شهر نيسان مطابق لعاشر المحرم في جزيرة سرانديب وإنما سمي آدم لأنه خلق من
أديم الأرض وخلق الله جسده وتركه أربعين ليلة وقيل أربعين سنة ملقى بغير روح فلما
نفخ فيه الروح سجد له الملائكة كلهم أجمعون { إلا إبليس أبى واستكبر وكان من
الكافرين } وقال { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } وكان سجودهم لآدم
تحية لا عبادة وكان بوضع الجبهة على الأرض كما هو ظاهر النظم القرآني لا بالانحناء
كما زعم كثير من أهل العلم والتفسير
وعلم الله آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة وخلق الله من ضلعه حواء زوجته
وسميت بها لأنها خلقت من شيء حي فقال الله { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا
منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } فوسوس لهما
الشيطان وأكلا من الشجرة المنهي عنها { فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من
ورق الجنة } وقال الله { اهبطوا بعضكم لبعض عدو } وقد اختلف أهل العلم في الجنة
التي كان فيها آدم قبل الهبوط هل هي على الأرض أو فوق السماء على قولين ثم اختلفوا
في أي موضع كانت من الأرض على أقوال واستدل كل قائل بما بدا له من الحجج والأدلة
وأطال في ذلك كما ذكره الحافظ بن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
والحق البحت أنه لم يرد في تعيين تلك الجنة نص من الله ولا من رسوله في الكتاب
العزيز ولا في السنة المطهرة حتى يجب المصير إليه والقول به فالأولى في الباب
التوقف والسكوت والحجة في مثل هذا
____________________
المقام وهذا المرام دلالة
العبارة من القرآن والحديث دون اقتضائها وإشارتها ولما هبط آدم عليه السلام منها
إلى الأرض كان له ولدان هابيل وقابيل فقتل الثاني الأول
وتوفي آدم عليه السلام سنة تسعمائة وثلاثين والظاهر أنه أربعون سنة لأن عمره ألف
سنة قمرية وتفاوتها قريب من ثلاثين سنة شمسية فهو بالشمسية تسع وتسعون فمدة المكث
في الجنة أربعون سنة والله أعلم
وكانت ولادة شيث لمضي مائتين وثلاثين سنة من عمر آدم وهو وصي آدم وتفسيره هبة الله
وإلى شيث تنتهي أنساب بني آدم كلهم وولد له أنوش لمضي سنة 435 من عمر آدم
وتقول الصابئة أنه ولد له ابن آخر اسمه صابىء بن شيث وإليه تنسب الصابئة وولد له
قينن لمضي سنة 625 من عمر آدم وولد له مهلائيل لمضي سنة من عمر آدم
قال ابن الجوزي أن آدم عند موته كان قد بلغ عدة ولده وولد ولده أربعين ألفا وولد
لمهلائيل يرد وولد ليردخنوخ ولمضي عشرين سنة من عمر خنوخ توفي شيث وعمره تسعمائة
واثنتا عشرة سنة وكانت وفاته لمضي سنة ألف ومائة واثنتين وأربعين لهبوط آدم عليه
السلام
وفي تقويم التواريخ بترك مائة وأسم شيث عند الصابئة عاديمون وولد لخنوخ متوشلح
وتوفي في زمنه أنوش وكان له من العمر تسعمائة وخمسون سنة وولد لمتوشلح لامخ ويقال
له لامك ولمك وتوفي في زمنه قينن وله تسعمائة وعشر سنين وأما خنوخ وهو إدريس فإنه
رفع لما صار له من العمر ثلاثمائة وخمس وستون سنة رفعه الله إلى السماء فكان ذلك
لمضي ثلاث عشرة سنة من عمر لامخ قبل ولادة نوح بمائة وخمس وسبعين سنة وسنة سبع
وستين وأربعمائة وألف من هبوط آدم عليه السلام ونبا الله إدريس المذكور وانكشفت له
الأسرار السماوية وله صحف منها لا ترموا أن تحيطوا بالله خبرة فإنه أعظم وأعلى أن
تدركه فطن المخلوقين إلا من آثاره
____________________
وأما متوشلح بن إدريس فإنه توفي لمضي ستمائة من عمر نوح وذلك عند ابتداء مجيء
الطوفان وكان عمره 969 وولد للامخ نوح وكانت ولادته بعد أن مضي ألف وستمائة
واثنتان وأربعون سنة من هبوط آدم وتوفي في زمنه مهلائيل وكان له من العمر 895
وأيضا يرد وعمره 926 ولما صار لنوح خمسمائة سنة من العمر ولد له سام وحام ويافث
ولما مضى من عمر نوح ستمائة سنة كان الطوفان وذلك لمضي ألفين ومائتين واثنتين وأربعين
سنة من هبوط آدم وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فكانت جملة ذلك تسعمائة
وخمسين سنة ألف سنة إلا خمسين عاما وهذا نص المصحف الكريم وكذا وقع التوراة بعينه
قال ابن الكثير في الكامل أن الله تعالى أرسل نوحا إلى قومه وقد اختلف في ديانتهم
وأصح ذلك ما نطق به الكتاب العزيز بأنهم كانوا أهل أوثان { وقالوا لا تذرن آلهتكم
ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا } وصار نوح يدعوهم
إلى طاعة الله وهم لا يلتفتون وبقي لا يأتي قرن منهم إلا كان أخبث من الذي قبله
فلما طال ذلك عليه شكاهم إلى الله تعالى فأوحى إليه { أنه لن يؤمن من قومك إلا من
قد آمن } فلما يئس منهم دعا عليهم فقال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا }
فأوحى إليه أن يصنع الفلك وصنع السفينة من خشب الساج فلما فار التنور وكان هو
الآية بين نوح وبين ربه حمل نوح من أمر الله بحمله وكان منهم سام وحام ويافث
ونساؤهم وقيل حمل أيضا ستة أناسى وقيل ثمانين رجلا أحدهم جرهم كلهم من بني شيث
وتخلف عنه ابنه يام وكان كافرا وارتفع الماء وطمى وجعلت الفلك تجري بهم في موج
كالجبال وعلا الماء على رؤوس الجبال خمس عشرة ذراعا فهلك ما على وجه الأرض من
حيوان ونبات
____________________
وكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن غاض ستة أشهر وعشر ليال وقيل أن ركوب نوح في
الفلك كان لعشر ليال مضت من رجب وكان ذلك أيضا لعشر ليال خلت من آب وخرج من
السفينة يوم عاشوراء من المحرم وكان استقرار السفينة على الجودى من أرض الموصل
قال ابن الأثير وأما المجوس فلا يعرفون الطوفان وكان بعضهم يقر به ويزعم أنه كان
في إقليم بابل وما قرب منه وأن مساكن ولد خيرموت كانت بالمشرق فلم يصل ذلك إليهم
وكذلك جميع الأمم المشرقية من الهند والفرس والصين لا يعترفون به وبعض الفرس يعترف
به ويقول لم يكن عاما ولم يتعد عقبه حلوان والصحيح أن جميع أهل الأرض من ولد نوح
لقوله تعالى ( وجعلنا ذريته هم الباقين ) فجميع الناس من ولد سام وحام ويافث أولاد
نوح فسام أبو العرب وفارس والروم وحام أو السودان ويافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج
والفرنج والقبط من ولد حام بن نوح ولما مضت سنة ثلاثمائة وخمسين للطوفان توفي نوح
سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وألفين لهبوط آدم وعمره تسعمائة وخمسون سنة وهذا على
أن المراد بقوله تعالى { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } جميع عمره عليه
السلام والمتبادر من السباق والسياق أنه ما بين البعثة والطوفان والله أعلم
وولد لسام ارفخشد بعد الطوفان بسنتين وولد له قنين لمضي سنة 137 للطوفان وولد له
شالخ لمضي سنة 276 من الطوفان وولد له عابر لمضي سنة 466 للطوفان وولد له فانع
لمضي 540 للطوفان ثم ولد لفنع رعو وعند مولده تبلبلت الألسن وقسمت الأرض وتفرقت
بنو نوح وذلك لمضي 670 للطوفان وولد لرعو ساروع بعد مضي سنة 802 وولد له ناحور
لمضي سنة 932 للطوفان وولد له تارخ لمضي إحدى عشرة وألف سنة للطوفان وولد له
إبراهيم الخليل
____________________
عليه السلام وذلك لمضي ألف
وإحدى وثمانين سنة للطوفان وسنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وثلاثة آلاف من هبوط آدم
عليه السلام
ومن الغريب الواقع في التوراة أن عمر إبراهيم كان يوم وفاة نوح ثلاثة وخمسين سنة
فيكون لقي نوحا وخالطه وأخذ عنه وهو على رأي وبعضهم أب لجميع الشعوب من بعده فلذلك
كان الأب الثالث للخليقة من بعد آدم ونوح وعلى هذا جملة السنين من الطوفان إلى
ولادة إبراهيم مائتان وسبع وتسعون سنة وعمر نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسون سنة وأما
سبب تبلبل الألسن
فقد ذكر أبو عيسى أن بني نوح الذين نشوا بعد الطوفان اجتمعوا على بناء حصن يتحرزون
به خوفا من مجيء الطوفان مرة ثانية والذي وقع رأيهم عليه أن يبنوا صرحا شامخا يبلغ
رأسه السماء فجعلوا له اثنين وسبعين برجا وجعلوا على كل برج كبيرا منهم يستحث على
العمل فانتقم الله منهم وبلبل ألسنتهم إلى لغات شتى ولم يوافقهم عابر على ذلك
واستمر على طاعة الله تعالى فبقاه الله تعالى على اللغة العبرانية ولم ينقله عنها
ولما افترقت بنو نوح صار لولد سام العراق وفارس وما يلي ذلك إلى الهند وصار لولد
حام الجنوب مما يلي مصر على النيل وكذلك مغربا إلى أقصاه وصار لولد يافث مما يلي
بحر الخزر وكذلك مشرقا إلى جهة الصين وكانت شعوب أولاد نوح الثلاثة عند تبلبل
الألسن اثنين وسبعين شعبا هود وصالح وهما نبيان أرسلا بعد نوح وقبل إبراهيم الخليل
أما هود فقيل أنه عابر بن شالح أرسل إلى عاد وكانوا أهل أصنام ثلاثة وكان عاد
وثمود جبارين طوال القامات كما قال تعالى { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح
وزادكم في الخلق بسطة } وبقي
____________________
هود بعد هلاك عاد كذلك حتى
مات وقبره بحضرموت وقيل بالحجر من مكة
وأما صالح فأرسله الله إلى ثمود وهو ابن عبيد بن أسف بن ماشج وكان مسكن ثمود
بالحجر فلم يؤمن به إلا قليل وعقروا الناقة فأهلكهم الله تعالى { فأصبحوا في
ديارهم جاثمين } وصار صالح إلى فلسطين ثم انتقل إلى الحجاز يعبد الله إلى أن مات
وهو ابن ثمان وخمسين سنة وولد إبراهيم بالأهواز وقيل ببابل وهي العراق وكان نمرود
عاملا على سواد العراق وما اتصل به للضحاك وقيل كان ملكا مستقلا برأسه فأخذ
إبراهيم ورماه في نار عظيمة سنة ثمان وستين وثلاثمائة وثلاثة آلاف من هبوط آدم
عليه السلام فكانت النار عليه بردا وسلاما
وفي تاريخ القدس سنة تسع وثلاثين وفيها هجرة إبراهيم من بابل إلى فلسطين وفي تقويم
التواريخ سنة ثلاث وتسعين وفيها خروج كادة الحداد على الضحاك وسلطنته أفريدون
الفارسي
وكان إبراهيم في أواخر أيام بيوراسب المسمى بالضحاك وفي أول ملك أفريدون
وكان بناء الكعبة المعظمة على يده الكريمة في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وثلاثة
آلاف وفيها ولاة اسحاق عليه السلام
وكانت ولادة إسماعيل قبل هذا بأربعة عشر عاما أعني سنة تسع منها وقد اختلف في
الذبيح هل هو إسحاق أم إسماعيل وفداه الله بكبش ولكل من أهل العلم وجهة هو موليها
وقد بينا ما هو الحق في تفسيرنا فتح البيان في مقاصد القرآن
ومن زعم أن الذبيح إسحاق يقول كان موضع الذبح بالشام على ميلين من إيليا وهي بيت
المقدس ومن يقول أنه إسماعيل يقول أن ذلك كان بمكة ثم أن إبراهيم ومن آمن معه
فارقوا قومهم وهاجروا إلى
____________________
حران وأقاموا بها مدة ثم سار
إبراهيم إلى مصر وصاحبها فرعون ووهبه هاجر ثم سار من مصر إلى السام وأقام بين
الرملة وإيليا وولدت له هاجراسماعيل ومعناه بالعبراني مطيع الله فحزنت سارة لذلك
فوهبها الله إسحاق وماتت هاجر بمكة وقدم إليه أبوه ابراهيم وبينا الكعبة وهي بيت
الحرام
ولوط هو ابن أخي ابراهيم هاران بن آزر وكان قد آمن بعمه إبراهيم وهاجر معه إلى مصر
وعاد إلى الشام وأرسله الله إلى أهل سذوم وكان ما كان وقصته في القرآن الكريم
وأرسل الله إسماعيل إلى قبائل اليمن وإلى العماليق وعاش مائة وسبعا وثلاثين سنة
ومات بمكة ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر وكانت وفاته بعد وفاة أبيه إبراهيم بثمان
وأربعين سنة
واستمر البيت على ما بناه إبراهيم إلى أن هدمته قريش سنة خمس وثلاثين من مولد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبنوه وكان بناؤه بعد مضي مائة سنة من عمر إبراهيم بمدة
فتكون بالتقريب بين ذلك وبين الهجرة ألفان وسبعمائة ونحو ثلاث وتسعين سنة
ولادة يعقوب عليه السلام سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وثلاثة آلاف ويقال له إسرائيل
وكان بنوه اثني عشر رجلا هم آباء الأسباط وهم روبيل ثم شمعون ثم لاوي ثم يهوذا ثم
يساخر ثم زبولون ثم يوسف ثم بنيامين ثم دان ثم نفتالي ثم كاذ ثم أشار
وتوفي إبراهيم عليه السلام سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وثلاثة آلاف
أيوب عليه السلام وهو رجل عده المؤرخون من أمة الروم لأنه من ولد العيص بن إسحاق
وكان نبيا في عهد يعقوب في قول بعضهم وعاش ثلاثا وتسعين سنة ومن ولد أيوب ابنه بشر
وبعث الله بشرا بعد أيوب وسماه ذا الكفل وكان مقامه بالشام
يوسف بن يعقوب لما صار له من العمر ثماني عشرة سنة كان فراقه لأبيه وبقيا مفترقين
إحدى وعشرين سنة ثم اجتمعا في مصر وبقيا
____________________
مجتمعين سبع عشرة سنة وعاش
يوسف مائة وعشر سنين وكان مولده لمضي سنة 251 من مولد إبراهيم ووفاته لمضي سنة 361
من مولد إبراهيم ويكون وفاة يوسف قبل مولد موسى بأربع وستين سنة محققا وأما قصة
فراقه من أبيه وشغف زليخا به حبا فحسب ما ذكر الله في كتابه العزيز وهو أحسن القصص
في القرآن وكان وفاة يوسف بمصر ودفن بها حتى كان من موسى وفرعون ما كان فلما سار
موسى من مصر ببني إسرائيل إلى إلى التيه نبش يوسف وحمله معه في التيه حتى مات موسى
فلما قد يوشع ببني إسرائيل إلى الشام ودفنه بالقرب من نابلس وقيل عند الخليل عليه
السلام
شعيب بعثه الله إلى أصحاب الأيكة وأهل مدين وقد اختلف في نسبه فقيل من ولد إبراهيم
الخليل وقيل من ولد بعض المؤمنين بإبراهيم وكان الأيكة من شجر ملتف فلم يؤمنوا
فأهلكهم الله بسحابة أمطرت عليهم نارا يوم الظلة وأهلك أهل مدين بالزلزلة
موسى هو ابن عمران بن قاهات بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق أرسله الله تعالى نبيا
بشريعة بني إسرائيل وكان من أمره ما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز في غير موضع
وهارون أخوه وكان اكبر منه بثلاث سنين وقارون ابن عم موسى وكان قد رزقه الله مالا
عظيما يضرب به المثل على طول الدهر وكان وفاة موسى سنة ثمان وستين وثمانمائة
وثلاثة آلاف من هبوط آدم في التيه في سابع آذار لمضي ألف وستمائة وست وعشرين سنة
من الطوفان في أيام منوجهر الملك وكان موته بعد هارون أخيه بأحد عشر شهرا وكان
مولد موسى لمضي سنة 445 من مولد إبراهيم وكان بين وفاة إبراهيم ومولد موسى مائتان
وخمسون سنة وولد لمضي ألف وخمسمائة وست سنين من الطوفان وكان عمره حين خرج من مصر
ثمانين سنة وأقام في التيه أربعين سنة فيكون عنمره مائة وعشرين سنة وكانت جملة
مقام بني إسرائيل بمصر من حين دخلوا بها حتى أخرجهم موسى مائتين وخمس عشرة سنة
وأول من قام في بني إسرائيل بعد موسى طالوت
____________________
وقد كثر اللغط في بيان حكام بني إسرائيل وملوكهم لبعد عهده ولكونه باللغة
العبرانية فتعسر النطق بألفاظه على الصحة ولم أجد في نسخ التواريخ ما اعتمد على
صحته لأن كل نسخة تخالف الأخرى أما في أسمائهم وأما في عددهم وأما في مدد
استيلائهم ولليهود الكتب الأربعة والعشرون وهي عندهم متواترة قديمة لم تعرب إلى
الآن بل هي باللغة العبرانية
قال أبو الفدا فأحضرت منها سفري بني إسرائيل وملوكها وأحضرت إنسانا عارفا باللغة
العبرانية والعربية وتركته يقرأها وأحضرت منها ثلاث نسخ وكتبت منها ما ظهر عندي
صحته وضبطت الأسماء بالحروف والحركات حسب الطاقة انتهى
ولادة داود
هو من ولد هوذا بن يعقوب بن إسحاق سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وثلاثة آلاف من هبوط
آدم وكان مقامه بجيرون فلما بلغ سنة ثمان وثلاثين من عمره انتقل إلى القدس وفتح في
الشام فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وبلد عمان وماب وحلب ونصيبين وبلاد الأرمن وغير
ذلك وملك داود أربعون سنة وتوفي وله سبعون سنة في أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
لوفاة موسى وأوصى بالملك إلى سليمان وأوصاه بعمارة بيت المقدس وفي تقويم التواريخ
وفي أي في سنة مولد داود غلبة أفراسياب على الفرس وفيه اختلاف وفي تاريخ الطبري أن
غلبة أفراسياب غلى منوجهر كان في زمن موسى وكان كيقباذ في زمن داود عليه السلام
ولعل ذلك هو الصحيح
ولادة سليمان
سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وأربعة آلاف من هبوط آدم وملك بعد أبيه وعمره اثنتا عشر
سنة في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وأربعة آلاف وفيها توفي داود عليه السلام وأتاه
الله من
____________________
الحكمة والملك ما لم يؤته
لأحد سواه على ما أخبر الله به في محكم كتابه العزيز وهذا الذي ذكر من وفاة داود
وخلافة سليمان خلاف ما في الكتابين ففيهما أن وفاة داود سنة ثلاث وأربعمائة بعد
أربعة آلاف ووفاة سليمان عليه السلام سنة ثلاث وأربعين منها والذي أوجب ذلك ما صح
في حديث الميثاق فأكمل الله تعالى لداود مائة سنة ولآدم ألف سنة ومن الثابت أن
سليمان ولي الخلافة بعد أبيه أربعين سنة والله أعلم
وفي السنة الرابعة من ملك سليمان وهي سنة 539 لوفاة موسى ابتدأ سليمان في عمارة
بيت المقدس وأقام فيها سبع سنين وفرغ في السنة الحادية عشرة من ملكه فيكون الفراغ
منه في أواخر سنة 546 لوفاة موسى وكان ارتفاع البيت ثلاثين ذراعا وطوله ستين ذراعا
في عرض عشرين ذراعا وعمل خارج البيت سورا محيطا به امتداده خمس مائة ذراع وفي
السنة الخامسة والعشرين من ملكه جاءته بلقيس ملكة اليمن ومن معها وأطاعه جميع ملوك
الأرض
واستمر سليمان على ذلك حتى توفي وعمره اثنتان وخمسون سنة فكانت مدة ملكه أربعين
سنة فيكون وفاة سليمان في أواخر سنة 575 لوفاة موسى
تولي بخت نصر على بابل في سنة اثنين وخمسين وتسعمائة لوفاة موسى وذلك على حكم ما
اجتمع لنا من مدد ولايات حكام بني إسرائيل والفترات التي كانت بينهم وأما ما
اختاره المؤرخون فقالوا أن من وفاة موسى إلى ابتداء ملك بخت نصر تسعمائة وثمانيا
وسبعين سنة وثمانية وأربعين يوما وهو يزيد على ما اجتمع لنا من المدد المذكورة فوق
ست وعشرين سنة وهو تفاوت قريب وكان هذا النقص إنما حصل من إسقاط اليهود كسورات
المدد المذكورة فإنه من المستبعد أن يملك الشخص عشرين سنة أو تسع عشر سنة مثلا بل
لابد من أشهر وأيام مع ذلك فلما ذكروا لكل شخص مدة صحيحة سالمة من الكسر نقصت جملة
السنين القدر المذكور أعني ستا وعشرين سنة وكسورا وكان ابتداء ولاية بخت نصر في
سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام
____________________
ظهور طبقة الكيانين
وأولهم كيقباد سنة اثنتين وعشرين بعد أربعة آلاف وستمائة كما في تقويم التواريخ
وابتداء ملك بخت نصر إحدى وأربعين وثمانمائة وأربعة آلاف وفي تاريخ بيت المقدس أن
بخت نصر كان أميرا للهراسب الفارسي الذي فوض إليه السلطنة كيخسرو وابتداء ملكه سنة
سبع وأربعين منها تخريب بيت المقدس على يده سنة سبع وستين وثمانمائة وأربعة آلاف
وفي تقويم التواريخ بزيادة سنة واحدة وفيها ابتداء ملك كشتاسب ابن لهراسب سنة سبع
وتسعمائة وأربعة آلاف وكشتاسب عند اليهود يسمى كورش
تعمير بيت المقدس على يد كورش
سنة سبع وثلاثين وتسعمائة وأربعة آلاف وفيها كان ظهور زردشت ومتابعة كشتاسب كما في
تقويم التواريخ وعند صاحب تاريخ القدس الأصح أن كورش هو بهمن بن أسفنديار ولد
كشتاسسب قال أبو الفدا صاحب حماة يكون انقضاء ملوك بني إسرائيل وخراب بيت المقدس
على يد بخت نصر سنة عشرين من ولايته تقريبا وهي السنة التاسعة والتسعون وتسعمائة
لوفاة موسى وهي أيضا سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة مضت من عمارة بيت المقدس وهي مدة
لبثه على العمارة
واستمر بيت المقدس خرابا سبعين سنة ثم عمر وعمره بعض ملوك الفرس واسمه عند اليهود
كيرش واختلف فيه من هو فقيل دارا ابن بهمن وقيل هو بهمن المذكور وهو الأصح ويشهد
لصحة ذلك
____________________
كتاب أشعيا ولما عادت عمارة
بيت المقدس تراجعت إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره وكانت عمارته في أول سنة
تسعين لابتداء ولاية بخت نصر
قال أبو عيسى أن بني إسرائيل لما تراجعوا إلى القدس بعد عمارته صار لهم حكام منهم
وكانوا تحت حكم ملوك الفرس واستمروا حتى ظهر الإسكندر في سنة 435 لولاية بخت نصر
وغلبت اليونان على الفرس ودخلت حينئذ بنو إسرائيل تحت حكم اليونان وأقام اليونان
من بني إسرائيل ولاة عليهم وكان يقال للمتولي عليهم هرذوس واستمر بنو إسرائيل على
ذلك حتى خرب بيت المقدس الخراب الثاني وتشتت منه بنو إسرائيل
يونس بن متى عليه السلام
ومتى أم يونس ولم يشتهر نبي بأمه غير عيسى ويونس عليهما السلام كذا ذكره ابن
الأثير في الكامل وقد قيل أنه من بني إسرائيل وأنه من سبط بنيامين وكانت بعثته بعد
يوثم بن عزيا وهو أحد ملوك بني إسرائيل وكانت وفاة يوثم في سنة خمس عشرة وثمانمائة
لوفاة موسى وبعث الله يونس إلى أهل نينوى وهي قبالة الموصل بينهما دجلة وكانوا
يعبدون الأصنام فنهاهم وأوعدهم العذاب في يوم معلوم إن لم يتوبوا وضمن ذلك عن ربه
عز وجل فلما أظلهم العذاب آمنوا فكشفه الله عنهم والتقمه الحوت وسار به إلى الابله
وكان من شأنه ما أخبر الله تعالى به في كتابه العزيز
آرميا بن خلقيا عليه السلام
نبي من أنبياء بني إسرائيل كان بعهد صدقيا وهو آخر ملوك بني يهوذا ببيت المقدس
ولما توغلوا في الكفر والعصيان هدد بني إسرائيل ببخت نصر وهم لا يلتقتون إليه فلما
رأى أنهم لا يرجعون عما هم فيه فارقهم وختفى حتى غزاهم بخت نصر وخرب القدس حسب ما
تقدم ذكره وكان من قصته ما أخبر الله به في الكتاب بقوله { أو كالذي }
____________________
مر على قرية وهي خاوية على
عروشها ) الآية وقد قيل أن صاحب القصة هو العزيز والأصح أنه أرميا كذا في تاريخ
ابن سعيد المغربي والله أعلم
ولادة الإسكندر اليوناني
سنة ستين ومائتين وخمسة آلاف من هبوط آدم وفيها وفاة أفلاطون الحكيم الإلهي غلبة
إسكندر على الفرس سنة اثنتين وثمانين ومائتين وخمسة آلاف ووفاة إسكندر سنة تسع
وثمانين منها
زكريا من ولد سليمان بن داود عليه السلام
وكان نبيا ذكره الله في كتابه العزيز وكان نجارا وهو الذي كفل مريم أم عيسى وكانت
مريم بنت عمران بن ماتان من ولد سليمان وكانت أم مريم اسمها حنه وكان زكريا متزوج
أخت حنه واسمها ايشاع فكانت زوج زكريا خالة مريم وأرسل الله تعالى جبريل فبشر
زكريا بيحي ثم أرسل جبريل فنفخ في جيب مريم فحبلت بعيسى وولد يحيى قبل المسيح بستة
أشهر ثم ولدت مريم عيسى فلما علمت اليهود أن مريم ولدت من غير بعل اتهموا زكريا
بها وطلبوه فهرب واختفى في شجرة عظيمة فقطعوا الشجرة وقطعوا زكريا معها وشق فيها
نصفين وقيل المشقوق في الشجرة إنما هو شعيا النبي وكان عمر زكريا حينئذ نحو مائة
سنة وكان قتله بعد ولادة المسيح لمضي ثلاثمائة وثلاث سنين للإسكندر فيكون مقتل زكريا
بعد ذلك بقليل
وأما يحي ابنه فإنه نبي صغير ودعا الناس إلى عبادة الله ولبس يحي الشعر واجتهد في
العبادة حتى نحل جسمه وذبح يحي لما نهى هذروس عن بنت أخ له أن يتزوجها وقيل اغتصب
امرأة أخيه وتزوجها ولم يكن ذلك في شرعهم مباحا فأنكر ذلك عليه وقتل يحي
وقد ذكر في قتله أسباب كثيرة وهذا أقربها إلى الصحة واختلف
____________________
هل كان أبوه حيا عند قتله
فقيل مات قبله وقيل بعده وكذلك اختلف في دفنه فقيل دفن في ببيت المقدس وهو الصحيح
وكان قتله قبل رفع المسيح بمدة يسيرة بعد مضي ثلاثين سنة من عمر عيسى وكان رفع
عيسى بعد نبوته بثلاث سنين والنصارى تسمي يحي يوحنا المعمدان لكونه عمد المسيح
عيسى بن مريم عليهما السلام
قال في تقويم التواريخ ولادة يحي وعيسى سنة أربع وثمانين وخمسمائة وخمسة آلاف من
هبوط آدم عليه السلام ومريم معناه العابدة وولدته في بيت لحم وهي قرية قريبة من
القدس سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر ثم إن مريم سارت به إلى مصر وسار معها
ابن عمها يوسف بن يعقوب بن ماتان النجار وكان حكيما وزعم بعضهم أن يوسف كان قد
تزوج مريم لكنه لم يقربها وهو أول من أنكر حملها ثم علم وتحقق براءتها وسار معها
إلى مصر وأقاما هناك اثنتي عشرة سنة ثم عاد عيسى وأمه إلى الشام ونزلا الناصرة
وبها سميت النصارى وأقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة فأوحى الله إليه وأرسله إلى
الناس وكان يلبس الصوف والشعر ويأكل من نبات الأرض
وكان الحواريون اثني عشر رجلا وسألوه المائدة فأنزل الله إليه سفرة حمراء مغطاة بمنديل
فيها سمكة مشوية وحولها البقول ما خلا الكراث وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل ومعها
خمس أرغفة على بعضها زيتون وعلى باقيها رمان وتمر فأكل منها خلق كثير ولم تنقص ولم
يأكل منها ذو عاهة إلا برئ وكانت تنزل يوما وتغيب يوما أربعين ليلة ثم رفع الله
تعالى المسيح إليه وألقى شبهه على الذي دلهم عليه وكان رفعه إلى السماء سنة سبع
عشرة وستمائة وخمسة آلاف من هبوط آدم عليه السلام وفي تاريخ القدس كل من الولادة
والوفاة بعد هذه السنين قال ابن الأثير في الكامل اختلف العلماء في موته قبل رفعه
فقيل رفع ولم يمت وقيل بل توفاه الله ثلاث ساعات وقيل سبع ساعات ثم أحياه وتأول
قائل هذا قوله تعالى { إني متوفيك } وكان رفعه لمضي ثلاثمائة وست وثلاثين سنة من
غلبة الإسكندر على دارا وكان بين رفعه
____________________
ومولد النبي صلى الله عليه
وسلم خمسمائة وخمس أربعون سنة تقريبا وكانت ولادة المسيح أيضا لمضي ثلاث وثلاثين
سنة من أول ملك أغسطس ولمضي إحدى وعشرين سنة من غلبته على قلوبطرا ملكة اليونان
وقيل غير ذلك ولكن هذا هو الأقوى وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثا وثلاثين سنة فكان
رفعه في أواخر السنة الأولى من ملك غانيوس
وأما مريم أمه فعاشت نحو ثلاث وخمسين سنة لأنها حملت بالمسيح لما صار لها ثلاث
عشرة سنة وعاشت معه مجتمعة ثلاثا وثلاثين سنة وكسرا وبقيت بعد رفعه ست سنين ذكر
خراب بيت المقدس
الخراب الثاني وهلاك اليهود وزوال دولتهم زوالا لا رجوع بعده كان ابتداء عمارته
الثانية لمضي ألف وسبع وستين سنة لوفاة موسى ولمضي تسع وثمانين سنة من ابتداء ملك
بخت نصر والذي عمره هو ملك الفرس اردشير بهمن واسمه عند بني إسرائيل كيرش وقيل
كورش وقيل كيرش ملك آخر غير بهمن وكان اسم هرذوس الذي قصد قتل المسيح فيلاطوس فرفع
الله عيسى وكان منه ومنهم ما كان
ثم ملك طيطوس وفي السنة الأولى من ملكه قصد بيت المقدس وأوقع باليهود وقتلهم
وأسرهم عن آخرهم إلا من اختفى ونهب القدس وخربه وخرب بيت المقدس وأحرق الهيكل
وأحرق كتبهم وخلا القدس من بني إسرائيل كان لم يغن بالأمس ولم تعد لهم بعد ذلك
رئاسة ولا حكم وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة وثلاث مائة وست وسبعين سنة
من غلبة الإسكندر ولثمان مائة وإحدى عشرة سنة مضت لابتداء ملك بخت نصر
وفي تقويم التواريخ سنة تسع وخمسين وستمائة وخمسة آلاف من هبوط آدم وفي تاريخ بيت
المقدس بعده يسنتين فيكون لبث بيت المقدس
____________________
على عمارته الأولى إلى حين
خربه بخت نصر أربعمائة وثلاثا وخمسين سنة ثم لبث على التخريب سبعين سنة ثم عمر
ولبث على عمارته الثانية إلى حين خربه طيوطوس الرومي مرة ثانية سبعمائة وإحدى
وعشرين سنة
قال الحسن بن أحمد المهلبي في المسالك و الممالك ثم تراجع بيت المقدس إلى العمارة
قليلا قليلا واعتنى به بعض ملوك الروم وسماه إيليا ومعناه بيت الرب فعمره ورمم
شعثه واستمر عامرا وهي عمارته الثالثة حتى سارت هيلانة أم قسطنطين إلى القدس في
طلب خشبة المسيح التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها ولما وصلت إلى القدس بنت
كنيسة قيامة على القبر الذي تزعم النصارى أن عيسى دفن به وخربت هيكل بيت المقدس
إلى الأرض وأمرت أن يلقى في موضعه قمامات البلد و زبالته فصار موضع الصخرة مزبلة
وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتح القدس فدله بعضهم على
موضع الهيكل فنظفه عمر من الزبايل وبنى به مسجدا وبقي ذلك المسجد إلى أن تولى
الوليد بن عبد الملك الأموي فهدم ذلك المسجد وبنى على الأساس القديم المسجد الأقصى
وفيه الصخرة
وبنى هناك قبايا أيضا سمي بعضها قبة الميزان وبعضها قبة المعراج وبعضها قبة
السلسلة والأمر على ذلك إلى يومنا هذا
هكذا نقله المهبلي العزيزي المذكور والعهدة عليه فيكون عمارة الوليد هي عمارته
الخامسة الفرس وهم أربع طبقات وهذه الأمة من أقدم أمم العالم وأشدهم قوة وآثارا في
الأرض وكانت لهم في العالم دولتان عظيمتان طويلتان الأولى منهما الكينية وهي التي
غلب عليها الإسكندر والثانية الساسانية الكسروية وهي التي غلب عليها المسلمون وأما
قبل هاتين الدولتين فبعيد وأخباره متعارضة ولا خلاف بين المحققين أنهم من ولد سام
بن نوح وأرض ايران هي بلاد الفرس ولما عربت قيل لها عراق وقيل أنهم من ولد ايران
بن
____________________
افريدون وهم ينسبون الفرس إلى
كيومرت ومعناه ابن الطين كانت ملوك الفرس من أعظم ملوك الأرض في قديم الزمان
ودولتهم وترتيبهم لا يماثلهم في ذلك غيرهم وهم أربع طبقات الأولى
يقال لهم الفيشداذية ومعناها أول سيرة العدل وعدتها تسعة وهم أوشهنج وطهمورت
وجمشيد وبيوراسب وهو الضحاك و أفريدون بن أثفيان ومنوجهر وفراسياب وزد وكرشاسف
وهذه الطبقة قديمة وقد نقل عن مدد ملكهم وحروبهم أمورا كثيرة يأباها ويمجها السمع والثانية
يقال لهم الكيانية وهم الذين في أول أسمائهم لفظة كي وكي لقطة للتنويه قيل معناه
الروحاني وقيل الجبار وعدة الكيانية تسعة أيضا وهم كيقباذ وكياكاؤس وكيخسرو
وكيلهراسف وكيبشتاسف وكي ازدشير وبهمن وخمانى بنت أزدشير ودار الأول ودار الثاني
وهو الذي قتله الإسكندر واستولى على ملكه و الثالثة
هم بعض ملوك الطوائف ويقال لهذه الطبقة الإشغانية وعدتهم أحد عشر وهم اشغابن اشغان
ويقال اشك بن اشكان وسابور بن اشغال وجور بن اشغان وبيرن الأشغاني وجودزر الأشغاني
وترسي الأشغاني وهمز الأشغاني واردوان الأشغاني وخسرو الأشغاني وبلاش الأشغاني
واردوان الأصغر الأشغاني والرابعة وهم الأكاسرة لآن كل واحد منهم يقال له كسرى
ويقال لهم أيضا الساسانية نسبة إلى جدهم ساسان وملك منهم عدة من النساء بعد
____________________
الهجرة واستولى عليهم غيرهم
من الفرس وكان أولهم أزدشير بن بابك وآخرهم يزدجرد الذي قتل في أيام عثمان بن عفان
رضي الله عنه ومدة ملكهم في العالم على ما نقل ابن سعيد من كتاب تاريخ الأمم لعلي
ابن حمزة الأصفهاني وذلك من زمن كيومرت أبيهم إلى مهلك يزدجرد أربعة آلاف سنة
ومائتا سنة ونحو إحدى وثمانين سنة وكيومرت عندهم هو أول ملك نصب في الأرض ويزعمون
فيما قال المسعودي أنه عاش ألف سنة والفرس كلهم متفقون على أن كيومرت هو آدم الذي
هو أول الخليقة وأن اوشهنك هو مهلايل ملك الهند وبالجملة وكان أوشهنك فاضلا محمود السيرة
والسياسة بني بابل والسوس ونزل الهند وعقد على رأسه التاج وجلس على السرير وجمشيد
معناه شعاع القمر فجم هو القمر والشيد هو الشعاع وكذلك خورشيد لأن خور إسم الشمس
وملك جمشيد الأقاليم السبعة وببوراسب كان يقال له الدهاك ومعناه عشر آفات فلما عرب
قيل الضحاك وملك الأرض كلها
وكان إبراهيم الخليل عليه السلام في أواخر أيام الضحاك وأول ملك افريدون ويقال أن
أفريدون هو نوح والتحقيق أنه من ولد جمشيد بينهما تسعة آباء وأنه ملك خسمائة سنة
وأنه الذي محا آثار ثمود واختلف في الضحاك اختلافا كثيرا فيزعم كل من الفرس
واليونان والعرب أنه منهم والفرس يجعلونه قبل الطوفان لأنهم يعترفون بالطوفان
وخر ج في أيامه بأصبهان رجل يقال له كابى وكان حدادا فدعا الناس إلى مجاهدة الضحاك
في سنة 3393 وكان ماكان حتى ملك أفريدون قيل هو ذو القرنين المذكور في القرآن
الكريم وكان له ثلاثة أولاد فقسم الأرض بينهم أثلاثا أحدهم ايرج جعل له العراق
والهند والحجاز وجعله صاحب التاج والسرير وفوض إليه الولاية على أخويه والثاني شرم
وجعل له الروم وديار مصر والمغرب والثالث طوج وجعل له الصين والترك والمشرق جميعه
ومنوجهر هو ابن ايرج وكانت أمه من ولد اسحاق عليه السلام
ثم استبد وحمل الفرس على دين إبراهيم وفي أيامه ظهر موسى
____________________
عليه السلام وكان فرعون مصر
عاملا لمنوجهر ومطيعا له وأفريدون وأول من تسمى بكي ومعناه التنزيه أي ملخص متصل
بالروحانيات
وقيل معناه البهاء لأنه يغشاه نور من بيوم قتل الضحاك وقيل معناه مدرك الثأر وكان
في زمان لهراسف بخت نصر وجعله اصبهذا على العراق والهواز والروم وهو الذي خرب
القدس وحضر مع بخت نصر دانيال النبي من بني إسرائيل والأصح أنه لم يكن ملكا مستقلا
بنفسه بل كان نائبا للهراسف ثم غزا بخت نصر العرب وكان في زمن معد بن عدنان فقصده
طوائف من العرب مسالمين فأحسن إليهم وأنزلهم شاطئ الفرات وبنوا موضع معسكرهم وسموه
الأنبار واستمروا كذلك مدة حياة بخت نصر ورأى رؤيا لم يطق أحد من العلماء والسحرة
والكهنة أن ينبئه بذلك حتى سأل دانيال فعبرها فخر بخت نصر ساجدا لدانيال وأمر له
بالخلع وأن يقرب له القوابين وتفسير بخت نصر بالعربية عطارد وهو ينطق
قال ابن العميد ملك من بعد كورش ابنه قمبوسيوس وغزا مصر واستولى عليها وتسمى بخت
نصر الثاني وظهر في أيام كي بشتاسف زرادشت وهو صاحب كتاب المجوس فصدقه ودخل في
دينه وكان فيما زعم أهل الكتاب من أهل فلسطين خادما لبعض تلامذة أرميا النبي عليه
السلام وعند علماء الفرس أنه من نسل منوجهر الملك وأن نبيا من بني إسرائيل بعث إلى
كشتاسف وهو يبلخ فكان لزرادشت وجاماسب العالم وهو من نسل منوجهر أيضا يكتبان
بالفارسية ما يقول ذلك النبي بالعبرانية وكان جاماسب يعرف اللسان العربي ويترجمه
لزرادشت وقال علماء الفرس أن زرادشت جاء بكتاب ادعاه وحيا قال المسعودي ويسمى ذلك
الكتاب نسناه وهو كتاب الزمزمة ويدور على ستين حرفا من حروف المعجم وفسره زرادشت
وسمي تفسيره زند ثم فسر التفسير ثانيا وسماه زندية وهذه اللفظة هي التي عربتها
العرب زنديق وأقسام هذا الكتاب عندهم ثلاثة قسم في أخبار الأمم الماضية وقسم في
حدثان المستقبل وقسم في نواميسهم وشرائعهم مثل أن المشرق قبلة
____________________
وأن الصلوات في الطلوع
والزوال والغروب وأنها ذات سجدات ودعوات وجدد لهم زرادشت بيوت النيران التي كان
منوجهر أخمدها ورتب لهم عيدين النيروز في الاعتدال الربيعي والمهرجان في الاعتدال
الخريفي وأمثال ذلك من نواميسهم
ولما انقرض ملك الفرس الأول أحرق الإسكندر هذه الكتب
ولما جاء ازدشير جمع الفرس على قراءة سورة منها تسمى استا وجاماسب العالم من أهل
أذربيجان وهو أول موبذان كان في الفرس
قال المسعودي وكان أزدرنشير بهمن كريما متواضعا علامته على كتبه يقلمه من أزدشير
بهمن عبد الله وخادم الله والسائس لأمركم وتفسير بهمن بالعربية الحسن النية
وكان بهمن متزوجا بابنته خماني وذلك حلال على دين المجوس فتوفى بهمن وهي حامل منه
بدرا وساست خمانى الملك بعده أحسن سياسة ثم ملك بدارا وولد له ابن سماه دارا باسم
نفسه وهو الذي صار ملكه إلى الإسكندر بن فيلبس وكان أبوه أحد ملوك اليونان وكانوا
طوائف فلما ملك الإسكندر غزاهم واجتمع له ملكهم ثم غزا دارا ملك الفرس وقتله ثم
غزا الهند وتناول أطراف الصين ثم بنى الإسكندرية وذللت عليه الملوك وحملت إليه
الهدايا والخراج من كل ناحية وراسله ملوك الأرض من افريقيه والغرب والافرنجة
والصقالبة والسودان ثم ملك بلاد خرسان والترك واستولى على الملوك يقال على خمسة
وثلاثين ملكا وعاد إلى بابل فمات بها وقيل هلك في ناحية السواد وقيل بشهر زور وكان
عمره ستا وثلاثين سنة وكان ملكه نحو ثلاث عشرة سنة وكان مرضه الخوانيق وقيل اغتيل
بالسم وهذا هو صاحب ارسطاطليس وتلميذه وكان اشقر أزرق ومر في طريقه على بيت المقدس
وأكرم بني إسرائيل قيل أنه بنى السد على يأجوج ومأجوج والصحيح أنه لم يكن منه ذلك
بل ذو القرنين الذي وذكره الله في القرآن وهو ملك قديم كان على زمن إبراهيم وقيل
أنه أفريدون وقيل غيره وقد غلط من ظن أن باني السد هو الإسكندر الرومي وذو القرنين
الصعب بن الرائش
____________________
وهو الذي مكن الله له في
الأرض وعظم ملكه وبنى السد على يأجوج ومأجوج وهو من حمير قاله ابن عباس وقد تقدم
الكلام في تحقيق ذلك
ولما مات الإسكندر الرومي عرض الملك على ابنه فأبى واختار النسك فانقسمت الممالك
بين ملوك الطوائف واليونان واستمر بهم الحال على ذلك نحو خمسمائة واثنتي عشرة سنة
حتى قام أزدشير بن بابك وجمع ملك الفرس وكانت عدة طوائف الملوك تزيد على تسعين
ملكا ولم تؤرخ في مبتدأ أمرهم أسماؤهم ولا مدد ملكهم فإنهم كانوا ملوكا صغارا في
الأطراف وبقي الأمر على ذلك حتى اشتهرت الملوك الأشغانية من بينهم وملك أشغا هو
أولهم لمضي مائتين وست وأربعين سنة لغلبة الإسكندر ثم ملك يعده ابنه سابور وكان مولد
المسيح في سنة وأربعين سنة خلت من ملكه وقال هرمز يوم ملك يا معشر الناس اجتنبوا
الذنوب كيلا تذلوا بالمعاذير وانقضى ملك أردوان الأصغر وهو آخر هذه الطبقة لمضي
خمسمائة واثنتي عشرة سنة لغلبة الإسكندر وأول الأكاسرة أزدشير بن بابك وهو من ولد
ساسان بن بهمن المذكور سابقا وكان بين قيامه وبين الهجرة النبوية أربعمائة واثنتان
وعشرون سنة وكان رصد بطليموس قبله بسبع وسبعين سنة وجميع الأكاسرة الذين كان آخرهم
يزدجرد بن شهريار من ولد أزدشير المذكور وظهر في أيام سابور ماني الزنديق النقاش
صاحب القول بالنور والظلمة وادعى النبوة وتبعه خلق كثير وهم المسمون بالمانوية
والثنوية
قال في تقويم التواريخ ظهور الماني المتنبي في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وخمسة
آلاف يعني من هبوط آدم عليه السلام
وأما ظهور بله ولصان فكان في سنة عشر وسبعمائة وخمسة آلاف كما في التقويم انتباه
أصحاب الكهف من نومهم
كان في سنة ست وثلاثين وستة آلاف
____________________
وكان لسابور المذكور عناية عظيمة بجمع كتب الفلاسفة لليونانيين ونقلها إلى اللغة
الفارسية
ويقال أن في زمانه اخترع العود وهو آلة اللهو التي يضرب بها وفي أيام صبا سابور بن
هرمز وهو السابور الثاني طمعت العرب في بلاده فلما بلغ غلب على العرب وقتل أناسا
من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس وسمي ذا الأكتاف وقتل النصارى وأخرب الكنائس
وأحرق الإنجيل
وفي أيام قباذ بن فيروز ظهر مردك الزنديق المجوسي وادعى النبوة وأمر الناس
بالتساوي في الأموال وأن يشتركوا في النساء لأنهم أخوة لأب وأم آدم وحواء
ودخل قباذ في دينه وكان ظهوره من هبوط آدم عليه السلام لسنة ثماني عشرة ومائة وستة
آلاف ثم ملك أنوشروان بن قباذ ولما تولى كان صغيرا فلما استقل وجلس على السرير
أعاد آل المنذر إلى الحيرة وطرد الحارث عنها وقتل مردك بين يديه وأحرق جيفته ونادى
بإباحة دماء المردكية فقتل منهم في ذلك اليوم عالما كثيرا وأباح دماء المانوية
أيضا وقتل منهم خلقا كثيرا
وثبتت ملة المجوسية القديمة وفتح الإسكندرية وتوجه إلى عدن فعسكر هناك من ناحية
البحر بين جبلين بالصخور وعمد الحديد وكان مكرما للعلماء محبا للعلم وفي أيامه
ترجم كتاب كليلة ودمنة وترجمه من لسان اليهود وحله بضرب الأمثال ويحتاج إلى فهم
دقيق
قال الطبري وفي أيامه رأى الموبذان أن الإبل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت
دجلة وانتشرت في بلادها فأفزعه ذلك وسيأتي تفصيله
وفي زمانه ولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين سنة من ملكه
وكذلك ولد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية والأربعين من ملكه وذلك عام
الفيل ومات أنو شيروان في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة للإسكندر لمضي سبعة أشهر من
السنة المذكورة ثم قام ابنه هرمز ثم سمل برويز
____________________
ابنه عينيه وتملك وغزا الروم
وجمع في مدة ملكه من الأموال ما لم يجتمع لغيره من الملوك وكان يشتو بالمدائن
ويصيف بهمدان وكان له اثنا عشر ألف امرأة وألف فيل وخمسون ألف دابة وبنى بيوت
النيران وتزوج شيرين المغنية وبنى لها قصر شيرين بين حلوان وخانقين ثم قتل على يدي
ابنه شيرويه وكانت أم شيرويه مريم بنت ملك الروم
ولمضي اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما من ملك برويز هاجر النبي صلى
الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وكان له من العمر ثلاث وخمسين سنة فيكون لرسول
الله صلى الله عليه وسلم سبع سنين في أيام أنوشيروان واثنتا عشرة سنة في أيام هرمز
بن أنوشيران وسنة ونصف بالتقريب في الفترة التي كانت بين إمساك وبين استقرار ابنه
برويز واثنتان وثلاثون سنة ونصف بالتقريب من ملك برويز ومجموع ذلك ثلاث وخمسون سنة
وعلى ذلك فتكون السنة الثالثة والثلاثون من ملك برويز هي السنة الخامسة والثلاثون
وتسعمائة للاسكندر بالتقريب
وفي أيامه افتتح هرقل عظيم الروم يغزو بلاد كسرى وفي مناوبة هذا الغلب بين فارس
والروم نزلت الآيات من أول سورة الروم قال الطبري وأدنى الأرض التي أشارت إليه
الآية هي أذرعات بصرى التي كانت بها هذه الحروب ثم غلبت الروم سبع سنين من ذلك
العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم لأن قريشا
كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دئنين بكتاب والمسلمون يودون غلب الروم أهل كتاب
وفي كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم وبرويز هذا هو الذي قتل النعمان بن
المنذر ملك العرب
واتفق صاحب التقويم وتاريخ القدس على أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في
سنة ثلاث وستين ومائة وستة آلاف والله أعلم من هبوط آدم عليه السلام
قال الشيخ رفيع الدين بن أحمد ولي الله المحدث الدهلوي لا يخفى أن هذه السنين سنون
شمسية والسنون المأخوذة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم قمرية
____________________
وجمعها في الحساب لا يخلو عن
مسامحة بل المناسب إما إرجاع ما بعد المولد إلى الشمسية أو إرجاع ما قبله إلى
القمرية
فاعلم أن من هبوط آدم عليه السلام إلى المولد الشريف إذا أخذت قمرية صارت ستة آلاف
وثلاثمائة وإحدى وخمسين سنة قمرية ومائتين وتسعة وعشرين يوما وهو قريب من سبعة
أشهر ومن المولد الشريف إلى آخر سنة من الهجرة المقدسة ثلاث وخمسون وألف ومائتان
فمن هبوط آدم عليه السلام إلى آخر تلك السنة سبعة آلاف وستمائة وأربع وستون سنة
قمرية وأشهر وأيضا فمن المولد الشريف إلى آخر السنة المذكورة ألف ومائتان وثماني
عشرة سنة شمسية وستون يوما بالتقريب وهو قريب من شهرين فمن هبوط آدم عليه السلام
إلى آخر السنة المذكورة سبعة آلاف وثلاثمائة وإحدى وسبعون سنة شمسية فاحفظ فإن
جمهور أهل التاريخ ومنهم صاحبا تاريخ القدس والخليل وتقويم التواريخ قد خلطا الأمر
وغفلا عن التمييز والله الهادي انتهى وسيأتي لذلك مزيد إيضاح إن شاء الله تعالى
ولما ملك شيرويه وكان رديء المزاج كثير الأمراض صغير الخلق قتل أخوته السبعة عشر
ثم ندم على قتلهم وصار يبكي ليلا ونهارا ويرمي التاج عن رأسه ثم هلك وملك أزدشير
بن شيرويه وكان ابن سبع سنين وقتل وملك شهريران ولم يكن من أهل بيت المملكة ثم قتل
وولوا الملك يوران بنت كسرى برويز فأحسنت السيرة ثم هلكت بعد سنة وأربعة أشهر وملك
بعدها خشنشدة من بني عم كسرى برويز وكان ملكه أقل من شهر وقتل ثم ملكت أرزمى دخت
بنت كسرى برويز وكانت من أحسن النساء صورة فخطبها فرخ هرمز فقتلته فجمع رستم بن
فرخ المذكور عسكره وقتلها ثم ولوا مكانها كسرى بن مهر وقتلوه بعد أيام ولم يجدوا
من يملكونه من بيت المملكة فولوا رجلا يقال له فيروز ابن خستان يزعم أنه من نسل
أنوشيروان ثم قتلوه ثم ملك فرخ زاد خسرو من أولاد أنو شيروان وملك ستة أشهر وقتلوه
ثم ملك يزدجرد ابن شهريار من نسل أردشير بن بابك وكان ملكه كالخيال بالنسبة إلى
____________________
ملك آبائه وغزت المسلمون
بلادهم وكان عمره إلى أن قتل بمرور عشرين سنة وكان مقتله في خلافة عثمان رضي الله
عنه في سنة إحدى وثلاثين للهجرة وهو آخر من ملك منهم وزال ملكهم بالإسلام زوالا
إلى الأبد وهذه هي سياقة الخبر عن دولة الفرس عند المحققين
قال الطبري فجميع سني العالم من آدم حتى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف
سنة وستمائة واثنتان وأربعون سنة وعلى ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة
آلاف سنة غير ثماني سنين وعلى ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجر أربعة آلاف ومائة
وثمانون سنة ومقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة وأما عند أهل الإسلام فبين آدم
ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم كذلك وبين إبراهيم وموسى كذلك
ونقله الطبري عن ابن عباس ومحمد بن عمرو بن واقد الإسلامي عن جماعة من أهل العلم
وقال إن الفترة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ورواه عن سلمان
الفارسي وكعب الأحبار قال ابن خلدون والله أعلم بالحق في ذلك والبقاء لله الواحد
القهار ذكر فراعنة مصر
هم ملوك القبط في بالديار المصرية وكانوا أهل ملك عظيم في الدهور الخالية والأزمان
السالفة وكانوا أخلاطا من الأمم ما بين قبطي ويوناني وعمليقي إلا أن جمهرتهم قبط
وأكثر ما تملك مصر الغرباء
وكانوا صابئية يعبدون الأصنام وصار بعد الطوفان بمصر علماء بضروب من العلوم خاصة
بعلم الطلمسات والنيرنجات والكيمياء
وكانت مدينة منف هي كرسي المملكة حتى ملك الوليد بن مصعب وهو فرعون موسى عليه
السلام وكان من العمالقة وهو الأظهر وقيل أنه فرعون يوسف وطال عمره إلى أيام موسى
____________________
وذكر القرطبي أن الوليد المذكور من القبط وهو الذي ادعى الربوبية وكان من شأنه
وشأن موسى ما حكاه الله سبحانه في كتابه العزيز ولما هلك ملكت القبط بعده دلوكة
المشهورة بالعجوز من بنات ملوك القبط وانتهى السحر إليها وطال عمرها
ولما قتل بخت نصر فرعون مصر بقيت خرابا أربعين سنة حتى انقرضت دولة بني بخت نصر
فتوالت ولاة الفرس عليها فكان منهم طخارست وفي أيامه كان بقراط الحكيم حتى غلب
عليها الإسكندر والخطط للمقريزي أجمع التواريخ لمصر وليس ذكر ملوك اليونان وملوك
الروم من غرضنا في هذا المقام
وأما ملوك العرب قبل الإسلام فأول من نزل اليمن قحطان بن عابر بن شالخ المقدم
الذكر ثم ملك بعده ابنه يعرب وهو أول من نطق بالعربية على ما ذكر ثم ابنه يشجب ثم
ابنه عبد شمس وسمي سبأ وهو الذي بنى السد بأرض مآرب وفجر إليه سبعين نهرا وساق
إليه السيول من أمد بعيد ثم ابنه حمير بن سبأ إلى أن ملكت بلقيس بنت الهدهاد عشرين
سنة وتزوجها سليمان بن داود عليهما السلام إلى أن الملك ذو نواس وكان من لا يتهود
ألقاه في أخدود مضطرم نارا فقيل له صاحب الأخدود ثم ملك بعده ذوجدن وهو آخر ملوك
حمير وكانت مدة ملكهم على ما قيل ألفين وعشرين سنة
قال صاحب تواريخ الأمم ليس في جميع التواريخ أسقم من تاريخ ملوك حمير لما يذكر فيه
من كثرة عدد سنيهم مع قلة عدد ملوكهم فإنهم يزعمون أن ملوكهم ستة وعشرون ملكا
ملكوا في مدة ألفين وعشين سنة ثم ملك اليمن بعدهم من الحبشة أربع ومن الفرس ثمانية
ثم صارت اليمن للإسلام
وكان أول من ملك على العرب بأرض الحيرة مالك بن فهم من ولد يعرب بن قحطان وكان
ملكه قبل الأكاسرة ثم ملكه اللحميون وأولهم عمرو بن عدي إلى أن ملكه المنذر بن
النعمان وسمته العرب المغرور واستمر مالكا للحيرة إلى أن قدم إليها خالد بن الوليد
واستولى على الحيرة
____________________
وكانت ملوك غسان عمالا
للقياصرة على عرب الشام وأصل غسان من اليمن من ولد كهلان بن سبأ وأول من ملك منهم
جفنة بن عمرو وآخرهم جبلة بن الأيهم وهو الذي أسلم في خلافة عمر بن الخطاب وقد
اختلف في مدة ملك الغسانية فقيل أربعمائة سنة وقيل ستمائة سنة وقيل بين ذلك وأما
جرهم فهم صنفان الأولى وكانوا على عهد عاد فبادوا ودرست أخبارهم وهم من العرب
البادية وأما جرهم الثانية فهم من ولد قحطان فملك يعرب اليمن وأخوه جرهم الحجاو
وهم الذين اتصل بهم إسماعيل وتزوج منهم
وأول ملوك كندة حجر بن عمرو وقيل له آكل المرار وآخرهم الحارث ومن ملوك العرب عمرو
بن لحى ملك الحجاز وهو أول من جعل الأصنام على الكعبة وعبدها فأطاعته العرب
وعبدوها معه واستمرت العرب على تلك العبادة حتى جاء الإسلام ومنهم زهير بن حباب
وزهير ابن جذيمة والحارث بن ظالم وقيس بن زهير ولهم أيام ذكرها المؤرخون وأطالوا
في بيانها ومنها يوم ذي قار
وكان في سنة أربعين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في عام وقعة بدر
والأول أولى قال ابن خلدون أن جميع العرب يرجعون إلى ثلاثة أنساب وهي عدنان وقحطان
وقضاعة فأما عدنان فهو من ولد إسماعيل بالاتفاق إلا الآباء الذين بينه وبين
إسماعيل فليس فيه شيء يرجع إلى يقينه وغير عدنان من ولد إسماعيل قد انقرضوا فليس
على وجه الأرض منهم أحد وأما قحطان فقد قيل من ولد إسماعيل وهو ظاهر كلام البخاري
في قوله باب نسبة اليمن إلى إسماعيل وأما قضاعة فقيل أنها من حمير قاله ابن إسحاق
والكلبي وطائفة
وقيل غير ذلك والنسب البعيد يحيل الظنون ولا يرجع فيه إلى يقين ذكر الأمم
الأمة الجماعة هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس
____________________
من الحيوان أمة وفي الحديث
لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها
أمة السريان هي أقدم الأمم وكلام آدم وبنيه بالسرياني وملتهم هي ملة الصابئين
ويذكرون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس ولهم كتاب يسمونه صحف شيث ولهم صلوات سبع
وصوم ثلاثين يوما وأعياد عند نزول الكواكب الخمسة المتحيرة بيوت أشرافها ويعظمون
مكة ولهم بظاهر حران مكان يحجونه ويعظمون أهرام مصر ويزعمون أن أحدهما قبر شيث
والآخر قبر إدريس والآخر قبر صابئ بن إدريس
قال ابن حزم والدين الذي انتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر والغالب على
الدنيا إلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله تعالى إليهم إبراهيم بالدين الذي نحن
عليه الآن
قال الشهرستاني وهم يقاتلون الحنفية ومدار مذهبهم التعصب للروحانيين كما أن مدار
مذهب الحنفاء التعصب للبشر والجسمانيين أمة القبط
وهم من ولد حام بن نوح وكان سكناهم بديار مصر فاختلطت بهم طوائف كثيرة وكانوا في
سالف الدهر صابئية وكانت ملوكهم تلقب الفراعنة يعبدون الهياكل والأصنام وهذه الأمة
أقدم أمم العالم وأطولهم أمدا في الملك واختصوا بملك مصر وما إليها ملوكها من لدن
الخليقة إلى أن صحبهم الإسلام بها فانتزع المسلمون من أيديهم ولعهدهم كان الفتح
وربما غلب عليهم جميع من عاصرهم من الأمم حين يستفحل أمرهم مثل العمالقة والفرس
والروم واليونان فيستولون على مصر من أيديهم ثم يتقلص ظلهم فراجع القبط ملكهم هكذا
إلى أن انقرضوا في مملكة الإسلام
____________________
أمة الفرس
ومساكنهم وسط المعمور يقال لها أرض فارس منها كرمان والأهواز وأقاليم يطول ذكرها
وجميع ما دون جيحون من تلك الجهات يقال له إيران وهي أرض الفرس وأما ما وراء جيحون
فيقال له توران وهو أرض الترك وقد اختلف في نسب الفرس فقيل أنهم من ولد فارس ابن
أرم بن سام وقيل من ولد يافث وهم يقولون أنهم من ولد كيومرت وهو عندهم الذي ابتدأ
منه النسل مثل آدم عندنا ويذكرون أن الملك لم يزل فيهم من كيومرت إلى غلبة الإسلام
خلا تقطع حصل في مدد يسيرة لا يعتد به مثل تغلب الضحاك وفراسياب التركي وملوك
الفرس عند الأمم أعظم ملوك العالم وكانت لهم العقول الوافرة والأحلام الراجحة وكان
لهم من ترتيب المملكة ما لم يلحقهم فيه أحد من الملوك وهم فرق كثيرة فمنهم الديلم
وهم سكان الجبال ومنهم الجيل وأرضهم هي ساحل بحر طبرستان ومنهم الكرد ومنازلهم جبال
شهرزور وقيل أن الكرد من العرب ثم تنبطوا وقيل أنهم أعراب العجم وكان للفرس ملة
قديمة يقال لها الكيومرتية أثبتوا إلها قديما وسموه يزدان وإلها مخلوقا من الظلمة
وسموه أهرمن والأول عندهم هو الله والثاني إبليس وأصل دينهم تعظيم النور والتحرز
من الظلمة ولهذا عبدوا النيران حتى ظهر زرادشت من قرية من قرى أذربيجان فصارت
الفرس على دينه ولهم في خلق زرادشت وولادته كلام طويل لا فائدة فيه وقال بآله يسمى
أرمزد بالفارسي وأنه خالق النور والظلم وهو واحد لا شريك له ولهم أعياد ورسوم منها
النوروز والتيركان والمهرجان والفروردجان والكنبهارت
زعم زرادشت أن في كل يوم خلق الله نوعا من الخليقة من سماء وأرض وماء ونبات وحيوان
وإنس فتم خلق العالم في ستة أيام أمة اليونان
وهم نجموا من رجل اسمه اللن ولد سنة أربع وسبعين لمولد
____________________
موسى عليه السلام ولم يعلموا
قبل ذلك وكانوا أهل شعر وفصاحة ثم صارت فيهم الفلسفة في زمان بخت نصر
قال الشهرستاني أن أبيد قليس كان في زمن داود النبي عليه السلام وكذلك فيثاغورس
كان في زمن سليمان وهذا يخالف ما سبق فإن بخت نصر بعد سليمان بأكثر من أربعمائة
سنة وبلاد اليونان كانت على الخليج القسطنطيني من شرقيه وغربيه إلى البحر المحيط
وهو بين بحر الروم وبحر القلزم واسم القلزم في القديم بحر نيطش وهم فرقتان
الإغريقيون واللطينيون
قيل أنهم من ولد يافث وهو الصحيح باتفاق من المحققين وقيل من جملة الروم من ولد
العيص بن يعقوب النبي وكانت ملوكهم من أعظم الملوك ودولتهم من أفخر الدول ولم
يزالوا كذلك حتى غلبت عليهم الروم ولم يبقى لهم ذكر وكانت لهم الدولتان العظمتان
للإسكندر والقياصرة من بعده الذين صبحهم الإسلام وهم ملوك بالشام وجميع العلوم
العقلية مأخوذة عنهم مثل العلوم المنطقية والطبيعية والإلهية والرياضية وكانوا
يسمون العلم الرياضي جوهرا مطريا وهو المشتمل على علم الهيئة والهندسة والحساب
واللحون والإيقاع وغير ذلك وكان العالم بها يسمى فيلسوفا وتفسيره محب الحكمة ومن
فلاسفتهم تاليس الملطي وكان في زمن بخت نصر وأخذ عن لقمان وأبيدقليس وفيثاغورس
وكانا في زمن داود عليهما السلام
وزعم فيثاغورس أنه سمع حفيف الفلك ووصل إلى مقام الملك وقال ما سمعت شيئا ألذ من
حركات الأفلاك ولا رأيت شيئا أبهى من صورتها وبقراط الحكيم ونجم في سنة 196 لبخت
نصر فيكون قبل الهجرة بألف ومائة وبضع وسبعين سنة وسقراط أقام في غار ونهى الناس
عن الشرك وعبادة الأوثان حتى قتل في الحبس بالسم وأفلاطون الإلهي قام مقام سقراط
حين اغتيل وجلس على كرسيه وأرسطوطاليس كان تلميذا لأفلاطون وكان أفلاطون كبير
حكماء الخليقة غير منازع كان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر
الشمس
____________________
فسمى تلاميذه بالمشائين في زمن
الإسكندر وكان ملكه لعهد أربعة آلاف وثمانمائة من عهد الخليقة ولعهد أربعمائة أو
نحوها من بناء رومة
وبين الإسكندر والهجرة تسعمائة وأربع وثلاثون سنة فيكون أفلاطون قبل ذلك بمدة
يسيرة وكذلك سقراط قبله بمدة يسيرة أيضا فبالتقريب يكون بين سقراط والهجرة نحو ألف
سنة وبين أفلاطون والهجرة أقل من ألف سنة وطيماوس هو من مشايخ أفلاطون ومن تلامذة
أرسطو الإسكندر الذي ملك غالب المعمور من الغرب إلى الشرق واستولى على بلاد فارس
وتخطاها إلى بلاد السند فملكها ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها وحاربه فور
ملك الهند فانهزم وأخذه الإسكندر أسيرا بعد حروب طويلة وغلب على جميع طوائف الهنود
وملك بلاد الصين والسند وأقام يتعلم على أرسطو خمس سنين وبلغ فيها أحسن المبالغ
ونال من الفلسفة ما لم ينله سائر تلاميذه ومنهم برقلس وكان بعد أرسطو وصنف كتابا
أورد فيه شبها في قدم العالم ومنهم طيموخارس حكيم رياضي عالم بهيئة الفلك رصد
الكواكب في زمانه ذكره بطليموس في المجسطي وكان قبل بطليموس بأربعمائة وعشرين سنة
وفرفوريوس من أهل مدينة صور على البحر الرومي بالشام كان بعد زمان جالينوس فسر
مشكلات كتب أرسطو وفلوطيس نقل تصانيف أرسطو من الرومي إلى السرياني قال ولا أعلم
أن شيئا منها خرج إلى العربي وفولس الأجانيطي ويعرف بالقوابلي
كان خبيرا بطب النساء كثير المعاناة له وكان مقامه بالإسكندرية ولسلون المتعصب
يقرى فلسفة أفلاطون وينتصر لها ومقسطراطيس شرح كتب أرسطو وأخرجها إلى العربي ومنطر
الإسكندري كان إماما في علم الفلك واجتمع هو وافطيمن بالإسكندرية وأحكما آلات
الرصد ورصدا الكواكب وحققاها وكانا قبل بطليموس بنحو خمسمائة وإحدى وسبعون سنة
ومورطس له رياضة وحيل صنف كتابا في الآلة المسماة بالأرغون وهي آلة تسمع على ستين
ميلا ومغنس من أهل حمص من تلامذة بقراط وله كتاب البول وغيره ومثروديطوس
____________________
كان طبيبا ركب معجونا يسمى
باسمه وكان معتنيا بتجربة الأدوية وأما بطليموس وجالينوس فزمانهما متأخر عن زمان
اليونان وكانا في زمن الروم وأحدهما قريب من الآخر
وكان بطليموس مقدما على جالينوس بقليل وكان بين رصد بطليموس ورصد المأمون ستمائة
وتسعون سنة وكان رصد المأمون بعد سنة مائتين للهجرة فيكون بين الهجرة ورصد بطليموس
أربعمائة وتسعون سنة بالتقريب وبين جالينوس والهجرة أكثر من أربعمائة سنة بقليل
وذلك كله بالتقريب
قال ابن خلدون ومن حكماء اليونانين انكيثا غورس كان مع حكمته مبرزا في علم الطب
وبعث به بهمن ملك الفرس إلى ملك اليونان فامتنع من إيفاده عليه ضنانة به وكان من
تلاميذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام ومات بصقلية ودفن بها اقليدس صاحب كتاب
الأستقصاءات المسمى باسمه وكان في أيام ملوك البطالسة ولم يكن بعد أرسطو ببعيد
وليس هو مخترع كتاب اقليدس بل هو جامعه ومحرره ومحققه ومنهم ابرخس رصد الكواكب
وحققها وكان بين رصده ورصد بطليموس مائتان وخمس وثمانون سنة فارسية بالتقريب أمة
اليهود
هم بنو إسرائيل وإنما بنو إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل وكان لإسرائيل
اثنا عشر ابنا وهم الأسباط
وجميع بني إسرائيل هم أولاد الأسباط وأمة اليهود أعم منهم لأن كثيرا من أجناس
العرب والروم والفرس وغيرهم صاروا يهودا ولم يكونوا من بني إسرائيل هم الأصل في
هذه الملة وغيرهم دخيل فيها وأما اسم اليهود فيقال هاد الرجل أي رجع وتاب وإنما
لزمهم هذا الاسم لقول موسى أنا هدنا إليك أي رجعنا
وقال البيروتي في الآثار الباقية ليس ذلك بشيء وإنما سمي هؤلاء
____________________
باليهود نسبة إلى يهوذا أحد
الأسباط وأبدلت المعجمة بالمهملة قلت وهذا هو الصواب لأن القرآن عربي والتوراة
عبرانية وافترقت اليهود فرقا كثيرة أمة النصارى
وهم أمة المسيح عليه السلام ولهم في تجسد الكلمة مذاهب شتى منهم من قال أشرقت على
الجسد إشراق النور على الجسم المشف ومنهم من قال انطبعت فيه انطباع النقش في
الشمعة ومنهم من قال تدرع اللاهوت بالناسوت ومنهم من قال مازجت الكلمة جسد المسيح
ممازجة اللبن بالماء واتفقت النصارى على أن المسيح قتلته اليهود وصلبوه وافترقت
على اثنتين وسبعين فرقة كبارهم ثلاث فرق الملكانية والنسطورية واليعقوبية
والبطاركة للنصارى بمنزلة الأئمة أصحاب المذاهب للمسلمين والمطارنة مثل القضاة
والأساقفة مثل المفتين والقسيسون بمنزلة القراء والجاثليق بمنزلة الإمام الذي يؤم
في الصلاة والشمامسة بمنزلة المؤذنين وقومة المساجد ومن أعيادهم الشعانين وجمعة
الصلبوت وعيد الفصح ويوم الأحد والسلاقا وعيد البنديقسطي والدنح وعيد الصليب
والميلاد
وأما الإنجيل فهو كتاب يتضمن أخبار المسيح من ولادته إلى وقت خروجه من هذا العالم
كتبه أربعة نفر من أصحابه وهم متى كتبه بفلسطين بالعبرانية ومرقوس كتبه ببلاد
الروم باللغة الرومية ولوقا كتبه بالإسكندرية باللغة اليونانية ويوحنا كتبه بافسس
باليونانية أيضا ومن الأمم الداخلة في دين النصارى أمة الروم كانوا صابئة حتى تنصر
قسطنطين وحملهم عليه حتى تنصروا عن آخرهم
وأما أمم النصارى فهي الأرمن والروم والبلغار وكان أصل الكرج والجراكسة نصارى إلا
أنهم الآن مسلمون وأما المسلمون القاطنون في جهات الروم ايلي فأصلهم نصارى ويوجد
في سوريا وحلب وبغداد وغيرها من الممالك العثمانية نصارى ولغتهم العربية وبقية
النصارى في
____________________
بلاد أوروبا وأميريكا وغيرهما
وهم أمم مختلفة منهم الجرمانيون والإنكليز أعني البريطانيون والفرنساويون
والطليانيون والروس وغيرهم والانكليزيون هم المسئولون الآن على سلطنة الهند أمة
الهند
فرق كثيرة ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل منهم الباسومية واليهودية وعبدة
الأصنام وعباد النار ومنهم البراهمة أصحاب الفكرة وهم أهل العلم بالفلك والنجوم
على طريقة تخالف طريقة منجمي الروم والعجم وللهند ممالك منها مملكة قنوج وهي
منقطعة عن البحر ولأهلها أصنام يتوارثون عبادتها ويزعمون أن لها نحو مائتي ألف سنة
قاله أبو الفدا وهي اليوم خاوية على عروشها كأن لم تغني بالأمس ولنعم ما قيل
( ورأيت معالم دراسة ** رسمته مزاولة السبل )
( وسألت رسوم الأربع ما ** فعلت بك سابقة الأزل )
( فأجابت قال الله لنا ** وسؤالك من جهة الغفل )
( تلك الأيام نداولها ** لا مكث لهن على رجل ) وكانت هذه البلدة هي موطن آبائنا
منذ ثلاثمائة سنة تقريبا حتى خرجنا منها منذ أعوام ثم لم نعد ونزلنا ببلذة بهوبال
وبها نعيش في هذه الأيام وهي سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف هجرية وجزائر بحر الهند
في نهاية الكثرة وهي في البحر قبالة هذه الممالك ولها ملوك وكوائف وأيام ومحاربات
قد أكثر المصنفون فيها الكلام وقد ذكرنا طرفا من حالها وخبر فتوح في كتابنا حجج
الكرامة في آثار القيامة فإن شئت أن تطلع على معظم مجرياتها وتعلمها فارجع إليه
تجده كتابا لم يؤلف مثله قبل ذلك الزمان وبالله التوفيق وهو المستعان أمة السند
وهم غربي الهند منها على جانب البحر ويقال لها بلاد اللان ومنها في البر إلى جانب
الحبل وكل من ملك السند يقال لها رتبيل ومن المدن
____________________
الأول ملتان والمنصورة ومن
الثاني قشمير وكان المسلمون غالبين عليها ثم صارت هي والهند في أيدي الكفار من
البريطانية والنصرانية منذ مائة عام بل أزيد من ذلك أمم السودان
قيل هم من ولد حام وأديانهم مختلفة فمنهم مجوس ومنهم من يعبد الحيات ومنهم صاحب
أوثان وقد روي عن جالينوس أنهم يختصون بعشر خصال وهي تفلفل الشعر وخفة اللحى
وانتشار المنخرين وغلظ الشفتين وتحدد الأسنان ونتن الجلد وسواد اللون وتشقق اليدين
والرجلين وطول الذكر وكثرة الطرب ومن أعظم أممهم الحبش وبلادهم تقابل الحجاز
وبينهما البحر وهي بلاد طويلة عريضة وخصيانهم أفخر الخصيان ومنهم النوبة ويقال أن
لقمان الحكيم الذي كان مع داود عليه السلام من النوبة ومنهم ذو النون المصري وبلال
بن حمامة مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم البجا وهم شديدو السواد عراة
يعبدون الأوثان وهم أهل أمن وحسن مرافقة للتجار ومنهم الدمادم وبلادهم على النيل
فوق بلاد الزنج وهم تتر السودان خرجوا عليهم وقتلوا فيهم كما جرى للتتر مع
المسلمين وهم مهملون في أديانهم ومنهم الزنج وهم أشد السودان سوادا يعبدون الأوثان
وأهل بأس وقساوة ومنهم التكرور وهم على غربي النيل كفار ومسلمون ومنهم الكانم وهم
على مذهب مالك ومدينة غانة هي من أعظم مدن السودان وهي في أقصى جنوب المغرب أمم
الصين
هي بلاد طويلة عريضة من المشرق إلى المغرب أكثر من مسيرة شهرين طولا وعرضا من بحر
الصين في الجنوب إلى سد يأجوج ومأجوج في الشمال وقيل أن عرضها أكثر من طولها حتى
يشتمل على الأقاليم السبعة وأهل الصين أحسن الناس سياسة وأكثرهم عدلا وأحذق الناس
في الصناعات وهم قصار القدود عظام الرؤوس أهل مذاهب مختلفة مجوس وأهل أوثان وأهل
نيران ومدينتهم الكبرى يقال لها جمدان
____________________
والصين الأقصى ويقال له صين
الصين هو نهاية العمارة من حهة الشرق وليس وراءه غير البحر المحيط ومدينته العظمى
يقال لها السيلى بني كنعان
هم أهل الشام وإنما سمي الشام شاما لسكنى سام بن نوح به وسام اسمه بالعبرانية شام
بالمعجمة وقيل تشاءمت به بنو كنعان هو ابن حام ابن نوح وسار منهم طائفة إلى المغرب
وهم البربر أمة البربر
اختلف فيهم اختلافا كثيرا فقيل أنهم من ولد حام وهم يزعمون أنهم من ولد قيس عيلان
وصنهاجة منهم تزعم أنها من ولد أفريقس الحميري وزناتة منهم تزعم أنها من لخم
والأصح انهم من ولد كنعان ابن مازيع بن حام
ولما قتل ملكهم جالوت وكان كل من ملك بني كنعان يلقب جالوت إلى أن قتل داود جالوت
آخر ملوكهم تفرقت بنو كنعان وقصدت منهم طائفة بلاد المغرب وسكنوا تلك البلاد وهم
البربر وقبائل البربر كثيرة جدا منهم كتامة وصنهاجة والمصامدة وبرغواطة وهم مثل
العرب في سكنى الصحارى ولهم لسان غير العربي قال أبو سعيد ولغاتهم ترجع إلى أصول
واحدة وتختلف فروعها حتى لا تفهم إلا بترجمان أمة عاد
هم من ولد عاد من ولد سام بن نوح وبلادهم الأحقاف متصلة باليمن وأول من ملك منهم
شداد قال الزمخشري إن شدادا هو الذي بنى مدينة أرم في صحارى عدن وشيدها بصخور
الذهب وأساطين الياقوت والزبرجد يحاكي بها الجنة لما سمع وصفها طغيانا منه وعتوا
ويقال أن باني أرم هذه هو أرم بن عاد وذكر بن سعيد عن البيهقي هو أرم بن شداد بن
عاد الأكبر انتهى
____________________
والصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها ارم وإنما هذا من خرافات القصاص وإنما ينقله
ضعفاء المفسرين وأرم المذكورة في قوله تعالى { إرم ذات العماد } القبيلة لا البلد
وكانوا ذوي قوة وبطش وكان لهم في الأرض آثار عظيمة حتى قال لهم هود عليه السلام {
أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين }
وقد كثر الاختلاف في ذكرهم وجميع ما ذكروا من ذلك مضطرب غير قريب للصحة أمة
العمالقة
هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام بهم يضرب المثل في الطول والجسمان نزلوا بصنعاء من
اليمن ثم تحولوا إلى الحرم وكان منهم جماعة بالشام وأهل عمان البحرين وهم الذين
قاتلهم موسى ثم يوشع فأفناهم وكان منهم فراعنة مصر والكنعانيون ومن ملك يثرب وخيبر
وتلك النواحي أمم العرب
العرب الجاهلية أصناف ولهم مذاهب مختلفة ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل وقسمهم
المؤرخون إلى ثلاثة أقسام بائدة وعاربة ومستعربة أما البائدة فهم العرب الأول
الذين ذهبت عنا تفاصيل أخبارهم لتقادم عهدهم وهم عاد وثمود وجرهم الأولى وكانت على
عهد عاد فبادوا ودرست أخبارهم وأما جرهم الثانية فهم من ولد قحطان وثبت أن قحطان
كان يتكلم بالعربية ولقنها عن الأجيال قبله فكانت لغة بنيه ولذلك سموا العرب
المستعربة ولم يكن في آباء قحطان من لدن نوح عليه السلام إليه من يتكلم بالعربية
وكذلك كان أخوه قانع وبنوه إنما يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء إسماعيل بن إبراهيم
فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة بنيه وهم أهل الطبقة الثالثة المسمون بالعرب
التابعة للعرب ولم يبق من ذكر العرب البائدة إلا القليل
____________________
وأما العرب العاربة
فهم عرب اليمن من ولد قحطان وهذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح وأعظمهم قدرة
وأشدهم قوة وآثارا في الأرض وأول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه لأن أخبار
القرون الماضية من قبلهم يمتنع اطلاعنا عليها لتطاول الأحقاب ودروسها إلا ما يقصه
علينا الكتاب ويؤثر من الأنبياء بوحي الله إليهم وما سوى ذلك من الأخبار الأزلية
فمقطع الأستاذ ولذلك كان المعتمد عند الإثبات في أخبارهم ما تنطق به آية القرآن في
قصص الأنبياء الأقدمين أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها من أخبارهم وذكر
دولهم وحروبهم ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أو سمعوه
ممن هاجر إلى الإسلام من أحبار اليهود وعلمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة
فيما علمناه وما سوى ذلك من حطام المفسرين وأساطير القصص وكتب بدء الخليقة فلا
نعول على شيء منه وإن وجد لمشاهير العلماء تأليف مثل كتاب الياقوتية للطبري و
البدء للكسائي فإنما نحوا فيها منحى القصاص وجروا على أساليبهم ولم يلتزموا فيها
الصحة ولا ضمنوا لنا الوثوق بها فلا ينبغي التعويل عليها وتترك وشأنها وأخبار هذا
الجيل من العرب وإن لم يقع لها ذكر في التوراة إلا أن بني إسرائيل من بين أهل
الكتاب أقرب إليهم عصرا وأوعى لأخبارهم فلذلك يعتمد نقل المهاجرة منهم لأخبار هذا
الجيل
ثم إن هذه الأمم على ما نقل كان لهم ملوك ودول وأما العرب المستعربة فعم ولد
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام
ومن العاربة بنو جرهم وكانت مساكنهم بالحجاز
ومنهم بنو سبأ واسم سبأ عبد شمس فلما أكثر الغزو السبي سمي سبأ وكان له عدة أولاد
منهم حمير وكهلان وجميع قبائل عرب اليمن وملوكها التبابعة من ولد سبأ المذكور
وجميع تبابعة اليمن من ولد حمير بن سيأ خلا عمران
____________________
وأخيه مزيقيا فأنهما من ولد
كهلان بن سبأ بني حمير بن سبأ
ومنهم التبابعة ملوك اليمن
ومنهم قضاعة وكان مالكا لبلاد الشحر ومن قضاعة بنو كلب نزلوا في الجاهلية دومة
الجندل وتبوك وأطراف الشام
ومنهم حارثة أبو زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنهم بلى وبهراء وجهينة وكانت منازلهم بأطراف الحجاز الشمالي من جهة بحر جدة وبنو
سليخ وبنو نهد وبنو عذرة وشعبا بني كهلان
وصار منهم أحياء كثيرة والمشهور فيها سبعة وهي الأزد وطيء ومذحج وهمذان وكندة
ومولد وأنمار ومن الأزد الغسانية والأوس والخزرج أهل يثرب والمسلمون منهم هم
الأنصار وخزاعة وبارق ودوس وعتيك وغافق فهؤلاء بطون الأزد وحصل لخزاعة سدانة البيت
والرئاسة والأكثر أنها يمانية وما زالت فيهم حتى أخذها قصي بن كلاب وأرسل بها إلى
مكة
وقال معاشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد رددتها عليكم من غير عار ولا ظلم
وظهر قصي على خزاعة وأخرجها من مكة
ومن خزاعة بنو المصطلق الذين غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكنت بنو دوس
إحدى الشروات المظلة على تهامة وكانت لهم دولة بأطراف العراق ومن الدوس أبو هريرة
واختلف في اسمه والأكثر أن اسمه عمير بن عامر
وأما عتيق وغافق فقبيلتان مشهورتان في الإسلام وهم من ولد الأزد ومن الأزد بنو
الجلندي ملوك عمان والجلندي لقب لكل من ملك منهم عمان وانتهى ملك عمان في الإسلام
إلى حبقر وعبد ابني الجلندي وأسلما مع أهل عمان على يد عمرو بن العاص
ونزلت طيء بنجد الحجاز في جبلي أجأ وسلمى فعرفا بجبل طيء
____________________
إلى يومنا هذا ومن بطون جديلة
ونبهان وبولان وسلامان وهي سدوس بضم السين ومن طيء زيد الخيل وسماه رسول الله صلى
الله عليه وسلم زيد الخير وحاتم طيء المشهور بالكرم ومن بطون مذحج أيضا النخع
ومنهم الأشتر النخعي واسمه مالك بن حارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علي
بن أبي طالب
ومن النخع سنان بن أنس قاتل الحسين وعنس وهي قبيلة الأسود الكذاب الذي ادعى النبوة
باليمن وعنس أيضا رهط عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولهمدان من بني كهلان صيت في الجاهلية والإسلام وبلاد كندة باليمن تلي حضرموت
ومنهم حجر بن عدي صاحب علي بن أبي طالب وهو الذي قتله معاوية صبرا ومنهم القاضي
شريح ومن كندة السكاسك والسكون
ومن السكون معاوية بن خديج قاتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنه وحصين بن نمير
السكوني الذي صار صاحب جيش يزيد نوبة وقعة الحرة بظاهر مدينة الرسول صلى الله عليه
وسلم وبنو مراد بلادهم إلى جانب زبيد من جبال اليمن والأنمار فرعان وهما بجيلة
وخثعم وبجيلة هي رهط جرير ابن عبد الله البخلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بني عمرو بي سبأ ومنهم لخم بن عدي ومن لخم بنو الدار رهط تميم الداري صاحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمناذرة ملوك الحيرة وكانت دولتهم من أعظم دول ملوك
العرب وجذام بني اشعر ويقال لهم الأشعريون وهم رهط أبي موسى الأشعري واسمه عبد
الله بن قيس بنو عاملة هم من القبائل اليمانية خرجت إلى الشام عند سيل العرم
ونزلوا بالقرب من دمشق في جبل هناك يعرف بجبل عاملة العرب المستعربة
هم ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل وقيل لهم المستعربة لأن إسماعيل لم تكن لغته
عربية بل عبرانية ثم دخل في العربية فمن سكنى إسماعيل مكة إلى الهجرة ألفان
وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة
____________________
وكان هناك قبائل جرهم فتزوج
إسماعيل منهم إمرأة وولدت له إثنى عشر ولدا ذكرا منهم قيذار وماتت هاجر ودفنت
بالحجر ثم لما مات إسماعيل بمكة دفن معها بالحجر أيضا
وقد اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إسماعيل
فمن قائل كان الملك على الحجاز في جرهم ومفتاح الكعبة وسدانتها في يد ولد إسماعيل
ومن قائل أن قيذار توجته أخوالهم جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز وأما سدانة
البيت الحرام ومفاتيحه فكانت مع بني إسماعيل بغير خلاف حتى انتهى ذلك إلى نابت من
ولد إسماعيل فصارت السدانة بعده لجرهم ويدل على ذلك قول عامر بن الحارث الجرهمي من
قصيدته التي منها
( وكنا ولاة البيت من بعد نابت ** نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر )
( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر )
( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ** صروف الليالي والجدود العواثر )
ثم ولد لقيذار ابنه حمل ولحمل نبت ويقال نابت وقيل نبت بن إسماعيل وفيه خلاف كثير
ثم لنبت سلامان ثم ولد له الهميسع وولد له اليسع وله أدد وله أد ثم ولد لأد عدنان
وولد له معد ولمعد نزار ولنزار أربعة منهم مضر على عمود النسب النبوي وثلاثة
خارجون عنه أولهم إياد ومنه كعب بن مامة ويضرب بجوده المثل وقس بن ساعدة ويضرب
بفصاحته المثل
والثاني ربيعة الفرس ومن ربيعة أسد وضبيعة ولأسد جديلة وعنزة ومن جديلة وائل ومن
وائل بكر وتغلب ومن بكر بنو شيبان ومرة وطرفة والمرقشان الأكبر والأصغر وبنو حنيفة
ومنهم مسيلمة الكذاب ومن أسد بنو عنزة وهم أهل خيبر ومن عنزة القارظان ومن ربيعة
النمر ولجيم والعجل وبنو عبد القيس ومن أسد السدوس واللهازم
والثالث أنمار ومضى إلى اليمن فتناسل بنوه بتلك الجهات
____________________
وحسبوا من العرب اليمانية ثم
ولد لمضر الياس على عمود النسب وولد له خارجا عنه قيس عيلان وعيلان فرسه أو كلبه
وقيل بل هو أخو إلياس
وقد جعل الله لقيس المذكور من الكثرة أمرا عظيما فمن ولده قبائل هوازن الذين كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رضيعا وبنو كلاب ومنهم أصحاب حلب وعقيل ومنهم
ملوك الموصل المقلد وقرواش وغيرهما وبنو عامر وصعصعة وخفاجة
وما زالت لخفاجة إمرة العراق من قديم وإلى الآن وبنو ربيعة وجشم وبنو وبكر وبنو
هلال وثقيف وقيل أن ثقيفا من اياد وقيل من بقايا ثمود وهم أهل الطائف وبنو نمير
وباهلة ومازن وغطفان وبنو عبس وأشجع وسليم وبنو ذبيان وبنو فزارة والنابغة وعدوان
نزلوا الطائف قبل ثقيف ثم ولد لإلياس مدركة على عمود النسب وولد له خارجا عنه
طابخة وبعضهم ينسب مدركة وطابخة إلى أمهما خندف واسمها ليلى بنت حلوان وصار من
طابخة قبائل منهم بنو تميم والرباب وبنو ضبة وبنو مزينة ثم ولد لمدركة خزيمة على
عمود النسب وله خارجا عن النسب هذيل ومنه جميع قبائل الهذليين منهم ابن مسعود صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وولد لخزامة كنانة على عمود النسب وخارج النسب الهون
وأسد ومن الهون عضل وديش ويقال لهما القارة ومن أسد الكاهلية ودودان وغيرهما وولد
لكنانة على عمود النسب النضر وكان له عدة أخوة ليسوا على عمود النسب وهم ملكان
وعبد مناة وعمرو وعامر ومالك
ومن عبد مناة بنو غفار رهط أبي ذر وبنو بكر ومنه الدئل وبنو ليث وبنو الحارث وبنو
مدلج وبنو ضمرة ومن عمرو العمريين ومن عامر العامريون ومن مالك بنو فراس ومن بطون
كنانة الأحابيش وغلط من ظن أنهم من الحبشة
وأما النضر فقيل أنه قريش والصحيح أن قريشأ هم بنو فهر الذي سنذكره وولد لنضر مالك
على عمود النسب ولم يشتهر له ولد غيره ثم ولد لمالك فهر على عمود النسب وهو قريش
فكل من كان من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس قرشيا
____________________
وقيل سمي قريشا لشدته تشبيها له بدابة من دواب البحر يقال لها القرش تأكل دواب
البحر وتقهرهم وقيل أن قصي بن كلاب لما استولى على البيت وجمع أشتات بني فهر سموا
قريشا لأن قرشهم أي جمعهم حول الحرم وعلى هذا يكون اسما لبني فهر لا لفهر نفسه
وولد لفهر غالب على عمود النسب وولد له خارجا عنه ولدان هم محارب وهما والحارث
فمن الأول بنو محارب ومن الثاني بنو الخلج ومنهم أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة
المبشرة
ثم ولد لغالب لؤي على عمود النسب وخارج النسب تيم الأردم وهو الناقص الذقن ثم ولد
للوى ستة أولاد وهم كعب على عمود النسب وأخوته الخمسة خارجون لمن عمود النسب وهم
سعد وخزيمة والحارث وعامر وأسامة ولكل ولد ينسبون إليه خلا الحارث منهم
ثم ولد لكعب مرة على عمود النسب وخارجا عنه هصيص وعدي فمن الأول بنو جمح ومنهم
أمية بن خلف عدو رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو سهم ومنهم عمرو بن العاص ومن
الثاني بنو عدي ومنهم عمر الخطاب وسعيد بن زيد من العشرة
ثم ولد لمرة على عمود النسب كلاب وخارج النسب تيم ويقظة
فمن الأول أبو بكر الصديق وطلحة من العشرة ومن الثاني بنو مخزوم ونسب خالد بن
الوليد وأبي جهل بن هشام ثم ولد لكلاب قصي على عمود النسب وولد له خارجا عنه زهرة
ومنه بنو زهرة
ونسب سعد بن أبي وقاص أحد العشرة ونسب آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم ونسب عبد
الرحمن بن عوف وكان قصي عظيما في قريش وهو الذي ارتجع مفاتيح الكعبة من خزاعة وهو
الذي جمع قريشا وائل مجدهم
ثم ولد لقصي عبد مناف على عمود النسب والخارج عنه عبد الدار وعبد العزى
____________________
فمن الأول بنو شيبة الحجبة ومن الثاني النضر بن الحارث وكان شديد العداوة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا يوم بدر ومنهم
الزبير بن العوام أحد العشرة وخديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم وورقة
بن نوفل
وولد لعبد مناف على عمود النسب هاشم وخارجا عنه عبد شمس والمطلب ونوفل
فمن الأول أمية ومنه بنو أمية ومنهم عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان وسعيد بن
العاص وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبرا
يوم بدر
ومن المطلب المطلبيون ومنهم الإمام الشافعي ومن نوفل النوفليون ثم ولد الهاشم عبد
المطلب على عمود النسب ولم يعلم له ولد غيره وولد لعبد المطلب على عمود النسب
عبدالله وولد له خارجا عنه جميع أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حمزة
والعباس وأبو طالب وأبو لهب والغيداق
ومنهم من يقول هو حجل والحارث والمقوم وضرار والوبير وقم درج صغيرا وعبد الكعبة
ومنهم من يقول أن الذي عبد الكعبة هو المقوم ثم ولد لعبد الله محمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم في عام الفيل
قال ابن الأثير في الكامل أن الحبشة ملكوا اليمن بعد حمير فلما صار الملك إلى
أبرهة منهم بني كنيسة عظيمة وقصد أن يصرف حج العرب إليها ويبطل الكعبة الحرام فجاء
شخص من العرب وأحدث في تلك الكنيسة فغضب أبرهة لذلك وسار بجيشه ومعه الفيل وقيل
كان معه ثلاثة عشر فيلا ليهدم الكعبة فلما وصل إلى الطائف بعث الأسود ابن مقصود
إلى مكة فساق أموال أهليها وأحضرها إلى أبرهة وأرسل أبرهة إلى قريش وقال لهم لست
أقصد الحرب بل جئت لأهدم الكعبة
فقال عبد المطلب والله ما نريد حربه هذا بيت الله فإن منع عنه فهو بيته وحرمه وإن
خلا بينه فوالله ما عندنا من دفع
____________________
ثم انطلق عبتدالمطلب مع رسول
أبرهة إليه فلما استؤذن لعبد المطلب قالوا لأبرهة هذا سيد قريش فآذن له أبرهة
وأكرمه ونزل عن سريره وجلس معه وسأله في حاجته فذكر عبد المطلب أباعره التي أخذت
له فقال أبرهة إني كنت أظن أنك تطلب مني أن لا أخرب الكعبة التي هي دينك فقال عبد
المطلب أنا رب الأباعر فاطلبها وللبيت رب يمنعه فأمر أبرهة برد أباعره عليه فأخذها
وانصرف إلى قريش ولما قارب أبرهة مكة وتهيأ لدخولها بقي كلما قبل فيله مكة
وكان اسم الفيل محمودا ينام ويرمي نفسه إلى الأرض ولم يسر فإذا قبلوه غير مكة قام
يهرول وبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرا أبابيل أمثال الخطاطيف مع كل طائر
ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه فقذفتهم بها وهي مثل الحمص والعدس فلم يصب أحدا منهم
إلا هلك وليس كلهم أصابت ثم أرسل الله تعالى سيلا فألقاهم في البحر والذي سلم
هاربا مع أبرهة إلى اليمن يبتدر الطريق وصاروا يتساقطون بكل منهم ولى منهل وأصيب
أبرهة في جسده وسقطت أعضاؤه ووصل إلى صنعاء كذلك ومات ولما جرى ذلك خرجت قريش إلى
منازلهم وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا ولما هلك أبرهة ملك بعده ابنه يكسوم ثم أخوه
مسروق ومنه أخذت العجم اليمن
انتهى الكلام وهو آخر التواريخ القديمة ولا نذكر من التواريخ الإسلامية هنا إلا مولد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الهجرة النبوية لأن أهل العلم من المسلمين قد
أكثروا الجمع والتأليف فيها وهي كثيرة شهيرة متيسرة لكل واحد في كل بلد من بلاد
الإسلام وقد ذكرنا طرفا منها في كتاب حجج الكرامة في آثار القيامة مولد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أما أبوه فهو عبد الله وكانت ولادته قبل الفيل بخمس وعشرين سنة وكان أبوه قد بعثه
يمتار له فمر بيثرب فمات بها ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شهرين وقيل كان حملا
وولد بعد مهلكه بأشهر قلائل ودفن في
____________________
دار الحارث بن إبراهيم بن
سراقة العدوي وهم أخوال عبد المطلب وقيل دفن بدار النابغة ببني النجار وكان أبوه
يحبه لأنه كان أحسن أولاده وأعفهم وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال وجارية حبشية
اسمها بركة وكنيتها أم أيمن وهي حاضنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما آمنة أم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب فولدت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر وقيل لاثنتي عشرة ليلة خلون من ربيع
الأول من عام الفيل وكان قدوم الفيل في منتصف المحرم من تلك السنة وهي السنة
الثانية والأربعون من ملك كسرى أنوشيروان وهي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة لغلبة
الإسكندر على دارا وهي سنة ألف وثلاثمائة وست عشر لبخت نصر وكفله جده عبد المطلب
وكفالة الله من ورائه والتمس له الرضاعة فاسترضع في بني سعد من بني هوازن أرضعته
حليمة بنت أبي ذؤيب وكان أهله يتوسمون فيه علامات الخير والكرامات من الله
قال البيهقي وفي اليوم السابع من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح جده عبد
المطلب عنه ودعا له قريشا فلما أكلوا قالوا يا عبد المطلب أرأيتك ابنك هذا الذي
أكرمتنا على وحهه ما سميته قال سميته محمدا قالوا فيم رغبت به عن أسماء أهل بيته
قال أردت أن يحمده الله تعالى في السماء وخلقه في الأرض وروي أيضا بسنده المتصل
بالعباس قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورا
قال فأعجب جده وحظي عنده وقال ليكونن لابني هذا شأن
وروي أيضا عن هاني المخزومي قال لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل
ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان وهو قاضي الفرس في منامه إبلا صعابا
تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك واجتمع
بالموبذان فقص عليه ما رأى فقال كسرى أي شيء يكون هذا فقال الموبذان وكان عالما
بما يكون حدث من جهة العرب أمر فكتب كسرى إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه
____________________
إلي برجل عالم بما أريد أن
أسأله عنه فوجه بعبد المسيح بن عمرو بن حنان الغساني فأخبره كسرى بما كان من
ارتجاس الإيوان وغيره فقال له علم ذلك عند أخال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح
قال كسرى فاذهب إليه وسله وأتني بتأويل ما عنده فسار عبد المسيح حتى قدم على سطيح
وقد أشفى على الموت فسلم عليه محياه ففتح سطيح عينيه ثم قال يا عبد المسيح إذا
كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وخمدت نار فارس وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة
ساوة فليس بالشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت
آت ثم قضى سطيح مكانه وقدم عبد المسيح على كسرى وأخبره بقول سطيح فقال إلى أن يملك
منا أربعة عشر ملكا كانت أمور فملك منهم عشرة في أربع سنين وذكر في العقد أن سطيحا
كان على زمن نزار بن معد وكان من حديثه شق الملكين بطنه واستخراج العلقة السوداء
من قلبه وغسلهم أحشاءه وقلبه بالثلج وذلك لرابعة من مولده وكان شأنه في رضاعه
وصباه وشبابه ومرباه عجبا ثم استمر على أكمل الزكاء والطهارة في أخلاقه وكان يعرف
بالأمين ثم بدى بالرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل كخلق الصبح
وأما شرفه صلى الله عليه وسلم وشرف أهل بيته فروى البيهقي عن ابن عباس قال قال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى
يحبكم لله ولرسوله
وروي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق السموات سبعا
فاختار العلي منها فأسكنها من شاء من خلقه ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم
واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشا واختار من قريش
بني هاشم واختارني من بني هاشم
وعن عايشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبرئيل قلبت الأرض
مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد ولم أجد بني أب أفضل من بني هاشم وفي
الباب أحاديث كثيرة صحيحة شهيرة لا يسعها هذا المقام
____________________
وأما نسبه صلى الله عليه وسلم فقد تقدم ذكر بني إسماعيل الذين هم على عمود نسب
رسول الله صلى الله عليه وسلم والخارجين عن عمود النسب
وأما نسبه صلى الله عليه وسلم سردا فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك
بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
ونسبه إلى عدنان متفق عليه من غير خلاف ورجمه صحيح باتفاق النسابين وعدنان من ولد
إسماعيل من غير خلاف ورجحة ابن سيد الناس وصححه
وقال ابن خلدون باتفاق من النسابين انتهى
ولكن الخلاف في عدة الآباء الذين بين عدنان وإسماعيل عليه السلام فعد بعضهم بينهما
نحو أربعين رجلا وبعضهم سبعة
قال البيهقي وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ يقول نسبة رسول الله صلى الله عليه
وسلم صحيحة إلى عدنان وما وراء عدنان فليس فيه شيء يعتمد عليه أنتهى
وقال ابن خلدون إن الآباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة وتنقلب في غالب الأمر
مخلطة مختلفة بالقلة والكثرة في العدد فأما نسبته إليه فصحيحة في الغالب انتهى
وفي سبائك الذهب لأبي الفوز محمد أمين السويدي البغدادي وقد انتسب النبي صلى الله
عليه وسلم إلى عدنان هذا كما روى ذلك البيهقي وابن عساكر عن أنس وهو المتفق عليه
بين النسابين وأما النسب من عدنان إلى آدم عليه السلام فقد وقع الاختلاف فيه قال
الحافظ شرف الدين الدمياطي من بعد أن ساق هذا النسب هكذا ساقه أبو علي محمد بن
أسعد النسابة وقال هذا أصح الطرق وأحسنها وأوضحها وهي رواية شيوخنا في النسب
ثم اختلف في كراهة رفع النسب من عدنان إلى آدم فذهب بن اسحق وابن جرير وغيرهما إلى
جوازه وعليه البخاري وغيره من العلماء
____________________
وذهب جمع من أهل العلم إلى
كراهة ذلك ومنهم مالك فإنه لما سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم كرهه وقال من يخبره
به وقد وردت آثار تفيد منع رفع النسب من عدنان إلى آدم منها ما ورد عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال لا تجاوزا معد بن عدنان
وعن ابن عباس قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن
عدنان ثم يمسك ويقول كذب النسابون مرتين أو ثلاثا
وعن عمر بن الخطاب قال إنما ننتسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو وقد تقدم
الكلام في ذلك وعضد ذلك باتفاق النسابين على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل بحيث
يستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو خمسة أو عشرة إذ المدة أطول من هذا
كله بكثير
قال أبو الفدا وسبب هذا الاختلاف أن قدماء العرب لم يكونوا أصحاب كتب يرجعون إليها
وإنما كانوا يرجعون إلى حفظ بعضهم من حفظ بعض وقال ابن خلدون ولعل الخلاف إنما جاء
من قبل اللغة لأن الأسماء ترجمت من العبرانية انتهى
وقال ابن الجوزي أن اليهود اختلفوا اختلافا متفاوتا بين آدم ونوح وفيما بين
الأنبياء من السنين وهذا هو سبب الاختلاف انتهى
ومواطن بني عدنان مختصة بنجد وكلها بادية رحالة إلا قريش بمكة فلم يشاركهم أحد من
العرب إلا طيء من كهلان ثم افترقت بنو عدنان في تهامة الحجاز ثم في العراق
والجزيرة ثم تفرقوا بعد الإسلام في الأقطار
وكان له صلى الله عليه وسلم من الأولاد خمسة القاسم والطيب والطاهر وعبد الله
وإبراهيم
ومن الإناث أربع رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة وأوصافه الغر صلى الله عليه وسلم
أكثر من أن يحيط بها وصف ولم يبقى له صلى الله عليه وسلم عقب إلا من فاطمة رضي
الله عنها
____________________
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها حبا شديدا وكان لها ولدان الحسن والحسين
وهما ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة وولد الحسين
بالمدينة لخمس خلون من شعبان لسنة أربع من الهجرة وقال صلى الله عليه وسلم حسين
مني وأنا من حسين أحب الله من أحب الحسين وفضائله كثيرة لا يسعها المقام وولد له
علي ويلقب بزين العابدين بالمدينة في أيام جده علي بن أبي طالب قبل وفاته بسنتين
وتوفي سنة أربع وتسعين ودفن بالبقيع وله من العمر سبع وخمسون سنة ومات مسموما سمه
الوليد ابن عبد الملك
وولد له محمد الباقر بالمدينة قبل قتل جده الحسين بثلاث سنين وأمه فاطمة بنت الحسن
وله من العمر ثمانية وخمسون سنة مات بالسم في زمن إبراهيم بن الوليد ودفن بالبقيع
في قبة العباس وولد له جعفر الصادق بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة وأمه أم فروة
بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر توفي في سنة مائة وثمانية وأربعون وله من العمر
ثمانية وسبعون سنة قيل مات مسموما في زمن المنصور ودفن بالبقيع وولد له موسى الكاظم
بالابواء سنة مائة وثمانية وعشرون وأمة حميدة البربرية
وكانت وفاته سنة مائة وثلاث وثمانين من الهجرة وله من العمر خمس وخمسون سنة ودفن
بمقابر قريش وولد له علي الرضا وتوفي بطوس قرية من قرى خراسان في آخر صفر سنة
مائتين وثلاثين وله من العمر خمسة وخمسون سنة
وولد له محمد الجواد بالمدينة المنورة تاسع شهر رمضان سنة تسع وتسعين ومائة وأمه
أم ولد وزوجه المأمون ابنته أم الفضل وسيره إلى المدينة توفي ببغداد ودفن في مقابر
قريش بالقرب من جده موسى الكاظم
وولد له علي الهادي وتوفي يوم الاثنين سنة مائتين واثنتين وخمسين ودفن بسر من رأى
وله من العمر أربعون سنة وإليه ينتهي نسب محرر هذه السطور ويبلغ منه إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالترتيب المذكور وسرده هكذا ولد لعلي الهادي جعفر التركي على
عمود النسب
____________________
وولد له علي الأشقر المختار
وولد له عبد الله
وولد لعبد الله السيد محمد البغدادي
وولد له السيد محمود
وولد لمحمود السيد محمد البخاري
وولد لمحمد المذكور السيد جعفر
وولد لجعفر السيد علي موبد البخاري
وولد له السيد حسين أبو عبد الله الملقب بالسيد جلال أعظم البخاري
وولد له السيد أحمد الكبير
وولد له السيد أبو عبد الله حسين المعروف بمخدوم جهانيان جهان كشت المتوفي بأرض
ملتان من إقليم السند المدفون بقرية أج
وولد له السيد محمود الملقب بناصر الدين
وولد له السيد حامد الكبير
وولد له السيد أبو الفتح ركن الدين سجاد وولد له السيد جلال الثالث البخاري
وولد له السيد راجو شهيد صاحب السجادة ببلدة قنوج
وولد له السيد جلال الرابع
وولد له السيد تاج الدين
وولد له السيد كبير
وولد له السيد علي أصغر
وولد له السيد لطف الله
وولد له السيد عزيز الله
وولد له السيد لطف الله المسمى باسم جده
____________________
وولد له السيد علي الملقب بنواب أولاد عليخان بهادر أنور جنك المتوفي بأرض حيدر
أباد من بلاد دكن
وولد له والدي السيد العلامة حسن المعروف بسيد أولاد حسن القنوجي المتوفى بقنوج
سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف وله من الفضائل العلمية والفواضل العملية والآيات
والكرامات ما يغني شهرته عن الذكر والضبط له وولد له هذا العبد صديق بن حسن عفا
الله عنه
____________________
ذكر تجديد قريش عمارة الكعبة
وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الإباية والحرب
قيل لما مات إسماعيل ولي البيت بعده ابنه نابت ثم صارت ولاية البيت إلى جرهم ثم
إلى خزاعة ثم إلى قريش وكانت الكعبة قصيرة البناء فأرادت قريش رفعها فهدموها ثم
بنوها حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود فاختصموا فيه لأن كل قبيلة أرادت أن
ترفعه إلى موضعه ثم اتفقوا على أن يحكموا أول داخل من باب الحرم فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم فحكموه فأمرهم أن يضعوا الحجر في ثوب وأن يمسك كل قبيلة بطرف
من أطرافه وأن يرفعوه إلى موضعه ففعلوا ذلك وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عند وصوله إلى موضعه فوضعه بيده الكريمة موضعه ثم أتموا بناء الكعبة وكانت تكسى
القباطي ثم كسبت البرود وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف
وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين رضيت قريش بحكمه خمسا وثلاثين سنة قبل
مبعثه بخمس سنين ولما استقر أمر قريش بمكة على ما استقر وافترقت قبائل مضر في أدنى
مدن الشام والعراق وما دونهما من الحجاز فكانوا ظعونا وأحياء وكان جميعهم بمسغبة
وفي جهد من العيش بحرب بلادهم وحرب فارس والروم على تلول العراق والشام وأربابهما
يتنزلون حاميتهم بثغورها ويجهزون كتائبهم بتخومها ويولون على العرب من رجالاتهم
وبيوت العصائب منهم من يسومهم القهر ويحملهم على الإنقياد حتى يؤتوا جباية السلطان
الأعظم وإتاوة ملك العرب ويؤدوا ما عليهم من الدماء والطوائل من يسترهن أبناءهم
على السلم وكف العادية ومن
____________________
انتجاع الأرباب وميرة الأقوات
والعساكر من وراء ذلك توقع بمن منع الخراج وتستأصل من يروم الفساد
وكان أمر مضر راجعا في ذلك إلى ملوك كندة بني حجر آكل المرار منذ ولاه عليهم تبع
حسان ولم يكن في العرب ملك إلا في آل المنذر بالخيرة للفرس وفي آل جفنة بالشام
للروم وفي بني حجر هؤلاء على مضر والحجاز
وكانت قبائل مضر مع ذلك بل وسائر العرب أهل بغي وإلحاد وقطع أرحام وتنافس في الردى
وإعراض عن ذكر الله فكانت عبادتهم الأوثان والحجارة وأكلهم العقارب والخنافس
والحيات والجعلان وأشرف طعامهم أوبار الإبل إذا أمروها في الحرارة في الدم وأعظم
عزهم وفادة على آل المنذر وآل جفنة وبني جعفر ونجعة من ملوكهم وإنما كان تنافسهم
المؤودة والسائبة والوصيلة والحامي فلما تأذن الله بظهورهم واشرأبت إلى الشرف
هوادي أيامهم وتم أمر الله في إعلاء أمرهم وهبت ريح دولتهم وملة الله فيهم تبدت
تباشير الصباح من أمرهم وأونس الخير والرشد في خلالهم وأبدل الله بالطيب الخبيث من
أحوالهم وشرهم واستبدلوا بالذل عزا وبالمآثم متابا وبالشر خيرا وبالضلالة هدى
وبالمسغبة شبعا وريا وإيالة وملكا وإذا أراد الله أمرا يسر أسبابه فكان لهم من
العز والظهور قبل المبعث ما كان وتنافست العرب في الخلال وتنازعوا في المجد والشرف
حسب ما هو مذكور في أيامهم وأخبارهم وكان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من
مبعثه وعلى ما كانوا ينتحلونه من هدى آباءهم ثم ألقى الله في قلوبهم التماس الدين
وإنكار ما عليه قومهم من عبادة الأوثان حتى تلاوموا في عبادة الأحجار والأوثان
وتواصوا بالنفر في البلدان بالتماس الحنفية دين إبراهيم نبيهم ثم تحدث الكهان
والحزاة قبل النبوة وأنها كائنة في العرب وأن ملكهم سيظهر
وتحدث أهل الكتاب بما في التوراة والإنجيل من بعث محمد وأمته وظهرت كرامة الله
بقريش ومكة في أصحاب الفيل إرهاصا بين يدي مبعثه ثم ذهب ملك الحبشة من اليمن على
يد ابن ذي يزن ثم رجمت الشياطين عن استماع خبر السماء في أمره وأصغى الكون
للاستماع أنبائه
____________________
ذكر مبعث رسول صلى الله عليه
وسلم
لما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله إلى الأسود والأحمر رسولا ناسخا
بشريعته الشرائع الماضية والأديان الخالية فكان أول ما ابتدى به من النبوة الرؤيا
الصادقة وحبب الله إليه الخلوة وكان يجاور في جبل حراء في كل سنة شهرا فلما كانت
سنة مبعثه خرج إلى حراء في رمضان للمجاورة فيه ومعه أهله حتى إذا كانت الليلة التي
أكرمه الله سبحانه وتعالى فيها جاء جبريل عليه السلام فقال له اقرأ قال له ما أنا
بقارئ ثم قال له جبريل ثانيا وثالثا اقرأ قال فما أقرأ قال { اقرأ باسم ربك الذي
خلق } إلى قوله { علم الإنسان ما لم يعلم } فقرأها وقال ورقة بن نوفل لقد جاءه
الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران وأنه نبي هذه الأمة ثم تواتر الوحي
إليه أولا فأولا
وكان أول الناس من النساء إسلاما خديجة ومن ومن الرجال أبو بكر ومن الصغار علي بن
أبي طالب ومن الموالي زيد بن حارثة وكانت دعوة رسول الله إلى الإسلام سرا ثلاث
سنين ثم أمره الله بإظهار الدعوة حتى أسلم عمر بن الخطاب وكان ما كان ولله الأمر
من قبل ومن بعد وكان أمر الله قدرا مقدورا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وكتب السنة
المطهرة ودواوين الإسلام وتواريخه كأبي الفدا وابن خلدون والخميس تغني عن بيان
أحواله صلى الله عليه وسلم لأنها اشتملت على جميع ما كان من مولده إلى وفاته صلى
الله عليه وسلم وليس هذا موضع تفاصيلها ذكر تاريخ الهجرة النبوية
وهي ابتداء التاريخ الإسلامي أما لفظ التاريخ فإنه محدث في لغة
____________________
العرب لأنه معرب من ماه وروز
كما تقدم وبذلك جاءت الرواية
وروى ابن سليمان عن ميمون بن مهران أنه رفع إلى عمر بن الخطاب في خلافته رضي الله
عنه صك محله شعبان فقال أي شعبان أهذا هو الذي نحن فيه أم الذي هو آت
ثم جمع وجوه الصحابة وقال إن الأموال قد كثرت وما قسمنا منها غير موقت فكيف التوصل
إلى ما نضبط به ذلك فقالوا نحب أن يعرف ذلك من رسوم الفرس
فعندما استحضر عمر الهرمزان وسأله عن ذلك فقال إن لنا حسابا نسميه ماه روز ومعناه
حساب الشهور والأيام فعربوا الكلمة فقالوا مؤرخ ثم جعلوا اسمه التاريخ واستعملوه
ثم طلبوا وقتا يجعلونه أولا لتاريخ دولة الإيلام واتفقوا على أن يكون المبدأ سنة
هذه الهجرة وكانت الهجرة من مكة إلى المدينة شرفهما الله تعالى
وقد تصرم من شهور هذه السنة وأيامها المحرم وصفر وثمانية أيام من ربيع الأول فلما
عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقري ثمانية وستين يوما وجعلوا مبدأ التاريخ أول
المحرم من هذه السنة ثم أحصوا من أول يوم في المحرم إلى آخر يوم من عمر النبي صلى
الله عليه وسلم فكان عشر سنين وشهرين
وأما إذا حسب عمره من الهجرة حقيقة فيكون قد عاش بعدها تسع سنين وواحد عشر شهرا
واثنين وعشرين يوما التواريخ القديمة
المشهورة من السنين بين الهجرة وبين آدم على مقتضى التوراة اليونانية واختيار
المؤرخين ستة آلاف ومائتان وست عشرة سنة وعلى مقتضى التوراة اليونانية واختيار
المنجمين حسب يما أثبتوا في الزيجات خمسة آلاف وتسعمائة وسبع وستون سنة وعيلى
مقتضى التوراة العبرانية واختيار المؤرخين أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعون سنة
وأما على إختيار
____________________
المنجمين ينقص عند مائتان
وتسع وأربعون سنة وعلى مقتضى التوراة السامرية واختيار المؤرخين خمسة آلاف ومائة
وسبع وثلاثون سنة وأما على اختيار المنجمين فينقص ما ذكر وكذلك جاء الأمر في جميع
التواريخ التي قبل بخت نصر فبين الهجرة وبين الطوفان على اختيار المنجمين ثلاثة
آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون سنة وكان الطوفان لستمائة سنة مضت من عمر نوح وعاش نوح
بعده ثلاثمائة وخمسين سنة وعلى اختيار المنجمين ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وعشرون
سنة حسب ما قرره أبو معشر وكوشيار وغيرهما في الزيجات والتقاويم وبين الهجرة
وتبلبل الألسن على اختيار المؤرخين ثلاثة آلاف وثملاثمائة وثلاث وأربع سنين وأما
على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعا وأربعين سنة حسب ما تقدم ذكره وبين
الهجرة وبين مولد إبراهيم الخليل على اختيار المؤرخين ألفان وثمانمائة وتسعون سنة
وأما على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعا وأربعين سنة وبين الهجرة وبين
بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل وولده إسماعيل ألفان وسبعمائة ونحو ثلاث وتسعين
سنة وكان ذلك بعد مضي مائة سنة من عمر إبراهيم وهو القريب والله أعلم
وبين الهجرة وبين وفاة موسى على اختيار المؤرخين ألفان وثلاثمائة وثمان وأربعون
سنة وأما على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعا وأربعون سنة وبين الهجرة
وبين عمارة بيت المقدس على اختيار المؤرخين ألف وثمانمائة وقريب سنتين وكان فراغه
لمضي إحدى عشرة سنة من ملك سليمان ولمضي خمسمائة وست وأربعين سنة لوفاة موسى وأما
على اختيار المنجمين فتنقص عنه مائتين وتسعا وأربعين سنة وبين الهجرة وبين ابتداء
ملك بخت نصر ألف وثلاثمائة وتسع وستون سنة وليس فيه خلاف وبين الهجرة وبين خراب
بيت المقدس ألف وثلاثمائة وخمسون سنة وكان لمضي تسع عشرة سنة لبخت نصر واستمر
خرابا سبعين سنة ثم عمر وبين الهجرة وبين غلبة الإسكندر على دارا ملك الفرس
تسعمائة وأربع وثلاثون سنة وكانت أيضا ابتداء ملكه على الفرس وبقي الإسكندر بعد
غلبته على دارا نحو سبع سنين وبين الهجرة وبين فيلبس
____________________
تسعمائة وسبع وعشرون سنة وهو
أخو الإسكندر أصغر منه باثنتي عشرة سنة وملك بعده على مقدونيا كما ذكره بطليموس
وبين الهجرة وبين غلبة أغسطس على قلوبطرا ملكة مصر ستمائة واثنتان وخمسون سنة
وكانت بسنة اثنتي عشرة من ملك أغسطس وبين الهجرة وبين مولد المسيح عليه السلام ستمائة
وإحدى وثلاثون سنة وكانت بسنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر ولإحدى وعشرون سنة
مضت من غلبة أغسطس على قلوبطرا وبين الهجرة وبين الخراب الثاني لبيت المقدس
خمسمائة وثمان وخمسون سنة وكان لمضي أربعين سنة من رفع المسيح عليه السلام وهو
تاريخ لسنة اليهود إلى الآن وبين الهجرة وبين أول ملك أدريانس خمسمائة وسبع سنين
وبين الهجرة وبين قيام أزدشير بن بابك أربعمائة واثنتان وعشرون سنة وهو أيضا تاريخ
انقراض ملوك الطوائف وبين الهجرة وبين أول ملك دوقلطيانس ثلاثمائة وتسع وثلاثون
سنة وهو آخر عبدة الأصنام من ملوك الروم وبين الهجرة وبين مولد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاث وخمسون سنة وشهران وثمانية أيام وبين الهجرة وبين مبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة وشهران وثمانية أيام وبين الهجرة وبين وفاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين وأحد عشر شهرا واثنان وعشرون يوما وهي بعد
الهجرة وقد وضع أبو الفدا في المختصر زائجة تتضمن ما بين الهجرة وبين التواريخ
القديمة المشهورة من السنين وذكر ما ذكرنا هنا والله أعلم ذكر اختلاف التواريخ
القديمة
ينبغي لمتأمل التواريخ القديمة أن يعلم أن الاختلاف فيها بين المؤرخين كثير جدا
قال ابن الأثير في ذكر ولادة المسيح عليه السلام أن ولادته كانت بعد خمس وستين سنة
من غلبة الإسكندر عند المجوس
وأما عند النصارى فكانت ولادته بعد ثلاثمائة وثلاث سنين من غلبة الإسكندر وهذا
تفاوت فاحش وكذلك عند أبي معشر وكوشيار وغيرهما
____________________
من المنجمين أن بين الطوفان
وبين الهجرة ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسا وعشرين سنة وهو الثابت في الزيجات مثل
الزيج المأموني وغيره
وأما المحققون من المؤرخين فيقولون أن بين الطوفان وبين الهجرة ثلاثة آلاف
وتسعمائة وأربعا وسبعين سنة فيكون التفاوت بينهما مائتين وتسعا وأربعين سنة
وسبب هذا الاختلاف أن من هبوط آدم عليه السلام إلى وفاة موسى لا يعلم إلا من
التوراة والتوراة مختلفة على ثلاث نسخ كما ستقف على ذلك إن شاء الله تعالى
وأما ما بين وفاة موسى إلى ابتداء ملك بخت نصر فيعلم من المنجمين قال أبو عيسى
ويعلم من قرانات زحل والمشتري في المثلثات وهم أيضا مختلفون في ذلك ويعلم أيضا من
سفر قضاة بني إسرائيل وهو أيضا غير محصل
وأما ما يؤخذ عن المؤرخين قبل الإسلام فهو أيضا مضطرب لأنهم كانوا يؤرخون من
ابتداء ملك كل من يتملك منهم فكثرت ابتداءات تواريخهم
قال حمزة الأصفهاني وفسدت تواريخهم بسبب ذلك فسادا لا مطمع في إصلاحه مع ما انضم
إلى ذلك من بعد العهد وتغير اللغات كقدم الكتب المؤلفة في هذا الفن فصار تحقيق
التواريخ القديمة بسبب ذلك متعذرا أو في غاية التعسر ذكر نسخ التوراة التي عليها
مدار التواريخ القديمة
وهي ثلاث الأولى السامرية وهي تنبئ أن من هبوط آدم إلى الطوفان ألفا وثلاثمائة
وسبع سنين وكان الطوفان ستمائة سنة خلت من عمر نوح وعاش آدم تسعمائة وثلاثين سنة
باتفاق فيكون نوح على حكم هذه التوراة قد أدرك من عمر آدم فوق مائتي سنة فنوح قد
أدرك جميع
____________________
آبائه إلى آدم وهذا غاية
المنكر وتنبئ هذه النسخة أن من انقضاء الطوفان إلى ولادة إبراهيم الخليل عليه
السلام تسعمائة وسبعا وثلاثين سنة وأن من ولادة إبراهيم إلى ولادة موسى خمسمائة
وخمسا وأربعين سنة فمن آدم إلى وفاة موسى حينئذ ألفان وسبعمائة وتسع وثمانون سنة
وأما ما بين وفاة موسى وبين الهجرة ففيه مذهبان أحدهما اختيار المؤرخين والآخر
اختيار المنجمين فإذا ضممنا إلى ذلك ما بين وفاة موسى والهجرة كان بين هبوط آدم
وبين الهجرة على حكم اختيار المؤرخين وحكم توراة السمرة خمسة آلاف ومائة وسبع
وثلاثون سنة وأما على اختيار المنجمين فتنقص عن هذه الجملة مائتين وتسعا وأربعين
سنة فقد ظهر لك فساد هذه التوراة من كونها تقتضي إدراك نوح آدم وعيشه معه المدة
الطويلة
الثانية العبرانية وهي أيضا فاسدة وذلك أنها تنبئ أن ما بين هبوط آدم وبين الطوفان
ألف وخمسمائة وست وخمسون سنة وبين الطوفان وبين ولادة إبراهيم مائتان واثنتان وتسعون
سنة وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة باتفاق فالتوراة العبرانية تنبئ أن
نوحا أدرك من عمر إبراهيم الخليل ثمانيا وخمسين سنة وهذا أيضا غاية المنكر فإن
نوحا لم يدرك إبراهيم أصلا ولا يجوز ذلك لأن قوم هود أمة نجمت بعد قوم نوح وأمة
صالح نجمت بعد أمة هود وإبراهيم وأمته بعد أمة صالح ومما يدل على ذلك قوله تعالى
مخبرا عن هود فيما يعظ به قومه وهم قوم عاد { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم
نوح وزادكم في الخلق بسطة } وكذلك أخبر الله تعالى عن صالح فيما يعظ به قومه وهم
ثمود { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا
وتنحتون الجبال بيوتا } فقد ظهر فساد هذه التوراة العبرانية بذلك وهي التوراة التي
بيد اليهود إلى زماننا هذا وعليها اعتمادهم
____________________
ولنستوف ما تنبي به من جملة
سني العالم قد تقدم أنها تنبي أن بين هبوط آدم وبين الطوفان ألفا وخمسمائة وستا
وخمسين سنة وبين الطوفان وبين ولادة إبراهيم مائتين واثنتين وتسعين سنة وبين ولادة
إبراهيم وبين وفاة موسى خمسمائة وخمسا وأربعين سنة باتفاق وما بين وفاة موسى وبين
الهجرة فيه المذهبان المذكوران فعلى اختيار المؤرخين ومقتضى العبرانية يكون بين
آدم وبين الهجرة أربعة آلاف وسبعمائة وإحدى وأربعون سنة وأما على إختيار المنجمين
فتنقص من هذه الجملة مائتين وتسعا وأربعين سنة فيكون من آدم إلى الهجرة على ذلك
أربعة آلاف وأربع مائة واثنتان وتسعون سنة وجملة سني هذه التوراة تنقص عن التوراة
اليونانية وهي التي عليها العمل ألفا وأربعمائة وخمسأ وسبعين سنة وهذه الجملة هي
القدر الذي نقصه اليهود من الماضي من سني العالم فنقصوا من قبل الطوفان ستمائة
وستا وثمانين سنة ومن بعد الطوفان سبعمائة وتسعا وثمانين سنة الجملة ألف وأربعمائة
وخمس وسبعون سنة وصورة ما اعتمده اليهود في ذلك أنهم نقلوا من عمر كل واحد من آدم
وبنيه مائة سنة من قبل ميلاد ابنه إلى بعد الميلاد فلم تتغير جملة عمر ذلك الشخص
ونقصت مدة الزمان فإن آدم لما صار له مائتان وثلاثون سنة ولد له شيث وعاش آدم
تسعمائة وثلاثين سنة باتفاق فأخذ اليهود مائة سنة من عمر آدم قبل أن يولد له شيث
جعلوها بعد مولد شيث فلم تتغير جملة عمر آدم وجعلوه أنه ولد شيث لمضي مائة وثلاثين
سنة من عمره وكذلك اعتمدوا في كل من بعده فنقص من سني العالم القدر المذكور قالوا
والذي دعا اليهود إلى ذلك أن التوراة وغيرها من كتب بني إسرائيل بشرت بالمسيح وأنه
يجيء في أوآخر الزمان وكان مجيء المسيح في الألف السادس في توسط الزمان لا في
أوآخر بناء على أن عمر الزمان جميعه سبعة آلاف سنة
والثالثة التوراة اليونانية وهي التي اختارها المحققون من المؤرخين وليس فيها ما
يقتضي الإنكار من جهة الماضي من عمر الزمان وهي توراة نقلها اثنان وسبعون حبرا قبل
ولادة المسيح بقريب ثلاثمائة سنة لبطليموس اليوناني الذي كان بعد الإسكندر ولذلك
اعتمدنا على هذه
____________________
التوراة دون غيرها والذي تنبي
به هذه التوراة أن ما بين هبوط آدم والطوفان ألفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة
وما بين الطوفان وكان ستمائة سنة مضت من عمر نوح وبين مولد إبراهيم الخليل ألف
وإحدى وثمانون سنة وبين ومولد إبراهيم ووفاة موسى خمسمائة وخمس وأربعون باتفاق في
نسخ التوراة جميعها وبين وفاة موسى وبين ابتداء ملك بخت نصر فيه خلاف بين المنجمين
والمؤرخين والذي اختاره المؤرخون أن بين وفاة موسى وبين ابتداء ملك بخت نصر
تسعمائة وثمانيا وسبعين سنة ومائتين وثمانية وأربعين يوما وأما ما بين ابتداء ملك
بخت نصر وبين الهجرة فهو ألف وثلاث مائة وتسع وستون سنة ومائة وسبعة عشر يوما وليس
فيه خلاف لأن بطليموس أثبته في المجسطي وأرخ به رصده فيكون بين الهجرة وبين هبوط
آدم ستة آلاف سنة ومائتان وست عشرة سنة
وهذا القدر هو المختار وعليه بنى أبو الفدا كتابه المختصر في أحوال البشر
وأما الذي اختاره المنجمون وأثبتوه في الزيجات من المدة بين وفاة موسى وبين بخت
نصر فإنها تنقص عما ذكرناه مائتين وتسعا وأربعين سنة وأقترح أبو الفدا جدولا يتضمن
ما بين التواريخ المشهورة من المدد وقال ينبغي أن تعلم أن المحققين من المنجمين
والمؤرخين قد اختلفوا في المدة التي بين وفاة موسى وابتداء ملك بخت نصر اختلافا
كثيرا فذهب أبو عيسى والمحققون من المؤرخين إلى أن بينهما تسعمائة وثمانيا وسبعين
سنة ومائتين وثمانية وأربعين يوما وهو الذي اخترناه وأثبتناه في جدولنا وجعلنا
الأيام المذكورة على سبيل الجبر سنة فصار المثبوت في الجدول تسعمائة وتسعا وسبعين
سنة وأما أبو معشر وكوشيار وغيرهما من كبار المنجمين فإنهم أثبتوا في الزيجات أن
بين وفاة موسى وابتداء ملك بخت نصر سبعمائة وعشرين سنة وذلك ينقص عما اختاره أبو
عيسى وغيره من المحققين مائتين وتسعا وأربعين سنة وإذا نقص ما بين وفاة موسى وبخت
نصر المدة المذكورة نقص ما بين الطوفان والهجرة
____________________
قطعا فلذلك تجد في الزيج
المأموني وغيره من الزيجات أن بين الطوفان وبين الهجرة ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسا
وعشرين سنة وتجد ما بين الطوفان وبين الهجرة في جدولنا هذا ثلاثة آلاف وتسعمائة
وأربعا وسبعين سنة فيكون ما في الجدول أزيد مما في الزيجات بمائتين وتسع وأربعين
سنة وأما بمقتضى سفر قضاة بني إسرائيل وسفر ملوكهم إذا جمعنا مدد ولايتهم فإن بين
وفاة موسى وبين ملك بخت نصر بمقتضي ذلك اثنتين وخمسين وتسع مائة سنة وأما من بخت
نصر بمقتضي ذلك اثنتين وخمسين وتسع مائة سنة وأما من بخت نصر إلى الهجرة فلم يختلف
فيه لأن بطليموس أثبته في المجسطي وأما تاريخ فيلبس فهو مشهور كما تقجدم فيما سبق
وقد أرخ به بطليموس في المجسطي غالب أرصاده ولكنا تركناه للاختصار لقربه من تاريخ
الإسكندر لأنه متقدم على تاريخ الإسكندر بإثنتي عشرة سنة فإذا زدت على تاريخ
الإسكندر اثنتي عشرة سنة خرج فيلبس وأما أزدشير بن بابك فبين ملكه وبين الإسكندر خمسمائة
واثنتا عشرة سنة تقريبا وبينه وبين الهجرة أربعمائة واثنتان وعشرون سنة انتهى
كلامه
وهذا غاية الجمع والبيان في أحوال التواريخ القديمة للزمان من هبوط آدم عليه
السلام إلى الهجرة النبوية
ولعلك لا تجد أكثر منه وأوضح مجموعا في كتاب بسيط وسفر وسيط ومرقوم محيط وإن وجدت
شيئا من ذلك بعد جهد بالغ وجدت ما ذكرناه في صحف جمة لا في مقالة صغيرة فخذه وكن
من الشاكرين ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أحطت علما بما ذكرنا من تاريخ الهجرة واختلاف التواريخ المتقدمة فاعلم أنه لما
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة حتى مضت سنة عشر
والمحرم من سنة إحدى عشرة ومعظم صفر وأبتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه في
أوآخر صفر قيل لليلتين بقيتا منه وهو في بيت زينب بنت جحش وكان يدور على نسائه حتى
اشتد مرضه وهو في بيت ميمونة بنت الحارث فجمع نساءه واستأذنهن في أن يمرض في بيت
إحداهن فإذن له أن يمرض في بيت عائشة فانتقل إليها وفي أثناء
____________________
مرضه خرج بين الفضل بن العباس
وعلي بن أبي طالب حتى جلس على المنبر فحمد الله ثم قال أيها الناس من كنت جلدت له
ظهرا فهذا ظهري فليستقد مني ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ومن أخذت
له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخشى الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني ثم نزل
وصلى الظهر ثم رجع إلى المنبر فعاد إلى مقامه فادعى عليه رجل ثلاثة دراهم فأعطاه
عوضا ثم قال إلا أن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ثم صلى على أصحاب أحد واستغفر
لهم ثم قال إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو
بكر ثم قال فديناك بأنفسنا ثم أوصى بالأنصار وكان في أيام مرضه يصلي بالناس وإنما
انقطع ثلاثة أيام فلما أذن بالصلاة أول ما انقطع قال مروا أبا بكر فليصل بالناس
وتزايد به مرضه حتى توفي يوم الإثنين ضحوة النهار وقيل نصف النهار لأثنتي عشرة
ليلة خلت من ربيع الأول
فعلى هذه الرواية يكون يوم وفاته موافقا ليوم مولده ولما مات ارتد أكثر العرب إلا
أهل المدينة ومكة والطائف فإنه لم يدخلها ردة وقيل دفن يوم الثلاثاء ثاني يوم موته
وقيل ليلة الأربعاء وهو الأصح وقيل بقي ثلاثا لم يدفن وكان الذي تولى غسله علي بن
أبي طالب والعباس والفضل وقثم ابنا العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكان العباس وابناه يقبلونه واسامة وشقران يصبان الماء وعلي
يغسله وعليه قميصه وهو يقول بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ولم ير منه ما يرى من ميت
وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وبرد حبرة أدرج فيها أدراجا
وصلوا عليه ودفنوه تحت فراشه الذي مات عليه وحفر له أبو طلحة الأنصاري وأنزل في
قبره علي والفضل وقثم
واختلف في مدة عمره صلى الله عليه وسلم فالمشهور أنه ثلاث وستون سنة وقيل خمس
وستون سنة وقبل ستون سنة والمختار أنه بعث لأربعين سنة وأقام بمكة يدعو الإسلام
ثلاث عشرة سنة وكسرا وأقام بالمدينة بعد الهجرة قريب عشر سنين فذلك ثلاث وستون سنة
وكسور وقد رثاه جمع من الصحابة والصحابيات بمراث كثيرة
____________________
وكان بين كتفيه خاتم النبوة وهو بضعة ناشزة حولها شعر مثل بيضة الحمامة تشبه جسده
وقيل كان لونه أحمر قال أبو هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم
يشبع من خبز الشعير وكان يأتي على آل محمد الشهر والشهران لا توقد في بيت من بيوته
نار وكان قوتهم التمر والماء وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع قيل كانت غزواته
تسع عشرة وقيل ستا وعشرين وقيل سبعأ وعشرين غزوة وآخر غزواته غزوة تبوك ووقع
القتال منها في تسع وهي بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخبير والفتح وحنين
والطائف وباقي الغزوات لم يجر فيها القتال وأما السرايا والبعوث فقيل خمس وثلاثون
وقيل ثمان وأربعون ودواوين الإسلام وكتب السنة المطهرة قد اشتملت على تفاصيل
أحواله صلى الله عليه وسلم وما جرياته بما هو معروف عند علماء هذا الشأن وليس هذا
موضع ذكرها وأوصافه أجل من أن تحصر أو تحيطه الدفاتر صلى الله تعالى عليه على
وصحبه وسلم تسليما كثيرا
____________________
ذكر طرف من هيئة الأفلاك
إعلم أن الكواكب أجسام كريات والذي أدرك منها الحكماء بالرصد ألف كوكب وتسعة
وعشرين كوكبا وهي على قسمين سيارة وثابتة فالسيارة سبعة وهي زحل والمشتري والمريخ والشمس
والزهرة وعطارد والقمر وقد نظمها المقريزي في بيت واحد وهو
( زحل شري مريخه من شمسه ** فتزاهرت بعطارد الأقمار )
ويقال لهذه السبعة الخنس وقيل أنها التي عناها الله تعالى بقوله { فلا أقسم بالخنس
الجوار الكنس } والتي عناها الله بقوله { فالمدبرات أمرا } وقيل لها الخنس
لاستقامتها في سيرها ورجوعها وقيل لها الكنس لأنها تجري في البروج ثم تكنس أي
تستتر كما يكنس الظبي وقيل الكنس والخنس منها خمسة وهي ما سوى الشمس والقمر سميت
بذلك من الأنخاس وهو الإنقباض وفي الحديث الشيطان يوسوس للعبد فإذا ذكر الله خنس
أي انقبض ورجع فيكون الخنس على هذا في الكواكب بمعنى الرجوع وسميت بالكنس من قولهم
كنس الظبي إذا دخل الكناس وهو مقره فالكنس على هذا في الكواكب بمعنى اختفائها تحت
ضوء الشمس ويقال لهذه الكواكب المتحيرة لأنها ترجع أحيانا عن سمت مسيرها بالحركة
الشرقية وتتبع الغريبة في رأي العين فيكون هذا الإرتداد لها شبه التحير
____________________
وهذه الأسماء التي لهذه الكواكب يقال أنها مشتقة من صفاتها
فزحل مشتق من زحل فلان إذا أعيا سمي بذلك لبطء سيره ويقال أنه المراد في قوله
تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب }
والمشتري سمي بذلك لحسنه كأنه اشترى الحسن لنفسه وقيل لأنه نجم الشراء والبيع
ودليل الربح والمال في قولهم
والمريخ مأخوذ من المرخ وهو شجر يحتك بعض أغصانه ببعض فيوري نارا سمي بذلك
لإحمراره وقيل المريخ سهم لا ريش له إذا رمي به لا يستوي في ممره وكذا المريخ فيه
التواء كثير في سيره ودلالته بزعمهم تشبه ذلك
والشمس لما كانت واسطة بين ثلاثة كواكب علوية لأنهم من فوقها وثلاثة سفلية لأنهم
من تحتها سميت بذلك لأن الواسطة التي في المخنقة تسمى شمسة
والزهرة من الزاهر وهو الأبيض النير من كل شيء
وعطارد وهو النافذ في كل الأمور ولذلك يقال له أيضا الكاتب فإنه كثير التصرف مع ما
يقارنه ويلابسه من الكواكب
والقمر مأخوذ من القمرة وهي البياض والأقمر الأبيض ويقال لزحل كيوان وللمشتري تبر
والبرجيس أيضا وللمريخ بهرام وللشمس مهر وللزهرة أناهيذ وسدحت أيضا وناهيذ ايضا
ولعطارد هرمس وللقمر ماه وقد جمعها المقريزي في ثاني هذين البيتين
( لا زلت تبقى وترقى للعلى أبدا ** ما دام للسبعة الأفلاك أحكام )
( مهر وماه وكبوان وتبر معا ** وهرمس وأناهيذ وبهرام )
ويقال لما عدا هذه الكواكب السبعة من بقية نجوم السماء الكواكب الثابتة سميت بذلك
لثباتها في الفلك بموضع واحد وقيل لبطء حركتها
____________________
فإنها تقطع الفلك بزعمهم بعد
كل ست وثلاثين ألف سنة شمسية مرة واحدة ولكل كوكب من الكواكب السبعة السيارة فلك
من الأفلاك يخصه والأفلاك أجسام كريات مشفات بعضها في جوف بعض وهي تسعة أقربها
إلينا فلك القمر وبعده فلك عطارد ثم بعده فلك الزهرة وبعده فلك الشمس وفوقه فلك
المريخ ثم فلك المشتري وفوقه فلك زحل ثم فلك الثوابت وفيه كل كوكب يرى في السماء
سوى السبعة السيارة ومن فوق فلك الثوابت الفلك المحيط وهو الفلك التاسع ويسمى
الأطلس وفلك الأفلاك وفلك الكل
وقد اختلفت في الأفلاك فقيل هي السموات وقيل بل السموات غيرها وقيل بل هي كرية
وقيل غير ذلك وقيل الفلك الثامن هو الكرسي والفلك التاسع هو العرش وقيل غير ذلك
وهذا الفلك التاسع دائم الدوران كالدولاب ويدور في كل أربعة وعشرين ساعة مستوية
دورة واحدة ودورانه يكون أبدا من المشرق إلى المغرب ويدور بدورانه جميع الأفلاك
الثمانية وما حوته من الكواكب دورانا حركته قسرية لإدارة التاسع لها وعن حركة
التاسع المذكور يكون الليل والنهار فالنهار مدة بقاء الشمس فوق أفق الأرض والليل
مدة غيبوبة الشمس تحت أفق الأرض وفلك الكواكب الثابتة مقسوم باثني عشر قسما كحجم
البطيخة كل قسم منها يقال له برج وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد
والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وكل برج من هذه البروج
الأثني عشر ينقسم ثلاثين قسما يقال لكل قسم منها درجة وكل درجة من هذه الثلاثين
مقسومة ستين قسما يقال لكل قسم منها دقيقة وكل دقيقة من هذه الستين مقسومة ستين
قسما يقال لكل قسم منها ثانية وهكذا إلى الثوالث والروابع والخوامس إلى الثواني
عشر وما فوقها من الأجزاء وكل ثلاثة بروج تسمى فصلا فالزمان على ذلك أربعة فصول
وهي الربيع والصيف والخريف والشتاء وجهات الأقطار
____________________
أربعة اشرق والغرب والشمال
والجنوب والأركان أربعة النار والهواء والماء والتراب والطبائع أربعة الحرارة
والبرودة والرطوبة واليبوسة والأخلاط أربعة الصفراء والسوداء والبلغم والدم
والرياح أربعة الصبا والدبور والشمال والجنوب فالبروج منها ثلاثة ربيعية صاعدة في
الشمال زائدة النهار عليل وهي الحمل والثور والجوزاء وثلاثة صيفية هابطة في الشمال
آخذة الليل من النهار وهي السرطان والأسد والسنبلة وثلاثة خريفية هابطة في جنوب
زائدة الليل على النهار وهي الميزان والعقرب والقوس وثلاثة شتوية صاعدة في الجنوب آخذة
النهار من الليل وهي الجدي والدلو والحوت والفلك المحيط كما تقدم يدور أبدا من
المشرق إلى المغرب فوق الأرض ومن المغرب إلى المشرق تحتها فيكون دائما نصف الفلك
وهو ستة بروج بمائة وثمانين درجة فوق الأرض ونصفة الآخر وهو ستة بروج بمائة
وثمانين درجة تحت الأرض وكلما طلعت من أفق المشرق درجة من درجات الفلك التي عدتها
ثلاثمائة وستون درجة غرب نظيرها في أفق المغرب من البرج السابع فلا يزال دائما ستة
بروج طلوعها بالنهار وستة بروج طلوعها بالليل والأفق عبارة عن الحد الفاصل من
الأرض بين المرئي والخفي من السماء والفلك يدور على قطبين شمالي وجنوبي كما يدور
الحق على قطبي المخروطة
ويقسم الفلك خط من دائرة تقسمه نصفين متساويين بعدهما من كلا القطبين سواء وتسمى
هذه الدائرة دائرة معدل النهار فهي تقاطع فلك البروج ودائرة فلك البروج تقاطع
دائرة معدل النهار ويميل نصفها إلى الجانب الشمالي بقدر أربع وعشرين درجة تقريبا
وهذا النصف فيه قسمة البروج الستة الشمالية وهي من أول الحمل إلى آخر السنبلة
ويميل نصفها الثاني عنها إلى الجنوب بمثل ذلك وفيه قسمة البروج الستة الجنوبية وهي
من أول برج الميزان إلى آخر برج الحوت
وموضع تقاطعين هاتين الدرجتين أعني دائرة معدل النهار ودائرة فلك
____________________
البروج من الجانبين هما نقطتا
الاعتدالين أعني رأس الحمل ورأس الميزان ومدار الشمس والقمر وسائر النجوم على
محاذاة دائرة فلك البروج دون دائرة معدل النهار
وتمر الشمس على دائرة معدل النهار عند حلولها بنقطتي الاعتدالين فقط لأنها موضع
تقاطع الدائرتين وهذا هو خط الاستواء الذي لا يختلف فيه الزمان بزيادة الليل على
النهار ولا النهار على الليل لأن ميل الشمس عنه إلى كلا الجانبين الشمالي والجنوبي
سواء فالشمس تدور الفلك وتقطع الاثني عشر برجا في مدة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما
وربع يوم بالتقريب وهذه هي مدة السنة الشمسية وتقيم في كل برج ثلاثين يوما وكسرا
من يوم وتكون أبدا بالنهار ظاهرة فوق الأرض وبالليل بخلاف ذلك وإذا حلت في البروج
الستة الشمالية التي هي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة فإنها
تكون مرتفعة في الهواء قريبة من سمت رؤوسنا وذلك من فصل الربيع وفصل الصيف وإذا
حلت في البروج الجنوبية وهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت كان فصل
الخريف وفصل الشتاء وانحطت الشمس وبعدت عن ست الرؤوس
وزعم وهب بن منبه أن أول ما خلق الله تعالى من الأزمنة الأربعة الشتاء فجعله باردا
رطبا وخلق الربيع فجعله حارا رطبا وخلق الصيف فجعله حارا يابسا وخلق الخريف فجعله
باردا يابسا
وأول الفصول عند أهل زماننا الربيع ويكون فصل الربيع عندما تنتقل الشمس من برج
الحوت وقد اختلف القدماء في البداية من الفصول فمنهم من اختار فصل الربيع وخيره أول
السنة ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي ومنهم من اختار تقديم الاعتدال
الخريفي ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الشتوي فإذا حلت أول جزء من برج الحمل
استوى الليل والنهار واعتدل الزمان وانصرف الشتاء ودخل الربيع وطاب الهواء وهب
النسيم وذاب الثلج وسالت الأودية ومدت الأنهار فيما عدا مصر ونبت العشب وطال الزرع
ونما الحشيش وتلألأ الزهر وأورق الشجر
____________________
وتفتح النور واخضر وجه الأرض
ونتجت البهائم ودرت الضروع وأخرجت الأرض زخرفها وأزينت وصارت كصبية شابة قد تزينت
للناظرين ولله در الحافظ جمال الدين يوسف بن أحمد اليعمري رحمه الله حيث يقول
( واستنشقوا لهوا الربيع فإنه ** نعم النسيم وعنده ألطاف )
( يغذي الجسوم نسيمه وكأنه ** روح حواها جوهر شفاف )
وقال ابن قتيبة ومن ذلك الربيع يذهب الناس إلى أنه الفصل الذي يتبع الشتاء ويأتي
فيه النور والورد ولا يعرفون الربيع غيره والعرب تختلف في ذلك فمنهم من يجعل
الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف وفصل الشتاء بعد ثم فصل الصيف بعد
الشتاء وهو الوقت الذي تدعوه العامة الربيع ثم فصل القيظ وهو الذي تدعوه العامة
الصيف ومن العرب من يسمي الفصل الذي يعتدل وتدرك فيه الثمار وهو الخريف الربيع
الأول ويسمي الفصل الذي يتلوه الشتاء ويأتي فيه الكمام والنور الربيع الثاني وكلهم
مجمعون على أن الربيع هو الخريف فإذا حلت الشمس آخر برج الجوزاء وأول برج السرطان
تناهى طول النهار وقصر الليل وابتدأ وزيادة الليل وانصرم فصل الربيع ودخل فصل الصيف
واشتد الحر وحمي الهواء وهبت السمائم ونقصت المياه إلا بمصر ويبس العشب واستحكم
الحب وأدرك حصاد الغلال ونضجت الثمار وسمنت البهائم واشتدت قوة الأبدان ودرت أخلاف
النعم وصارت الأرض كأنها عروس فإذا بلغت آخر برج السنبلة وأول برج الميزان تساوى
الليل والنهار مرة ثانية وأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان وانصرم فصل
الصيف ودخل فصل الخريف فبرد الهواء وهبت الرياح وتغير الزمان وجفت الأنهار وغارت
العيون واصفر ورق الشجر وصرمت الثمار ودرست البيادر واختزن الحب واقتنى العشب
واغبر وجه الأرض إلا بمصر وهزلت البهائم وماتت الهوام وانجحرت الحشرات وانصرف
الطير والوحش يريد البلاد الدافئة وأخذ الناس يخزنون القوت للشتاء وصارت الدنيا
كأنها امرأة كهلة قد أدبرت وأخذ شبابها
____________________
يولي ولله در الإمام أبو
الحسن أحمد بن علي الأزدي المهلبي حيث يقول
( لله فصل الخريف المستلذ به ** برد الهواء لقد أبدى لنا عجبا )
( أهدى إلى الأرض من أوراقه ذهبا ** والأرض من شأنها أن تهدي الذهبا )
وقال أيضا
( لله فصل الخريف فصلا ** رقت حواشيه فهو رائق )
( فالماء يجري من قلب سال ** والدمع يبدو بوجه عاشق )
( فبرد هذا ولون هذا ** يلذه ذائق ووامق )
وقال أيضا
( أتى فصل الخريف بكل طيب ** وحسن معجب قلبا وعينا )
( أرانا الدوح مصفرا نضارا ** وصافي الماء مبيضا لجينا )
( فاحسن كل إحسان إلينا ** وأنعم كل إنعام علينا )
وقال آخر يذم الخريف
( خذ في التدثر في الخريف فإنه ** مستوبل ونسيمه خطاف )
( يجري مع الأجسام جري حياتها ** كصديقها ومن الصديق يخاف )
وقال آخر
( يا عائبا فصل الخريف وغائبا ** عن فضله في ذمه لزمانه )
( لا شيء ألطف منه عندي موقعا ** أبدا يعري الغصن من قمصانه )
( وتراه يفرش تحته أثوابه ** فاعجب لرأفته وفرط خنانه )
( وألذ ساعات الوصال إذا دنا ** وقت الرحيل وحان حين أوانه )
فإذا حلت الشمس آخر برج القوس وأول برج الجدي تناهى طول الليل وقصر النهار وأخذ
النهار في الزيادة والنهار في النقصان وانصرم فصل الخريف وحل فصل الشتاء واشتد
البرد وخشن الهواء وتساقط ورق الشجر ومات أكثر النبات وغارت الحيوانات في جوف
الأرض
____________________
وضعف قوى الأبدان وعري وجه
الأرض من الزينة ونشأت الغيوم وكثرت الأنداء وأظلم الجو وكلح وجه الأرض إلا بمصر
وامتنع الناس من التصرف وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة قد دنا منها الموت فإذا بلغت
آخر برج الحوت وأول برج الحمل عاد الزمان كما كان عام أول وهذا دأبه ذلك تقدير
العزيز العليم وتدبير الخبير الحكيم لا إله إلا هو
وقد شبه بطليموس فصل الربيع بزمان الطفولية وفصل الصيف بالشباب والخريف بالكهولة
والشتاء بالشيخوخة وعن حركة الشمس وتنقلها في البروج الاثني عشر المذكورة تكون
أزمان السنة وأوقات اليوم من الليل والنهار وساعاتهما وعن حركة القمر في البروج
الاثني عشر تكون الشهور القمرية والسنة القمرية فالقمر يدور البروج الاثني عشر
ويقطع الفلك كله في مدة ثمانية وعشرون يوما وبعض يوم ويقيم في كل برج يومين وثلث
يوم بالتقريب ويقيم في كل منزلة من منازل القمر الثمانية والعشرين منزلة يوما
وليلة فيظهر عند إهلاله من ناحية الغرب بعد غروب جرم الشمس ويزيد نوره في كل ليلة
قدر نصف سبع حتى يكمل نوره ويمتلئ في ليلة الرابع عشر من إهلاله ثم يأخذ من الليلة
الخامسة عشرة في النقصان فينقص من نوره في كل ليلة نصف سبع كما بدأ إلى أن يمحق
نوره في آخر الثمانية وعشرين يوما من إهلاله ويمر في هذه المدة منذ يفارق الشمس
ويبدو في ناحية الغرب ويسير إلى أن يجامعها بثمانية وعشرين منزلة وهي السرطان
والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة
والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانان والاكليل والقلب والشولة والنعائم
والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية والفرع المقدم والفرع
المؤخر وبطن الحوت ولحساب ذلك كتب موضوعة وفيما ذكرنا كفاية والله يعلم وأنتم لا
تعلمون
____________________
ذكر محاسن الفصول الأربعة
للسنة على لسان الأدب
من كتاب نسيم الصبا للشيخ شمس الدين بن حبيب رحمه الله قال حضر فصول العام مجلس
الأدب في يوم بلغ فيه الأريب نهاية الأرب بمشهد من ذوي البلاغة ومنتهى صناعة
الصاغة فقام كل منهم يعرب عن نفسه ويفتخر على أبناء جنسه
فقال الربيع أنا شباب الزمان وروح الحيوان وإنسان عين الإنسان أنا حياة النفوس
وزينة عروس الغروس ونزهة الأبصار ومنطق الأطيار عرف أوقاتي ناسم وأيامي أعياد
ومواسم فيها يظهر النبات وتنشر الأموات وترد الودائع وتتحرك الطبائع ويمرح جنيب
الجنوب ويبرح وجيب القلوب وتفيض عيون الأنهار ويعتدل الليل والنهار كم لي من عقد
منظوم وطراز وشي مرقوم وحلة فاخرة وحلية ظاهرة ونجم سعد يدني راعيه من الأمل وشمس
حسن بأبعد ما بين برج الجدي والحمل عساكري منصورة وأسلحتي مشهورة فمن سيف غصن
مجوهر ودرع بنفسج مشهر ومغفر شفيق أحمر وترس بهار يبهر وسهم آس يرشق فينشق ورمح
سوسن سنانه أزرق تحرسها آيات وتكنفها ألوية ورايات بي تحمر من الورد خدوده وتهتز
من البان قدوده ويخضر عذار الريحان وينتبه من النرجس طرفه الوسنان وتخرج الخفايا
من الزوايا ويفتر ثغر الأقحوان قائلا أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
( إن هذا الربيع شيء عجيب ** تضحك الأرض من بكاء السماء )
____________________
( ذهب حيثما ذهبنا ودر ** حيث درنا وفضة في الفضاء )
وقال الصيف أنا الخل الموافق والصديق الصادق والطيب الحاذق أجتهد في مصلحة الأصحاب
وأرفع عنهم كلفة حمل الثياب وأخفف أثقالهم وأوفر أموالهم وأكفيهم المؤونة واجزل
لهم المعونة وأغنيهم من شراء الفرا وأحقق عندهم أن كل الصيد في جوف الفرا نصرت
بالصبا وأوتيت الحكمة في زمن الصبى بي تتضح الجادة وتنضج من الفواكه المادة ويزهو
البسر والرطب وينصلح مزاج العنب ويقوى قلب اللوز ويلين عطف التين والموز وينعقد حب
الرمان فيقمع الصفراء ويسكن الخفقان وتخضب وجنات التفاح ويذهب عرف السفرجل مع هبوب
الرياح وتسود عيون الزيتون وتتخلق تيجان النارنج والليمون مواعيدي منقودة وموائدي
ممدودة الخير موجود في مقامي والرزق مقسوم في أيامي والفقر ينصاع على مده وصاعه
ويالغنى يرتع في ملكه وإقطاعه والوحش تأتي زرافات ووحدانا والطير تغدو خماصا وتعود
بطانا
( مصيف له ظل مديد على الورى ** فكم قد حلا طعما وحليل أخلاطا )
( يعالج أنواع الفواكه مبديا ** لصحتها حفظا ويعجز بقراطا )
وقال الخريف أنا سائق الغيوم وكاسر جيش الغموم وهازم أحزاب السموم وحادي نجائب
السحائب وحاسر نقاب المناقب أنا أصد الصدى وأجود بالندى وأظهر كل معنى جلى وأسمو
بالوسمى والولى في أيامي تقطف الثمار وتصفو الأنهار من الأكدار ويترقرق دمع العيون
ويتلون ورق الغصون طورا يحاكي البقم وتارة يشبه الأرقم وحينا يبدو في حلته الذهبية
فيجذب إلى جانبه القلوب الأبية وفيها يكفي الناس هم الهوام ويتساوى في لذة الماء
الخاص والعام وتقدم الأطيار مطربة بنشيشها رافلة في الملابس الجديدة من ريشها
وتعصر بنت العنقود وتوثق في سجن الدن بالقيود على أنها لم تجترح إثما ولم تعاقب
إلا عدوانا وظلما بي تطيب الأوقات وتحصل اللذات وترق النسمات وترمى حصى الجمرات
وتسكن
____________________
حرارة القلوب وتكثر أنواع
المطعوم والمشروب كم لي من شجرة أكلها دائم وحملها للنفع المتعدي لازم وورقها على
الدوام غير ذابل وقدود أغصانها تخجل كل رمح ذابل
( إن فصل الخريف وافي إلينا ** يتهادى في حلية كالعروس )
( غيره كان للعيون ربيعا ** وهو ما بيننا ربيع النفوس )
وقال الشتاء أنا شيخ الجماعة ورب البضاعة والمقابل بالسمع والطاعة أجمع شمل
الأصحاب وأسدل عليهم الحجاب وأتحفهم بالطعام والشراب ومن ليس له بي طاقة أغلقت من
اجله الباب أميل إلى المطيع القادر المستطيع المعتضد بالبرود والفرا والمستمسك من
الدثار بأوثق العرى المرتقب قدومي وموافاتي المتأهب للسبعة المشهورة من كافاتي ومن
يعش عن ذكري ولم يتمثل أمري أرجفته بصوت الرعد وأنجزت له من سيف البرق صادق الوعد
وسرت إليه بعساكر السحاب ولم أقنع بالغنيمة بالإياب معروفي معروف ونيل نيلي موصوف
وثمار إحساني دانية القطوف كم لي من وابل طويل المدى وجود وافر الجدا وقطر حلا
مذاقه وغيث قيد العفاة إطلاقه وديمة تطرب السمع بصوتها وحيا يحي الأرض بعد موتها
أيامي وجيزة وأوقاتي عزيزة ومجالسي معمورة بذوي السيادة مغمورة بالخير والمبر والسعادة
نقلها يأتي من أنواعه بالعجب ومناقلها تسمح بذهب اللهب وراحها تنعش الأرواح
وسقاتها يجفونهم السقيمة تفتن العقول الصحاح إن زرتها وجدت مالا ممدودا وإن زرتها
شاهدت لها بنين شهودا
( وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا ** عادت عليك من العقيق عقودا )
( يا صاحب العودين لا تهملهما ** حرك لنا عودا واحرق عودا )
فلما نظم كل منهم سلك مقال وفرغ من الكلام على شرح حاله أخذ الجماعة من الطرب ما
يأخذ أهل السكر وتجاذبوا أطراف مطارف الثناء والشكر وظهرت أسرار السرور وانشرحت
صدور الصدور وهبت قبول الاقبال وأنشد لسان الحال
____________________
وماذا يعيب المرء في مدح نفسه إذا لم يكن في قوله بكذوب ثم انفض المجلس وحل النطاق
وتفرق شمل أهله وآخر الصحبة الفراق قال بعضهم الربيع مفضل على سائر الفصول بحسن
آثاره ورياحينه وأزهاره قال بقراط الحكيم من لم يبتهج بالربيع وأزهاره ولم يستمتع
ببرد نسيمه وأمطاره فهو فاسد المزاج محتاج إلى العلاج وقال بعض البلغاء الربيع
جميل الوجه ضاحك السن رشيق القد حلو الشمائل عطر الرائحة كريم الخلق وقال ظريف
الربيع شباب الزمان ونسيمه غذاء النفوس ومنظره جلاء العيون ومن لطائف الصنوبري في
تفضيل الربيع على سائر الفصول قوله
( إن كان في الصيف أثمار وفاكهة ** فالأرض مستوقد والجو تنور )
( وإن يكن في الخريف النخل مخترفا ** فالأرض مسجورة والماء مأسور )
( وإن يكن في الشتاء الغيم متصلا ** فالأرض عريانة والأفق مقرور )
( ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا ** أتى الربيع أتاك النور والنور )
( فالأرض ياقوتة والجو لؤلؤة ** والنبت فيروزج والماء بلور )
( تبارك الله ما أحلى الربيع فلا يقل ** تغرر فقائسه بالصيف مغرور )
( من شم ريح تحيات الربيع يقل ** لا المسك مسك ولا الكافور كافور ) ذكر علم الهيئة
وهو علم ينظر به في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيرة ويستدل بكيفيات تلك
الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت الأرض عنها هذه الحركات المحسوسة بطرق
هندسية كما يبرهن على أن مركز الأرض مبائن لمركز فلك الشمس بوجود حركة الإقبال
والإدبار وكما يستدل بالرجوع والإستقامة للكواكب على وجود أفلاك صغيرة حاملة لها
متحركة داخل فلكها الأعظم وكما يبرهن على وجود الفلك الثامن بحركة الكواكب الثابتة
وكما يبرهن على تعدد الأفلاك للكوكب الواحد بتعدد المبول له وأمثال ذلك وإدراك
الموجود من الحركات وكيفياتها وأجناسها وإنما هو بالرصد فإنما علمنا حركة الإقبال
والإدبار به
____________________
وكذا تركيب الأفلاك في
طباقتها وكذا الرجوع والإستقامة وأمثال ذلك وكان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيرا
ويتخذون له الآلات التي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعين وكانت تسمى عندهم ذات
الحلق وصناعة عملها والبراهين عليه ومطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس
وأما في الإسلام فلم تقع به عناية إلا في القليل وكان في أيام المأمون شيء منه وضع
الآلة المعروفة للرصد المسماة ذات الحلق وشرع في ذلك فلم يتم ولما مات ذهب رسمه
وأغفل واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنية لاختلاف الحركات باتصال
الأحقاب وأن مطابقة حركة الآلة في الرصد بحركة الأفلاك والكواكب إنما هو بالتقريب
ولا يعطى التحقيق فإذا طال الزمان ظهر تفاوت ذلك بالتقريب وهذه الهيئة صناعة شريفة
وليست على ما يفهم في المشهور أنها تعطي صورة السموات وترتيب الأفلاك والكواكب
بالحقيقة بل إنما تعطي أن هذه الصور والهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات وأنت
تعلم أنه لا يبعد أن يكون الشيء الواحد لازما لمختلفين وإن قلنا أن الحركات لازمة
فهو استدلال باللازم على وجود الملزوم ولا ايعطى الحقيقة بوجه على أنه علم جليل
وهو أحد أركان التعاليم
ومن أحسن التآليف فيه كتاب المجسطي منسوب لبطليموس وليس من ملوك اليونان الذين
أسماؤهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب وقد اختصره الأئمة من حكماء الإسلام كما
فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم الشفاء ولخصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وابن
السمح وابن الصلت في كتاب الإقتصار
ولإبن الفرغاني هيئة ملخصة قربها وحذف براهينها الهندسية والله علم الإنسان ما لم
يعلم سبحانه لا إله إلا هو رب العالمين
ومن فروعه علم الأزياج وهي صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من
طريق حركته وما أدى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة وبطء واستقامة ورجوع وغير
ذلك يعرف به مواضع
____________________
الكواكب في أفلاكها لأي وقت
فرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة ولهذه الصناعة
قوانين كالمقدمات والأصول لها في معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية وأصول
متقررة من معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض
يضعونها في جداول مرتبة تسهيلا على المتعلمين وتسمى الأزياج ويسمى استخراج مواضع
الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلا وتقويما وللناس فيه تآليف كثيرة
للمتقدمين والمتأخرين مثل البناني وابن الكماد وقد عول المتأخرون لهذا العهد
بالمغرب على زيج منسوب لابن إسحاق من منجمي تونس في أول المائة السابعة ويزعمون أن
ابن إسحاق عول فيه على الرصد وأن يهودا كان بصقلية ماهرا في الهيئة والتعاليم وكان
قد عنى بالرصد وكان يبعث إليه بما يقع في ذلك من أحول الكواكب وحركاتها فكان أهل
المغرب لذلك عنوا به لوثائق مبناه على ما يزعمون ولخصه ابن البناء في آخر سماه
المنهاج فولع به الناس لما سهل من الأعمال فيه وإنما يحتاج إلى مواضع الكواكب من
الفلك لتبتني عليها الأحكام النجومية وهو معرفة الآثار التي تتحدث عنها بأوضاعها
في عالم الإنسان من الملك والدول والمواليد البشرية كما بينه ابن خلدون وأوضح فيه
أدلتهم والله الموفق لما يحبه ويرضاه ولا معبود سواه
____________________
ذكر صورة الأرض وموضع
الأقاليم منها
لما تقدم في الأفلاك من القول ما تبين به لمن ألهمه الله تعالى كيف تكون الحركة
التي بها الليل والنهار وتركب الشهور والأعوام منها جاز حينئذ الكلام على الأرض
فأقول الجهات من حيث هي ست الشرق وهو حيث تطلع الشمس والقمر وسائر الكواكب في كل
قطر من الأرض والغرب وهو حيث تغرب والشمال وهو حيث مدار الجدي والفرقدين والجنوب
وهو حيث مدار سهيل والفوق وهو مما يلي السماء والتحت وهو مما يلي مركز الأرض
والأرض جسم مستدير كالكرة وقيل ليست بكروية الشكل وهي واقفة في الهواء بجميع
جبالها وبحارها وعامرها وغامرها والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمح في جوف
البيضة وبعدها من السماء متساو من جميع الجهات وأسفل الأرض ما تحقيقه هو عمق
باطنها مما يلي مركزها من أي جانب كان
ذهب الجمهور إلى أن الأرض كالكرة الموضوعة في جوف الفلك كالمح في البيضة وأنها في
الوسط وبعدها في الفلك من جميع الجهات على التساوي
وزعم هشام بن الحكم أن تحت الأرض جسما من شأنه الإرتفاع وهو المانع للأرض من
الإنحدار وهو ليس محتاجا إلى ما بعده لأنه ليس يطلب الإنحدار بل الإرتفاع وقال أن
الله تعالى وقفها بلا عماد
وقال ديمقراطس أنها تقوم على الماء وقد حصر الماء تحتها حتى لا يجد مخرجا فيضطر
إلى الإنتقال
____________________
وقال آخر هي واقفة على الوسط مقدار واحد من كل جانب والفلك بجذبها من كل وجه فلذلك
لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية لأن قوة الأجزاء متكافئة وذلك كحجر
المغناطيس في جذبه الحديد فإن الفلك بالطبع مغناطيس الأرض فهو يجذبها فهي واقفة في
الوسط وسبب وقوفها بالوسط سرعة تدبير الفلك ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط كما
إذا وضعت ترابا في قارورة وأدرتها بقوة فإن التراب يقوم في الوسط
وقال محمد بن أحمد الخوارزمي في وسط السماء والوسط هو السفلي بالحقيقة وهي مدورة
مضرسة من جهة الجبال البارزة والوهاد الغائرة وذلك لا يخرجها عن الكرية إذا اعتبرت
جملتها لأن مقادير الجبال وإن شمخت يسيرة بالقياس إلى كرة الأرض فإن الكرة التي
قطرها ذراع أو ذراعان مثلا إذا نتأ منها شيء أو غار فيها لا يخرجها عن الكرية ولا
هذه التضاريس لإحاطة الماء بها من جميع جوانبها وغمرها بحيث لا يظهر منها شيء
فحينئذ تبطل الحكمة المؤدية المودعة في المعادن والنبات والحيوان فسبحان من لا
يعلم أسرار حكمه إلا هو
وأما سطحها الظاهر المماس للهواء من جميع الجهات فإنه فوق والهواء فوق الأرض يحيط
بها ويجذبها من سائر الجهات وفوق الهواء الأفلاك المذكورة فيما تقدم واحدا فوق آخر
إلى الفلك التاسع الذي هو أعلى الأفلاك ونهاية المخلوقات بأسرها
وقد اختلف فيما وراء ذلك فقيل خلاء وقيل ملاء وقيل لا خلاء ولا ملاء وكل موضع يقف
فيه الإنسان من سطح الأرض فإن رأسه أبدا يكون مما يلي السماء إلى فوق ورجلاه أبدا
تكون أسفل مما يلي مركز الأرض وهو دائما يرى من السماء نصفها ويستر عنه النصف الآخر
حدبة الأرض وكلما انتقل من موضع إلى آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي عنه
والأرض غامرة بالماء كعنبة طافية فوق الماء فانحسر الماء عن بعض جوانبها لما أراد
الله من تكوين الحيوانات وعمرانها بالنوع البشري الذي له الخلافة على سائرها وقد
يتوهم من ذلك أن الماء تحت الأرض وليس
____________________
بصحيح وإنما التحت الطبيعي
قلب الأرض ووسط كرتها الذي هو مركزها والكل يطلبه بما فيه من الثقل وما عدا ذلك من
جوانبها
وأما الماء المحيط بها فوق الأرض وإن قيل في شيء منها أنه تحت الأرض فبالإضافة إلى
جهة أخرى منه
وأما التي قد انحسر الماء عنها نحو النصف من سطح كرتها في شكل دائرة أحاط العنصر
المائي من جميع جهاتها بحرا يسمى البحر المحيط ويسمى أيضا لبلابة بتفخيم اللام
الثانية ويسمى أوقيانوس أسماء عجمية ويقال له البحر الأخضر
ثم إن هذا المنكشف من الأرض للعمران فيه القفار والخلاء أكثر من عمرانه والخالي من
جهة الجنوب منه أكثر من جهة الشمال وإنما المعمور منه قطعة أميل إلى الجانب
الشمالي على شكل مسطح كري ينتهي من جهة الجنوب إلى خط الإستواء ومن جهة الشمال إلى
خط كري ووراءه الجبال الفاصلة بينه وبين الماء العنصري الذي بينهما سد يأجوج ومأجوج
وهذه الجبال مائلة إلى جهة المشرق وينتهي من المشرق والمغرب إلى عنصر الماء أيضا
بقطعتين من الدائرة المحيطة وهذا المنكشف من الأرض قالوا هو مقدار النصف من الكرة
أو أقل والمعمور منه مقدار ربعه وهو المنقسم بالأقاليم السبعة وانغمر النصف الآخر
في الأرض وصار المنكشف من الأرض نصفين كأنما قسم بخط مسامت لخط معدل النهار يمر
تحت دائرته وجميع البلاد التي على هذا الخط لا عرض لها البتة والقطبان غير مرئيين
فيها ويكونان هناك على دائرة الأفق من الجانبين وكلما بعد موضع بلد عن هذا الخط
إلى ناحية الشمال قدر درجة ارتفع القطب الشمالي الذي هو الجدي على أهل ذلك البلد
درجة وانخفض القطب الجنوبي الذي هو سهيل درجة وهكذا ما زاد ويكون الأمر فيما بعد
من البلاد الواقعة في ناحية الجنوب كذلك من ارتفاع القطب الجنوبي وانحطاط القطب
الشمالي
____________________
وبهذا عرف عرض البلدان وصار عرض البلد عبارة عن ميل دائرة معدل النهار عن سمت رؤوس
أهله وارتفاع القطب عليهم وهو أيضا بعد ما بين سمت رؤوس أهل ذلك البلد وسمت رؤوس
أهل بلد لا عرض له فأما ما انكشف من الأرض مما يلي الجنوب من خط الاستواء فهو
الربع العامر وهو المسكون من الأرض وخط الاستواء لا وجود له في الخارج وإنما هو
فرض يوهمنا أنه خط ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس الحمل وسمي بذلك من
أجل أن النهار والليل هناك أبدا سواء لا يزيد ولا ينقص أحدهما عن الآخر شيئا البتة
في سائر أوقات السنة كلها ونقطتا هذا الخط ملازمتان للأفق إحداها على مدار سهيل في
ناحية الجنوب والأخرى مما يلي الجدي في ناحية الشمال وخط الاستواء يقسم الأرض
نصفين من المغرب إلى المشرق وهو طول الأرض وأكبر خط في كرتها كما أن منطقة فلك
البروج ودائرة معدل النهار أكبر خط في الفلك ومنطقة البروج منقسمة ثلاثمائة وستين
درجة والدرجة من مسافة الأرض خمسة وعشرون فرسخا والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع في
ثلاثة أميال لأن الميل أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا والإصبع ست
حبات شعير مصفوفة ملصق بعضها إلى بعض ظهرا لبطن وبين دائرة معدل النهار التي تقسم
الفلك نصفين وتسامت خط الاستواء من الأرض وبين كل واحد من القطبين تسعون درجة لكن
العمارة في الجهة الشمالية من خط الاستواء أربع وستون درجة والباقي منها خلاء لا
عمارة فيه لشدة البرد والجمود كما كانت الجهة الجنوبية خلاء كلها لشدة الحر
والعمارة من المشرق إلى المغرب مائة وثمانون درجة من الجنوب إلى الشمال من خط إريس
إلى بنات نعش ثمان وأربعون درجة وهو مقدار ميل الشمس مرتين وخلف خط إريس وهو مقدار
ست عشر درجة وجملة معمور الأرض نحو من سبعين درجة لاعتدال مسير الشمس في هذا الوسط
ومرورها على ما وراء الحمل والميزان مرتين في السنة وأما الشمال والجنوب فالشمس لا
تحاذيهما إلا مرة واحدة ولأن أوج الشمس
____________________
مرتين في جهة الشمال كانت
العمارة فيه لارتفاعها وانتفاء ضرر قوتها غير ساكنة ولأن حضيضها في الجنوب عدمت
العمارة هنالك
وقد اختلف الناس في مسافة الأرض فقيل مسافتها خمسمائة عام ثلث عمران وثلث خراب
وثلث بحار وقيل المعمور من الأرض مائة وعشرون جزء تسعون ليأجوج ومأجوج واثنا عشر
للسودان وثمانية للروم وثلاثة للعرب وسبعة لسائر الأمم وقيل الدنيا سبعة أجزاء ستة
ليأجوج ومأجوج وواحد لسائر الناس وقيل الأرض خمسمائة عام البحار ثلاثمائة ومائة
خراب ومائة عمران وقيل الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ للسودان اثنا عشر ألفا وللروم
ثمانية آلاف ولفارس ثلاثة آلاف وللعرب ألف
وعن وهب بن منبه ما العمارة من الدنيا في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء وقال
أزدشير بن بابك الأرض أربعة أجزاء جزء منها للترك وجزء للعرب وجزء للفرس وجزء
للسودان وقيل الأقاليم سبعة والأطراف أربعة والنواحي خمس وأربعون والمدائن عشرة
آلاف والرساتيق مائتا ألف وستة وخمسون ألفا وقيل المدن والحصون أحد وعشرون ألفا
وستمائة مدينة وحصن
ففي الإقليم الأول ثلاثة آلاف ومائة مدينة كبيرة
وفي الثاني ألفان وسبعمائة وثلاث عشر مدينة وقرية كبيرة
وفي الثالث ثلاثة آلاف وتسع وسبعون مدينة وقرية
وفي الرابع وهو بابل ألفان وتسعمائة وأربع وسبعون مدينة
وفي الخامس ثلاثة آلاف مدينة وست مدائن
وفي السادس ثلاثة آلاف وأربع مائة وثمانون مدينة
وفي السابع ثلاثة آلاف وثلاثمائة مدينة في الجزائر
وقال الخوارزمي قطر الأرض سبعة آلاف فرسخ وهو نصف سدس الأرض والجبال والمفاوز
والبحار والباقي خراب يباب
____________________
لا نبات فيه ولا حيوان وقيل
المعمور من الأرض مثل طائر رأسه الصين والجناح الأيمن الهند والسند والجناح الأيسر
الخزر وصدره مكة والعراق والشام وذنبه الغرب وقيل قطر الأرض سبعة آلاف وأربعمائة
وأربعة عشر ميلا ودورها عشرون ألف ميل وأربعمائة ميل وذلك جميع ما أحاطت به من بر
وبحر
وقال أبو زيد أحمد بن سهل البلخي طول الأرض من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب نحو
أربعمائة مرحلة وعرضها من حيث العمران الذي من جهة الشمال وهو مساكن يأجوج ومأجوج
إلى حيث العمران الذي من جهة الجنوب وهو مساكن السودان مائتان وعشرون مرحلة وما
بين براري يأجوج ومأجوج إلى البحر المحيط في الشمال وما بين براري السودان والبحر
المحيط في الجنوب خراب ليس فيه عمارة
ويقال أن مسافة ذلك خمسة آلاف فرسخ وهذه أقوال لا دليل على صدقها والطريق في معرفة
مساحة الأرض أنا لو سرنا على خط نصف النهار من الجنوب إلى الشمال بقدر ميل دائرة
معدل النهار عن سمت رؤوسنا إلى الجنوب درجة من درج الفلك التي هي جزء من ثلاثمائة
وستين جزءا وارتفع القطب علينا درجة نظير تلك الدرجة فإنا نعلم أنا قد قطعنا من
محيط جرم الأرض جزءا من ثلاثمائة وستين جزءا وهو نظير ذلك الجزء من الفلك فلو قسنا
من ابتداء مسيرنا إلى انتهاء مكاننا الذي وصلنا إليه حيث ارتفع القطب علينا درجة
فإنا نجد حقيقة الدرجة الواحدة من الفلك قد قطعت من الأرض ستة وخمسين ميلا وثلثي ميل
منها خمسة وعشرون فرسخا فإذا ضربنا حصة الدرجة الواحدة وهو ما ذكر من الأميال في
ثلاثمائة وستين خرج من الضرب عشرون ألفا وأربعمائة ميل وذلك مساحة دور الأرض فإذا
قسمنا هذه الأميال التي هي مساحة دور الأرض على ثلاثة وسبع خرج من القسمة ستة آلاف
وأربعمائة وأربعون ميلا وهي مساحة قطر الأرض فلو ضربنا هذا القطر في مبلغ دور
الأرض لبلغت مساحة بسط الأرض بالتكسير مائة ألف ألف واثنتين وثلاثين ألف ألف
وستمائة ألف ميل بالتقريب فعلى هذا مساحة ربع
____________________
الأرض المسكون بالتكسير ثلاثة
وثلاثون ألف ألف ميل ومائة وخمسون ألف ميل وعرض المسكون من هذا الربع بقدر بعد
مدار السرطان عن القطب وهو خمسة وخمسون جزءا وسدس جزء وهذا هو سدس الأرض وانتهاؤه
إلى جزيرة تولي في بريطانية وهي آخر المعمور من الشمال وهو من الأميال ثلاثة آلف
وسبعمائة وأربعة وستون ميلا فإذا ضربنا هذا السدس الذي هو مساحة عرض الأرض في
النصف وهو مقدار الطول كان المعمور من الشمال قدر نصف ثلث الأرض وأما الطول فإنه
يقل لتضايق أقسام كرة الأرض ومقداره مثل خمس الدور وهو بالتقريب أربعة آلاف
وثمانون ميلا وفي الربع المسكون من الأرض سبعة أبحر كبار وفي كل بحر منها عدة
جزائر وفيه خمس عشرة بحيرة منها ملح وعذب وفيه مائتا جبل طوال ومائتا نهر وأربعون
نهرا طوالا ويشتمل على سبعة أقاليم تحتوي على سبعة عشر ألف مدينة كبيرة
وقال في كتاب هروشيوس لما استقامت طاعة بوليس الملقب قيصر الملك في عامة الدنيا
تخير أربعين من الفلاسفة سماهم فأمرهم أن يأخذوا له وصف حدود الدنيا وعدة بحارها
وكورها أرباعا فولى أحدهم أخذ وصف جزء المشرق وولى آخر أخذ وصف جزء المغرب وولى
الثالث أخذ وصف جزء الشمال وولى الرابع أخذ وصف جزء الجنوب فتمت كتابة الجميع على
أيديهم في نحو من ثلاثين سنة فكانت جملة البحار المسماة في الدنيا تسعة وعشرين
بحرا قد سموها منها بجزء الشرق ثمانية وبجزء الغرب ثمانية وبجزء الشمال أحد عشر
وبجزء الجنوب اثنان وعدة الجزائر المعروفة الأمهات إحدى وسبعون جزيرة منها في
الشرق ثمان وفي الغرب ست عشرة وفي جهة الشمال إحدى وثلاثون وفي جهة الجنوب ست عشر
وعدة الجبال الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وثلاثون وهي أمهات الجبال وقد
سموها فيما فسروه منها في جهة المشرق سبعة وفي جهة الغرب خمسة عشر وفي الشمال اثنا
عشر وفي الجنوب اثنان والبلدان الكبار ثلاثة وستون منها في الشرق سبعة وفي المغرب
خمسة
____________________
وعشرون وفي الشمال تسعة عشر
وفي الجنوب اثنا عشر وقد سموها
والكور الكبار المعروفة تسع ومائتان منها في المشرق خمس وسبعون وفي المغرب ست
وستون وفي الشمال ست وفي الجنوب اثنان وستون
والأنهار الكبيرة المعروفة في جميع الدنيا ستة وخمسون منها لجزء الشرق سبعة عشر
ولجزء الغرب ثلاثة عشر ولجزء الشمال تسعة عشر ولجزء الجنوب سبعة
ثم إن المخبرين عن هذا المعمور وحدوده وما فيه من الأمصار والمدن والجبال والبحار
والأنهار والقفار والرمال مثل بطليموس في كتاب الجغرافيا وصاحب كتاب زجار من بعده
قسموا هذا المعمور بسبعة أقسام يسمونها الأقاليم السبعة بحدود وهمية بين المشرق
والمغرب متساوية في العرض مختلفة في الطول وقالوا الأقاليم السبعة كل إقليم منها
كأنه بساط مفروش قد مد طوله من الشرق إلى الغرب وعرضه من الشمال إلى الجنوب وهذه
الأقاليم مختلفة الطول والعرض
فالإقليم الأول أطول مما بعده وكذا الثاني إلى آخرها فيكون السابع أقصر لما اقتضاه
وضع الدائرة الناشئة من انحسار الماء عن كرة الأرض وكل واحد من هذه الأقاليم عندهم
منقسم بعشرة أجزاء من المغرب إلى المشرق على التوالي وفي كل جزء الخبر عن أحواله
وأحوال عمرانه فالإقليم الأول منها يمر وسطه بالمواضع التي طول نهارها الأطول ثلاث
عشرة ساعة والسابع منها يمر وسطه بالمواضع التي طول نهارها الأطول ست عشرة ساعة
لأن ما حاذى حد الإقليم الأول إلى نحو الجنوب يشتمل عليه البحر ولا عمارة فيه وما
حاذى الإقليم السابع إلى الشمال لا يعلم فيه عمارة فجعل طول الأقاليم السبعة من
الشرق إلى الغرب مسافة اثنتي عشر ساعة من دور الفلك وصارت عروضها تتفاضل نصف ساعة
من ساعات النهار الأطول فأطولها وأعرضها
الإقليم الأول وطوله من المشرق إلى المغرب نحو ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الشمال
إلى الجنوب مائة وخمسون فرسخا وأقصرها طولا وعرضا
____________________
الإقليم السابع وطوله من الشرق إلى الغرب ألف وخمسمائة فرسخ وعرضه من الشمال إلى
الجنوب نحو من سبعين فرسخا وبقية الأقاليم الخمسة فيما بين ذلك
وهذه الأقاليم خطوط متوهمة لا وجود لها في الخارج وضعها القدماء الذين جالوا في
الأرض ليقفوا على حقيقة حدودها ويتيقنوا مواضع البلدان منها ويعرفوا طرق مسالكها
هذا حال الربع المسكون
وأما الثلاثة الأرباع فإنها خراب فجهة الشمال واقعة تحت مدار الجدي قد أفرط هناك
البرد وصارت ستة أشهر ليلا مستمرا وهي مدة الشتاء عندهم لا يعرف فيها نهار ويظلم
الهواء ظلمة شديدة وتجمد المياه لقوة البرد فلا يكون هناك نبات ولا حيوان
ويقابل هذه الجهة الشمالية ناحية الجنوب حيث مدار سهيل فيكون النهار ستة أشهر بغير
ليل وهي مدة الصيف عندهم فيحمى الهواء ويصير سموما محرقة يهلك بشد حره الحيوان
والنبات فلا يمكن سلوكه ولا السكنى فيه
وأما ناحية الغرب فيمنع البحر المحيط من السلوك فيه لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته
وناحية الشرق تمنع من سلوكه الجبال الشامخة وصار الناس أجمعهم قد انحصروا في الربع
المسكون من الأرض ولا علم لأحد منهم بالأرض أي بالثلاثة الأرباع الباقية والأرض
كلها بجميع ما عليها من الجبال والبحار نسبتها إلى الفلك كنقطة في دائرة وقد
اعتبرت حدود الأقاليم السبعة بساعات النهار وذلك أن الشمس إذا حلت برأس الحمل
تساوي طول النهار والليل في سائر الأقاليم كلها فإذا انتقلت في درجات برج الحمل
والثور والجوزاء اختلفت ساعات نهار كل إقليم فإذا بلغت آخر الجوزاء وأول برج
السرطان بلغ طول النهار في وسط الأقليم الأول ثلاث عشرة ساعة سواء وصارت في وسط
الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الأقليم الثالث أربع عشرة ساعة
وفي وسط الأقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الأقليم الخامس خمس عشرة
ساعة وفي وسط الأقليم السادس خمس عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الأقليم السابع ست
عشرة ساعة سواء
____________________
وما زاد على ذلك إلى عرض
تسعين درجة يصير نهارا كله ومعنى طول البلد هو بعدها من أقصى العمارة في الغرب
وعرضها هو بعدها عن خط الإستواء وخط الإستواء كما تقدم هو الموضع الذي يكون فيه
الليل والنهار طول الزمان سواء فكل بلد على هذا الخط لا عرض له وكل بلد في أقصى
الغرب لا طول له ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق مائة وثمانون درجة وكل بلد يكون
طوله تسعين درجة فإنه في وسط ما بين الشرق والغرب وكل بلد كان طوله أقل من تسعين درجة
فإنه أقرب إلى الغرب وأبعد من الشرق وما كان طوله من البلاد أكثر من تسعين درجة
فإنه أبعد من الغرب وأقرب إلى الشرق
فقد ذكر القدماء أن العالم السفلي مقسوم سبعة أقسام كل قسم يقال له إقليم فإقليم
الهند لزحل وإقليم بابل للمشتري وإقليم الترك للمريخ وإقليم الروم للشمس وقليم مصر
لعطارد وإقليم الصين للقمر
وقال قوم الحمل والمشتري لبابل والجدي وعطارد للهند والأسد والمريخ للترك والميزان
والشمس للروم ثم صارت السنة على اثني عشر برجا فالحمل ومثلاه للمشرق والثور ومثلاه
للجنوب والجوزاء ومثلاها للمغرب والسرطان ومثلاه للشمال
قالوا وفي كل إقليم مدينتان عظيمتان يحسب بين كل كوكب إلا إقليم الشمس وإقليم
القمر فإنه ليس في كل إقليم منهما سوى مدينة واحدة عظيمة وجميع مدائن الأقاليم
السبعة وحصونها أحد وعشرون ألف مدينة وست مائة مدينة وحصن بقدر دقائق درج الفلك
وقال هرمس إذا جعلت هذه الدقائق روابع كانت أناس هذه الأقاليم وإذا مات أحد ولد
نظيره ويقال أن عدد مدن الإقليم الأول من مطلع الشمس وقراها ثلاثة آلاف ومائة
مدينة وقرية كبيرة وان في الثاني ألفين وسبعمائة وثلاث عشر مدينة وقرية كبيرة وفي
الثالث ثلاثة آلاف وتسع وسبعون وفي الرابع وهو بابل ألفان وتسعمائة وأربع وسبعون
وفي الخامس ثلاثة آلاف وست مدن وفي السادس
____________________
ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان
مدن وفي السابع ثلاثة آلاف وثلاثمائة مدينة وقرية كبيرة في الجزائر
ثم إن الأول والثاني من الأقاليم المعمورة أقل عمرانا مما بعدهما وما وجد من
عمرانه فيتخلله الخلاء والقفار والرمال والبحر الهندي الذي في الشرق منهما وأمم
هذين الإقليمين وأناسيهما ليست لهم الكثرة البالغة وأمصاره ومدنه كذلك والثالث
والرابع وما بعدهما بخلاف ذلك فالقفار فيها قليلة والرمال كذلك أو معدومة وأممها
وأناسيها تجوز الحد من الكثرة وأمصارها ومدنها تجاوز الحد والعمران فيها مندرج ما
بين الثالث والسادس والجنوب خلاء كله وقد ذكر كثير من الحكماء أن ذلك لإفراط الحر
وقلة ميل الشمس فيها عن سمت الرؤوس
وقد أوضح ذلك ابن خلدون ببرهانه ويتبين منه سبب كثرة العمارة فيما بين الثالث
والرابع من جانب الشمال إلى الخامس والسابع
فالإقليم الأول يمر وسطه بالمواضع التي طول نهارها الأطول ثلاث عشر ساعة ويرتفع
القطب الشمالي فيها عن الأفق ست عشرة درجة وثلثا درجة وهو العرض وانتهاء عرض هذا
الإقليم من حيث يكون طول النهار الأطول فيه ثلاث عشرة ساعة وربع ساعة وارتفاع
القطب الشمالي وهو العرض عشرون درجة ونصف درجة وهو مسافة أربعمائة وأربعين ميلا
وابتداؤه من أقصى بلاد الصين فيمر فيها إلى ما يلي الجنوب ويمر بسواحل الهند ثم
ببلاد السند ويمر في البحر على جزيرة العرب وأرض اليمن ويقطع بحر القلزم فيمر
ببلاد الحبشة ويقطع نيل مصر إلى بلاد ومدينة دنقله من أرض النوبة ويمر في أرض
المغرب على جنوب البربر إلى نحو البحر المحيط وفي هذا الإقليم عشرون جبلا فيها ما
طوله من عشرين فرسخا إلى ألف فرسخ وفيه ثلاثون نهرا طويلا منها ما طوله ألف فرسخ
إلى عشرين فرسخا وفيه خمسون مدينة كبيرة
____________________
وعامة أهل هذا والإقليم سود
الألوان ولهذا الإقليم من البروج الحمل والقوس وله من الكواكب السيارة المشتري وهو
مع فرط حرارته كثير المياه كثير المروج وزرع أهله الذرة والأرز إلا أن الاعتدال
عندهم معدوم فلا يثمر عندهم كرم ولا حنطة والبقر عندهم كثير لكثرة المروج وفي
مشرقه البحر الخارج وراء خط الاستواء بثلاث عشرة درجة وفي مغربه النيل وبحر الغرب
ومن هذا الإقليم يأتي نيل مصر وشرقهم معمور بالبحر الشرقي الذي هو بحر الهند
واليمن وهذا الإقليم مار من المغرب إلى المشرق مع خط الاستواء بحده من جهة الجنوب
وليس وراء هنالك إلا القفار والرمال وبعض عمارة إن صحت فهي كل عمارة ويليه من جهة
شماله الإقليم الثاني ثم الثالث كذلك ثم الرابع والخامس والسادس والسابع وهو آخر
العمران من جهة الشمال وليس وراء السابع إلا الخلاء والقفار إلى أن ينتهي إلى
البحر المحيط كالحال في ما وراء الإقليم الأول في جهة الجنوب إلا أن الخلاء في جهة
الشمال أقل بكثير من الخلاء الذي في جهة الجنوب
ثم إن أزمنة الليل والنهار تتفاوت في هذه الأقاليم بسبب ميل الشمس عن دائرة معدل
النهار وارتفاع القطب الشمالي عن آفاقها فيتفاوت قوس النهار والليل لذلك كما ذكرنا
وفيه من جهة غربه الجزائر الخالدات التي منها بدأ بطليموس بأخذ أطوال البلاد وليست
في بسيط الإقليم وإنما هي في البحر المحيط جزر متكثرة أكبرها وأشهرها ثلاثة ويقال
إنها معمورة
الإقليم الثاني حيث يكون طول النهار الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف ويرتفع القطب
الشمالي فيه قدر أربعة وعشرين جزءا وعشر جزء وعرضه من حد الإقليم الأول إلى حيث
يكون النهار الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع وارتفاع القطب الشمالي وهو العرض
سبعة وعشرون درجة ونصف درجة ومساحة هذا الإقليم أربعمائة ميل ويبتدئ من بلاد
المشرق مارا ببلاد الصين إلى بلاد الهند والسند ثم بملتقى البحر الأخضر وبحر
البصرة ويقطع جزيرة العرب قي أرض نجد
____________________
وتهامة فيدخل في هذا الإقليم
اليمامة والبحران وهجر مكة والمدينة والطائف وأرض الحجاز ويقطع بحر القلزم فيمر
بصعيد مصر الأعلى ويقطع النيل فيصير فيه مدينة قوص واخميم واسنا وانصنا وأسوان
ويمر في أرض المغرب على وسط بلاد إفريقية فيمر على بلاد البربر إلى البحر في
المغرب وفي هذا الإقليم سبعة عشر جبلا وسبعة عشر نهرا طوالا وأربعمائة وخمسون
مدينة كبيرة وألوان أهل هذا الإقليم ما بين السمرة والسواد وله من البروج الجدي
ومن السيارة زحل ويسكن هذا الإقليم الرحالة ففي المغرب حدالة وصنهاجة ولمتونة
ومسوفة ويتصل بهم رحالة مصر من ألواح وفي هذا الإقليم يكون نخل وفيه مكة والمدينة
ومن السماوة من أهل العراق إلى رحالة الترك وهو متصل بالأول من جهة الشمال وقبالة
المغرب منه في البحر المحيط جزيرتان من الجزائر الخالدات
الإقليم الثالث وسطه حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة وارتفاع القطب وهو
العرض ثلاثون درجة ونصف وخمس درجة وعرض هذا الإقليم من حد الإقليم الثاني إلى حيث
يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة وربع ساعة وارتفاع القطب وهو العرض ثلاث وثلاثون
درجة ومسافته ثلاثمائة وخمسون ميلا ويبتدىء من الشرق فيمر بشمال الصين وبلاد الهند
وفيه مدينة الهندهار ثم بشمال السند وبلاد كابل وكرمان وسبحستان إلى سواحل بحر
البصرة وفيه اصطخر وسابور وشيراز وسيراف ويمر بالأهواز والعراق والبصرة وواسط
وبغداد والكوفة والأنبار وهيت ويمر ببلاد الشام إلى سلمية وصور وعكا ودمشق وطبرية
وقيسارية وبيت المقدس وعسقلان وغزة ومدين والقلزم ويقطع أسفل أرض مصر من شمال
انصنا إلى فسطاط مصر وسواحل البحر وفيه الفيوم والاسكندرية والفرما وتنيس ودمياط
ويمر ببلاد برقة إلى افريقية فيدخل فيه القيروان وينتهي في البحر إلى الغرب وبهذا
الإقليم ثلاث وثلاثون جبلا كبارا واثنان وعشرون نهرا طوالا ومائة وثمانية وعشرون
مدينة وأهله سمر الألوان وله من البروج
____________________
العقرب ومن السيارة الزهرة
وفي هذا الإقليم العمائر المتواصلة من أوله إلى آخره وهو متصل بالثاني من جهة
الشمال
والإقليم الرابع وسطه حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وارتفاع
القطب الشمالي وهو العرض ست وثلاثون درجة وخمس درجة وحد هذا الإقليم من حد الإقليم
الثالث إلى حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة والعرض تسعا وعشرين
درجة وثلث درجة ومسافة هذا الإقليم ثلاثمائة ميل ويبتدىء من الشرق فيمر ببلاد
التبت وخرسان وخجنده وفرغانة سمرقند وبخارى وهراة ومرو والرود وسرخس وطوس ونيسابور
وجرجان وقومس وطبرستان وقزوين والديلم والري واصفهان وهمدان ونهاوند ودينور
والموصل ونصيبين وآمد ورأس العين وشميساط والرقة ويمر ببلاد الشام فيدخل فيه بالس
ومسح ولمطية وحلب وإنطاكية وطرابلس والصيصة وحماة وصيدا وطرطوس وعمورية واللاذقية
ويقطع بحر الشام على جزيرة قبرس ورودس ويمر ببلاد طنجة فينتهي إلى بحر المغرب وفي
هذا الإقليم خمسة وعشرون جبلا كبارا وخمسة وعشرون نهرا طوالا ومائتا مدينة واثنتا
عشرة مدينة وألوان أهله ما بين السمرة والبياض وله من البروج الجوزاء ومن السيارة
عطارد وفيه البحر الرومي من مغربه إلى القسطنطينية ومن هذا الإقليم ظهرت الأنبياء
والرسل صلوات الله عليهم أجمعين ومنه انتشر الحكماء والعلماء فإنه وسط الأقاليم
ثلاثة جنوبية وثلاثة شمالية وهو في قسم الشمس وبعده في الفضيلة الإقليم الثالث
والخامس فإنهما على جنبيه وبقية الأقاليم منحطة أهلوها ناقصون ومنحطون عن الفضيلة
لسماجة صورهم وتوحش أخلاقهم كالزنج والحبشة وأكثر أمم الإقليم الأول والثاني
والسادس والسابع يأجوج ومأجوج والتغرغر والصقالبة ونحوهم وهو متصل بالثالث من جهة
الشمال
والإقليم الخامس وسطه حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة وارتفاع القطب الشمالي
وهو العرض إحدى وأربعون درجة
____________________
وثلث درجة وابتداؤه من نهاية
عرض الإقليم الرابع إلى حيث يكون النهار الأطول خمس عشر ساعة ونصف ساعة والعرض
ثلاثا وأربعين درجة ومسافته خمسون ومائتا ميل ويبتدئ من المشرق إلى بلاد يأجوج
ومأجوج ويمر بشمال خراسان وفيه خوارزم واسبيجاب وآذربيجان وبردعة وسجستان واردن
وخلاط ويمر على بلاد الروم إلى رومية الكبرى والأندلس حتى ينتهي إلى البحر الذي في
المغرب وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال ثلاثون جبلا ومن الأنهار الكبار خمسة عشر
نهرا ومن المدائن الكبار مائتا مدينة وأكثر أهله بيض الألوان وله من البروج الدلو
ومن السيارة القمر
والإقليم السادس وسطه حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة ونصف وارتفاع القطب
الشمالي وهو العرض خمسا وأربعين درجة وخمسي درجة وابتداؤه من حد نهاية عرض الاقليم
الخامس إلى حيث يكون النهار الاطول خمس عشرة ساعة ونصف وربع ساعة والعرض سبعا
وأربعين درجة وربع درجة ومسافة هذا الإقليم مائتا ميل وعشرة أميال ويبتدئ من
المشرق فيمر بمساكن الترك من الجرخير والتغرغر إلى بلاد الخزر من شمال تخومهم على
اللان والشرير وأرض برجان والقسطنطينية وشمال الأندلس إلى البحر المحيط الغربي وفي
هذه الإقليم من الجبال الطوال اثنان وعشرون جبلا ومن الأنهار الطوال اثنان وثلاثون
نهرا ومن المدن الكبار تسعون مدينة وأكثر أهل هذا الإقليم ألوانهم ما بين الشقرة
والبياض وله من البروج السرطان ومن السيارة المريخ
ولإقليم السابع وسطه حيث يكون النهار الأطول ست عشر ساعة سواء وارتفاع القطب
الشمالي وهو العرض ثمانية وأربعين درجة وثلثي درجة وابتداء هذا الإقليم من حد
نهاية الإقليم السادس إلى حيث يكون النهار الأطول ست عشرة ساعة وربع ساعة والعرض
خمسين درجة ونصف درجة ومسافته مائة وخمسة وثمانون ميلا فتبين أن ما بين أول حد
الإقليم الأول وآخر حد الإقليم السابع ثلاث ساعات ونصف
____________________
وأن ارتفاع القطب الشمالي
ثمانية وثلاثون درجة تكون من الأميال ألفين ومائة وأربعين ميلا ويبتدئ الإقليم
السابع من المشرق على بلاد يأجوج ومأجوج ويمر ببلاد الترك على سواحل بحر جرجان ما
يلي الشمال ويقطع بحر الروم على بلاد جرجان والصقالبة إلى أن ينتهي إلى البحر
المحيط في المغرب وبهذا الإقليم عشرة جبال طوال وأربعون نهرا طوالا واثنتان وعشرون
مدينة كبيرة وأهله شقر الألوان وله من البروج الميزان ومن السيارة الشمس
وفي كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة أمم مختلفة الآلسن والألوان وغير ذلك من
الطبائع والأخلاق والآراء والديانات والمذاهب والعقائد والأعمال والصنائع والعادات
والعبادات لا يشبه بعضهم بعضا
وكذلك الحيوانات والمعادن والنبات مختلفة في الشكل والطعم واللون والريح بحسب
اختلاف أهوية البلدان وتربة البقاع وعذوبة المياه وملوحتها على ما اقتضته طوالع كل
بلد من البروج على أفقه وممر الكواكب على مسامتة البقاع من الأرض ومطارح شعاعاتها
على المواضع كما هو مقر في مواضعه من كتب الحكمة ليتدبر أولو النهي ويعتبر ذوو
الحجى بتدبير الله في خلقه وتقديره لما يشاء وفعله لما يريد لا إله إلا هو
ومع ذلك فإن الربع المسكون من الأرض على تفاوت أقطاره مقسوم بين سبع أمم كبار وهم
الصين والهند والسودان والبربر والروم والترك والفرس فجنوب مشرق الأرض في يد الصين
وشماله في يد الترك ووسط جنوب الأرض في يد الهند وفي وسط شمال الأرض الروم وفي
جنوب مغرب الأرض السودان وفي شمال مغرب الأرض البربر وكانت الفرس في وسط هذه
الممالك قد أحاطت بهم الأمم الست
____________________
ذكر المعتدل من الأقاليم
والمنحرف
قد بينا أن المعمور من هذا المنكشف من الأرض إنما هو وسطه لإفراط الحر في الجنوب
منه والبرد في الشمال ولما كان الجانبان من الشمال والجنوب متضادين في الحر والبرد
وجب أن تندرج الكيفية من كليهما إلى الوسط فيكون معتدلا
فالإقليم الرابع أعدل العمران والذي حفافيه من الثالث والخامس أقرب إلى الإعتدال
والذي يليهما والثاني والسادس بعيدان من الإعتدال والأول والسابع أبعد بكثير فلهذا
كانت العلوم والصنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات وجميع ما
يتكون في هذه الأقاليم الثلاثة المتوسطة مخصوصه بالإعتدال وسكانها من البشر أعدل
أجساما وألوانا وأخلاقا وأديانا حتى النبوات فإنما توجد في الأكثر فيها ولم نقف
على خبر بعثه في الأقاليم الجنوبية ولا الشمالية وذلك أن الأنبياء والرسل إنما
يختص بهم أكمل النوع في خلقهم وأخلاقهم قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس }
وذلك ليتم القبول لما يأتيهم به الأنبياء من عند الله وأهل هذه الأقاليم أكمل
لوجود الإعتدال لهم فتجدهم على غاية من التوسط في مساكنهم وملابسهم وأقواتهم
وصنائعهم يتخذون البيوت المنجدة بالحجارة المنمقة بالصناعة ويتناغون في استجادة
الآلات والمواعين ويذهبون في ذلك إلى الغاية وتوجد لديهم المعادن الطبيعية من
الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والقصدير ويتصرفون في معاملاتهم بالنقدين
العزيزين ويبعدون
____________________
عن الانحراف في عامة أحوالهم
وهؤلاء أهل المغرب والشام والحجاز واليمن والعراقين والهند والسند والصين وكذلك
الأندلس ومن قرب منها من الفرنجة والجلالقة والروم واليونانيين ومن كان مع هؤلاء
أو قريبا منهم في هذه الأقاليم المعتدلة ولهذا كان العراق والشام أعدل هذه كلها
لأنها وسط من جميع الجهات وأما الأقاليم البعيدة من الاعتدال مثل الأول والثاني
والسادس والسابع فأهلها أبعد من الاعتدال في جميع أحوالهم فبناؤهم بالطين والقصب
وأقواتهم من الذرة والعشب وملابسهم من أوراق الشجر يخصفونها عليهم أو الجلود
وأكثرهم عرايا من اللباس وفواكه بلادهم وأدمها غريبة التكوين مائلة إلى الانحراف
ومعاملاتهم بغير الحجرين الشريفين من نحاس أو حديد أو جلود يقدرونها للمعاملات
وأخلاقهم مع ذلك قريبة من خلق الحيوانات العجم حتى ينقل عن الكثير من السودان أهل
الإقليم الأول أنهم يسكنون الكهوف والغياض ويأكلون العشب وأنهم متوحشون غير مستأنسين
يأكل بعضهم بعضا وكذا الصقالبة
والسبب في ذلك أنهم لبعدهم عن الاعتدال يقرب عرض أمزجتهم وأخلاقهم من عرض
الحيوانات العجم ويبعدون عن الإنسانية بمقدار ذلك وكذلك أحوالهم في الديانة أيضا
فلا يعرفون نبوة ولا يدينون بشريعة إلا من قرب منهم من جوانب الاعتدال وهو في الأقل
النادر مثل الحبشة المجاورين اليمن الدائنين بالنصرانية فيما قبل الإسلام وما بعده
لهذا العهد ومثل أهل مالي وكوكو والتكرور المجاورين لأرض المغرب الدائنين بالإسلام
لهذا العهد يقال أنهم دانوا به في المائة السابعة ومثل من دان بالنصرانية من أمم
الصقالبة والإفرنجة والترك من الشمال من سوى هؤلاء من أهل تلك الأقاليم المنحرفة
جنوبا وشمالا فالدين مجهول عندهم والعلم مفقود بينهم وجميع أحوالهم بعيدة من أحوال
الأناسي قريبة من أحوال البهائم { ويخلق ما لا تعلمون }
ولا يعترض على هذا القول بوجود اليمن وحضرموت والأحقاف
____________________
وبلاد الحجاز واليمامة وما
يليها من جزيرة العرب في الإقليم الأول والثاني فإن جزيرة العرب كلها أحاطت بها
البحار من الجهات الثلاث فكان لرطوبتها أثر في رطوبة هوائها فنقص ذلك من اليبس
والانحراف الذي يقتضيه الحر وصار فيه بعض الاعتدال بسبب رطوبة البحر
وقد توهم بعض النسابين ممن لا علم لديه بطبائع الكائنات أن السودان هم ولد حام بن
نوح اختصوا بلون السواد لدعوة كانت عليه من أبيد ظهر أثرها في لونه وفيما جعل الله
من الرق في عقبه وينقلون في ذلك حكاية من خرافات القصاص ودعاء نوح على إبنه حام قد
وقع في التوراة وليس فيه ذكر السواد وإنما دعا عليه بأن يكون ولده عبيدا لولد
أخوته لا غير وفي القول بنسبته السواد إلى حام غفلة عن طبيعة الحر والبرد وأثرهما
في الهواء وفيما يتكون فيه من الحيوانات وذلك أن هذا اللون شمل أهل الإقليم الأول
و الثاني من مزاج هوائهم للحرارة المتضاعفة بالجنوب فإن الشمس تسامت رؤسهم مرتين
في كل سنة قريبة أحدهما من الأخرى فتطول المسامته عامة الفصول فيكثر الضوء لأجلها
ويلج القيظ الشديد عليهم وتسود جلودهم لإفراط الحر ونظير هذين الإقليمين مما
يقابلهما من الشمال الإقليم السابع والسادس شمل سكانها أيضا البياض من مزاج هوائهم
للبرد المفرط في الشمال إذ الشمس لا تزال بأفقهم في دائرة مرأى العين أو ما قرب
منها ولا ترتفع إلى المسامتة ولا ما قرب منها فيضعف الحر فيها ويشتد البرد عامة
الفصول فتبيض ألوان أهلها وتنتهي إلى الزعورة ويتبع ذلك ما يقتضيه مزاج البرد المفرط
من زرقة العيون وبرش الجلود وصهوبة الشعور
وتوسطت بينهما الأقاليم الثلاثة الخامس والرابع والثالث فكان لها في الإعتدال الذي
هو مزاج المتوسط حظ وافر والرابع أبلغها في الإعتدال غاية لنهايتة في التوسط فكان
لأهله من الإعتدال في خلقهم وخلقهم ما اقتضاه مزاج أهويتهم وتبعه عن جانبيه الثالث
والخامس وإن لم يبلغا غاية التوسط لميل هذا قليلا إلى الجنوب الحار وهذا قليلا إلى
الشمال البارد إلا أنهما لم ينتهيا إلى الإنحراف
____________________
وكانت الأقاليم الأربعة منحرفة وأهلها كذلك في خلقهم وخلقهم فالأول والثاني للحر والسواد
والسابع والسادس للبرد والبياض ويسمى سكان الجنوب من الإقليمين الأول والثاني باسم
الحبشة والزنج والسودان أسماء مترادفة على الأمم المتغيرة بالسواد
وإن كان اسم الحبشة مختصا منهم بمن تجاه مكة واليمن والزنج بمن تجاه بحر الهند
وليست هذه الأسماء لهم من أجل انتسابهم إلى آدمي أسود لا حام ولا غيره وقد نجد من
السودان أهل الجنوب من يسكن الربع المعتدل أو السبع المنحرف إلى البياض فتبيض
ألوان أعقابهم على التدريج مع الأيام وبالعكس في من يسكن من أهل الشمال أو الرابع
بالجنوب تسود ألوان أعقابهم وفي ذلك دليل على أن اللون تابع لمزاج الهواء قال ابن
سينا أرجوزته في الطلب
( بالزنج حر غير الأجسادا ** حتى كسا جلودها سوادا )
( والصقلب اكتسبت البياضا ** حتى غذت جلودها بضاضا )
وأما أهل الشمال فلم يسموا باعتبار ألوانهم لأن البياض كان لونا لأهل تلك اللغة
الواضعة للأسماء فلم يكن فيه غرابة يحمل على اعتباره في التسمية لموافقته واعتياده
ووجدنا سكانه من الترك والصقالبة والتغرغر والخزر واللان والكثير من الإفرنجة و
يأجوج ومأجوج أسماء متفرقة وأجيالا متعددة مسمين بأسماء متنوعة
وأما أهل الأقاليم الثلاثة المتوسطة أهل الإعتدال في خلقهم وخلقهم وسيرهم وكافة
الأحوال الطبيعية لإعتمار لديهم من المعاش والمساكن والصنائع والعلوم والرئاسات
والملك فكانت فيهم النبوات والملك والدول والشرائع والعلوم والبلدان والأمصار
والمباني والفراسة والصنائع الفائقة وسائر الأحوال المعتدلة
وأهل هذه الأقاليم التي وقفنا على أخبارهم مثل العرب والروم وفارس وبني إسرائيل
واليونان وأهل السند والهند والصين ولما رأى النسابون اختلاف هذه الأمم بسماتها
وشعارها حسبوا ذلك لأجل الأنساب
____________________
فجعلوا أهل الجنوب كلهم
السودان من ولد حام وارتابوا في ألوانهم فتكفلوا نقل تلك الحكاية الواهية وجعلوا
أهل الشمال كلهم أو أكثرهم من ولد يافث وأكثر الأمم المعتدلة وأهل الوسط المنتحلين
للعلوم والصنائع والملل والشرائع والسياسة والملك من ولد سام
وهذا الزعم وإن صادف الحق في انتساب هؤلاء فليس ذلك بقياس مطرد إنما هو أخبار عن
الواقع لأن تسمية أهل الجنوب بالسودان والحبشان من أجل انتسابهم إلى حام الأسود
وما أداهم إلى هذا الغلط إلا اعتقادهم أن التمييز بين الأمم إنما يقع بالأنساب فقط
وليس كذلك فإن التمييز للجيل أو الأمة يكون بالنسب في بعضهم كما للعرب وبني
إسرائيل والفرس ويكون بالجهة والسمة كما للزنج والحبشة والصقالبة والسودان ويكون
بالعوائد والشعار والنسب كما للعرب ويكون بغير ذلك من أحوال الأمم وخواصهم
ومميزاتهم فتعميم القول في أهل جهة معينة من جنوب أو شمال بأنهم من ولد فلان
المعروف لما شملهم من نحلة أو لون أو سمة وجدت لذلك الأب إنما هو من الأغاليط التي
وقع فيها الغفلة عن طبائع الأكوان والجهات وإن هذه كلها تتبدل في الأعقاب ولا يجب
استمرار سنة الله في عباده { ولن تجد لسنة الله تبديلا } والله ورسوله أعلم بغيبه
وأحكم وهو المولى المنعم الرؤوف الرحيم
____________________
ذكر المساجد العظيمة في
العالم
أعلم أن الله سبحانه وتعالى فضل من الأرض بقاعا اختصها بتشريفه وجعلها مواطن
العبادة يضاعف فيها الثواب وينمو بها الأجور وأخبرنا بذلك على ألسن رسله وأنبيائه
لطفا بعباده وتسهيلا لطرق السعادة لهم وكانت المساجد الثلاثة هي أفضل بقاع الأرض
حسب ما ثبت في الصحيحين وهي مكة والمدينة وبيت المقدس
أما البيت الحرام الذي بمكة فهو بيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمره الله ببنائه
وأن يؤذن في الناس بالحج إليه فبناه هو وابنه إسماعيل كما نصه القرآن وقام بما
أمره الله فيه وسكن إسماعيل به مع هاجر ومن نزل معهم من جرهم إلى أن قبضهما الله
ودفنا بالحجر منه
وبيت المقدس بناه داود عليه السلام وسليمان أمرهما الله ببناء مسجده ونصب هياكله
ودفن كثير من الأنبياء من ولد إسحاق عليه السلام حواليه
والمدينة مهاجر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بالهجرة إليها
وإقامة دين الإسلام بها فبنى مسجده الحرام بها وكان ملحده الشريف في تربتها فهذه
المساجد الثلاثة قرة عين المسلمين ومهوى أفئدتهم وعظمة دينهم وفي الآثار من ففضلها
ومضاعفة الثواب في مجاورتها والصلاة فيها كثير معروف فلنشر إلى شيء من الخبر عن
أولية هذه المساجد الثلاثة وكيف تدرجت أحوالها إلى أن كمل ظهورها في العالم
فأما مكة فأوليتها فيما يقال أن آدم صلوات الله عليه بناها قبالة البيت
____________________
المعمور ثم هدمها الطوفان بعد
ذلك وليس فيه خبر صحيح يعول عليه وإنما إقتبسوه من محل الآية في قوله { وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } ثم بعث الله إبراهيم وكان من شأنه وشأن زوجته
سارة وغيرتها من هاجر ما هو معروف وأوحى الله إليه أن يترك ابنه إسماعيل وأمه هاجر
بالفلاة فوضعهما في مكان البيت وسار عنهما وكيف جعل الله لهما من اللطف في نبع ماء
زمزم ومرور الرفقة من جرهم بهما حتى احتملوهما وسكنوا إليهما ونزلوا معهما حوالي
زمزم كما عرف في موضعه فاتخذ إسماعيل بموضع الكعبة بيتا يأوي إليه وأدار عليه
سياجا من الدوم وجعله زربا لغنمه وجاء إبراهيم صلوات الله عليه مرارا لزيارته من
الشام أمر في آخرها ببناء الكعبة مكان ذلك الزرب فبناه واستعان فيه بإبنه إسماعيل
ودعا الناس إلى حجة وبقي إسماعيل ساكنا به ولما قبضت أمه هاجر وقام بنوه من بعده
بأمر البيت مع أخوالهم من جرهم ثم العماليق من بعدهم واستمر الحال على ذلك والناس
يهرعون إليها من كل أفق من جميع أهل الخليقة لا من بني إسماعيل ولا من غيرهم ممن
دنا أو نأى فقد نقل أن التبابعة كانت تحج البيت وتعظمه وأن تبعا كساها الملاء
والوصائل وأمر بتطهيرها وجعل لها مفتاحا ونقل أيضا ان الفرس كانت تحجه وتقرب إليه
وإن غزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم كانا من قرابينهم ولم
يزل بجرهم الولاية عليه من بعد ولد إسماعيل من قبل خؤولتهم حتى إذا خرجت خزاعة
وأقاموا بها بعدهم ما شاء الله ثم كثر ولد إسماعيل وانتشروا وتشعبوا إلى كنانة ثم
كنانة إلى قريش وغيرهم وساءت ولاية خزاعة فغلبتهم قريش على أمره وأخرجوهم من البيت
وملكوا عليهم يومئذ قصي بن كلاب فبنى البيت وسقفه بخشب الدوم وجريد النخل قال
الأعشى
( حلفت بثوبي راهب الدير والتي ** بناها قصي والمضاض بن جرهم )
ثم أصاب البيت سيل ويقال حريق وتهدم وأعادوا بناءه وجمعوا النفقة لذلك من أمولهم
وانكسرت سفينة بساحل جدة فاشتروا خشبها
____________________
للسقف وكانت جدرانه فوق
القامة فجعلوها ثمانية عشر ذراعا وكان الباب لاصقا بالأرض فجعلوه فوق القامة لئلا
تدخله السيول وقصرت بهم النفقة عن إتمامه فقصروا عن قواعده وتركوا منه ستة أذرع
وشبرا أداروها بجدار قصير يطاف من ورائه وهو الحجر
وبقي البيت على هذا البناء إلى أن تحصن ابن الزبير بمكة حين دعا لنفسه وزحفت إليه
جيوش يزيد ين معاوية مع الحصين بن نمير السكوني ورمى البيت سنة أربع وستين فأصابه
حريق يقال من النفط الذي رموا به على ابن الزبير فأعاد بناءه أحسن مما كان بعد أن
اختلفت عليه الصحابة في بنائه واحتج عليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة
رضي الله عنها لولا قومك حديثو عهد بكفر لرددت البيت على قواعد إبراهيم ولجعلت له
بابين شرقيا وغربيا فهدمه وكشف عن أساس إبراهيم عليه السلام وجمع الوجوه والأكابر
حتى عينوه وأشار عليه ابن عباس بالتحري في حفظ القبلة على الناس فأدار على الأساس
الخشب ونصب من فوقها الأستار حفظا للقبلة وبعث إلى صنعاء في الفضة والكلس فحملها
وسأل عن مقطع الحجارة الأول فجمع منها ما احتاج إليه ثم شرع في البناء على أساس
إبراهيم عليه السلام ورفع جدرانها سبعا وعشرين ذراعا وجعل لها بابين لاصقين بالأرض
كما روى في حديه وجعل فرشها وارها بالرخام وصاغ لها المفاتيح وصفائح الأبواب من
الذهب
ثم جاء الحجاج لحصاره أيام عبد الملك ورمى على المسجد بالمنجنيقات إلى أن تصدعت
حيطانها ثم لما ظفر بابن الزبير شاور عبد الملك فيما بناه وزاده في البيت فأمره
بهدمه ورد البيت على قواعد قريش كما هي اليوم ويقال انه ندم على ذلك حين علم صحة
رواية ابن الزبير لحديث عائشة
وقال وددت أني كنت حملت أبا خبيب في أمر البيت وبنائه ما تحمل فهدم الحجاج منها
ستة أذرع وشبرا مكان الحجر وبناها على أساس قريش وسد الباب الغربي وما تحت عتبة
بابها اليوم من الباب الشرقي
____________________
وترك ساترها لم يغير منه شيئا فكل البناء الذي فيه اليوم بناء ابن الزبير وبناء
الحجاج في الحائط صلة ظاهرة للعيان لحمة ظاهرة بين البنائين والبناء متميز عن
البناء بمقدار اصبع شبه الصدع وقد لحم
ويعرض ها هنا أشكال قوي لمنافاته لما يقوله الفقهاء في أمر الطواف ويحذر الطائف عن
أن يميل على الشاذروان الدائر على أساس الجدر من أسفلها فيقع طوافه داخل البيت
بناء على أن الجدر إنما قامت على بعض الأساس وترك بعضه وهو مكان الشاذروان وكذا
قالوا في تقبيل الحجر الأسود لابد من رجوع الطائف من التقبيل حتى يستوي قائما لئلا
يقع بعض طوافه داخل البيت وإذا كانت الجدران كلها من بناء الزبير وهو إنما على
أساس إبراهيم فكيف يقع هذا الذي قالوه ولا ومخلص من هذا إلا بأ أحد أمرين إما أن
يكون الحجاج هدم جميعه وأعاده وقد نقل ذلك جماعة إلا أن العيان في شواهد البناء
بالتحام ما بين بنائين وتمييز أحد الشقين من أعلاه عن الآخر في الصناعة يرد ذلك
وإما أن يكون ابن الزبير لم يرد البيت على أساس إبراهيم من جميع جهاته وإنما فعل
ذلك في الحجر فقط ليدخله فهي الآن مع كونها من بناء ابن الزبير ليست على قواعد
إبراهيم وهذا بعيد ولا محيص من هذين والله تعالى أعلم
ثم أن مساحة البيت وهو المسجد كان فضاء للطائفين ولم يكن عليه جدر أيام النبي صلى
الله عليه وسلم وأبي بكر من بعده ثم كثر الناس فاشترى عمر رضي الله عنه دورا هدمها
وزادها في المسجد وأدار عليها جدارا دون القامة وفعل مثل ذلك عثمان ثم ابن الزبير
ثم الوليد بن عبد الملك وبناه بعمد الرخام ثم زاد فيه المنصور وابنه المهدي ووقفت
الزيادة واستقرت على ذلك لعهدنا
وتشريف الله لهذا البيت وعنايته به أكثر من أن يحاط به وكفى من ذلك أن جعله مهبطا
للوحي والملائكة ومكانا للعبادة وفرض له شعائر الحج ومناسكه وأوجب لحرمه من سائر
نواحيه من حقوق التعظيم والحق ما لم يوجبه لغيره فمنع كل من خالف دين الإسلام من
دخول ذلك
____________________
الحرم وأوجب على داخله أن
يتجرد ومن المخيط إلا إزارا يستره وحمى العائذ به والراتع في مسارحه من مواقع
الآفات فلا يرام فيه خائف ولا يصاد له وحش ولا يحتطب له شجر وحد الحرم الذي يختص
بهذه الحرمة من طريق المدينة ثلاثة أميال إلى التنعيم ومن طريق العراق سبعة أميال
إلى الثنية من جبل المنقطع ومن طريق الطائف سبعة أميال إلى بطن نمرة ومن طريق جدة
سبعة أميال إلى منقطع العشائر هذا شأن مكة وخبرها وتسمى أم القرى وتسمى الكعبة لعلوها
من إسم الكعب ويقال لها بكة
قال الأصمعي لأن الناس يبك بعضهم بعضا إليها أي يدفع
وقال مجاهد باء بكة أبدلوها ميما كما قالوا لازب ولازم لقرب المخرجين
وقال النخعي بالباء البيت وبالميم البلد
وقال الزهري بالباء للمسجد كله وبالميم للحرم وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية
تعظمه والملوك تبعث إليه بالأموال والذخائر ككسرى وغيره وقصة الأسياف وغزالي الذهب
معروفة
وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيه سبعين
ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكرره مرتين بمائتي
قنطار وزنا
وقال له علي بن أبي طالب يا رسول الله لو استعنت بهذا المال على حربك فلم يفعل ثم
ذكر لأبي بكر فلم يحركه هكذا قال الأزرقي وفي البخاري بسنده إلى وائل قال جلست إلى
شيبة بن عثمان وقال جلس إلى عمر بن الخطاب فقال هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا
بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين قلت ما أنت بفاعل قال ولم قلت لم يفعله صاحباك فقال
هما اللذان يقتدي بهما وخرجه أبو داود ابن ماجه وأقام ذلك المال إلى أن كانت فتنة
الأفطس وهو الحسن بن الحسين بن علي بن علي العابدين سنة تسع وتسعين ومائة حين غلب
على مكة عمد إلى الكعبة فأخذ ما في خزائنها
____________________
وقال ما تصنع الكعبة بهذا المال موضوعا فيها لا ينتفع به نحن أحق به نستعين به على
حربنا وأخرجه وتصرف فيه وبطلت الذخيرة من الكعبة من يومئذ ذكر ذلك كله ابن خلدون
في تاريخه وفي كتابنا رحلة الصديق إلى البيت العتيق من شأن الكعبة ومكة ومناسك
الحج والعمرة ما يغني
قال القاضي محمد بن علي الشوكاني في إرشاد السائل إلى دليل المسائل عمارة المقامات
بمكة المكرمة بدعة بإجماع المسلمين أحدثها شر ملوك الجراكسة فرح بن برقوق في أوائل
المائة التاسعة من الهجرة وأنكر ذلك أهل العلم في ذلك العصر ووضعوا فيه مؤلفات وقد
بينت ذلك في غير هذا الموضع ويالله العجب من بدعة يحدثها من هو من شر ملوك
المسلمين في خير بقاع الأرض كيف لم يغضب لها من جاء بعده من الملوك المائلين إلى
الخير لا سيما وقد صارت هذه المقامات سببا من أسباب تفريق الجماعات وقد كان الصادق
المصدوق ينهى عن الإختلاف والفرقة ويرشد إلى الإجتماع والألفة كما في الأحاديث
الصحيحة بل نهى عن تفريق الجماعات في الصلوات وبالجملة فكل عاقل متشرع يعلم أنه
حدث بسبب هذه المذاهب التي فرقت فرق الإسلام مفسدة أصيب بها الدين وأهله وأن من
أعظمها خطرا و أشدها على الإسلام ما يقع الآن في الحرم الشريف من تفريق الجماعات
ووقوف كل طائفة في مقام من هذه المقامات كأنهم أهل أديان مختلفة وشرائع غير مؤتلفة
فإنا لله وإنا إليه راجعون
وأما رفع المنارات فأصل وضعها لمقصد صالح وهو إسماع البعيد عن محل الآذان وهذه
مصلحة مسوغة إذا لم تعارضها مفسدة فإن عارضتها مفسدة من المفاسد المخالفة للشريعة
فدفع المفاسد مقدم على جلب المصالح كما تقرر ذلك في الأصول وأما تشتيد البنيان
ورفعه فوق حاجة الإنسان فقد ورد النهي عنه والوعيد عليه وثبت أنه صلى الله عليه
وسلم أمر بهدم بعض الأبنية وليس ذلك مجرد بدعة بل خلاف ما أرشد إليه الشارع انتهى
كلامه
وأما بيت المقدس وهو المسجد الأقصى فكان أول أمره أيام
____________________
الصابئية موضع الزهرة وكانوا
يقربون إليه الزيت فيما يقربونه يصبونه على الصخرة التي هناك ثم دثر دلك الهيكل
واتخذها بنو إسرائيل حين ملكوها قبلة لصلاتهم وذلك أن موسى صلوات الله عليه لما
خرج ببني إسرائيل من مصر لتمكينهم بيت المقدس كما وعد الله أباهم إسرائيل وأباه
إسحاق من قبله وأقاموا بأرض التيه أمره الله باتخاذ قبة من خشب السنط عين بالوحي
مقدارها وصفتها وهياكلها وتماثيلها وأن يكون فيه التابوت ومائدة بصحافها ومنارة
بقناديلها وأن يضع مذبحا للقربان وصف ذلك كله في التوراة أكمل وصف فصنع القبة ووضع
فيها تابوت العهد وهو التابوت الذي فيه الألواح المصنوعة عوضا عن الألواح المنزلة
بالكلمات العشر لما تكسرت ووضع المذبح عندها وعهد الله إلى موسى بأن يكون هارون صاحب
القربان ونصبوا تلك القبة بين خيامهم في التيه يصلون إليها ويتقربون في المذبح
أمامها ويتعرضون للوحي عندها ولما ملكوا الشام وبقيت تلك القبة قبلتهم ووضعوها على
الصخرة ببيت المقدس وأراد داود عليه السلام بناء مسجده على الصخرة مكانها فلم يتم
له ذلك وعهد به إلى ابنه سليمان فبناه لأربع سنين من ملكه ولخمسمائة سنة من وفاة
موسى واتخذ عمده من الصفر وجعل به صرح الزجاج وغشى أبوابه وحيطانه بالذهب وصاغ
هياكله وتماثيله وأوعيته ومنارته ومفتاحه من الذهب وجعل في ظهره قبرا ليضع فيه
تابوت العهد وهو التابوت الذي فيه الألواح وجاء به من صهيون بلد أبيه داود تحمله
الأسباذ والكهونية حتى وضعه في القبر ووضعت القبة والأوعية والمذبح لكل واحد حيث
أعد له من المسجد وأقام كذلك ما شاء الله ثم خربه بخت نصر بعد ثمانمائة سنة من
بنائه وأحرق التوراة والعصا وصاغ الهياكل ونثر الأحجار
ثم لما أعادهم ملوك الفرس بناه عزيز نبي بني إسرائيل لعهده بإعانة بهمن ملك الفرس
الذي كانت الولادة لبني إسرائيل عليه من سبي بخت نصر وحد لهم في بنائه حدود دون
بناء سليمان بن داود عليهما السلام فلم يتجاوزوها ثم تداولتهم ملوك اليونان والفرس
والروم واستفحل
____________________
الملك لبني إسرائيل في هذه
المدة ثم لبني خسمان من كهنتهم ثم لصهرهم هيرودوس ولبنيه من بعده وبني هيردوس ببيت
المقدس على بناء سليمان عليه السلام وتأنق فيه حتى أكمله في ست سنين فلما جاء طيطش
من ملوك الروم وغلبهم وملك أمرهم خرب بيت المقدس ومسجدها وأمر أن يزرع مكانه ثم
أخذوا الروم بدين المسيح عليه السلام ودانوا بتعظيمه ثم اختلف حال ملوك الروم في
الأخذ بدين النصارى تارة وتركه أخرى إلى أن جاء قسطنطين وتنصرت أمة هيلانة وارتحلت
إلى المقدس في طلب الخشبة التي صلب عليها المسيح بزعمهم فأخبرها القساسة بأنه رمى
بخشبة على الأرض وألقى عليها القمامات والقاذورات فاستخرجت الخشبة وبنت مكان تلك
القمامات كنيسة القمامة كأنها على قبره بزعمهم وخربت ما وجدت من عمارة البيت وأمرت
بطرح الزبل والقمامات على الصخرة حتى غطاها وخفي مكانها جزءا بزعمها لما فعلوه
بقبر المسيح ثم بنوا بإزاء القمامة بيت لحم وهو البيت الذي ولد فيه عيسى عليه
السلام وبقي الأمر كذلك إلى أن جاء الإسلام وحضر عمر لفتح بيت المقدس وسأل عن
الصخرة فأري مكانها وقد علاها الزبل والتراب فكشف عنها وبنى عليها مسجدا على طريق
البداوة وعظم من شانه ما أذن الله من تعظمه وما سبق من أم الكتاب في فضله حسب ما
ثبت ثم احتفل الوليد بن عبد الملك في تشييد مسجده على سنن مساجد الإسلام بما شاء
الله من الاحتفال كما فعل في المسجد الحرام وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
بالمدينة وفي مسجد دمشق وكانت العرب تسميه بلاط الوليد وألزم ملك الروم أن يبعث
الفعلة والمال لبناء هذه المساجد وأن ينمقوها بالفسيفساء فأطاع لذلك وتم بناؤها
على ما اقترحه ثم لما ضعف أمر الخلافة أعوام الخمسمائة من الهجرة في آخرها وكانت
في ملكة العبيديين خلفاء القاهرة من الشيعة واختل أمرهم زحف الفرنجة إلى بيت
المقدس فملكوه وملكوا معه عامة ثغور الشام وبنوا على الصخرة المقدسة منه كنيسة
كانوا يعظمونها ويفتخرون ببنائها حتى إذا استقل صلاح الدين ابن أيوب الكردي بملك
مصر والشام ومحا أثر العيدين وبدعهم زحف إلى الشام وجاهد من كان به من الفرنجة حتى
غلبهم على بيت المقدس وعلى
____________________
ما كانوا ملكوه من ثغور الشام
وذلك لمحو ثمانين وخمسمائة من الهجرة وهدم تلك الكنيسة وأظهر الصخرة وبنى المسجد
على النحو الذي هو عليه اليوم لهذا العهد ولا يعرض لك الأشكال المعروف في الحديث
الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أول بيت وضع فقال مكة قيل ثم أي قال بيت
المقدس قيل فكم بينهما قال أربعون سنة فإن المدة بين بناء مكة وبين بناء بيت
المقدس بمقدار ما بين إبراهيم وسليمان لأن سليمان بانيه وهو ينيف على الألف بكثير
واعلم أن المراد بالوضع في الحديث ليس البناء وإنما المراد أول بيت عين للعبادة
ولا يبعد أن يكون بيت المقدس عين للعبادة قبل بناء سليمان بمثل هذه المدة وقد نقل
أن الصابئية بنوا على الصخرة هيكل الزهرة فلعل ذلك أنها كانت مكانا للعبادة كما
كانت الجاهلية تضع الأصنام والتماثيل حوالي الكعبة وفي جوفها والصابئية الذين بنوا
هيكل الزهرة كانوا على عهد إبراهيم عليه السلام فلا تبعد مدة الأربعين سنة بين وضع
مكة للعبادة ووضع بيت المقدس وإن لم يكن هناك بناء كما هو المعروف وأن أول من بنى
بيت المقدس سليمان عليه السلام ففيه حل هذا الإشكال
وأما المدينة وهي المسماة بيثرب فهي من بناء يثرب بن مهلائل من العمالقة وملكها
بنو إسرائيل من أيديهم فيما ملكوا من أرض الحجاز ثم جاورهم بنو قيلة من غسان
وغلبوهم عليها وعلى حصونها ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليها لما سبق
من عناية الله بها فهاجر إليها ومعه أبو بكر وتبعه أصحابه ونزل بها وبنى مسجده
وبيوته في الموضع الذي كان الله قد أعده لذلك وشرفه في سابق أزله وآواه أبناء قيلة
ونصروه فلذلك سموا الأنصار وتمت كلمة الإسلام من المدينة حتى علت على الكلمات وغلب
إلى قومه وفتح مكة وملكها وظن الأنصار أنه يتحول عنهم إلى بلده فأهمهم ذلك فخاطبهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنه غير متحول حتى إذا قبض رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان ملحده الشريف بها وجاء في فضلها من الأحاديث الصحيحة ما لا
خفاء به ووقع الخلاف بين العلماء في تفضيلها على مكة وبه قال مالك رحمه الله لما
ثبت عنده في ذلك من النص الصريح عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المدينة
خير من
____________________
مكة نقل ذلك عبد الوهاب في
المعونة إلى أحاديث أخرى تدل بظاهرها على ذلك وخالف أبو حنيفة والشافعي رحمهما
الله وأصبحت على كل حال ثانية المسجد الحرام وجنح إليها الأمم بأفئدتهم من كل أوب
فانظر كيف تدرجت الفضيلة في هذه المساجد المعظمة لما سبق من عناية الله لها وتفهم
سر الله في الكون وتدريجه على ترتيب محكم في أمور الدين والدنيا وأما غير هذه
المساجد الثلاثة فلا نعلمه في الأرض إلا ما يقال من شأن مسجد آدم عليه السلام بسر
نديب من جزائر الهند لكنه لم يثبت فيه شيء يعول عليه وقد كانت للأمم في القديم
مساجد يعظمونها على جهة الديانة بزعمهم منها بيوت النار للفرس والهند والصين
وهياكل اليونان وبيوت العرب بالحجاز التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمها في
غزواته
وقد ذكر المسعودي منها بيوتا لسنا من ذكرها في شيء إذ هي غير مشروعة ولا هي على
طريق ديني ولا يلتفت إليها ولا إلى الخبر عنها ويكفي في ذلك ما وقع في ا لتواريخ
فمن أراد معرفة الأخبار فعليه بها و الله يهدي من يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون
ذكر ذلك كله ابن خلدون
وقد عقدنا فصلا في التفاضل بين مكة والمدينة في كتابنا رحلة الصديق إلى البيت
العتيق وذكرنا فيه أنه قال محمد بن علي الشوكاني في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار
بعدما ذكر أدلة الفريقين بالبسط أن الإستيعاب ببيان الفاضل من هذين الموضعين
الشريفين كالإشتغال ببيان الأفضل من القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم
والكل من فضول الكلام الذي لا يتعلق به فائدة غير الجدال والخصام وقد أفضى النزاع
في ذلك وأشباه إلى فتن وتلفيق حجج واهية كاستدلال المهلب على أفضلية المدينة بأنها
هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الأسلام فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها
تنفي الخبيث كما ثبت في الحديث الصحيح وقد أجيب عن هذين الإستدلالين في موضعه
انتهى
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشد
الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا
____________________
والمسجد الأقصى متفق عليه
وصورة هذا الحديث نفي والمراد به النهي كأنه قال لا يستقيم شرعا أن يقصد المساجد
أو البقاع الأخرى بالزيارة إلا هذه البقاع الثلاثة لاختصاصها بما اختصت به من
المزايا التي شرفها الله تعالى بها وقال أهل الأصول خبر الشارع آكد من الأمر
والنهي وقد استدل بهذا الحديث جمع من أهل العلم أكبرهم شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رضي
الله عنه وأرضاه على منع السفر للزيارة إلى مشاهد الأنبياء والأولياء ومقابر
المشايخ والأصفياء وهو استنباط حسن المسلك وبه قال مالك إمام دار الهجرة والقاضي
عياض ومن خالفه في ذلك أو طعن عليه لم يأت بما يشفي العليل ويروي الغليل وقد بسطنا
الكلام على هذا الحديث في مؤلفاتنا بسطا لائقا ومهدناه مهدا فائقا فمن شاء الإطلاع
على مباحثه فعليه مسك الختام شرح بلوغ المرام وأمثاله ففيه مقنع وبلاغ والذين لم
يبلغوا معشار ما آتاه الله من العلم والعمل قد أقاموا عليه الطامة الكبرى في هذه
المسألة وأخواتها ولهم في ذلك قلاقل وزلازل قديما وحديثا ليس هذا موضع ذكرها والحق
الذي لا محيص عنه هو ما دل عليه حديث الباب بظاهره وله شواهد من الأخبار الصحيحة
والآثار المأثورة
( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ** ولكن عين السخط تبدي المساويا )
وفق الله إخواننا من المسلمين إلى القول الحق والعمل الصدق على مراد الله في كتابه
العزيز ومراد رسوله في السنة المطهرة وجنبنا وإياهم عما لم يرد فيه نص من القرآن
والحديث أو لم يقل به سلف الأمة وأئمتها أو لم يعمل به أحد من الصحابة والتابعين
والذين اتبعوهم باحسان وكم من آية وسنة دلت على الإتباع ونهت عن التقليد والإبتداع
وهي لا تخفى على من عرف دواوين الإسلام ومارس الفرقان ولكن مفاسد الجهل والتعصب
أكثر من إن تضبط أو تحيط بها الأذهان وكم للعلما من كتب ضخمة ورسائل جمة في هذا
الشأن في لسان العرب والعجم تدفع بها أهل الإيمان في صدور الناكثين والمارقين من
أهل الطغيان فمن قدر الله
____________________
السعادة في الأزل يوفق لها
ويكون علمه له عليها دليلا ومن جعله شقيا في علمه فهو لا يهتدي إليه سبيلا
( ولا بد من شكوى إلى ذي مروة ** يواسيك أو يسليك أو يتوجع )
وهذا زمان جاء فيه الجهل وحلي مذاقه وذهب عنه العلم برمته وطاب فراقه لا ترى واحدا
من ألف يحزن على عقباه إنما يبكي كل واحد منهم على دنياه فهم { الذين ضل سعيهم في
الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } حتى نبعث فرقة لعهدنا هذا في مملكة
الهند نقول بالملة النيجيرية وتنصر النصارى وتخذل المسلمين بأدلة واهية وشكوك
شيطانية وحجج داحضة ولها دعاة في ديارهم يدعون ضعفاء العقول وسفهاء الأحلام إلى
قبول قولها وتحسين فعلها وما هي بأول فتنة حدثت في الأسلام أو قارورة كسرت فييه
فكم من دجاجلة كاذبة خاطئة ظهرت قديما في الملة الحقة وكم بلغت الشريعة الصادقة من
أيديها الفاسدة وآرائها الكاسدة أنواع المحن والمشقة وتلألأ رونقها في بدء الولاية
ثم أدرك الله سبحانه وتعالى ثأرها على أيدي حماة الدين القويم وسالكي الصراط
المستقيم السادة القادة وأنجز وعده ونصر حزبه وصدق رسوله وعبده فيما قال لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله فرحم الله عبدا أبصر الحق حقا
واتبعه ورأى الباطل باطلا واجتنبه وانتصف من نفسه كما انتصف من غيره ولم يبال
بقبول الحق ورده وآثر الحق على الخلق ونصر الله ورسوله في إتباع كتابه وسنة رسوله
ولم يقلد آراء الرجال ولم يلتفت إلى كتب القيل والقال وأخذ الدين من حيث أخذه
السلف الصلحاء واقتبس الأنوار من مشكوة مصابيح السنة البيضاء وعلم أن الرأي ثلمة
في مكان الدين وتحريف في سواذج الشرع المبين وإنما القضاء ما قضى الله به والرسول
في الكتاب والسنة على ألسنة الفحول من أهل القرآن والحديث جهينة الأخبار وعيبة
الآثار ودارسي الرق المنزل من السماء وآخذي
____________________
السنن من رجال الصدق والصفاء
ورواة العز والعلاء وعاملي الصالحات ومقدمي الروايات على الصناعات وأولئك حزب الله
إلا أن حزب الله هم المفلحون وتلك حزب الشيطان ألا أن حزب الشيطان هم الخاسرون
والله يهدي إلى الحق من يشاء اللهم كن لي حيثما كنت ولا تشمت بي الأعداء
____________________
ذكر حكم الصلاة والصوم في أرض
التسعين
قال الشيخ رفيع الدين الدهلوي في بعض إفاداته لم أجد أحدا من أهل العلم تكلم في
ذلك ولم يذكر الفقهاء في كتاب من كتب الفقه حكم هذه المسألة بالخصوص ولعل السلف من
العلماء لما رأوا هذا الموضع من الأرض لا يسكن فيه الحيوان فضلا عن نوع الإنسان
ولا يمكن ذلك طووا كشح البحث عن ذكرها وعلموا أن لا فائدة في البحث عن ذلك لأن
الشمس بعدت عن تلك الأرض جدا واستولت عليها البرودة غاية الإستيلاء حتى لم يمكن
العيش بها لذي حياة أبدا فإن الحياة تتوقف على الحرارة الغريزية وهي لا توجد هناك
فكيف يعيش أو كيف يوجد بها حيوان وحينئذ البحث عن حكم الصلاة والصوم في تلك البقعة
من الأرض المفروضة عبث لا جدوى تحته
ولكن القرآن العزيز يستفاد منه حكمها في هذا الموضع من الأرض وصورته هكذا أن الشمس
إذا دخلت بحركتها الخاصة في البروج الشمالية من الحمل إلى آخر السنبلة لا تغيب عند
سكناها في تمام دورة اليوم والليلة بل تقطع كل يوم مدارا بحركة فلك الأفلاك وعلى
هذا ينبغي أن يجعل المصلي مدارا كل يوم حصتين ويعتبر أحدهما يوما ويصلي فيه
للصلوات الثلاث الصبح والظهر والعصر في مواقيتها بتقسيم ذلك المدار على تلك
الأوقات ويعتبر النصف الآخر ليلا ويصلي فيه المغرب أولا ثم إذا بلغت الشمس ربع
المدار يصلي العشاء الآخرة وهذا حكم الصلاة حين تكون الشمس في المدارات الشمالية
ظاهرة في أنظار سكانها وأما إذا كانت في البروج الجنوبية من الميزان إلى آخر الحوت
فيقدر المدارات الجنوبية كما كان قدر المدارات الشمالية وينصف اليوم والليلة
ويعتبر أحد النصفين
____________________
ليلا و الآخر يوما لأن كلا من
المدارات الشمالية والجنوبية متساويان لا تفاوت بينهما وإن وجدا متفاوتين في النظر
باختلاف الأوج والحضيض تفاوتا غير محسوس
وأما الصوم فيستفسر من أهل المراكب التي تأتي من قرب الأرض المعمورة أي شهر هذا من
الشهور القمرية فإذا أخبروهم بذلك حسبوا كل شهر ثلاثين يوما من الشهور القمرية
الأخرى فإذا جاء شهر رمضان على ذلك الحساب يجعل نصف المدار يوما والنصف الآخر ليلا
ويصوم بالنهار ويفطر بالليل كما ذكرنا في الصلاة
وهذا هو الطريق السهل وإن كانت هناك آلات النجامية ومعرفة التفاويم كما يذكر أن في
بلاد الروم أجراسا تصنع لمعرفة الشهور يعرفون بها جملة تشكلات الشهر القمري من
أوله إلى آخره فيعتبر بهذه الآلة أولا شهر رمضان ثم بآلة أخرى ساعات اليوم والليلة
ويفطر الصائم على وفقها ويمكن أن يعرف منازل القمر من إبتداء ذلك الشهر ويجعل كل
منزل منها قسمين فيعتبر ونصفا من اليوم ونصفا الليل وأسهل الطرق أن القمر في
المنازل الشمالية كان مداره دائم الظهور على سكان تلك الأرض فينصف كل مدار ويصوم
ويفطر وإذا سار القمر في البروج الجنوبية يعمل على ذلك الحساب الكائن في المنازل
الشمالية وهذا الحكم دل عليه قوله تعالى { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا
وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب } ومنازل القمر وعشرون منزلة وهذه المنازل
مقسومة على البروج وهي إثنا عشر برجا ولكل برج منزلتان وثلث فينزل القمر كل ليلة
منها منزلا ويكون إنقضاء الشهر مع نزوله تلك المنازل والمعنى لتعلموا عدد الشهور
والأيام والساعات وما يتفرع عليها مثل الصلاة والصوم وحلول الديون ووجوب المشاهرة
وغير ذلك قوله تعالى { الشمس والقمر بحسبان } أي يجريان بحساب
____________________
البروج والمنازل لا يعدوانها
يعني بهما تحسب الأوقات والآجال فإن قيل أن أوقات الصلوات موقوفة على ساعات الليل
والنهار طويلة كانت أو قصيرة فيجب أن يصلى ثلاث صلوات في ستة أشهر وصلاتين في
الستة الأخرى وكذلك الصوم في الشرع إنما يجب بطلوع القمر في أول الشهر وعلى هذا
إذا طلع القمر على سكان تحت القطب بحركته الخاصة يصوم من هناك بطلوعه وإذا سار نحو
الجنوب يفطر من بها بسيره
قلت هذه الصورة تخالف مقصود الشرع ومقصود الآيات الكريمة بوجوه أحدها إن انقسام
أوقات الصلاة على ساعات اليوم والليلة إنما يتعلق بحركة أولية هي أسرع الحركات
بحركة الشمس الخاصة بها في فلكها قال الله تعالى { وهو الذي جعل الليل والنهار
خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } أي يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب أحدهما جاء
الآخر فهما يتعاقبان في الضياء والظلام والزيادة والنقصان فمن فاته عمله في أحدهما
قضاه في الآخر
والمعنى يذكر باللسان أو القلب أو يشكر نعمة ربه عليه بالجسد والجوارح فعلم من هذه
الآية أن اليوم والليل المتعلقين بالحركة الأولية هما المتعينان للذكر والشكر
والصوم داخل في الشكر لأن الصائم يصون بدنه بترك الغذاء لله تعالى وثانيها أن
الصلاة إنما فرضت لأجل أن يتوجه العبد إلى خالقه ساعة فساعة بفاصله يسيرة ومسافة
قليلة ويعبده هكذا حتى يستولي لون التوجه والعبادة على روحه ونفسه ويذهب عنه صبغ
الغفلة والسكرة فإن تقع هذه القضية في عام خمس مرات لا تؤثر في الروح والجسد أصلا
بل تنس
وكذلك الصوم إن امتد إفطاره إلى ستة أشهر في حق سكان تلك الأرض لكان لهم تكليف بما
لا يطاق فإن الإمتناع من الأكل والشرب إلى هذه الغاية الطويلة مهلك في مجاري
العادات وقد نطق الكتاب العزيز بنفي هذا التكليف قال تعالى { لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها }
____________________
و أيضا قال تعالى عند ذكر
فرضية الصوم { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما
معدودات } والظاهر أن عدد الأيام في شهر واحد يكون في أقل من شهر عرفا فيعدون مثلا
أيام الشهر ويقولون يوم أو يومان أو ثلاثة أيام أربعة أيام وإذا تجاوزوا الشهر قالوا
شهر أو شهران أو ثلاثة أشهر أو شهران ونصف فعلم أن الصيام لا يزيد على شهر فضلا عن
أن يزيد إلى ستة أشهر
وقال بعض المتفهمين موردا للشبهة في هذا المقام أن في كتب الأصول أن الصلاة والصوم
إنما سبب وجوبهما الوقت وليس في أرض التسعين وقت لهما يعني لا طلوع ولا زوال ولا
غروب في كل يوم حتى تجب الصلاة والصوم والمسبب لا يتحقق إلا بوجود السبب والجواب
عنه أن المراد يكون الوقت سببا للوجود هو العلامة وإلا فأصل السبب في الوجوب إنما
هو حكم الله سبحانه حكم به لحكمة مقصودة فالسبب في وجوب الصلاة حقيقة التنبه بذكر
الخالق وفكره ودفع الغفلة عن تذكره وفي الصوم كسر النفس وهضمها بترك المألوفات إلى
مدة طويلة وهذه الأسباب تلازم وجود نوع الإنسان أينما كان وكيفما كان وعلى أن
الشرع الشريف فيه يسر يمكن استخراج حكم الصلاة والصوم بطريق آخر وهو إذا كان اليوم
ستة أشهر والليل ستة اشهر يستحيل عادة أن يبقى يقظانا ويشتغل بالحوائج تلك المدة
على الاتصال في النهار أو ينام بلا حس وحركة إلى تلك المدة الطويلة بحكم الجبلة
البشرية بل لابد أن يفرق بين هذه المدة ويجعل وقتا للإستراحة والنوم ووقتا آخر
للكسب والمعاش فهذا الوقت يكون في حقه يوما ويصلي فيه صلوات النهار والوقت الأول
يكون ليلا ويصلي فيه صلاة الليل في أول الوقت وأوسطه وكذلك يعمل في الصوم وفي
إفطاره وهذا طريق سهل يوافق قواعد الفقه لأن العرف والعادة له اعتبار في بعض
الأحكام عند الضرورة والقرآن الكريم يشير إلى أصل هذا المطلب قال الله تعالى {
فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا }
____________________
) أي بحساب معلوم للشهور
والأعوام لا يجاوزانه حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما وقال تعالى { ومن رحمته جعل
لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } يعني جعل الليل للسكون
والاستراحة واليوم لكسب المعاش وهذه العبارة فيها لف ونشر مرتب وعلم منها أن الليل
وقت للإستراحة حقيقة كيفما كان وكذلك اليوم وقت لإبتغاء الفضل وهو المعاش كيفما
يكون ولا يقف ذلك على طلوع الشمس والقمر وغروبهما انتهى كلامه ذكر حكم الصلاة
والصوم بأرض البلغار
بلغار بضم الباء الموحدة فسكون اللام والألف بين الغين المعجمة والراء وضبطه في
القاموس بلا ألف وقال العامة تقول بلغار وهي مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال شديدة
البرد انتهى
يطلع الفجر فيها قبل غروب الشفق وقت العشاء والوتر وكذلك وقت الفجر أيضا في
أربعينية الصيف ففاقدها مكلف بهما يجب عليه صلاة العشاء والوتر ويقدر الوقت كما في
أيام الدجال والمراد بالتقدير ما قاله الشافعيه من أنه يكون وقت العشاء في حقه
بقدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليه والأول أظهر والوجوب عليه قضاء لا
أداء ولا قضاء وقيل أن الصلاة الواقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه يسمى ما وقع
منها في الوقت أداء وبه أفى البرهان الكبير واختار الكمال وقد يقال لا مانع من
كونها لا أداء وما وقع خارجه قضاء اعتبارا لكل جزء بزمانه وقيل لا يكلف بهما لعدم
السبب وبه جزم في الكنز والدرر والملتقى وبه أفتى البقالي ووافقه الحلواني
والمرغيناني ورجحه الشرنبلالي والحلبي وأوسعا المقال ومنعا ما ذكره الكمال وقد كر
على الحلبي الفاضل المحشي بالنقض وانتصر للمحقق بما يطول قال في الدر المختار ولا
يساعده أي الكمال حديث الدجال لأنه
____________________
وإن وجب أكثر من ثلاثمائة ظهر
مثلا قبل الزوال ليس كمسألتنا لأن المفقود فيه العلامة لا الزمان أما فيها فقد فقد
الأمران انتهى
قال الشامي والأحسن في الجواب عنه أنه لم يذكر حديث الدجال ليقيس عليه مسألتنا أو
يلحقها به دلالة وإنما ذكره دليلا على افتراض الصلوات الخمس وإن لم يوجد السبب
افتراضا عاما وما أورد عليه من عدم الإفتراض على الحائض والكافر يجاب عنه بما قاله
المحشي من ورود النص بإخراجهما من العموم هذا وقد أقر ما ذكره المحقق تلميذاه
العلامتان المحققان ابن أمير حاج والشيخ قاسم والحاصل أنهما قولان مضجعان ويتأيد
القول بالوجوب بأنه قال به إمام مجتهد وهو الشافعي كما نقله في الحلية عن المتولي
عنه إنتهى
والمراد بالأمرين العلامة وهي غيبوبة الشفق قبل الفجر والزمان المعلم وهو ما تقع
فيه الصلاة فيه أداء ضرورة أن الزمان الموجود قبل الفجر هو زمان المغرب وبعده هو
زمان الصبح فلم يوجد الزمان الخاص وليس المراد فقد أصل الزمان كما لا يخفى نعم إذا
قلنا بالتقدير هنا يكون الزمان موجودا تقديرا كما في أيام الدجال فلا يرد على
المحقق الكمال ذكره الشامي
أقول وصل إلينا في هذا الزمان أعني سنة ألف ومائتين وإحدى وتسعين مؤلف للشيخ الأجل
والحبر الأكمل هارون بن بهاء الدين المرجاني شهاب الدين البلغاري سلمهما الله
تعالى على يد الحاج الحبيب الشيخ محمد أحسن الطيب الحاجي بوري ألفه في مسألتنا هذه
وأطال فيها غاية الإطالة ولم يدع لقائل عدم الوجوب حجة ولا مقالة وسماه بناطورة
الحق في فرضية العشاء وإن لم يغب الشفق فلنلخص هنا كلامه ولنحرر مرامه بما يتضح به
الصواب ويجيء الحق ويزهق الباطل ويتحلى به كل جيد عاطل
فأقول قال سلمه الله تعالى وعافاه وعلى معارج العلى رقاه قد ثبت فرضية كل واحدة من
الصلوات الخمس بالكتاب والسنة وإجماع
____________________
الأمة على كل واحد من
المكلفين من غير اختصاص بأهل قطر دون قطر وحصرها على عصر دون عصر وكل واحدة منها
على قدم سواء في عموم الفرضية وشمول الوجوب ودخولها تحت كليات الدلائل القطعية
وعمومات البراهين اليقينية فهذا مما لا مساغ للارتياب فيه لأحد فإنها أظهر من
الشمس وأبين من الأمس لا تمس الحاجة إلى تفصيل الأمر فيه وبسط الكلام في مبانيه
ففرضيتها موزعة على أوقاتها المعروفة في الدين ضرورة غدوة وظهيرة وعشية ومساء
وزلفة وإنما شذ شرذمة قليلة من أحداث الأمة واخلاف المتفقهة وزعموا أن العشاء
ساقطة عن سكان بعض الأقطار في عدة أيام من السنة ينتهي قصر لياليها إلى غاية لا
يغيب الشفق فيها توهما منهم أن وجود الوقت الذي هو سبب لوجوب الصلاة وطريق لها
وشرط لتحققها يتوقف على غيبوبة الشفق وهو زعم ساقط وتوهم لا مساغ له قط وذلك لأن
أدنى مراتب السبب أن يكون ملائما للمسبب وهو منتف بين الصلاة والوقت قطعا ولأن
السبب لا يجوز أن يكون كل الوقت لوجوب الصلاة لمن صار أهلا لها في آخر الوقت ولا
البعض منه لصحة الأداء ممن أقامها في غير ذلك الجزء المعين ولا الغير المعين مطلقا
لعدم وجوب أدائها ولا قضائها ولا الفدية عنها على من اعترضه عدم الأهلية في آخر
الوقت من موت أو جنون مطبق أو حيض أو نفاس ولا الجزء المقارن للأداء لوجوب قضائها
على المساهل الذي لم يشرع فيها بل تعطل في الوقت كله مع أن الجزء المقارن ليس له
تقدم على الصلاة أصلا فكيف يكون سببا موجبا لها و مؤديا إليها وبالجملة جعل الوقت
سببا للعبادة بما هو وقت غير معقول وما ذكروه في الاستدلال عليه فضول لا يرتضيه
الفحول وقوله سبحانه { أقم الصلاة لدلوك الشمس } إنما يدل على السببية إن لو كان
اللام للتعليل وهو في حيز المنع فإنها ترد على معان فقد جعلها في القاموس هنا
بمعنى بعد وجعلها للتوقيت وجعلها المجد أيضا بمعنى عندما
قال ابن الهمام وهو استعمال محقق في اللغة وعلى ذلك قوله تعالى
____________________
{ فطلقوهن لعدتهن } وهو
المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر هذا حين دلكت الشمس ثم لا شك أن
الوقت متحقق في حق من هو ليس بأهل للصلاة لا شتماله على أحواله مع عدم الوجوب
فيتقدح عليه فيقدح من ذلك أن السبب أمر وراء الوقت وقد ذهب الفقهاء المتقدمون
والعلماء المحققون إلى أن سبب وجوب العبادات توالي نعم الله تعالى وتواتر أنعامه
وإحسانه إلينا في كل وقت ومن كل وجه وعلى كل حال كما دلت عليه الآيات الكريمات
والأحاديث الصحيحات ثم النعم لما كانت غير داخلة تحت الضبط والإحصاء وكان الوقت
ظرفا لحدوثها أديرت الصلوات معه ووزعت على أوقاتها تيسيرا للعباد وإقامة للظرف
مقام المظروف
ثم أن الوقت مقدار محدود من زمان غير محدود وهو أمر بديهي الآنية وإن كان خفي
اللمية لأن الزمان مقدار متجدد غير قار فلتجعله ما شئت وسمه به وإنما جعل الطلوع
والزوال والغروب والغيبوبة وأمثالها علامات لوجود الصلوات ومعرفات لها يتمكن بها
الخاصة بحضور الأوقات المعينة للصلوات ولو سلم أن الوقت سبب الوجوب مع عدم مسافة
فإنما ينتفي وجوب الصلاة بانتفائه علاماته المفارقة من غيبوبة الشفق وغيرها
والذي ثبت من الأوقات لا نسلم انتفاءه بانتفاء تلك العلامات ثم حديث إمامة جبريل
وغيره مما ذكر فيه غيبوبة الشفق في بيان وقت صلاة العشاء والمغرب لا تدل أصلا على
اشتراط غيبوبتة لخروج وقت المغرب ودخول وقت العشاء لأن قوله حين غاب الشفق وإن
احتمل بالنظر إلى نفس اللفظ أمرين أحدهما تقدير المدة المعينة وقتا لصلاة المغرب
بالمدة الفاصلة بين غروب الشمس وغيبوبة الشفق في البلاد التي كانوا فيها من غير أن
يكون تحقق العلامة شرطا لخروج وقت المغرب ودخول وقت العشاء بل يكون الشرط تحقق
المدة الفاصلة فقط سواء تحقق العلامة أولا
____________________
وثانيهما اعتبار غيبة الشفق
شرطا لخروج الوقت ودخوله لكن بالنظر إلى تمام الحديث في هذه الرواية وإلى الأدلة
الخاصة يضمحل هذا الإحتمال المرجوح بالكلية ويتعين الشق الأول مرادا منه
أما أولا فلأن في نظائره لم تعتبر العلامات المذكورة شرطا لدخول وقت وخروج وقت
مثلا صيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه ليست بشرط لخروج وقت الظهر أو ودخول وقت
العصر لعدم تحقق ذلك في غيم الهواء ويوم السحاب افترى أنه يسقط عن سكانها صلاة
الظهر لا يكلف أهلها بها وكذلك إفطار الصائم وحرمة الطعام والشراب عليه شرط لدخول
وقت المغرب ووقت الفجر قطعا ضرورة انتفاء الصائم في بعض أيام السنة وكذلك الحال في
الروايات الفقهية من نحو قولهم وقت المغرب من غروب الشمس إلى غيبية الشفق ووقت
العشاء منه إلى طلوع الفجر معناه أن إمتداد الوقت مقدر بذلك القدر وإن لم يتحقق
العلامة كيف لا فإن غيبة الشفق كما أخذت في دخول وقت العشاء اعتبرت في خروج وقت
المغرب فلو كان شرطا لما تحقق خروج وقت المغرب أصلا فيمن لا يغيب عنهم الشفق ولا
يوجد حين يحرم فيه الطعام والشراب على الصائم عند أولئك ومقتضاه سقوط الفجر عنهم
وعدم وجوب صوم الشهر عليهم وهو باطل بالنص والإجماع
وأما ثانيا فلأن حديث إمامة جبريل عليه السلام وحديث عائشة وعمر وأبي موسى وبريدة
وأبي سعيد وفي رواية عن أبي هريرة و أبي برزة وعبد الله بن عمرو بن العاص قد اعتبر
في بيان آخر وقت العشاء ثلث الليل وفي رواية عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن
العاص وأنس وعائشة وعمر وأبي سعيد نصف الليل ثم ما تضمن حديث بريدة من قوله صلى الله
عليه وسلم وقت صلاتكم بين ما رأيتم
وحديث الإمامة والوقت ما بين هذين الوقتين تشريع عام لعموم خطابة عليه السلام
ومفاده أن يكون آخر وقت العشاء لجميع الأمة ثلث الليل أو نصفه والثلث والنصف متحقق
في جميع الليالي في كل قطر
____________________
يوجد فيه غروب الشمس وطلوعها
فيوجد آخر وقت العشاء عند أهل ذلك القطر وإن لم يتحقق الغيبوبة من ضرورته تحقق
أوله لا محالة
فلو حمل قوله صلى الله عليه وسلم حين غاب الشفق على اشتراط تحقق الغيبوبة يلزم أن
يتناقض مفاد أول الحديث ومفاد آخره وهو محال في كلام الشارع المعصوم عن الخطأ
والكذب ولئن حمل على الإشتراط فيكون مخصصا لعمومه بالنسبة إلى الأقطار التي لا
يغيب فيها الشفق وملخص كلام الطحاوي في هذه الأحاديث أنه يظهر من مجموعها أن آخر
وقت العشاء حين يطلع الفجر إذ قد ورد في رواية لعائشة أنه صلى الله عليه وسلم اعتم
بها حتى ذهب عامة الليل وفي رواية لابن عمر إلى آخر الليل
وعن أبي موسى الأشعري أنه كتب إليه عمر صل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها وفي
رواية عنه أنه صلى الله عليه وسلم أخرها حتى انهار الليل وغير ذلك وكلها في الصحيح
قال فثبت أن الليل كله وقت لها ولكنها على أوقات ثلاثة إلى الثلث أفضل وإلى النصف
دونه وما بعده دونه
وأما ثالثا فلأنه على ذلك التقدير يكون مناقضا لحديث جابر بن عبد الله أنه صلى
الله عليه وسلم صلى العشاء قبل غيبوبة الشفق وحديث أبي هريرة صلاها حين ذهبت ساعة
من الليل ولما مر عن عمر صل أي الليل شئت أخرجه الطحاوي بطرق رجاله ثقات ولحديث
نعمان بن بشير كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة ولا ريب أن
غروب القمر في الليلة الثالثة من رؤيته ليس بشرط لدخول وقت العشاء في جميع أيام
الدهر فإن المقصود من النقل بلفظ ظاهره المواظبة بيان المشروع العام لجميع الأمة
ولو فرض على منوال فرض المحال أن الحديث بالنسبة إلى الأمرين على قدم سواء في
الإحتمال فما أخرجه مسلم في صحيحه من رواية نواس بن سمعان من حديث الدجال وفيه
قلنا يا رسول الله فذلك
____________________
اليوم الذي كسنة تكفينا فيه
صلاة يوم قال لا أقدروا له يلتحق بيانا لهذا المحتمل وكذلك عدة أحاديث غيره في هذا
المعنى فلو شرط غيبة الشفق لدخول وقت العشاء لزم نسخ عمومات الكتاب ومحكمات الأدلة
الواردة في إيجاب الصلوات الخمس على كل مؤمن ومؤمنة بالنسبة إلى سكان الأقطار التي
لا يغيب فيها الشفق ولذلك اختلف في مفاده فقهاء الأمة وعلماء الملة فإن أصحابنا
وسفيان الثوري وأحمد ومالكا في رواية والشافعي في قوله القديم ذهبوا إلى أن وقت
المغرب يمتد إلى غروب الشفق مع اختلافهم في الشفق وذهب الأوزاعي وابن المبارك
والشافعي في قوله الجديد ومالك في رواية إلى أنه قدر ما يصلي خمس ركعات متوسطات
بوضوء وأذان وإقامة فحسب ويدخل وقت العشاء بعده والشفق هو البياض عند أبي حنيفة
وأحمد بن حنبل والمزني والصفرة فيما أختاره الجويني والحمرة عند آخرين وذهب أبو
سعيد الصخري من الشافعية إلى أن آخر وقت العشاء إلى نصف الليل وقال الحسن بن زياد
آخر وقت العصر إلى اصفرار الشمس فقط ومن مذهب المخالفين أن وقت الظهر والعصر واحد
وكذا وقت المغرب والعشاء وجواز الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر ولو كان قطعيا
لزمه الإجماع ولما ساغ هذا الخلاف فيما بين هؤلاء
هذا و المذهب أن العلامات حيث ما تحققت يجب مراعاتها ولا يجوز المساهلة في تحقيقها
تحصيلا لليقين وسلوكا لطريق الإحتياط وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك
إلى مايريبك ومهما لم يكن اعتبارها ولم يتيسر مراعتها فلا يعبأ بها ولا يعتمد
عليها في إسقاط ما ثبت من الفرائض بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والإجماع
وهل في ذلك من ريبة فيقدر وقت المغرب بمدة يغيب فيها الشفق في الأيام الإعتدالية
والأقطار الإستوائية ثم يدخل وقت العشاء إن أمكن ذلك وإلا فبقدر ما يغيب فيه أسرع
من غيبته في هذه الأيام والأقطار ثم الأسرع فالأسرع فإن لم يكن ذلك بأن لا يكون
بين غروب الشمس وطلوعها إلا زمان قليل لا يسع فيه التقدير بشيء
____________________
فالواجب إذن إيقاع المغرب
والعشاء والفجر بين الغروب والطلوع فإن لم يكن بينهما مدة تسع فيها تلك الفرائض
فيسقط اعتبار تلك العلامات بالكلية ويرجع الأمر إلى التقدير في كل صلاة للضرورة
ويكون أداء لما ثبت فرضيته بالأدلة المطلقة في الوجوب وتلخيص البيان أن كون
الأوقات أسبابا لوجوب الصلاة ووجودها مشروطا بتحقق العلامات مما لا مساغ له قط فلا
نسلم فقد الأوقات بانتفائها ولا سقوط الصلوات بفقدانها ولو قدر التسليم في ذلك لما
عرف منها علامة بقاطع من نص الشارع وهو الغدوة والظهيرة والعشية والمساء والزلفة
وأما نحو صيرورة الظل وغيبوبة الشفق فلو ثبت شرطا فإنما يثبت بدليل ظني وبمدخل من
الرأي على أنه ربما يسقط بحكم الشرع اعتبار الأركان فضلا عن الشرائط والأسباب
كالإقرار في الإيمان وطواف الزيارة في الحج والقيام والقراءة والركوع والسجود
للعذر وقد تقرر في مقره أن الأسباب والشرائط إنما تعتبر بحسب الأماكن ولا يسقط
الممكن بسقوط ما ليس بممكن هذا وإنه لو انتفت تلك العلامات المعرفة للمدة الفاصلة
بين أوقات الصلوات أصلا بأن لا يتحقق غروب الشمس ولا طلوعها مدة مديدة نصف سنة أو
أقل أو بأن تطلع الشمس كما تغرب فإن مثل هذه المعمورة متحقق لا محالة فإن العمارة
موجودة في عرض ست وستين من الشمال معروفة من لدن عصر بطليموس بل في خارج دائرة قطب
البروج فإن عرض ثمان وستين قد بلغ إليه الحكيم المسكوبي وفيه قلعة للروس يقال لها
قوله لا تغرب فيها ا لشمس من أول الجموزاء إلى أول الأسد مدة اثنين وستين يوما ولا
تطلع من حادي عشر القوس إلى عشرين من الجدي مدة تسعة وثلاثين يوما وربما يردها
أشخاص من أهل الإسلام من أفراد العسكر في خدمات الدولة ويعترض عليهم هذه الحالة
ويطول أيامهم على الغاية كما في أيام الدجال وتحت القطبة وأقصى المنطقة الباردة لا
ى تغرب الشمس أكثر من ستة أشهر فإنه لا تطلع الشمس فيها ولا تغرب إلا بحركتها
الخاصة الشرقية ويمكن أن يكون طول يوم واحد كسنة من حيث الحكمة
وهل تجب الصلوات الخمس والصوم وسائر العبادات المتعلقة بالأوقات
____________________
على سكان هذه الأقطار لم بر فيه كلام في كتب المتقدمين ولم يرد خبر عنهم في تصانيف
واحد من الكبار المتبحرين وقد كانت المسألة معركة فيما بين العلماء المتأخرين من
أهل القرن السادس وبعده في وجوب العشاء والوتر وعدمه على من لا يجد وقتهما بأن لا
تتحقق المدة الفاصلة التي هي مدة غروب الشفق في الأيام المعتدلة والأقطار المتوسطة
ففي الفتاوى الظهيرة والمضمرات والتتارخانية وغيرها أفتى البرهان الكبير في أهل
بلد كما تغرب الشمس يطلع الفجر أن عليهم صلاة العشاء والصحيح أنه لا ينوي القضاء
لفقد وقت الأداء
وقال ابن الهمام في فتح القدير وافتى البرهان الكبير بوجوبهما وفي التيين شرح
الكنز للزيلعي عن المرغيناني عن البرهان الكبير نحوه وقال التمرشاني الغزي في
تنوير الإبصار وفاقد وقتهما مكلف بهما وقال سري الدين المعروف بابن الشحنة في
الذخائر الأشرفية أن الصحيح خلاف ما اختاره صاحب الكنز في هذه المسألة وقال في
ترجمة الكنز أن الفتوى على الوجوب وفي المحيط البرهاني عن الصدر الكبير أنه ليس
عليهم صلاة العشاء هكذا كان يفتي ظهير الدين المرغيناني ونحوه في المضمرات وخلاصة
الفتاوى ولو كانوا في بلدة إذا غربت الشمس طلع الفجر لا يجب عليهم صلاة العشاء وفي
الكافي للنسفي ولا يجب العشاء على قوم لم يجدوا وقته بأن يطلع فجر كما غربت الشمس
لعدم سبب الوجوب وهو وقته وفي الكنز ومن لم يجد وقتهما لم يجبا وذكر الزاهدي في
المجتبى شرح المختصر عن البدر الطاهر نحو ما في المحيط ونحوه في جواهر الفقه لطاهر
بن سلام الخوارزمي وقد نسب الفتوى بالوجوب إلى ظهير الدين المرغيناني في غير واحد
من الشروح وغيرها
وبالجملة فمأخذ القول بالوجوب هو برهان الدين الكبير ومأخذ القول بعدمه هو الصدر
الكبير برهان الأئمة واختلف عن المرغيناني وقد شارك في هذا اللقب والنسبة رجلان من
بيت واحد ولم يبين أحد أن المفتي في هذه الحادثة أيهما أحدهما ظهير الدين أبو
الحسن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق المرغيناني مات سنة ست وخمسمائة وهو
____________________
جد صاحب الخلاصة لأمة وعم
والد قاضيخان وثانيهما ابنه ظهير الدين أبو المحاسن حسن بن علي المرغيناني صاحب
كتاب الأقضية وغيرها والظاهر أن تلك الفتوى بالوجوب منسوبة إليه ثم صحة كلام
الزيلعي ترفع الاحتمال وتبين أنه هو المراد من المرغيناني ومن برهان الدين الكبير
هو أبو محمد عبد العزيز بن عمر المروزي بعثه سلطان سنجر بن ملك شاه السلجوقي إلى
بخاري في مهم وسماه صدرا سنة خمس وتسعين وأربعمائة وهو المعروف بالصدر الماضي
والصدر الكبير وبرهان الدين الكبير وبرهان الأئمة وهو أبو الصدور وهذا اللقب
مقارنا لوصفه بالكبير لم يقع إلا عليه
وأما التعبير بالصدر الكبير وبرهان الأئمة وبرهان الدين فقد وقع عليه وعلى جماعة
من أولاده وغيرهم ولعل المفتي بالسقوط كان أحدهم إن صح ذلك ولا يساعد عصر واحد
منهم أن يحكي عنه ظهير الدين المرغيناني إلا الصدر الماضي والدهم وأخاف أن يكون
الزيلغي أخطأفينقله عن المرغيناني ذلك وأرى أنه أخذ من الفتاوى الظهيرية وزعم أن
صاحبها ظهير الدين المزغيناني وجرى من جاء بعده ممن نسب إليه القول بالوجوب على أثره
وليس كما زعم بل هو ظهير الدين محمد بن أحمد البخاري مات سنة تسع عشرة وستمائة
وبالجملة أن طائفة من أحداث الجهال المتعصبين على الحق المنهمكين في التقليد
المتهالكين في إضاعة الصلوات قد حرفوا عبارة الظهيرية والمضمرات وغيرها وزادوا
فيها كلمة ليس النافية وسلطوها على الوجوب زعما منهم أنه لو لم تكن موجودة في
العبارة لكان آخر الكلام منافيا لأوله حيث قال والصحيح أنه لا ينوي القضاء لفقد
وقت الأداء وهو زعم سقيم ووهم عقيم فإن عبارات تلك الكتب محكمة في عدم هذه الكلمة
والنسخ منها مطردة عليه وقد عرفت أن الخلاف فيمن لا يجد الوقت أصلا ومن أفتى
بالوجوب لم يبال بعدم الوقت وذهب إلى وجوبه مع عدمه لأن الوقت غير مقصود بالذات
ولا بسبب حقيقة ويسقط اعتباره بأدنى سبب كما في عرفة ومزدلفة وأيام الدجال
بالاتفاق
____________________
ويجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أحدهما وكذا المغرب والعشاء عند مالك
والشافعي ومن وافقهما وقد أخرج الشيخان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما رجع من الأحزاب قال لا يصلين أحدا العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر
في الطريق وقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها
وقال بعضهم لم يرد ذلك منا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا منهم
وقد روي أن بعضهم صلاها بعدما انتصف الليل وقد قام الدليل القطعي على وجوب العشاء
بعد غروب الشمس فلا يجوز تركها بانتفاء سبب جعلي محتمل للسقوط والتكليف إنما هو
بقدر الوسع فيجب أداؤها وإن لم يتحقق الوقت أصلا لثبوت أصل الوجوب في الذمة
فقولهم الصحيح أنه لا ينوي القضاء متفرع على وجوب الأداء مع عدم تحقق وقت العشاء
ولا تنافي بين أطراف الكلام أصلا ألا ترى المحقق ابن الهمام بعدما بسط الكلام في
الوجوب وزيف القول بالسقوط قال الصحيح أنه لا ينوي القضاء واعترض عليه الزيلعي بما
هو ظاهر السقوط لا يكاد يصح وتبعه صاحب الدرر والجواهر وأمثالهما وإنما الخلاف
فيمن لا يجد الوقت أصلا وإن الحق الأبلج فيه هو الوجوب أيضا والفرق بينهما ظاهر
وليت شعري ماذا يقول الزيلعي وأتباعه في المغرب هل يرى سقوطه عن هؤلاء أو يجعله
فرض الوقت و إن دخل وقت الفجر وذكر الزاهدي في المجتبى حكاية في هذه المسألة عن
الحلواني والبقالي وأن البقالي وافقه فيها
وقد انتحل هذه الحكاية عن الزاهدي رجال من المتأخرين وشوشوا به عقيدة الحق على
أهله وفرحوا بإضاعتهم الصلاة مع زعمهم البقالي هو أبو الفضل محمد بن أبي القاسم
الخوارزمي وهو متأخر الزمان توفي سنة ست وثمانين أو سبعين وخمسمائة فكيف يمكن
معاصرته للحلواني فإن وفاة الحلواني كانت سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربعمائة وهذا
الوصف قد وقع على عدة أشخاص يعرف كل منهم بالبقالي
____________________
وقد وقع النقل عنه في المحيط البرهاني وخلاصة الفتوى وفتاوى قاضي خان وفي القنية
وعصر هؤلاء لا ينجعه النقل عن أبي الفضل البقالي لعدم سبق زمانه عليهم وأيا ما كان
فالبقالي من أهل الاعتزال في العقيدة ويلوح من كلام الزاهدي تعصبه لإخوانه من
أرباب تلك النحلة
وقال ابن الشحنة في شرح المنظومة أن كلام الزاهدي لا يؤخذ به ما لم يعضده نقل عن
غيره ولهذا اعترض عليه ابن الهمام وقال انتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه
لجواز دليل آخر وقد وجد وهو ما توطأ من أخبار الإسراء من فرض الصلاة خمسا بعدما
أمر أولا بخمسين ثم استقر الأمر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق لا تفصيل فيه بين
قطر و قطر
وما روي من حديث الدجال عند مسلم فقد أوجب أكثر من ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل
مثلا أو مثلين وقس عليه فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم غير أن
توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها لا يسقط بعدمها الوجوب وكذا قال صلى الله عليه
وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ومن أفتى بوجوب العشاء يجب على قوله الوتر
أيضا انتهى
ولعمري أن هذا الكلام قد بلغ من التحقيق والإتقان الغاية ومن الطلاوة وحسن البيان
النهاية ولكن قد كثر مدافعة المتأخرين له ومناقشتهم فيه وذلك لإهمالهم الفقه
والأصول وإغفالهم معاني المعقول ومدارك المنقول وانتصر إبراهيم بن محمد الحلبي في
شرح المنية للبقالي وقال الحديث ورد على خلاف القياس وقال القاضي عياض إنه حكم
مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه
عند الأوقات المعروفة ولاكتفينا بالصلوات الخمس انتهى
قال الحسكفي في شرح تنوير الأبصار وقيل لا أبي لا يكلف بهما لعدم سببهما وبه جزم
في الكنز والدرر والملتقى وبه أفتى البقالي ووافقه الحلواني وظهير الدين
المرغيناني ورجحه الشرنبلالي والحلبي
____________________
قلت كلام المحبط والخلاصة
والكافي والكنز وأمثالها محمول على من لم يجد الوقت أصلا غير أن الزيلعي ومن تابعه
لما زعموا أن وقت العشاء لا يوجد إلا بغروب الشفق نزلوا هذا القول على من لا يغيب
عنه الشفق وبنوا كلامهم عليه وتصرفوا في العبارات وكيف ما كان فقد أظهر الدليل
فساده وأبدت الحجة عليه عواره وأثبت ابن الهمام الوجوب على الإطلاق وأقام برهانه
وشيد أركانه ولم يأت الشرنبلالي في كتابه شرح الملتقى ولا في امداد الفتاح بشيء
سوى ما نقله من كلام الحلبي بعبارته التي بطلانها أظهر من أن يحتاج المصنف إلى
التأمل فيه فإن المحقق لا يسلم أولا فقدان الوقت بعدم غيبة الشفق وإنما كلامه في
إثبات الوجوب على من لا يجد الوقت أصلا ثم لا يسلم كون الوقت سببا لأن السبب هو
تتالي نعم الله تعالى على عباده ولئن كان سببا فلا نسلم أن الوقت الذي هو سبب غير
موجود لأن مدة اليوم والليلة في قطر تغيب فيه الشمس تكون أربعة وعشرين ساعة سواء تساوى
الليل والنهار أو تفاوتا في الطول والقصر ولا نسلم أن الوقت من الأسباب والشروط لا
تحتمل السقوط لأنه يسقط بأدنى علة مثل عرفة ومزدلفة وأيام الدجال بالإتفاق وبعذر
المطر والسفر والمرض وغير ذلك عند الشافعي ومن وافقه لكونه وسيلة غير مقصودة
والنقض يمثل الحائض والكافر ظاهر السقوط فإنه حكم استثناه الشرع وورد فيه دليل
قطعي من الكتاب والسنة وإجماع الأمة
والقول بأن القياس على حديث الدجال غير صحيح ظاهر البطلان لأن المحقق في غنى عن
وضع السبب به وإنما هو في صدد بيان المعرف الآخر للوجوب العام وإن انتفى المعروف
المعهود وهو الزوال والغروب وغيرهما وقد حكى النسفي في المصفى شرح المنظومة عن
جمال الدين المحبوبي أنه قال كسالى بخارى لا يمنعون عن الصلاة وقت طلوع الشمس لأن
الغالب أنهم إذا منعوا عن ذلك وأمروا بالمكث في المسجد إلى ارتفاع الشمس أو
بالرجوع ثم الحضور لم يفعلوا ذلك ولم يقضوها ولو صلوها في هذه الحالة فقد أجازه
أصحاب الحديث والأداء في وقت يجيزه بعض الأئمة أولى من الترك
____________________
وهكذا نقل عن الحلواني والمرغيناني فانظر كيف جوز هؤلاء صحة الفجر عند الطلوع
والعشاء قبل الغيبوبة بناء على تجويز بعض الأئمة مع ورود النهي عنه ونصوص الأئمة
الثلاثة القاضية على عدم الجواز مخافة أن يتركوها بالكلية بمجرد الكسالة فكيف يسوغ
أن يفتي بسقوط العشاء عمن لا يغيب عنهم الشفق بجعل إلهي وسبب سماوي مع نهوض براهين
الوجوب عليه نهوضا لا مرد له وليس في العالم قطر تغيب فيه الشمس
ثم كما تغرب يطلع الفجر من جانب آخر بل تتحول الحمرة من جهة المغرب متدرجة إلى
الصفرة ثم إلى البياض حسب دوران الشمس تحت الأفق إلى أن ينتصف الليل
ثم ترجع على هذه الدراجة منعكسة قهقرى حتى تطلع الشمس من جهة المشرق وعندي أن نقول
الفتوى بالسقوط عن الحلواني والمرغيناني والصدر الكبير وأمثالهم لا تصح أصلا وإن
وجد في عدة كتب فإنه مع خلوه عن الإسناد لا دليل بيتني عليه وحسن الظن فيهم لا
يرخصنا في نسبه هذه المجازفة إليهم ومما يشهد بذلك أن إسلام أهل بلغار كان بزمان
كثير قبل زمان أولئك الفضلاء الذي يعزى إليهم الإفتاء بسقوط العشاء عن سكان هذه
الديار في ليال من السنة تنتهي إلى غاية القصر فمنهم من قال أنهم أسلموا في صدر
ملك بني مروان في كبد القرن الأول من الهجرة ومنهم من قال أنهم أسلموا في خلافة
المأمون ومنهم من قال في خلافة ابن أخيه الواثق بالله ثم ظهر الإسلام فيهم بإسلام
ملك بلغار الماس خان بن سلكي خان في خلافة المقتدر فتسمى بالأمير جعفر
ولأحمد بن فضلان رسالة كتب فيها ما شاهده في سفره إلى بلغار ومدينة بلغار كانت على
خمس وخمسين درجة من العرض الشمالي وعرض قزان أكثر منه بخمس وأربعين دقيقة وطولها
في ست وستين درجة وست وأربعين دقيقة من جزائر الخالدات وطول بلغار أكثر منه بشيء
نحو ست عشرة دقيقة فكيف يتخيل أنه خفي عليهم شأن الشفق فما تكلموا في مسألة العشاء
بها نعم كان الأمر واضحا لهم في ذلك حين
____________________
كانوا في بلادهم لمكانهم بمحل
عظيم من العلوم الشرعية ولكنهم لم يروا إسقاط شيء من فرائض الله تعالى وما كان لهم
أن يشكوا في هذا الحكم لما لاح لهم من عموم الأدلة وظهور البراهين القطعية
والروايات المستفيضه أم كيف يهمل المتقدمون من أهل بلغار هذه المسألة مع فرط
حاجتهم إليها وكثرة ابتلائهم بها ولم يستفتوا فيها والإسلام غض المجنى جلو المغنى
يحفظون حدوده ويلتزمون عهوده وقد كان فيهم من علمائهم جماعة قبل عصر البقالي
والحلواني وبعده مثل عبد الحي ووالده عبد السلام والقاضي أبو العلاء حامد بن إدريس
والقاضي يعقوب ابن نعمان مؤرخ بلغار وغيرهم وهب أنه لم يكن فيهم علماء يفتون في
الوقائع فهلا راجعوا إلى علماء سائر الأمصار مع كثرة أسفارهم في الأقطار وشهرتهم
بوفور التجارة وحسن التمدن من قديم الأعصار وما ظهر ذلك إلا لأحمد بن فضلان وغيره
من وفود العراق وعلماء دار الخلافة مع طول مقامهم بها وورودهم مقامهم بها وورودهم
إليها لتعليم الإسلام وإذاعة الشرائع والأحكام بل علموا ذلك ولكن لم يشكوا في
الوجوب بل إنما حدثت هذه الشبهة الغثة والريبة والرثة بعد انقراض الفقهاء وذهاب
العلماء ورئاسة الجهال وإشراف الإسلام على الزوال وانتكاس حال الأنام واختلال
مصالح البرية عند اضمحلال الدولة العباسية فإنا لله وإنا إليه راجعون انتهى كلام الناظورة
وهو حرف من الكتاب وقطرة من العباب وكم فيه من أدلة وبراهين على فرضية صلاة العشاء
على جميع المكلفين من الأمة على السواء غاب عنهم الشفق أو لم يغب تركناها مخافة
الإطالة فمن شاء تفصيل ذلك فليرجع إليه
وأما مسألة الصوم فقد قال الشامي في رد المحتار حاشية در المختار لم أر من تعرض
عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا
يقدر فيه الصائم على أكل ما يقيم بنية ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم
لأنه يؤدي إلى الهلاك فإن قلنا بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير وهل يقدر ليلهم
بأقرب البلاد إليهم كما قال الشافعية هنا أيضا أم يقدر لهم بما يسع
____________________
الأكل والشرب أم يجب عليهم
القضاء فقط دون الأداء كل محتمل فليتأمل ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلا
كالعشاء عند القائل به فيها لأن العلة عدم الوجوب فيها عند القائل به عدم السبب
وفي الصوم قد وجد السبب وهو شهود جزء من الشهر وطلوع فجر كل يوم هذا ما ظهر لي
والله تعالى أعلم
____________________
ذكر الأرض الجديدة
اعلم أنه قد حقق قوم من حكماء النصارى منذ مضي أربعمائة سنة من سني الهجرة أرضا
جديدة ما خلا أرض الربع المسكون المنقسم على الأقاليم السبعة وسموها برا أعظم
وينكي والدنيا الجديدة وأمريكا وقالوا إحاطة الماء لكرة الأرض ليس على ما رسمه
الحكماء السابقون بل الواقع أنه قد أحاط عنصر الماء كرة الأرض على صورة المنطقة
لخصر الإنسان وكما أن الأرض ظهرت وانكشفت في هذه الجهة التي قسموها على الأقاليم
السبعة وسموها الربع المسكون وصارت هي مساكن العالم من بني آدم فكذلك انكشفت وظهرت
في الجهة المقابلة لتلك الجهة وصارت مسكنا لجموع من الناس وهي واقعة على وضع لو لم
تكن الأرض في البين لالتصقت أقدام أشخاص كلتا الجهتين بالأخرى وتبقى الرؤوس في جهة
السماء فكان الأرض بتمامها خمس حصص والربع المسكون منها المسمى بالأقاليم السبعة
ثلاث حصص والأرض الجديدة حصتان أو أزيد ثم تحتوي تلك الدنيا الجديدة على البلاد
الحارة والباردة ويحصل منها صنوف الخشب والعشب والأدوية والأغذية وهي كثيرة
المعادن من الذهب والفضة وفيها المعابد والكنائس والمكاتب والعمائر العظيمة وفيها
كل شيء نحو ما في هذه الدنيا كأنها هي الربع المسكون بعينه تسكنها أقوام من
النصارى وسلطنة هذه الأرض بأيديهم إلى يومنا هذا ولهم محاربات وقضايا ووقائع مع
البريطانية الذين هم حكام الهند اليوم كثيرة يطول شرحها ويخلق ما لا تعلمون ولا
يعلم جنود ربك إلا هو
____________________
ذكر في التاريخ
لا يخفى أن فن التاريخ من الفنون التي يتداولها الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب
والرحال وتسمو إلى معرفة السوقة والأغفال وتتنافس فيه الملوك والأقيال ويتساوى في
فهمه العلماء والجهال إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق
من القرون الأول تنمي فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال وتطرف بها الأندية إذا غصها
الاحتفال وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال واتسع للدول فيها النطاق
والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر
وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو
لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها خليق وأن فحول المؤرخين في
الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها
وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها أو ابتدعوها وزخارف من الروايات
المضعفة لفقوها ووضعوها واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها وأدوها إلينا
كما سمعوها ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات
الأحاديث ولا دفعوها فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل والغلط والوهم
نسيب للأخبار وخليل والتقليد عريق في الآدميين وسليل والتطفل على الفنون عريض
وطويل ومرعى الجهل بين الأنام وخيم ووبيل والحق لا يقاوم سلطانه والباطل يقذف
بشهاب النظر شيطانه والناقل إنما هو يملي وينقل والبصيرة تنقد الصحيح إذا تمقل
والعلم يجلو لها صفحات الصواب ويصقل
____________________
وقد دون الناس في الأخبار
وأكثروا وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا والذين ذهبوا بفضل الشهرة
والأمانة المعتبرة واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة هم قليلون لا
يكادون يجاوزون عدد الأنامل ولا حركات العوامل مثل ابن اسحق والطبري وابن الكلبي
ومحمد بن عمر الواقدي وسيف بن عمر الأسدي والمسعودي وغيرهم من المشاهير المتميزين
عن الجماهير وإن كان في كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز ما هو معروف عند
الإثبات ومشهور بين الحفظة والثقات إلا أن الكافة اختصتهم بقبول أخبارهم واقتفاء
سننهم في التصنيف واتباع آثارهم والناقد البصير قسطاس نفسه في تزييفهم فيما ينقلون
أو اعتبارهم فللعمران طبائع في أحوله ترجع إليه الأخبار وتحمل عليها الروايات
والآثار ثم إن أكثر التواريخ لهؤلاء عامة المناهج والمسالك لعموم الدولتين صدر
الإسلام في الآفاق والممالك وتناولها البعيد من الغايات في المآخذ والمتارك
ومن هؤلاء من استوعب ما قبل الملة من الدول والأمم والأمر العمم كالمسعودي ومن نحى
منحاه وجاء من بعدهم من عدل عن الإطلاق إلى التقييد ووقف في العموم والإحاطة عن
الشأو البعيد فقيد شوارد عصره واستوعب أخبار قطره واقتصر على أحاديث دولته ومصره
كما فعل أبو حيان مؤرخ الأندلس والدولة الأموية بها وابن الرفيق مؤرخ إفريقية
والدول التي كانت بالقيروان ثم لم يأت من بعد هؤلاء إلا مقلد وبليد الطبع والعقل
أو متبلد ينسج على ذلك المنوال ويحتذى منه بالمثال ويذهل عما أحالته الأيام من
الأحوال واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال فيجلبون الأخبار عن الدول وحكايات
الوقائع في العصور الأول صورا قد تجردت عن موادها وصفاحا انتضبت من أغمادها ومعارف
تستنكر للجهل بطارفها وتلادها إنما هي حوادث لم تعلم أصولها وأنواع لم تعتبر
أجناسها ولا تحققت فصولها بكررون في موضوعاتهم الأخبار المتداولة بأعيانها أتباعا
لمن عنى من المتقدمين بشأنها ويغفلون أمر الأجيال الناشئة في ديوانها بما أوعز
عليهم ترجمانها فتستعجم صحفهم عن بيانها ثم إذا
____________________
تعرضوا لذكر الدولة نسقوا
أخبارها نسقا محافظين على نقلها وهما أو صدقا لا يتعرضون لبدايتها ولا يذكرون
السبب الذي رفع من رايتها وأظهر من آيتها ولا علة الوقوف عند غايتها فيبقى الناظر
متطلعا بعد إلى افتقاد أحوال مبادئ الدول ومراتبها مفتشا عن أسباب تزاحمها أو
تعاقبها باحثا عن المقنع في تباينها أو تناسبها حسب ما ذكر ابن خلدون في مقدمة
تاريخه
ثم جاء آخرون بإفراط الاختصار وذهبوا إلى الاكتفاء بأسماء الملوك والاقتصار مقطوعة
عن الأنساب والأخبار موضوعة عليها أعداد أيامهم بحروف الغبار كما فعله ابن رشيق في
ميزان العمل ومن اقتفى هذا الأثر من المهمل وليس يعتبر لهؤلاء مقال ولا يعد لهم
ثبوت ولا انتقال لما أذهبوا من الفوائد وأخلوا بالمذاهب المعروفة للمؤرخين
والعوائد
ومن أحسن ما ألف في فن التاريخ وأجمع ما جمع فيه تحقيقا وإتقانا في كتب القوم بعد
سبر أغور الأمس واليوم كتاب العبر وديوان المبتدأ الخبر في أيام العرب والعجم
والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر لقاضي القضاة فإنه أنشأ في التاريخ
كتابا ورفع به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا وفصله في الأخبار والاعتبار بابا
بابا وأبدى فيه لأولوية الدول والعمران عللا وأسبابا وبناه على أخبار الأمم الذين
عمروا المغرب في تلك الآثار وملأوا أكناف النواحي منه والأمصار وما كان لهم من
الدول الطوال والقصار ومن سلف من الملوك والأنصار سلك في ترتيبه وتبويبه مسلكا
غريبا واخترعه من بين المناحي مذهبا عجيبا وشرح فيه من أحوال العمران والتمدن وما يعرض
في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها ويعرفك
كيف دخل أهل الدول من أبوابها حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال من قبلك من
الأيام والأجيال وما بعدك ثم من أحسن التواريخ المختصرة كتاب المختصر في أحوال
البشر لأبي الفدا إسماعيل صاحب حماة الملك المؤيد وكتاب المواعظ والاعتبار في بيان
الخطط والآثار للمقريزي رحمه الله وقد طالعناها على هذه المقالة وأضفنا إليها
أشياء والله يهدي إليه من يشاء
____________________
ذكر فضل علم التاريخ وتحقيق
مذاهبه والألماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط والأوهام وذكر شيء من أسبابها
اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال
الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياستهم حتى
تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا فهو محتاج إلى مآخذ
متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبيت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن
المزلات والمغالط لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة
وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها
بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة
الصدق
وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع
لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا لم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها
بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر
والبصيرة فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط سيما في إحصاء الأعداد من
الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب ومطية الهذر ولا بد من
ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد
____________________
جيوش بني إسرائيل
وهذا كما نقل المسعودي وكثير من المؤرخين في جيوش بني إسرائيل وأن موسى أحصاهم في
التيه بعد أن أجاز من يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة
ألف أو يزيدون ويذهل في ذلك عن تقدير مصر والشام واتساعها لمثل هذا العدد من الجيوش
لكل مملكة من الممالك حصة من الحامية تتسع لها وتقوم بوظائفها وتضيق عما فوقها
تشهد بذلك العوائد المعروفة والأحوال المألوفة
ثم إن مثل هذه الجيوش البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال
لضيق ساحة الأرض عنها وبعدها إذا اصطفت عن مدى البصر مرتين أو ثلاثا أو أزيد فكيف
يقتتل هذان الفريقان أو تكون غلبة أحد الصفين وشيء من جوانبه لا يشعر بالجانب
الآخر والحاضر يشهد لذلك فالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء جيوش الفرس
ولقد كان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير يشهد بذلك من كان من
غلبة بخت نصر لهم والتهامه بلادهم واستيلائه على أمرهم وتخريب بيت المقدس قاعدة
ملتهم وسلطانهم وهو من بعض عمال مملكة فارس يقال أنه كان مرزبان المغرب من تخومها
وكانت ممالكهم بالعراقين وخراسان وما وراء النهر والأبواب أوسع من ممالك بني
إسرائيل بكثير
ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد ولا قريبا منه وأعظم ما كانت جموعهم
بالقادسية مائة وعشرون ألفا كلهم متبوع على ما نقله سيف قال وكانوا في أتباعهم
أكثر من مائتي ألف جموع رستم
وعن عائشة والزهري أن جموع رستم التي زحف بها لسعد بالقادسية إنما كانوا ستين ألفا
كلهم متبوع وأيضا فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا
____________________
العدد لاتسع نطاق ملكهم
وانفسح مدى دولتهم فإن العمالات والممالك في الدول على نسبة الحامية والقبيل
القائمين بها في قلتها وكثرتها والقوم لم تتسع ممالكهم إلى غير الأردن وفلسطين من
الشام وبلاد يثرب وخيبر من الحجاز على ما هو المعروف
وأيضا فالذي بين موسى وإسرائيل إنما هو أربعة آباء على ما ذكره المحققون فإنه موسى
بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وهو إسرائيل الله هكذا نسبه في التوراة
والمدة بينهما على ما نقله المسعودي حين أتوا إلى يوسف سبعين نفسا وكان مقامهم
بمصر إلى أن خرجوا مع موسى إلى التيه مائتين وعشرين سنة تتداولهم ملوك القبط من
الفراعنة تشعب النسل ويبعد أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل هذا العدد وإن
زعموا أن عدد تلك الجيوش إنما كان في زمن سليمان ومن بعده فبعيد أيضا إذ ليس بين
سليمان وإسرائيل إلا أحد عشر أبا ولا يتشعب النسل في أحد عشر من الولد إلى مثل هذا
العدد الذي زعموه اللهم إلى المئين والآلاف
فربما يكون وإما أن يتجاوز إلى ما بعدهما من عقود الأعداد فبعيد واعتبر ذلك في
الحاضر المشاهد والقريب المعروف تجد زعمهم باطلا ونقلهم كاذبا والذي ثبت في
الإسرائيليات أن جنود سليمان كانت اثني عشر ألف خاصة وإن مقرباته كانت ألفا
وأربعمائة فرس مرتبطة على أبوابه هذا هو الصحيح من أخبارهم ولا يلتفت إلى خرافات
العامة منهم أيام سليمان
وفي أيام سليمان وملكه كان عنفوان دولتهم واتساع ملكهم هذا وقد نجد الكافة من أهل
العصر إذا أفاضوا في الحديث عن عساكر الدول
____________________
التي لعهدهم أو قريبا منهم
وتفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى أو أخذوا في إحصاء أموال
الجبايات وخراج السلطان ونفقات المترفين وبضائع الأغنياء الموسرين وتوغلوا في
العدد وتجاوزوا حدود العوائد وطاوعوا وساوس الأغراب
فإذا أستكشفت أصحاب الدواوين عن عساكرهم واستنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم
وفوائدهم واستجلبت عوائد المترفين في نفقاتهم لم تجد معشار ما يعدونه وما ذلك إلا
لولوع النفس بالغرائب وسهولة التجاوز على اللسان والغفلة عن المتعقب والمنتقد حتى
لا يحاسب نفسه على خطأ ولا عمد ولا يطالبها في الخبر بتوسط ولا عدالة ولا يرجعها
إلى بحث وتفتيش فيرسل عنانه ويسيم في مراتع الكذب لسانه ويتخذ آيات الله هزوا
ويشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله وحسبك بها صفقة خاسرة ملوك اليمن وجزيرة
العرب ومن الأخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار التبابعة ملوك اليمن
وجزيرة العرب أنهم كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى إفريقية والبربر من بلاد
المغرب وأن إفريقش بن قيس بن صيفي كان لعهد موسى أو قبله بقليل غزا إفريقية وأثخن
في البربر وأنه سماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم وقال ما هذه البربرة فأخذ هذا
الاسم منه ودعوا به من حينئذ وأنه لما انصرف إلى المغرب حجز هناك قبائل من حمير
فأقاموا بها واختلطوا بأهلها ومنهم صنهاجة وكتامة
ومن هذا ذهب الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والبيلي إلى أن صنهاجة وكتامة
من حمير وتأباه نسابة البربر وهو الصحيح ذا الأذعار
وذكر المسعودي أيضا أن ذا الأذعار من ملوكهم قبل أفريقش وكان
____________________
عل عهد سليمان غزا المغرب
ودوخه وكذلك ذكر مثله عن ياسر ابنه من بعده وأنه بلغ وادي الرمل من بلاد المغرب
ولم يجد فيه مسلكا لكثرة الرمل فرجع وكذلك يقولون في تبع الآخر وهو أسعد أبو كرب
وكان على عهد بشتاسف من ملوك الفرس الكيانية أنه ملك الموصل وأذربيجان ولقي الترك
فهزمهم وأثخن ثم غزاهم ثانية وثالثة كذلك وأغزى ثلاثة من بنيه بلاد فارس وإلى بلاد
الصغد من أمم الترك ووراء النهر وإلى بلاد الروم فملك الأول البلاد إلى سمرقند
وقطع المفاوز إلى الصين ورجع بالغنائم وترك بالصين قبائل من حمير فهم بها إلى هذا
العهد
وهذه الأخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة في الوهم والغلط وأشبه بأحاديث القصص
الموضوعة كما بينها ابن خلدون في تاريخه تفسير سورة الفجر
وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة الفجر في قوله
تعالى { ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد } فيجعلون لفظة أرم أسماء للمدينة
وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين وينقلون أنه كان لعاد بن عوص بن أرم ابنان هما شديد
وشداد ملكا من بعده وهلك شديد فخلص الملك لشداد ودانت له ملوكهم وسمع وصف الجنة
فقال لأبنين مثلها فبنى مدينة أرم في صحاري عدن في مدة ثلاثمائة سنة وكان عمره
تسعمائة سنة وأنها مدينة عظيمة قصورها من الذهب وأساطينها من الزبرجد والياقوت
وفيها أصناف الشجر والأنهار المطردة ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته حتى إذا
كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا كلهم ذكر ذلك
الطبري والثعالبي والزمخشري وغيرهم من المفسرين
وينقلون عن عبد الله بن قلابة من الصحابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها وحمل
منها ما قدر عليه وبلغ خبره إلى معاوية فأحضره وقص عليه فبحث عن كعب الأحبار وسأله
عن ذلك فقال هي
____________________
أرم ذات العماد وسيدخلها رجل
من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل
له
ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل
وذكره الشيخ عبد العزيز الدهلوي أيضا في تفسيره الفارسي وهذه المدينة لم يسمع لها
خبر من يومئذ في شيء من بقاع الأرض وصحارى عدن التي زعموا أنها بنيت فيها هي في
وسط اليمن
وما زال عمرانا متعاقبا والادلاء نقص طرقه من كل وجه ولم يقل عن هذه المدينة خبر
ولا ذكرها أحد من الإخباريين ولا من الأمم ولو قالوا أنها درست فيما درس من الآثار
لكان أشبه إلا أن ظاهر كلامهم أنها موجودة وبعضهم يقول أنها دمشق بناء على أن قوم
عاد ملوكها وقد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبة وإنما يعثر عليها أهل الرياضة
والسحر مزاعم كلها أشبه بالخرافات
والذي حمل المفسرين على ذلك ما اقتضته صناعة الأعراب في لفظة ذات العماد أنهم صفة
أرم وحملوا العماد على الأساطين فتعين أن يكون بناء ورشح لهم ذلك قراءة ابن الزبير
عاد أرم على الإضافة من غير تنوين ثم وقفوا على تلك الحكايات التي هي أشبه
بالأقاصيص الموضوعة التي هي أقرب إلى الكذب المنقولة في عدد المضحكات وإلا فالعماد
هي عماد الأخبية بل الخيام وإن أريد بها الأساطين فلا بدع في وصفهم بأنهم أهل بناء
وأساطين على العموم بما اشتهر من قوتهم لا أنه بناء خاص في مدينة معينة أو غيرها
وإن أضيفت كما في قراءة ابن الزبير فعلى إضافة الفصيلة إلى القبيلة كما تقول قريش
كنانة والياس مضر وربيعة نزار وأي ضرورة إلى المحمل البعيد الذي تمحلت لتوجيهه
لأمثال هذه الحكايات الواهية التي يتنزه كتاب الله تعالى عن مثلها لبعدها عن الصحة
الرشيد
ومن الحكايات المدخولة للمؤرخين ما ينقلونه كافة في سبب نكبة
____________________
الرشيد للبرامكة من قصة
العباسة أخته مع جعفر بن يحي بن خالد مولاه وهيهات ذلك من منصب العباسة في دينها
وأبويها وجلالها وأنها بنت عبد الله ابن عباس ليس بينها وبينه إلا أربعة رجال هم
أشراف الدين وعظماء الملة من بعده وإنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على
الدولة واحتجابهم أموال الجباية يحي بن أكثم
ويناسب هذا أو قريب منه ما ينقلونه كافة عن يحي بن أكثم قاضي المأمون وصاحبه وأنه
كان يعاقر المأمون الخمر مع أن يحي كان من علية أهل الحديث وقد أثنى عليه أحمد
وإسماعيل القاضي وخرج عنه الترمذي وروى عنه البخاري في غير الجامع فالقدح فيه قدح
في جميعهم وذكره ابن حيان في الثقاة وقال لا يشتغل بما يحكى عنه لأن أكثرها لا يصح
عنه
ومن أمثال هذه الحكايات ما نقله ابن عبد ربه صاحب العقد من حديث الزنبيل في سبب
أصهار المأمون إلى الحسن بن سهل في بنته بوران العبيديين
ومن الأخبار الواهية ما يذهب إليه الكثير من المؤرخين والإثبات في العبيديين خلفاء
الشيعة في القيروان والقاهرة من نفيهم عن أهل البيت والطعن في نسبهم إلى إسماعيل
الإمام ابن جعفر الصادق يعتمدون في ذلك على أحاديث لفقت للمستضعفين من خلفاء بني
العباس تزلفا إليهم بالقدح فيمن ناصبهم وتفننا في الشمات بعدوهم ويغفلون عن التفطن
لشواهد الواقعات وأدلة الأحوال التي اقتضت خلاف ذلك من تكذيب دعواهم والرد عليهم
كما بينها ابن خلدون
واعتبر حال القرمطي إذ كان دعيا في انتسابه كيف تلاشت دعوته وتفرقت أتباعه وظهر
سريعا على خبثهم ومكرهم فساءت عاقبتهم
____________________
وذاقوا وبال أمرهم ولو كان
أمر العبيديين كذلك لعرف ولو بعد مهلة
( ومهما يكن عند امرئ من خليقة ** وإن خالها تخفى على الناس تعلم )
فقد اتصلت دولتهم نحوا من مائتين وسبعين سنة وملكوا مقام إبراهيم ومصلاه وموطن
الرسول صلى الله عليه وسلم ومدفنه وموقف الحجيج ومهبط الملائكة ثم انقرض أمرهم
وشيعتهم في ذلك كله على أتم ما كانوا عليه من الطاعة لهم والحب فيهم واعتقادهم
بنسب الإمام إسماعيل والعجب من القاضي أبي بكر الباقلاني شيخ النظار من المتكلمين
بجنح إلى هذه المقالة المرجوحة ويرى هذا الرأي الضعيف فإن كان ذلك لما كانوا عليه
من الإلحاد في الدين والتعمق في الرافضية فليس ذلك بدافع في صدر دعوتهم وليس إثبات
منتسبهم بالذي بغني عنهم من الله شيئا فقد قال تعالى لنوح عليه السلام في شان ابنه
{ إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم } وقال صلى الله
عليه وسلم لفاطمة يعظها يا فاطمة اعملي فلن أغني عنك من الله شيئا ومتى عرف أمر
وقضية أو استيقن أمرا وجب عليه أن يصدع به والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وقد
أطال ابن خلدون في بيان صحة نسبهم إلى أهل البيت فمن شاء فليرجع إلى كلامه
ويلحق بهذه المقالات الفاسدة ما يتناوله ضعفة الرأي من فقهاء المغرب من القدح في
الإمام المهدي صاحب دولة الموحدين ونسبته إلى الشعوذة والتلبيس فيما أتاه من
القيام بالتوحيد الحق والنعي على أهل البغي و تكذيبهم لجميع مدعياته في ذلك حتى
فيما يزعم الموحدون أتباعه من انتسابه في أهل البيت وإنما حمل الفقهاء على تكذيبه
ما كمن في أنفسهم من حسده على شأنه فإنهم لما رأوا من أنفسهم مناهضة في العلم
وانقيادا في الدين بزعمهم ثم امتاز عنهم بأنه متبوع الرأي مسموع القول موطأ العقب
نفسوا ذلك عليه وغضوا منه بالقدح في مذاهبه والتكذيب لمدعياته
____________________
وما ظنك برجل نقم على أهل الدولة ما نقم من أحوالهم وخالف اجتهاده فقهاءهم فنادى
في قومه ودعا إلى جهادهم بنفسه فاقتلع الدولة من أصولها وجعل عاليها سافلها أعظم
ما كانت قوة وأشد شوكة وأعز أنصارا وحامية وتساقطت في ذلك من أتباعه نفوس لا يحصيها
إلا خالقها قد بايعوه على الموت ووقوه بأنفسهم من الهلكة وتقربوا إلى الله بإتلاف
مهجهم في إظهار تلك الدعوة والتعصب لتلك الكلمة حتى علت على الكلم ووألت بالعدوتين
من الدول وهو بحالة من التقشف والحصر والصبر على المكاره والتقلل من الدنيا حتى
قبضه الله وليس على شيء من الحظ والمتاع في دنياه حتى الولد الذي ربما تجنح إليه
النفوس وتخادع عن تمنيه فليت شعري ما الذي قصد بذلك إن لم يكن وجه الله وهو لم
يحصل له حظ من الدنيا في عاجله ومع هذا فلو كان قصده غير صالح لما تم أمره وانفسحت
دعوته { سنة الله التي قد خلت في عباده }
وانتصر له ابن خلدون ثم قال فقد زلت أقدام كثير من الإثبات والمؤرخين الحفاظ في
مثل هذه الأحاديث والآراء وعلقت بأفكارهم ونقلها عنهم الكافة من ضعفة النظر
والغفلة عن القياس وتلقوها هم أيضا كذلك من غير بحث ولا روية واندرجت في محفوظاتهم
حتى صار فن التاريخ واهيا مختلطا وناظره مرتكبا وعد من مناحي العامة فإذا يحتاج
صاحب هذا الفن إلى العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع
والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال والإحاطة
بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق أو بين ما بينهما من الخلاف
وتعليل المتفق منهما والمختلف والقيام على أصول الدول والملل ومبادئ ظهورها وأسباب
حدوثها ودواعي كونها وأحوال القائمين بها وأخبارهم حتى يكون مستوعبا لأسباب كل
حادث واقفا على أصول كل خبر وحينئذ يعرض خبر المنقول على ما عنده من القواعد
والأصول فإن وافقها وجرى على مقتضاها كان صحيحا وإلا زيفه واستغنى عنه وما استكبر
القدماء علم التاريخ إلا لذلك حتى انتحله الطبري والبخاري وابن اسحق من قبلهما
وأمثالهم من علماء الأمة
____________________
وقد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حتى صار انتحاله مجهلة واستخف العوام ومن لا رسوخ
له في المعارف مطالعته وحمله والخوض فيه والتطفل عليه فاختلط المرعى بالهمل
واللباب بالقشر والصادق بالكاذب وإلى الله عاقبة الأمور
ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل
الأعصار ومرور الأيام وهو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة
فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة وذلك أن أحوال العالم والأمم
وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام
والأزمنة وانتقال من حال إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار
فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول
وقد كانت في العالم أمم الفرس الأولى والسريانيون والنبط والتبابعة وبنو إسرائيل
والقبط وكانوا على أحوال خاصة بهم في دولهم وممالكهم وسياستهم وصنائعهم ولغاتهم
واصطلاحاتهم وسائر مشاركاتهم مع أبناء جنسهم وأحوال اعتمارهم للعالم تشهد بها
آثارهم
ثم جاء بعدهم الفرس الثانية والروم والعرب فتبدلت تلك الأحوال وانقلبت بها العوائد
إلى ما يجانسها أو يشابهها وإلى ما يباينها أو يباعدها دولة مضر
ثم جاء الإسلام بدولة مضر فانقلبت تلك الأحوال أجمع انقلابة أخرى وصارت إلى ما
أكثر متعارف لهذا العهد يأخذه الخلف عن السلف
ثم درست دولة العرب وأيامهم وذهبت الأسلاف الذي شيدوا عزهم ومهدوا ملكهم وصار
الأمر في أيدي سواهم من العجم مثل الترك بالمشرق والبربر بالمغرب والفرنجة بالشمال
فذهبت بذهابهم أمم وانقلبت أحوال وعوائد نسي شأنها وأغفل أمرها
والسبب الشائع في تبدل الأحوال والعوائد أن عوائد كل جيل تابعة
____________________
لعوائد سلطانه كما يقال في الأمثال الحكمية الناس على دين ملوكهم وأهل الملك
والسلطان إذا استولوا على الدولة والأمر فلا بد وأن يفزعوا إلى عوائد من قبلهم ويأخذوا
الكثير منها ولا يغفلوا عوائد جيلهم مع ذلك فيقع في عوائد الدولة بعض المخالفة
لعوائد الجيل الأول
فإذا جاءت دولة أخرى من بعدهم ومزجت من عوائدهم وعوائدها خالفت أيضا بعض الشيء
وكانت الأولى أشد مخالفة ثم لا يزال التدريج في المخالفة حتى ينتهي إلى المباينة
بالجملة
فما دامت الأمم والأجيال تتعاقب في الملك والسلطان لا تزال المخالفة في العوائد
والأحوال واقعة والقياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ومن الغلط غير مأمونة
تخرجه مع الذهول والغفلة عن قصده وتعوج به عن مرامه فربما يسمع السامع كثيرا من
أخبار الماضين ولا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها فيجريها لأول وهلة على
ما عرف ويقيسها بما شهد وقد يكون الفرق بينهما كثيرا فيقع في مهواة من الغلط الحجاج
فمن هذا الباب ما ينقله المؤرخون من أحوال الحجاج وأن أباه كان مع المعلمين مع أن
التعليم لهذا العهد من جملة الصنائع المعاشية البعيدة من اعتزاز أهل العصبية
والمعلم مستضعف أهل الحرف والصنائع المعايشة إلى نيل الرتب التي ليسوا لها بأهل
ويعدونها من الممكنات له فتذهب بهم وساوس المطامع وربما انقطع حبلها من أيديهم
فسقطوا في مهواة الهلكة والتلف ولا يعلمون استحالتها في حقهم وأنهم أهل حرف وصنائع
للمعاش وأن التعليم صدر الإسلام والدولتين لم يكن كذلك ولم يكن العلم بالجملة
صناعة إنما كان نقلا لما سمع من الشارع وتعليما لما جهل من الدين على جهة البلاغ
فكان أهل الانساب والعصبية الذين قاموا بالملة هم الذين يعلمون كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم على معنى التبليغ الخبري لا على وجه التعليم الصناعي إذ
هو كتابهم المنزل على الرسول منهم وبه هداياتهم والإسلام دينهم قاتلوا عليه
____________________
وقتلوا واختصوا به من بين
الأمم وشرفوا فيحرصون على تبليغ ذلك وتفهيمه للأمة لا تصدهم عنه لائمة الكبر ولا
يزعزعهم عنه عاذل الأنفة
ويشهد لذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم كبار أصحابه مع وفود العرب يعلمونهم حدود
الإسلام وما جاء به من شرائع الدين بعث في ذلك من أصحابه العشرة فمن بعدهم فلما
استقر الإسلام ووشجت عروق الملة حتى تناولها الأمم البعيدة من أيدي أهلها واستحالت
بمرور الأيام أحوالها وكثر استنباط الأحكام الشرعية من النصوص لتعدد الوقائع
وتلاحقها فاحتاج ذلك لقانون يحفظه من الخطأ وصار العلم ملكة يحتاج إلى التعلم
فأصبح من جملة الصنائع والحرف واشتغل أهل العصبية بالقيام بالملك والسلطان فدفع
للعلم من قام به من سواهم وأصبح حرفة للمعاش وشمخت أنوف المترفين وأهل السلطان عن
التصدي للتعليم واختص انتحاله بالمستضعفين وصار منتحله محتقرا عند أهل العصبية
والملك
والحجاج بن يوسف كان أبوه من سادات ثقيف وأشرافهم ومكانهم من عصبية العرب ومناهضة
قريش في الشرف ما علمت ولم يكن تعليمه للقرآن على ما هو الأمر عليه لهذا العهد من
أنه حرفة للمعاش وإنما كان على ما وصفناه من الأمر الأول في الإسلام أحوال القضاة
ومن هذا الباب أيضا ما يتوهمه المتصفحون لكتب التاريخ إذا سمعوا أحوال القضاة وما
كانوا عليه من الرئاسة في الحروب وقود العساكر فتترامى بهم وساوس الهمم إلى مثل
تلك الرتب يحسبون أن الشأن في خطة القضاء لهذا العهد على ما كان عليه من قبل
ويظنون بابن أبي عامر صاحب هشام المستبد عليه وابن عباد من ملوك الطوائف بإشبيلية
إذا سمعوا أن آباءهم كانوا قضاة أنهم مثل القضاة لهذا العهد ولا يتفطنون لما وقع
في رتبة القضاء من مخالفة العوائد
____________________
وابن أبي عامر وابن عباد كانا من قبائل العرب القائمين بالدولة الأموية بالأندلس
وأهل عصبيتها وكان مكانهم فيها معلوما ولم يكن نيلهم لما نالوه من الرئاسة والملك
بخطة القضاء كما هي لهذا العهد بل إنما كان القضاء في الأمر القديم لأهل العصبية
من قبيل الدولة ومواليها
ومن هذا الباب أيضا ما يسلكه المؤرخون عند ذكر الدول ونسق ملوكها فيذكرون اسمه
ونسبه وأباه وأمه ونساءه ولقبه وخاتمه وقاضيه وحاجبه ووزيره كل ذلك تقليد لمؤرخي
الدولتين من غير تفطن لمقاصدهم والمؤرخون لذلك العهد كانوا يضعون تواريخهم لأهل
الدولة وأبناؤها متشوفون إلى سير أسلافهم ومعرفة أحوالهم ليقتفوا آثارهم وينسجوا
على منوالهم حتى في اصطناع الرجال من خلف دولتهم وتقليد الخطط والمراتب لأبناء
صنائعهم وذويهم والقضاة أيضا كانوا من أهل عصبية الدولة وفي عداد الوزراء فيحتاجون
إلى ذكر ذلك كله وأما حين تباينت الدول وتباعد ما بين العصور ووقف الغرض على معرفة
الملوك بأنفسهم خاصة ونسب الدول بعضها من بعض في قوتها وغلبتها ومن كان يناهضها من
الأمم أو يقصر عنها فما الفائدة للمصنف في هذا العهد في ذكر الأبناء والنساء ونقش
الخاتم واللقب والقاضي والوزير والحاجب من دولة قديمة لا يعرف فيها أصولهم ولا
أنسابهم ولا مقاماتهم إنما حملهم على ذلك التقليد والغفلة عن مقاصد المؤلفين
الأقدمين والذهول عن تحري الأغراض من التاريخ اللهم إلا ذكر الوزراء الذين عظمت
آثارهم وعفت على الملوك أخبارهم كالحجاج وبني المهلب والبرامكة وبني سهل بن نوبخت
وكافور الإخشيدي وابن أبي عامر وأمثالهم فغير نكير الألماع بآبائهم والإشارة إلى
أحوالهم لانتظامهم في عداد الملوك فائدة
ولنذكر هنا فائدة نختم كلامنا في هذه المقالة بها وهي أن التاريخ إنما هو ذكر
الأخبار الخاصة بعصر أو جيل فأما ذكر الأحوال العامة للآفاق والأجيال والأعصار فهو
أس للمؤرخ تبنى عليه أكثر مقاصده وتتبين
____________________
به أخباره وقد كان الناس
يفردونه بالتأليف كما فعله المسعودي في كتاب مروج الذهب شرح فيه أحوال الأمم
والآفاق لعهده في عصر الثلاثين والثلاثمائة غربا وشرقا وذكر نحلهم وعوائدهم ووصف
البلدان والجبال والبحار والممالك والدول وفرق شعوب العرب والعجم فصار إماما
للمؤرخين يرجعون إليه وأصلا يعولون في تحقيق الكثير من أخبارهم عليه ثم جاء البكري
من بعده ففعل مثل ذلك في المسالك والممالك خاصة دون غيرها من الأحوال لأن الأمم
والأجيال لعهده لم يقع فيها كثير انتقال ولا عظيم تغير قول ابن خلدون
قال ابن خلدون وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب
الذي نحن شاهدوه وتبدلت بالجملة واعتاض من أجيال البربر أهله على القدم بمن طرأ
فيه من لدن المائة الخامسة من أجيال العرب بما كسروهم وغلبوهم وانتزعوا منهم عامة
الأوطان وشاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا إلى ما نزل بالعمران شرقا وغربا
في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل
وطوى كثيرا من محاسن العمران ومحاها وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من
مداها فقلص من ظلالها وفل من حدها وأوهن من سلطانها وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال
أحوالها وانتقص عمران الأرض بانتقاص البشر فخربت الأمصار والمصانع ودرست السبل
والمعالم وخلت الديار والمنازل وضعفت الدول والقبائل وتبدل الساكن وكأني بالمشرق
فد نزل به ما نزل بالمغرب لكن على نسبته ومقدار عمرانه وكأنما نادى لسان الكون في
العالم بالخمول والانقباض فبادر بالإجابة والله وارث الأرض ومن عليها مملكة الهند
قلت وهذه الحال هي بعينها حال مملكة الهند في هذا العصر وهو آخر المائة الثالثة
عشرة من سني الهجرة منذ ذهبت منها دولة الإسلام
____________________
واندرست معالم ملوكها
وسلاطينها العظام وصارت تلك الدولة البريطانية أعني الإنكليز وإذا تبدلت الأحوال
جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة
وعالم محدث فاحتاج لهذا العهد من يدون أحوال الخليفة والآفاق وأجيالها والعوائد
والنحل التي تبدلت لأهلها
ويقفوا مسلك المسعودي لعصره ليكون أصلا يقتدى به من يأتي من المؤرخين من بعده وقد
ذكر ابن خلدون بعد هذا البيان ما أمكنه منه في القطر المغربي وكذلك غيره ما أمكنهم
منه في الأقطار الشرقية و الجنوبية ولكن المحقق في ذلك في كتب القوم ما خلا ابن
خلدون وأبا الفداء نبذة يسيرة والأقاصيص المختلفة والأساطير المفتعلة كثيرة جدا
ومرد العلم كله إلى الله سبحانه وتعالى والبشر عاجز قاصر والاعتراف متعين واجب ومن
كان الله في عونه تيسرت عليه المذاهب وانجحت له المساعي والمطالب وههنا تمت كلمة
التأليف والالتقاظ من كتب الثقاة على الارتجال مع تبلبل البال وتحول الحال وسميت
تلك لقطة العجلان مما تمس إلى معرفة حاجة الإنسان على يد جامعه الفقير الجاني
والعبد الفاني سلالة الماء والطين وسليل المسنونين أبي الطيب صديق بن حسن ابن علي
الحسيني القنوجي البخاري ختم الله له بالحسنى وجعل له لسان صدق في الآخرين
وكان تنميقه بيمناه الدائرة ويده القاصرة في شهر ربيع الأول لعله الرابع عشر منه
سنة تسعين ومائتين وألف من سني الهجرة القدسية على صاحبها ألف ألف صلاة مقبولة
وتحية مرضية ببلدة دار الأمارة العليا بهوبال المحمية لا زالت ملحوظة بعين الله
وألطافه الخفية وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين أولا
وأخيرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق